الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَأَنَّ اخْتِلَافَ الْأُمَمِ بَيْنَ أَهْلِ هُدًى وَأَهْلِ ضَلَالٍ أَمْرٌ بِهِ افْتَرَقَ النَّاسُ إِلَى مِلَلٍ كَثِيرَةٍ.
- وَأَنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ هُوَ يَوْمُ الْفَصْلِ بَيْنَهُمْ لِمُشَاهَدَةِ جَزَاءِ أَهْلِ الْهُدَى وَجَزَاءِ أَهْلِ الضَّلَالِ.
- وَأَنَّ الْمُهْتَدِينَ وَالضَّالِّينَ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي أَمْرِ اللَّهِ فَكَانَ لِكُلِّ فَرِيقٍ جَزَاؤُهُ.
- وَسَلَّى الله رَسُوله عليه الصلاة والسلام وَالْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ الشَّيْطَانَ يُفْسِدُ فِي قُلُوبِ أَهْلِ الضَّلَالَةِ آثَارَ دَعْوَةِ الرُّسُلِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُحْكِمُ دِينَهُ وَيُبْطِلُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فَلِذَلِكَ تَرَى الْكَافِرِينَ يُعْرِضُونَ وَيُنْكِرُونَ آيَاتِ الْقُرْآنِ.
- وَفِيهَا التَّنْوِيهُ بِالْقُرْآنِ وَالْمُتَلَقِّينَ لَهُ بِخَشْيَةٍ وَصَبْرٍ، وَوَصْفُ الْكُفَّارِ بِكَرَاهِيَتِهِمُ الْقُرْآنَ وَبُغْضِ الْمُرْسَلِ بِهِ، وَالثَّنَاءُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنَّ اللَّهَ يَسَّرَ لَهُمُ اتِّبَاعَ الْحَنِيفِيَّةِ وَسَمَّاهُمُ الْمُسْلِمِينَ.
- وَالْإِذْنُ لِلْمُسْلِمِينَ بِالْقِتَالِ وَضَمَانِ النَّصْرِ وَالتَّمْكِينِ فِي الْأَرْضِ لَهُمْ.
- وَخُتِمَتِ السُّورَةُ بِتَذْكِيرِ النَّاسِ بِنِعَمِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ اصْطَفَى خَلْقًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَمِنَ النَّاسِ فَأَقْبَلَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ بِالْإِرْشَادِ إِلَى مَا يُقَرِّبُهُمْ إِلَى اللَّهِ زُلْفَى وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُم وناصرهم.
[1]
[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 1]
بسم الله الرحمن الرحيم
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1)
نِدَاءٌ لِلنَّاسِ كُلِّهِمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ هَذِهِ الْآيَةَ مِنَ الْمَوُجُودِينَ يَوْمَ نُزُولِهَا وَمَنْ يَأْتُونَ بَعْدَهُمْ
إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، لِيَتَلَقَّوُا الْأَمْرَ بِتَقْوَى اللَّهِ وَخَشْيَتِهِ، أَيْ خَشْيَةِ مُخَالَفَةِ مَا يَأْمُرُهُمْ بِهِ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ، فَتَقْوَى كُلِّ فَرِيقٍ بِحَسَبِ حَالِهِمْ مِنَ التَّلَبُّسِ بِمَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ وَالتَّفْرِيطِ فِيمَا أَمَرَ بِهِ، لِيَسْتَبْدِلُوا ذَلِكَ بِضِدِّهِ.
وَأَوَّلُ فَرِيقٍ مِنَ النَّاسِ دُخُولًا فِي خِطَابِ يَا أَيُّهَا النَّاسُ هُمُ الْمُشْرِكُونَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ حَتَّى قِيلَ إِنَّ الْخِطَابَ بِذَلِكَ خَاصٌّ بِهِمْ. وَهَذَا يَشْمَلُ مُشْرِكِي أَهْلِ الْمَدِينَةِ قَبْلَ صَفَائِهَا مِنْهُمْ.
وَفِي التَّعْبِيرِ عَنِ الذَّاتِ الْعَلِيَّةِ بِصِفَةِ الرَّبِّ مُضَافًا إِلَى ضَمِيرِ الْمُخَاطَبِينَ إِيمَاءً إِلَى اسْتِحْقَاقِهِ أَنْ يُتَّقَى لِعَظَمَتِهِ بِالْخَالِقِيَّةِ، وَإِلَى جَدَارَةِ النَّاسِ بِأَنْ يَتَّقُوهُ لِأَنَّهُ بِصِفَةِ تَدْبِيرِ الرُّبُوبِيَّةِ لَا يَأْمُرُ وَلَا ينْهَى إِلَّا لمرعي مَصَالِحَ النَّاسِ وَدَرْءَ الْمَفَاسِدِ عَنْهُمْ.
وَكِلَا الْأَمْرَيْنِ لَا يُفِيدُهُ غَيْرُ وَصْفِ الرَّبِّ دُونَ نَحْوِ الْخَالِقِ وَالسَّيِّدِ.
وَتَعْلِيقُ التَّقْوَى بِذَاتِ الرَّبِّ يَقْتَضِي بِدَلَالَةِ الِاقْتِضَاءِ مَعْنَى اتِّقَاءِ مُخَالَفَتِهِ أَوْ عِقَابِهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ لِأَنَّ التَّقْوَى لَا تَتَعَلَّقُ بِالذَّاتِ بَلْ بِشَأْنٍ لَهَا مُنَاسِبٍ لِلْمَقَامِ. وَأَوَّلُ تَقْوَاهُ هُوَ تَنْزِيهُهُ عَنِ النَّقَائِصِ، وَفِي مُقَدِّمَةِ ذَلِكَ تَنْزِيهُهُ عَنِ الشُّرَكَاءِ بِاعْتِقَادِ وَحْدَانِيَّتِهِ فِي الْإِلَهِيَّةِ.
وَجُمْلَةُ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ فِي مَوْضِعِ الْعِلَّةِ لِلْأَمْرِ بالتقوى كَمَا يفِيدهُ حَرْفُ التَّوْكِيدِ الْوَاقِعُ فِي مَقَامِ خِطَابٍ لَا تَرَدُّدَ لِلسَّامِعِ فِيهِ.
وَالتَّعْلِيلُ يَقْتَضِي أَنَّ لِزَلْزَلَةِ السَّاعَةِ أَثَرًا فِي الْأَمْرِ بِالتَّقْوَى وَهُوَ أَنَّهُ وَقْتٌ لِحُصُولِ الْجَزَاءِ عَلَى التَّقْوَى وَعَلَى الْعِصْيَانِ وَذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْإِجْمَالِ الْمُفَصَّلِ بِمَا بَعْدَهُ فِي قَوْلِهِ:
وَلكِنَّ عَذابَ اللَّهِ شَدِيدٌ
[الْحَج: 2] .
وَالزَّلْزَلَةُ حَقِيقَتُهَا: تَحَرُّكٌ عَنِيفٌ فِي جِهَةٍ مِنْ سَطْحِ الْأَرْضِ مِنْ أَثَرِ ضَغْطِ مَجَارِي الْهَوَاءِ الْكَائِنِ فِي طَبَقَاتِ الْأَرْضِ الْقَرِيبَةِ مِنْ ظَاهِرِ الْأَرْضِ. وَهِيَ مِنَ الظَّوَاهِرِ الْأَرْضِيَّةِ الْمُرْعِبَةِ يَنْشَأُ عَنْهَا تَسَاقُطُ الْبِنَاءِ وَقَدْ يَنْشَأُ عَنْهَا خَسْفُ الْأَشْيَاءِ فِي بَاطِنِ الْأَرْضِ.
وَالسَّاعَةُ: عَلَمٌ بِالْغَلَبَةِ فِي اصْطِلَاحِ الْقُرْآنِ عَلَى وَقْتِ فَنَاءِ الدُّنْيَا وَالْخُلُوصِ إِلَى عَالَمِ الْحَشْرِ الْأُخْرَوِيِّ، قَالَ تَعَالَى: إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها إِلَى قَوْلِهِ: يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ [الزلزلة: 1- 6] .
وَإِضَافَةُ زَلْزَلَةَ إِلَى السَّاعَةِ عَلَى مَعْنَى (فِي) ، أَيِ الزَّلْزَلَةُ الَّتِي تَحْدُثُ وَقْتَ حُلُولِ السَّاعَةِ.
فَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الزَّلْزَلَةُ فِي الدُّنْيَا أَوْ فِي وَقْتِ الْحَشْرِ. وَالظَّاهِرُ حَمْلُ الزَّلْزَلَةِ عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَهِيَ حَاصِلَةٌ عِنْدَ إِشْرَافِ الْعَالَمِ الدُّنْيَوِيِّ عَلَى الْفَنَاءِ وَفَسَادِ نِظَامِهِ فَإِضَافَتُهَا إِلَى
السَّاعَةِ إِضَافَةٌ حَقِيقِيَّة فَيكون فِي مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها [الزلزلة: 1] الْآيَةَ.
وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الزَّلْزَلَةُ مَجَازًا عَنِ الْأَهْوَالِ وَالْمُفْزِعَاتِ الَّتِي تَحْصُلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ تُسْتَعَارُ لَهُ الزَّلْزَلَةُ، قَالَ تَعَالَى: وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللَّهِ [الْبَقَرَة: 214] أَيْ أُصِيبُوا بِالْكَوَارِثِ وَالْأَضْرَارِ لِقَوْلِهِ قَبْلَهُ: مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ [الْبَقَرَة: 214] .
وَفِي دُعَاءِ النَّبِيءِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْأَحْزَابِ: «اللَّهُمَّ اهْزِمْهُمْ وَزَلْزِلْهُمْ»
. وَالْإِتْيَانُ بِلَفْظِ شَيْءٌ لِلتَّهْوِيلِ بِتَوَغُّلِهِ فِي التَّنْكِيرِ، أَيْ زَلْزَلَةُ السَّاعَةِ لَا يعرّف كنهها إلّا بِأَنَّهَا شَيْءٌ عَظِيمٌ، وَهَذَا مِنَ الْمَوَاقِعِ الَّتِي يَحْسُنُ فِيهَا مَوْقِعُ كَلِمَةٍ شَيْءٌ وَهِيَ الَّتِي نَبَّهَ عَلَيْهَا الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَاهِرِ