المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة الحج (22) : آية 2] - التحرير والتنوير - جـ ١٧

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌21- سُورَةُ الْأَنْبِيَاءِ

- ‌أغراض السُّورَة:

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 2 الى 3]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 11 إِلَى 14]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 16 إِلَى 17]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 19 إِلَى 20]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 26 إِلَى 29]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 30]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 31]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 32]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 34]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 35]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 36]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 37]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 38 إِلَى 40]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 41]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 42 الى 44]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 45]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 46]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 47]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 48 إِلَى 50]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 51 إِلَى 57]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 58 إِلَى 61]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 62 إِلَى 67]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 68 إِلَى 69]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 70]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 71 إِلَى 73]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 74 إِلَى 75]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 76 إِلَى 77]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 78 الى 79]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 80]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 81]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 82]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 83 إِلَى 84]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 85 إِلَى 86]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 87 إِلَى 88]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 89 الى 90]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 91]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 92]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 93]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 94]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 95]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 96 إِلَى 97]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 98 إِلَى 100]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 101 إِلَى 103]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 104]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 105 إِلَى 106]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 107]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 108]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 109]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 110]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 111]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 112]

- ‌22- سُورَةُ الْحَجِّ

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : الْآيَات 6 إِلَى 7]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : الْآيَات 8 إِلَى 10]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : الْآيَات 19 إِلَى 22]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : الْآيَات 23 إِلَى 24]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : الْآيَات 27 إِلَى 28]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 29]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : الْآيَات 30 الى 31]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 32]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : الْآيَات 34 الى 35]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 36]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 37]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 38]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 39]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 40]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 41]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : الْآيَات 42 إِلَى 44]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 45]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 46]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 47]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 48]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : الْآيَات 49 إِلَى 51]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : الْآيَات 52 إِلَى 54]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 55]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : الْآيَات 56 إِلَى 59]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 60]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 61]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 62]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 63]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 64]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 65]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 66]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 67]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : الْآيَات 68 إِلَى 69]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 70]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 71]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 72]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 73]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 74]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 75]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 76]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 77]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 78]

الفصل: ‌[سورة الحج (22) : آية 2]

فِي «دَلَائِلِ الْإِعْجَازِ» فِي فَصْلٍ فِي تَحْقِيقِ الْقَوْلِ عَلَى الْبَلَاغَةِ وَالْفَصَاحَةِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً فِي [سُورَةِ الْبَقَرَةِ: 229] .

وَالْعَظِيمُ: الضَّخْمُ، وَهُوَ هُنَا اسْتِعَارَة لِلْقَوِيِّ الشَّدِيدِ، وَالْمَقَامُ يُفِيدُ أَنه شَدِيد فِي الشرّ.

[2]

[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 2]

يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها وَتَرَى النَّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى وَلكِنَّ عَذابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (2)

جُمْلَةُ يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ

إِلَخْ

بَيَانٌ لِجُمْلَةِ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ [الْحَج: 1] لِأَنَّ مَا ذُكِرَ فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ يُبَيِّنُ مَعْنَى كَوْنِهَا شَيْئًا عَظِيمًا وَهُوَ أَنَّهُ عَظِيمٌ فِي الشَّرِّ وَالرُّعْبِ.

وَيَتَعَلَّقُ يَوْمَ تَرَوْنَها

بِفِعْلِ تَذْهَلُ

. وَتَقْدِيمُهُ عَلَى عَامِلِهِ لِلِاهْتِمَامِ بِالتَّوْقِيتِ بِذَلِكَ الْيَوْمِ وَتَوَقُّعِ رُؤْيَتِهِ لِكُلِّ مُخَاطَبٍ مِنَ النَّاسِ. وَأَصْلُ نَظْمِ الْجُمْلَةِ: تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضَعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ يَوْمَ تَرَوْنَ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ. فَالْخِطَابُ لِكُلِّ مَنْ تَتَأَتَّى مِنْهُ رُؤْيَةُ تِلْكَ الزَّلْزَلَةِ بِالْإِمْكَانِ.

وَضَمِيرُ النَّصْبِ فِي تَرَوْنَها

يَجُوزُ أَنْ يَعُودَ على زَلْزَلَةَ [الْحَج: 1] وَأُطْلِقَتِ الرُّؤْيَةُ عَلَى إِدْرَاكِهَا الْوَاضِحِ الَّذِي هُوَ كَرُؤْيَةِ الْمَرْئِيَّاتِ لِأَنَّ الزَّلْزَلَةَ تُسْمَعُ وَلَا تُرَى. وَيَجُوزُ أَنْ يَعُودَ إِلَى السَّاعَةِ.

وَرُؤْيَتُهَا: رُؤْيَةُ مَا يَحْدُثُ فِيهَا مِنَ الْمَرْئِيَّاتِ مِنْ حُضُورِ النَّاسِ لِلْحَشْرِ وَمَا يَتْبَعُهُ

وَمُشَاهَدَةِ أَهْوَالِ الْعَذَابِ. وَقَرِينَةُ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ

إِلَخْ.

ص: 188

وَالذُّهُولُ: نِسْيَانُ مَا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ لَا يُنْسَى لِوُجُودِ مُقْتَضَى تَذَكُّرِهِ إِمَّا لِأَنَّهُ حَاضِرٌ أَوْ لِأَنَّ عِلْمَهُ جَدِيدٌ وَإِنَّمَا يُنْسَى لِشَاغِلٍ عَظِيمٍ عَنْهُ، فَذُكِرَ لَفْظُ الذُّهُولِ هُنَا دُونَ النِّسْيَانِ لِأَنَّهُ أَدَلُّ عَلَى شِدَّةِ التَّشَاغُلِ. قَالَهُ شَيْخُنَا الْجِدُّ الْوَزِيرُ قَالَ: وَشَفَقَةُ الْأُمِّ عَلَى الِابْنِ أَشَدُّ مِنْ شَفَقَةِ الْأَبِ، فَشَفَقَتُهَا عَلَى الرَّضِيعِ أَشَدُّ مِنْ شَفَقَتِهَا عَلَى غَيْرِهِ. وَكُلُّ ذَلِكَ يَدُلُّ بِدَلَالَةِ الْأَوْلَى عَلَى ذُهُولِ غَيْرِهَا مِنَ النِّسَاءِ وَالرِّجَالِ. وَقَدْ حَصَلَ مِنْ هَذِهِ الْكِنَايَةِ دَلَالَةٌ عَلَى جَمِيعِ لَوَازِمِ شِدَّةِ الْهَوْلِ وَلَيْسَ يَلْزَمُ فِي الْكِنَايَةِ أَنْ يُصَرَّحَ بِجَمِيعِ اللَّوَازِمِ لِأَنَّ دَلَالَةَ الْكِنَايَةِ عَقْلِيَّةٌ وَلَيْسَتْ لَفْظِيَّةً.

وَالْتَحَقَتْ هَاءُ التَّأْنِيثِ بِوَصْفِ مُرْضِعَةٍ

لِلدَّلَالَةِ عَلَى تَقْرِيبِ الْوَصْفِ مِنْ مَعْنَى الْفِعْلِ، فَإِنَّ الْفِعْلَ الَّذِي لَا يُوصَفُ بِحَدَثِهِ غَيْرُ الْمَرْأَةِ تَلْحَقُهُ عَلَامَةُ التَّأْنِيثِ لِيُفَادَ بِهَذَا التَّقْرِيبِ أَنَّهَا فِي حَالَةِ التَّلَبُّسِ بِالْإِرْضَاعِ، كَمَا يُقَالُ: هِيَ تُرْضِعُ. وَلَوْلَا هَذِهِ النُّكْتَةُ لَكَانَ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ أَنْ يُقَالَ: كُلُّ مُرْضِعٍ، لِأَنَّ هَذَا الْوَصْفَ مِنْ خَصَائِصِ الْأُنْثَى فَلَا يُحْتَاجُ مَعَهُ إِلَى الْهَاءِ الَّتِي أَصْلُ وَضْعِهَا لِلْفَرْقِ بَيْنَ الْمُؤَنَّثِ وَالْمُذَكِّرِ خِيفَةَ اللَّبْسِ. وَهَذَا مِنْ دَقَائِقِ مَسَائِلِ نُحَاةِ الْكُوفَةِ وَقَدْ تَلَقَّاهَا الْجَمِيعُ بِالْقَبُولِ وَنَظَّمَهَا ابْنُ مَالِكٍ فِي أُرْجُوزَتِهِ «الْكَافِيَّةِ» بِقَوْلِهِ:

وَمَا مِنَ الصِّفَاتِ بِالْأُنْثَى يُخَصْ

عَنْ تَاءٍ اسْتَغْنَى لِأَنَّ اللَّفْظَ نَصْ

وَحَيْثُ مَعْنَى الْفِعْلِ تَنْوِي التَّاءَ زِدْ

كَذِي غَدَتْ مُرْضِعَةً طِفْلًا وُلِدْ

وَالْمُرَادُ: أَنَّ ذَلِكَ يَحْصُلُ لِكُلِّ مُرْضَعَةٍ مَوُجُودَةٍ فِي آخِرِ أَيَّامِ الدُّنْيَا. فَالْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ مُرَادٌ، فَلَمْ يَقْتَضِ أَنْ يَكُونَ الْإِرْضَاعُ وَاقِعًا، فَأُطْلِقَ ذُهُولُ الْمُرْضِعِ وَذَاتِ الْحَمْلِ وَأُرِيدَ ذُهُولُ كُلِّ ذِي عَلَقٍ نَفِيسٍ عَنْ عَلَقِهِ عَلَى طَرِيقَةِ الْكِنَايَةِ.

وَزِيَادَةُ كَلِمَةِ (كُلُّ) لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ هَذَا الذُّهُولَ يَعْتَرِي كُلَّ مُرْضِعٍ وَلَيْسَ هُوَ لِبَعْضِ الْمَرَاضِعِ بِاحْتِمَالِ ضَعْفٍ فِي ذَاكِرَتِهَا. ثُمَِِّ

ص: 189

تَقْتَضِي هَذِهِ الْكِنَايَةُ كِنَايَةً عَنْ تَعْمِيمِ هَذَا الْهَوْلِ لِكُلِّ النَّاسِ لِأَنَّ خُصُوصِيَّةَ هَذَا الْمَعْنَى بِهَذَا الْمَقَامِ أَنَّهُ أَظْهَرُ فِي تَصْوِيرِ حَالَةِ الْفَزَعِ وَالْهَلَعِ بِحَيْثُ يَذْهَلُ فِيهِ مَنْ هُوَ فِي حَالِ شِدَّةِ التَّيَقُّظِ لِوَفْرَةِ دَوَاعِي الْيَقَظَةِ. وَذَلِكَ أَنَّ الْمَرْأَةَ لِشِدَّةِ شَفَقَتِهَا كَثِيرَةُ الِاسْتِحْضَارِ لِمَا تُشْفِقُ عَلَيْهِ، وَأَنَّ الْمُرْضِعَ أَشَدُّ النِّسَاءِ شَفَقَةً عَلَى رَضِيعِهَا، وَأَنَّهَا فِي حَالِ مُلَابَسَةِ الْإِرْضَاعِ أَبْعَدُ شَيْءٍ عَنِ الذُّهُولِ فَإِذَا ذُهِلَتْ عَنْ رَضِيعِهَا فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْهَوْلَ الْعَارِضَ لَهَا هَوْلٌ خَارِقٌ لِلْعَادَةِ. وَهَذَا مِنْ بَدِيعِ الْكِنَايَةِ

عَنْ شِدَّةِ ذَلِكَ الْهَوْلِ لِأَنَّ اسْتِلْزَامَ ذُهُولِ الْمُرْضِعِ عَنْ رَضِيعِهَا لِشِدَّةِ الْهَوْلِ يَسْتَلْزِمُ شِدَّةَ الْهَوْلِ لِغَيْرِهَا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، فَهُوَ لُزُومٌ بِدَرَجَةٍ ثَانِيَةٍ، وَهَذَا النَّوْعُ مِنَ الْكِنَايَةِ يُسَمَّى الْإِيمَاءَ.

وَ (مَا) فِي عَمَّا أَرْضَعَتْ

مَوْصُولَة مَا صدقهَا الطِّفْلُ الرَّضِيعُ. وَالْعَائِدُ مَحْذُوفٌ لِأَنَّهُ ضَمِيرٌ مُتَّصِلٌ مَنْصُوبٌ بِفِعْلٍ، وَحَذْفُ مِثْلِهِ كَثِيرٌ.

وَالْإِتْيَانُ بِالْمَوْصُولِ وَصِلَتِهِ فِي تَعْرِيفِ الْمَذْهُولِ عَنْهُ دُونَ أَنْ يَقُولَ عَنِ ابْنِهَا لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّهَا تَذْهَلُ عَنْ شَيْءٍ هُوَ نُصْبَ عَيْنِهَا وَهِيَ فِي عَمَلٍ مُتَعَلِّقٍ بِهِ وَهُوَ الْإِرْضَاعُ زِيَادَةً فِي التَّكَنِّي عَنْ شِدَّةِ الْهَوْلِ.

وَقَوْلُهُ وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها

هُوَ كِنَايَةٌ أَيْضًا كَقَوْلِهِ تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ

. وَوَضْعُ الْحَمْلِ لَا يَكُونُ إِلَّا لِشِدَّةِ اضْطِرَابِ نَفْسِ الْحَامِلِ مِنْ فَرْطِ الْفَزَعِ وَالْخَوْفِ لِأَنَّ الْحَمْلَ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ.

وَالْحَمْلُ: مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ، بِقَرِينَةِ تَعَلُّقِهِ بِفِعْلِ تَضَعُ

أَيْ تَضَعُ جَنِينَهَا.

وَالتَّعْبِيرُ بِ ذاتِ حَمْلٍ

دُونَ التَّعْبِيرِ: بِحَامِلٍ، لِأَنَّهُ الْجَارِي فِي الِاسْتِعْمَالِ فِي الْأَكْثَرِ. فَلَا يُقَالُ: امْرَأَةٌ حَامِلٌ، بَلْ يُقَالُ: ذَاتُ

ص: 190

حَمْلٍ قَالَ تَعَالَى: وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ [الطَّلَاق: 4] ، مَعَ مَا فِي هَذِهِ الْإِضَافَةِ مِنَ التَّنْبِيهِ عَلَى شِدَّةِ اتِّصَالِ الْحَمْلِ بِالْحَامِلِ فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ وَضْعَهَا إِيَّاهُ لِسَبَبٍ مُفْظِعٍ.

وَالْقَوْلُ فِي حَمْلِهِ عَلَى الْحَقِيقَةِ أَوْ عَلَى مَعْنَى الْكِنَايَةِ كَالْقَوْلِ فِي تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ.

وَالْخِطَابُ فِي تَرَى النَّاسَ

لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ، وَهُوَ كُلُّ مَنْ تَتَأَتَّى مِنْهُ الرُّؤْيَةُ مِنَ النَّاسِ، فَهُوَ مُسَاوٍ فِي الْمَعْنَى لِلْخِطَابِ الَّذِي فِي قَوْلِهِ يَوْمَ تَرَوْنَها

، وَإِنَّمَا أُوثِرَ الْإِفْرَادُ هُنَا لِلتَّفَنُّنِ كَرَاهِيَةَ إِعَادَةِ الْجَمْعِ. وَعُدِلَ عَنْ فِعْلِ الْمُضِيِّ إِلَى الْمُضَارِعِ فِي قَوْلِهِ وَتَرَى

لِاسْتِحْضَارِ الْحَالَةِ وَالتَّعْجِيبِ مِنْهَا كَقَوْلِهِ فَتُثِيرُ سَحاباً [الرّوم: 48] وَقَوْلِهِ وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ [هود: 38] .

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ سُكارى

- بِضَمِّ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَبِأَلِفٍ بَعْدَ الْكَافِ-. وَوَصْفُ النَّاسِ بِذَلِكَ عَلَى طَرِيقَةِ التَّشْبِيهِ الْبَلِيغِ. وَقَوْلُهُ بَعْدَهُ وَما هُمْ بِسُكارى

قَرِينَةٌ عَلَى قَصْدِ التَّشْبِيهِ وَلِيُبْنَى عَلَيْهِ قَوْلُهُ بَعْدَهُ وَلكِنَّ عَذابَ اللَّهِ شَدِيدٌ.

وَقَرَأَهُ حَمْزَةُ وَالْكسَائِيّ سُكارى

بِوَزْنِ عَطْشَى فِي الْمَوْضِعَيْنِ. وَسُكَارَى وَسَكْرَى

جَمْعُ سَكْرَانَ. وَهُوَ الَّذِي اخْتَلَّ شُعُورُ عَقْلِهِ مِنْ أَثَرِ شُرْبٍ الْخَمْرِ، وَقِيَاسُ جَمْعِهِ سُكَارَى.

وَأَمَّا سَكْرَى فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى نَوْكَى لِمَا فِي السُّكْرِ مِنِ اضْطِرَابِ الْعَقْلِ. وَلَهُ نَظِيرٌ وَهُوَ جَمْعُ كَسْلَانَ عَلَى كُسَالَى وَكَسْلَى.

وَجُمْلَةُ وَما هُمْ بِسُكارى

فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنَ النَّاسِ.

وعَذابَ اللَّهِ

صَادِقٌ بِعَذَابِهِ فِي الدُّنْيَا وَهُوَ عَذَابُ الْفَزَعِ وَالْوَجَعِ، وَعَذَابُ الرُّعْبِ فِي الْآخِرَةِ بِالْإِحْسَاسِ بِلَفْحِ النَّارِ وَزَبْنِ مَلَائِكَةِ الْعَذَابِ.

وَجُمْلَةُ وَما هُمْ بِسُكارى

فِي مَوْضِعِ الْحَالِ من النَّاسَ.

ص: 191