المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة الحج (22) : آية 37] - التحرير والتنوير - جـ ١٧

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌21- سُورَةُ الْأَنْبِيَاءِ

- ‌أغراض السُّورَة:

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 2 الى 3]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 11 إِلَى 14]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 16 إِلَى 17]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 19 إِلَى 20]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 26 إِلَى 29]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 30]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 31]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 32]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 34]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 35]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 36]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 37]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 38 إِلَى 40]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 41]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 42 الى 44]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 45]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 46]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 47]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 48 إِلَى 50]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 51 إِلَى 57]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 58 إِلَى 61]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 62 إِلَى 67]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 68 إِلَى 69]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 70]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 71 إِلَى 73]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 74 إِلَى 75]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 76 إِلَى 77]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 78 الى 79]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 80]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 81]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 82]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 83 إِلَى 84]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 85 إِلَى 86]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 87 إِلَى 88]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 89 الى 90]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 91]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 92]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 93]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 94]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 95]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 96 إِلَى 97]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 98 إِلَى 100]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 101 إِلَى 103]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 104]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 105 إِلَى 106]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 107]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 108]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 109]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 110]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 111]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 112]

- ‌22- سُورَةُ الْحَجِّ

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : الْآيَات 6 إِلَى 7]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : الْآيَات 8 إِلَى 10]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : الْآيَات 19 إِلَى 22]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : الْآيَات 23 إِلَى 24]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : الْآيَات 27 إِلَى 28]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 29]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : الْآيَات 30 الى 31]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 32]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : الْآيَات 34 الى 35]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 36]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 37]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 38]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 39]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 40]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 41]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : الْآيَات 42 إِلَى 44]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 45]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 46]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 47]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 48]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : الْآيَات 49 إِلَى 51]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : الْآيَات 52 إِلَى 54]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 55]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : الْآيَات 56 إِلَى 59]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 60]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 61]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 62]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 63]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 64]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 65]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 66]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 67]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : الْآيَات 68 إِلَى 69]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 70]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 71]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 72]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 73]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 74]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 75]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 76]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 77]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 78]

الفصل: ‌[سورة الحج (22) : آية 37]

[37]

[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 37]

لَنْ يَنالَ اللَّهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها وَلكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ كَذلِكَ سَخَّرَها لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى مَا هَداكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ (37)

لَنْ يَنالَ اللَّهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها وَلكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ

جُمْلَةٌ فِي مَوْضِعِ التَّعْلِيلِ لِجُمْلَةِ كَذلِكَ سَخَّرْناها لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [الْحَج: 36] ، أَيْ دَلَّ عَلَى أَنَّا سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لِتَشْكُرُونِي أَنَّهُ لَا انْتِفَاعَ لِلَّهِ بِشَيْءٍ مِنْ لُحُومِهَا وَلَا دِمَائِهَا حِينَ تَتَمَكَّنُونَ مِنَ الِانْتِفَاعِ بِهَا فَلَا يُرِيدُ اللَّهُ مِنْكُمْ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوهُ.

وَالنَّيْلُ: الْإِصَابَةُ. يُقَالُ نَالَهُ، أَيْ أَصَابَهُ وَوَصَلَ إِلَيْهِ. وَيُقَالُ أَيْضًا بِمَعْنَى أَحْرَزَ، فَإِنَّ فِيهِ مَعْنَى الْإِصَابَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ [آل عمرَان: 92] وَقَوْلِهِ: وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا [التَّوْبَة: 74] .

وَالْمَقْصُودُ مَنْ نَفْيِ أَنْ يَصِلَ إِلَى اللَّهِ لُحُومُهَا وَدِمَاؤُهَا إِبْطَالُ مَا يَفْعَلُهُ الْمُشْرِكُونَ مَنْ نَضْحِ الدِّمَاءِ فِي الْمَذَابِحِ وَحَوْلَ الْكَعْبَةِ وَكَانُوا يَذْبَحُونَ بِالْمَرْوَةِ. قَالَ الْحَسَنُ: كَانُوا يُلَطَّخُونَ بِدِمَاءِ الْقَرَابِينِ وَكَانُوا يُشَرِّحُونَ لُحُومَ الْهَدَايَا وَيَنْصِبُونَهَا حَوْلَ الْكَعْبَةِ قُرْبَانًا لِلَّهِ تَعَالَى، يَعْنِي زِيَادَةً عَلَى مَا يُعْطُونَهُ لِلْمَحَاوِيجِ.

وَفِي قَوْلِهِ: لَنْ يَنالَ اللَّهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها وَلكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ

إِرَاقَةَ الدِّمَاءِ وَتَقْطِيعَ اللُّحُومِ لَيْسَا مَقْصُودَيْنِ بِالتَّعَبُّدِ وَلَكِنَّهُمَا وَسِيلَةٌ لِنَفْعِ النَّاسِ بِالْهَدَايَا إِذْ لَا ينْتَفع بِلُحُومِهَا وَجُلُودِهَا وَأَجْزَائِهَا إِلَّا بِالنَّحْرِ أَوِ الذَّبْحِ وَأَنَّ الْمَقْصِدَ مِنْ شَرْعِهَا انْتِفَاعُ النَّاسِ الْمُهْدِينَ وَغَيْرُهُمْ.

فَأَمَّا الْمُهْدُونَ فَانْتِفَاعُهُمْ بِالْأَكْلِ مِنْهَا فِي يَوْمِ عِيدِهِمْ كَمَا

قَالَ النَّبِيءُ صلى الله عليه وسلم فِي تَحْرِيمِ صِيَامِ يَوْمِ النَّحْرِ

ص: 267

: «يَوْمٌ تَأْكُلُونَ فِيهِ مِنْ نُسُكِكُمْ»

فَذَلِكَ نَفْعٌ لِأَنْفُسِهِمْ وَلِأَهَالِيهِمْ وَلَوْ بِالِادِّخَارِ مِنْهُ إِلَى رُجُوعِهِمْ إِلَى آفَاقِهِمْ.

وَأَمَّا غَيْرُهُمْ فَانْتِفَاعُ مَنْ لَيْسَ لَهُ هَدْيٌ مِنَ الْحَجِيجِ بِالْأَكْلِ مِمَّا يُهْدِيهِ إِلَيْهِمْ أَقَارِبُهُمْ وَأَصْحَابُهُمْ، وَانْتِفَاعُ الْمَحَاوِيجِ مِنْ أَهْلِ الْحَرَمِ بِالشِّبَعِ وَالتَّزَوُّدِ مِنْهَا وَالِانْتِفَاعِ بِجُلُودِهَا وَجَلَالِهَا وَقَلَائِدِهَا.

كَمَا أَوْمَأَ إِلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ [الْمَائِدَة: 97] .

وَقَدْ عَرَضَ غَيْرَ مَرَّةٍ سُؤَالٌ عَمَّا إِذَا كَانَتِ الْهَدَايَا أَوْفَرَ مِنْ حَاجَةِ أَهْلِ الْمَوْسِمِ قَطْعًا أَوْ ظَنًّا قَرِيبًا مِنَ الْقَطْعِ كَمَا شُوهِدَ ذَلِكَ فِي مَوَاسِمِ الْحَجِّ، فَمَا يَبْقَى مِنْهَا حَيًّا يُبَاعُ وَيُنْفَقُ ثَمَنُهُ فِي سَدِّ خَلَّةِ الْمَحَاوِيجِ أَجْدَى مِنْ نَحْرِهِ أَوْ ذَبْحِهِ حِينَ لَا يَرْغَبُ فِيهِ أَحَدٌ، وَلَوْ كَانَتِ اللُّحُومُ الَّتِي فَاتَ أَنْ قُطِعَتْ وَكَانَتْ فَاضِلَةً عَنْ حَاجَةِ الْمَحَاوِيجِ يُعْمَلُ تَصْبِيرُهَا بِمَا يَمْنَعُ عَنْهَا التعفّن فينتفع بِهَا فِي خِلَالِ الْعَامِ أَجْدَى لِلْمَحَاوِيجِ.

وَقَدْ تَرَدَّدَتْ فِي الْجَوَابِ عَنْ ذَلِكَ أَنْظَارُ الْمُتَصَدِّينَ لِلْإِفْتَاءِ مِنْ فُقَهَاءِ هَذَا الْعَصْرِ، وَكَادُوا أَنْ تَتَّفِقَ كَلِمَاتُ مَنْ صَدَرَتْ مِنْهُمْ فَتَاوَى عَلَى أَنَّ تَصْبِيرَهَا مُنَافٍ لِلتَّعَبُّدِ بِهَدْيِهَا.

أَمَّا أَنَا فَالَّذِي أَرَاهُ أَنَّ الْمَصِيرَ إِلَى كِلَا الْحَالَيْنِ مِنَ الْبَيْعِ وَالتَّصْبِيرِ لِمَا فَضَلَ عَنْ حَاجَةِ النَّاسِ فِي أَيَّامِ الْحَجِّ، لِيَنْتَفِعَ بِهَا الْمُحْتَاجُونَ فِي عَامِهِمْ، أَوْفَقُ بِمَقْصِدِ الشَّارِعِ تَجَنُّبًا لِإِضَاعَةِ مَا فَضَلَ مِنْهَا رَعْيًا لِمَقْصِدِ الشَّرِيعَةِ مِنْ نَفْعِ الْمُحْتَاجِ وَحِفْظِ الْأَمْوَالِ مَعَ عَدَمِ تَعْطِيلِ النَّحْرِ وَالذَّبْحِ لِلْقَدْرِ الْمُحْتَاجِ إِلَيْهِ مِنْهَا الْمُشَارِ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْها صَوافَّ [الْحَج: 36] وَقَوْلِهِ: وكَذلِكَ سَخَّرَها لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى مَا هَداكُمْ، جَمْعًا بَيْنَ الْمَقَاصِدِ الشَّرْعِيَّةِ.

ص: 268

وَتَعْرِضُ صُورَةٌ أُخْرَى وَهِيَ تَوْزِيعُ الْمَقَادِيرِ الْكَافِيَةِ لِلِانْتِفَاعِ بِهَا عَلَى أَيَّامِ النَّحْرِ الثَّلَاثَةِ بِحَيْثُ لَا يُتَعَجَّلُ بِنَحْرِ جَمِيعِ الْهَدَايَا فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ طَلَبًا لِفَضِيلَةِ الْمُبَادَرَةِ، فَإِنَّ التَّقْوَى الَّتِي

تَصِلُ إِلَى اللَّهِ مِنْ تِلْكَ الْهَدَايَا هِيَ تَسْلِيمُهَا لِلنَّفْعِ بِهَا.

وَهَذَا قِيَاسٌ عَلَى أَصْلِ حِفْظِ الْأَمْوَالِ كَمَا فَرَضُوهُ فِي بَيْعِ الْفَرَسِ الْحُبُسِ إِذَا أَصَابَهُ مَا يُفْضِي بِهِ إِلَى الْهَلَاكِ أَوْ عدم النَّفْع، وَهِي الْمُعَاوضَة لربع الْحُبُسِ إِذَا خَرِبَ.

وَحُكْمُ الْهَدَايَا مُرَكَّبٌ مِنْ تَعَبُّدٍ وَتَعْلِيلٍ، وَمَعْنَى التَّعْلِيلِ فِيهِ أَقْوَى، وَعِلَّتُهُ انْتِفَاعُ الْمُسْلِمِينَ، وَمَسْلَكُ الْعِلَّةِ الْإِيمَاءُ الَّذِي فِي قَوْله تعال: فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ [الْحَج: 36] .

وَاعْلَمْ أَنَّ تَوَهُّمَ التَّقَرُّبِ بِتَلْطِيخِ دِمَاءِ الْقَرَابِينِ وَانْتِفَاعِ الْمُتَقَرَّبِ إِلَيْهِ بِتِلْكَ الدِّمَاءِ عَقِيدَةٌ وَثَنِيَّةٌ قَدِيمَةٌ فَرُبَّمَا كَانُوا يَطْرَحُونَ مَا يَتَقَرَّبُونَ بِهِ مِنْ لَحْمٍ وَطَعَامٍ فَلَا يَدَعُونَ أَحَدًا يَأْكُلُهُ.

وَكَانَ الْيُونَانُ يَشْوُونَ لُحُومَ الْقَرَابِينِ عَلَى النَّارِ حَتَّى تَصِيرَ رَمَادًا وَيَتَوَهَّمُونَ أَنَّ رَائِحَةَ الشِّوَاءِ تَسُرُّ الْآلِهَةَ الْمُتَقَرَّبَ إِلَيْهَا بِالْقَرَابِينِ، وَكَانَ الْمِصْرِيُّونَ يُلْقُونَ الطَّعَامَ لِلتَّمَاسِيحِ الَّتِي فِي النِّيلِ لِأَنَّهَا مُقَدَّسَةٌ.

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ يَنالَ، ويَنالُهُ بِتَحْتِيَّةٍ فِي أَوَّلِهِمَا. وَقَرَأَهُ يَعْقُوبُ بِفَوْقِيَّةٍ عَلَى مُرَاعَاةِ مَا يَجُوزُ فِي ضَمِيرِ جَمْعِ غَيْرِ الْعَاقِلِ. وَرُبَّمَا كَانُوا يَقْذِفُونَ بِمُزَعٍ مِنَ اللَّحْمِ عَلَى أَنَّهَا لِلَّهِ فَرُبَّمَا أَصَابَهَا مُحْتَاجٌ وَرُبَّمَا لَمْ يَتَفَطَّنْ لَهَا فَتَأْكُلُهَا السِّبَاعُ أَوْ تَفْسُدُ.

وَيَشْمَلُ التَّقْوَى ذِكْرَ اسْمِ اللَّهِ عَلَيْهَا وَالتَّصَدُّقَ بِبَعْضِهَا عَلَى الْمُحْتَاجِينَ.

ويَنالُهُ مُشَاكِلَةٌ لِ يَنالَ الْأَوَّلِ، اسْتُعِيرَ النَّيْلُ لِتَعَلُّقَ الْعِلْمِ. شُبِّهَ عِلْمُ اللَّهِ تَقْوَاهُمْ بِوُصُولِ الشَّيْءِ الْمَبْعُوثِ إِلَى اللَّهِ تَشْبِيهًا وَجْهُهُ الْحُصُولُ فِي كُلٍّ وَحَسَّنَتْهُ الْمُشَاكَلَةُ.

ص: 269

وَ (مِنْ) فِي قَوْلِهِ مِنْكُمْ ابْتِدَائِيَّةٌ. وَهِيَ تَرْشِيحٌ لِلِاسْتِعَارَةِ، وَلِذَلِكَ عَبَّرَ بِلَفْظِ التَّقْوى مِنْكُمْ دُونَ: تَقْوَاكُمْ أَوِ التَّقْوَى. مُجَرَّدًا مَعَ كَوْنِ الْمَعْدُولِ عَنْهُ أَوْجَزَ لِأَنَّ فِي هَذَا الْإِطْنَابِ زِيَادَةَ مَعْنًى مِنَ الْبَلَاغَةِ.

كَذلِكَ سَخَّرَها لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى مَا هَداكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ (37) .

تَكْرِيرٌ لِجُمْلَةِ: كَذلِكَ سَخَّرْناها لَكُمْ [الْحَج: 36] ، وَلِيُبْنَى عَلَيْهِ التَّنْبِيهُ إِلَى أَنَّ الثَّنَاءَ عَلَى اللَّهِ مُسَخِّرِهَا هُوَ رَأْسُ الشُّكْرِ الْمُنَبَّهِ عَلَيْهِ فِي الْآيَةِ السَّابِقَةِ، فَصَارَ مَدْلُولُ الْجُمْلَتَيْنِ مُتَرَادِفًا. فَوَقَعَ التَّأْكِيدُ. فَالْقَوْلُ فِي جُمْلَةِ كَذلِكَ سَخَّرَها لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ كَالْقَوْلِ فِي أَشْبَاهِهَا.

وَقَوْلُهُ عَلى مَا هَداكُمْ عَلى فِيهِ لِلِاسْتِعْلَاءِ الْمَجَازِيِّ الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى التَّمَكُّنِ، أَيْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عِنْدَ تَمَكُّنِكُمْ مِنْ نَحْرِهَا. وَ (مَا) مَوْصُولَةٌ، وَالْعَائِدُ مَحْذُوفٌ مَعَ جَارِهِ.

وَالتَّقْدِيرُ: عَلَى مَا هَدَاكُمْ إِلَيْهِ مِنَ الْأَنْعَامِ.

وَالْهِدَايَةُ إِلَيْهَا: هِيَ تشريع الْهَدَايَا فِي تِلْكَ الْمَوَاقِيتِ لِيَنْتَفِعَ بِهَا النَّاسُ وَيَرْتَزِقَ سُكَّانُ الْحَرَمِ الَّذِينَ اصْطَفَاهُمُ اللَّهُ لِيَكُونُوا دُعَاةَ التَّوْحِيدِ لَا يُفَارِقُونَ ذَلِكَ الْمَكَانَ، وَالْخِطَابُ لِلْمُسْلِمِينَ.

وَتَغْيِيرُ الْأُسْلُوبِ تَخْرِيجٌ عَلَى خِلَافِ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ بِالْإِظْهَارِ فِي مَقَامِ الْإِضْمَارِ لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّهُمْ قَدِ اهْتَدَوْا وَعَمِلُوا بالاهتداء فَأحْسنُوا.

ص: 270