المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة الأنبياء (21) : آية 22] - التحرير والتنوير - جـ ١٧

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌21- سُورَةُ الْأَنْبِيَاءِ

- ‌أغراض السُّورَة:

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 2 الى 3]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 11 إِلَى 14]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 16 إِلَى 17]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 19 إِلَى 20]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 26 إِلَى 29]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 30]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 31]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 32]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 34]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 35]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 36]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 37]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 38 إِلَى 40]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 41]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 42 الى 44]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 45]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 46]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 47]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 48 إِلَى 50]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 51 إِلَى 57]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 58 إِلَى 61]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 62 إِلَى 67]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 68 إِلَى 69]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 70]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 71 إِلَى 73]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 74 إِلَى 75]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 76 إِلَى 77]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 78 الى 79]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 80]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 81]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 82]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 83 إِلَى 84]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 85 إِلَى 86]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 87 إِلَى 88]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 89 الى 90]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 91]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 92]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 93]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 94]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 95]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 96 إِلَى 97]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 98 إِلَى 100]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 101 إِلَى 103]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 104]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 105 إِلَى 106]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 107]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 108]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 109]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 110]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 111]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 112]

- ‌22- سُورَةُ الْحَجِّ

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : الْآيَات 6 إِلَى 7]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : الْآيَات 8 إِلَى 10]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : الْآيَات 19 إِلَى 22]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : الْآيَات 23 إِلَى 24]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : الْآيَات 27 إِلَى 28]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 29]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : الْآيَات 30 الى 31]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 32]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : الْآيَات 34 الى 35]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 36]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 37]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 38]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 39]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 40]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 41]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : الْآيَات 42 إِلَى 44]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 45]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 46]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 47]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 48]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : الْآيَات 49 إِلَى 51]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : الْآيَات 52 إِلَى 54]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 55]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : الْآيَات 56 إِلَى 59]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 60]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 61]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 62]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 63]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 64]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 65]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 66]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 67]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : الْآيَات 68 إِلَى 69]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 70]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 71]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 72]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 73]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 74]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 75]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 76]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 77]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 78]

الفصل: ‌[سورة الأنبياء (21) : آية 22]

وَاقْتِرَانُهَا بِضَمِيرِ الْفَصْلِ يُفِيدُ التَّخْصِيصَ أَنْ لَا يَنْشُرَ غَيْرَ تِلْكَ الْآلِهَةِ. وَالْمُرَادُ: إِنْشَارُ

الْأَمْوَاتِ، أَيْ بَعْثُهُمْ. وَهَذَا مَسُوقٌ لِلتَّهَكُّمِ وَإِدْمَاجٌ لِإِثْبَاتِ الْبَعْثِ بطريقة سوق الْمَعْلُوم مساق غَيْرِهِ الْمُسَمّى بتجاهل الْعَارِف، إِذْ أَبْرَزَ تَكْذِيبَهُمْ بِالْبَعْثِ الَّذِي أَخْبَرَهُمُ اللَّهُ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم فِي صُورَةِ تَكْذِيبِهِمِ اسْتِطَاعَةَ اللَّهِ ذَلِكَ وَعَجْزَهُ عَنْهُ، أَيْ أَنَّ الْأَوْلَى بِالْقُدْرَةِ عَلَى الْبَعْثِ شُرَكَاؤُهُمْ فَكَانَ وُقُوعُ الْبَعْثِ أَمْرٌ لَا يَنْبَغِي النِّزَاعُ فِيهِ فَإِنْ نَازَعَ فِيهِ الْمُنَازِعُونَ فَإِنَّمَا يُنَازِعُونَ فِي نِسْبَتِهِ إِلَى اللَّهِ وَيَرُومُونَ بِذَلِكَ نِسْبَتَهُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ فَأُنْكِرَتْ عَلَيْهِمْ هَذِهِ النِّسْبَةُ عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ الْمُفْعَمَةِ بِالنُّكَتِ، وَالْمُشْرِكُونَ لَمْ يَدَّعُوا لِآلِهَتِهِمْ أَنَّهَا تَبْعَثُ الْمَوْتَى وَلَا هُمْ مُعْتَرِفُونَ بِوُقُوعِ الْبَعْثِ وَلَكِنْ نُزِّلُوا مَنْزِلَةَ مَنْ يَزْعُمُ ذَلِكَ إِبْدَاعًا فِي الْإِلْزَامِ. وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ [النَّحْلِ: 21] فِي ذِكْرِ الْآلِهَةِ: أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ.

[22]

[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 22]

لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَاّ اللَّهُ لَفَسَدَتا فَسُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (22)

جُمْلَةٌ مُبَيِّنَةٌ لِلْإِنْكَارِ الَّذِي فِي قَوْلِهِ تَعَالَى أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً [الْأَنْبِيَاء: 21] وَلِذَلِكَ فُصِّلَتْ وَلَمْ تُعْطَفْ.

وَضَمِيرُ الْمُثَنَّى عَائِدٌ إِلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [الْأَنْبِيَاء: 19] مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [الْأَنْبِيَاء: 19] أَيْ لَوْ كَانَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ آلِهَةٌ أُخْرَى وَلَمْ يَكُنْ جَمِيعُ مَنْ فِيهَا مِلْكًا لِلَّهِ وَعِبَادًا لَهُ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَاخْتَلَّ نِظَامَهُمَا الَّذِي خُلِقَتَا بِهِ.

وَهَذَا اسْتِدْلَالٌ عَلَى بُطْلَانِ عَقِيدَةِ الْمُشْرِكِينَ إِذْ زَعَمُوا أَنَّ اللَّهَ جَعَلَ آلِهَةً شُرَكَاءَ لَهُ فِي تَدْبِيرِ الْخَلْقِ، أَيْ أَنَّهُ بَعْدَ أَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ

ص: 38

أَقَامَ فِي الْأَرْضِ شُرَكَاءَ لَهُ، وَلِذَلِكَ كَانُوا يَقُولُونَ فِي التَّلْبِيَةِ فِي الْحَجِّ «لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ إِلَّا شَرِيكًا هُوَ لَكَ تَمْلِكُهُ وَمَا مَلَكَ» وَذَلِكَ مِنَ الضَّلَالِ الْمُضْطَرِبِ الَّذِي وَضعه لَهُم أيمة الْكُفْرِ بِجَهْلِهِمْ وَتَرْوِيجِ ضَلَالِهِمْ عَلَى عُقُولِ الدَّهْمَاءِ.

وَبِذَلِكَ يَتَبَيَّنُ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ اسْتِدْلَالٌ عَلَى اسْتِحَالَةِ وُجُودِ آلِهَةٍ غَيْرَ اللَّهِ بَعْدَ خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ لَمْ يَكُونُوا يُنْكِرُونَ أَن الله هُوَ خَالِقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، قَالَ تَعَالَى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فِي سُورَةِ [الزُّمَرِ: 38]، وَقَالَ تَعَالَى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ فِي سُورَةِ الزُّخْرُفِ [9] . فَهِيَ مُسُوقَةٌ لِإِثْبَاتِ الْوَحْدَانِيَّةِ لَا لِإِثْبَاتِ وُجُودِ الصَّانِعِ إِذْ لَا نِزَاعَ فِيهِ عِنْدَ الْمُخَاطَبِينَ، وَلَا لِإِثْبَاتِ انْفِرَادِهِ بِالْخَلْقِ إِذْ لَا نِزَاعَ فِيهِ كَذَلِكَ، وَلَكِنَّهَا

مُنْتَظِمَةٌ عَلَى مَا يُنَاسِبُ اعْتِقَادَهُمُ الْبَاطِلَ لِكَشْفِ خَطَئِهِمْ وَإِعْلَانِ بَاطِلِهِمْ.

وَالْفَسَادُ: هُوَ اخْتِلَالُ النِّظَامِ وَانْتِفَاءُ النَّفْعِ مِنَ الْأَشْيَاءِ. فَفَسَادُ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ هُوَ أَنْ تَصِيرَا غَيْرَ صَالِحَتَيْنِ وَلَا مُنْتَسِقَتَيِ النِّظَامِ بِأَنْ يُبْطَلَ الِانْتِفَاع بِمَا فيهمَا. فَمِنْ صَلَاحِ السَّمَاءِ نِظَامُ كَوَاكِبِهَا، وَانْضِبَاطُ مَوَاقِيتِ طُلُوعِهَا وَغُرُوبِهَا، وَنِظَامُ النُّورِ وَالظُّلْمَةِ. وَمِنْ صَلَاحِ الْأَرْضِ مَهْدُهَا لِلسَّيْرِ، وَإِنْبَاتُهَا الشَّجَرَ وَالزَّرْعَ، وَاشْتِمَالُهَا عَلَى الْمَرْعَى وَالْحِجَارَةِ وَالْمَعَادِنِ وَالْأَخْشَابِ، وَفَسَادُ كُلٍّ مِنْ ذَلِكَ بِبُطْلَانِ نِظَامِهِ الصَّالِحِ.

وَوَجْهُ انْتِظَامِ هَذَا الِاسْتِدْلَالِ أَنَّهُ لَوْ تَعَدَّدَتِ الْآلِهَةُ لَلَزِمَ أَنْ يَكُونَ كُلُّ إِلَهٍ متصفا بِصِفَات الإلهية الْمَعْرُوفَةِ آثَارُهَا، وَهِيَ الْإِرَادَةُ الْمُطْلَقَةُ وَالْقُدْرَةُ التَّامَّةُ عَلَى التَّصَرُّفِ، ثُمَّ إِنَّ التَّعَدُّدَ يَقْتَضِي اخْتِلَافَ مُتَعَلِّقَاتِ الْإِرَادَاتِ وَالْقَدَرِ لِأَنَّ الْآلِهَةَ لَوِ اسْتَوَتْ فِي تعلقات إراداتها ذَلِكَ لَكَانَ تَعَدُّدُ الْآلِهَةِ عَبَثًا لِلِاسْتِغْنَاءِ بِوَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَلِأَنَّهُ إِذَا حَصَلَ

ص: 39

كَائِنٌ فَإِنْ كَانَ حُدُوثُهُ بِإِرَادَةِ مُتَعَدِّدِينَ لَزِمَ اجْتِمَاعُ مُؤَثِّرَيْنِ عَلَى مُؤَثِّرٍ وَاحِدٍ وَهُوَ مُحَالٌ لِاسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِ عِلَّتَيْنِ تَامَّتَيْنِ عَلَى مَعْلُولٍ وَاحِدٍ. فَلَا جَرَمَ أَنَّ تَعَدُّدَ الْآلِهَةِ يَسْتَلْزِمُ اخْتِلَافَ مُتَعَلِّقَاتِ تَصَرُّفَاتِهَا اخْتِلَافًا بِالْأَنْوَاعِ، أَوْ بِالْأَحْوَالِ، أَوْ بِالْبِقَاعِ، فَالْإِلَهُ الَّذِي لَا تَنْفُذُ إِرَادَتُهُ فِي بَعْضِ الْمَوْجُودَاتِ لَيْسَ بِإِلَهٍ بِالنِّسْبَةِ إِلَى تِلْكَ الْمَوْجُودَاتِ الَّتِي أَوْجَدَهَا غَيْرُهُ.

وَلَا جَرَمَ أَنْ تَخْتَلِفَ مُتَعَلِّقَاتُ إِرَادَاتِ الْآلِهَةِ بِاخْتِلَافِ مَصَالِحِ رَعَايَاهُمْ أَوْ مَوَاطِنِهِمْ أَوْ أَحْوَالُ تَصَرُّفَاتِهِمْ فَكَلٌّ يَغَارُ عَلَى مَا فِي سُلْطَانِهِ.

فَثَبَتَ أَنَّ التَّعَدُّدَ يَسْتَلْزِمُ اخْتِلَافَ الْإِرَادَاتِ وَحُدُوثَ الْخِلَافِ.

وَلَمَّا كَانَ التَّمَاثُلُ فِي حَقِيقَةِ الْإِلَهِيَّةِ يَقْتَضِي التَّسَاوِيَ فِي قُوَّةِ قُدْرَةِ كُلِّ إِلَهٍ مِنْهُمْ، وَكَانَ مُقْتَضِيًا تَمَامَ الْمَقْدِرَةِ عِنْدَ تَعَلُّقِ الْإِرَادَةِ بِالْقَهْرِ لِلضِّدِّ بِأَنْ لَا يَصُدَّهُ شَيْءٌ عَنِ اسْتِئْصَالِ ضِدِّهِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ بِغَزْوِ ضِدِّهِ وَإِفْسَادِ مُلْكِهِ وَسُلْطَانِهِ، تَعَيَّنَ أَنَّهُ كُلَّمَا تَوَجَّهَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ إِلَى غَزْوِ ضِدِّهِ أَنْ يُهْلِكَ كُلَّ مَا هُوَ تَحْتَ سُلْطَانِهِ فَلَا يَزَالُ يَفْسُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عِنْدَ كُلِّ خِلَافٍ كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ فِي سُورَةِ الْمُؤْمِنُونَ [91] .

فَلَا جَرَمَ دَلَّتْ مُشَاهَدَةُ دَوَامِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْض على انتظامهما فِي مُتَعَدِّدِ الْعُصُورِ وَالْأَحْوَالِ عَلَى أَنَّ إِلَهَهَا وَاحِدٌ غَيْرُ مُتَعَدِّدٍ.

فَأَمَّا لَوْ فُرِضَ التَّفَاوُت فِي حَقِيقَة الْإِلَهِيَّةِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي رُجْحَانَ بَعْضِ الْآلِهَةِ عَلَى

بَعْضٍ، وَهُوَ أَدْخَلُ فِي اقْتِضَاءِ الْفَسَادِ إِذْ تَصِيرُ الْغَلَبَةُ لِلْأَقْوَى مِنْهُمْ فَيَجْعَلُ الْكل تَحت كلا كُله وَيُفْسِدُ عَلَى كُلِّ ضَعِيفٍ مِنْهُمْ مَا هُوَ فِي حَوْزَتِهِ فَيَكُونُ الْفَسَادُ أَسْرَعَ.

ص: 40

وَهَذَا الِاسْتِدْلَالُ- بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ مَسُوقًا لِإِبْطَالِ تَعَدُّدٍ خَاصٍّ، وَهُوَ التَّعَدُّدُ الَّذِي اعْتَقَدَهُ أَهْلُ الشِّرْكِ مِنَ الْعَرَبِ وَالْيُونَانِ الزَّاعِمِينَ تَعَدُّدَ الْآلِهَةِ بِتَعَدُّدِ الْقَبَائِلِ وَالتَّصَرُّفَاتِ، وَكَذَا مَا اعْتَقَدَهُ الْمَانَوِيَّةُ مِنَ الْفُرْسِ الْمُثْبِتِينَ إِلَهَيْنِ أَحَدِهِمَا لِلْخَيْرِ وَالْآخِرِ لِلشَّرِّ أَوْ أَحَدِهِمَا لِلنُّورِ وَالْآخِرِ لِلظُّلْمَةِ- هُوَ دَلِيلٌ قَطْعِيٌّ.

وَأَمَّا بِاعْتِبَارِ مَا نَحَاهُ الْمُتَكَلِّمُونَ مِنَ الِاسْتِدْلَالِ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى إِبْطَالِ تَعَدُّدِ الْآلِهَةِ مِنْ أَصْلِهِ بِالنِّسْبَةِ لِإِيجَادِ الْعَالَمِ وَسَمُّوهُ بُرْهَانَ التَّمَانُعِ، فَهُوَ دَلِيلٌ إِقْنَاعِيٌّ كَمَا قَالَ سعد الدَّين التفتازانيّ فِي «شَرْحِ النَّسَفِيَّةِ» . وَقَالَ فِي «الْمَقَاصِدِ» :«وَفِي بَعْضِهَا ضَعْفٌ لَا يَخْفَى» .

وَبَيَانُهُ أَنَّ الِاتِّفَاقَ عَلَى إِيجَادِ الْعَالَمِ يُمْكِنُ صُدُورُهُ مِنَ الْحَكِيمَيْنِ أَوِ الْحُكَمَاءِ فَلَا يَتِمُّ الِاسْتِدْلَالُ إِلَّا بِقِيَاسِ الْآلِهَةِ عَلَى الْمُلُوكِ فِي الْعُرْفِ وَهُوَ قِيَاسٌ إِقْنَاعِيٌّ.

وَوَجْهُ تَسْمِيَتِهِ بُرْهَانَ التَّمَانُعِ أَنَّ جَانِبَ الدَّلَالَةِ فِيهِ عَلَى اسْتِحَالَةِ تَعَدُّدِ الْإِلَهِ هُوَ فَرْضُ أَنْ يَتَمَانَعَ الْآلِهَةُ، أَيْ يَمْنَعُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا مِنْ تَنْفِيذِ مُرَادِهِ، وَالْخَوْضُ فِيهِ مَقَامُنَا غَنِيٌّ عَنْهُ.

وَالْمَنْظُورُ إِلَيْهِ فِي الِاسْتِدْلَالِ هُنَا هُوَ لُزُومُ فَسَادِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَى شَيْءٍ آخَرَ مِنْ مُقَدِّمَاتٍ خَارِجَةٍ عَنْ لَفْظِ الْآيَةِ حَتَّى يَصِيرَ الدَّلِيلُ بِهَا دَلِيلًا قَطْعِيًّا لِأَنَّ ذَلِكَ لَهُ أَدِلَّةٌ أُخْرَى كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ، وَسَيَجِيءُ فِي سُورَةِ الْمُؤْمِنُونَ [91] .

وَأَمَّا الِاسْتِدْلَالُ بِبُرْهَانِ التَّمَانُعِ فَلِلْمُتَكَلِّمِينَ فِي تَقْرِيرِهِ طَرِيقَتَانِ ذَكَرَهُمَا صَاحِبُ «الْمَوَاقِفِ» .

الْأُولَى: طَرِيقَةُ الِاسْتِدْلَالِ بِلُزُومِ التَّمَانُعِ بِالْفِعْلِ وَهِيَ الطَّرِيقَةُ الْمَشْهُورَةُ. وَتَقْرِيرُهَا:

أَنَّهُ لَوْ كَانَ لِلْعَالَمِ صَانِعَانِ مُتَمَاثِلَانِ فِي الْقُدْرَةِ،

ص: 41

فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ تَتَّفِقَ إرادتاهما وَحِينَئِذٍ فالفعل إِنْ كَانَ بِإِرَادَتَيْهِمَا لَزِمَ اجْتِمَاعُ مُؤَثِّرَيْنِ تَامَّيْنِ عَلَى مُؤَثَّرٍ- بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ- وَاحِدٍ وَهُوَ مُحَالٌ لِامْتِنَاعِ اجْتِمَاعِ الْعِلَّتَيْنِ التَّامَّتَيْنِ عَلَى مَعْلُولٍ وَاحِدٍ. وَإِنْ كَانَ الْفِعْلُ بِإِحْدَى الْإِرَادَتَيْنِ دُونَ الْأُخْرَى لَزِمَ تَرْجِيحُ إِحْدَاهُمَا بِلَا مُرَجِّحٍ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الصِّفَةِ وَالْمَوْصُوفِ بِهَا، وَإِمَّا أَنْ تَخْتَلِفَ إِرَادَتَاهُمَا فَيَلْزَمُ التَّمَانُعُ، وَمَعْنَاهُ أَنْ يَمْنَعَ كُلٌّ مِنْهُمَا الْآخَرَ مِنَ الْفِعْلِ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهُمَا مُسْتَوِيَانِ فِي الْقُدْرَةِ.

وَيَرُدُّ عَلَى الِاسْتِدْلَالِ بِهَاتِهِ الطَّرِيقَةِ أُمُورٌ:

أَحَدُهَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ تَسَاوِي الْإِلَهَيْنِ فِي الْقُدْرَةِ بَلْ يَجُوزُ عَقْلًا أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا أَقْوَى قُدْرَةً مِنَ الْآخَرِ، وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ الْعَجْزَ مُطْلَقًا مُنَافٍ لِلْأُلُوهِيَّةِ بَدَاهَةً. قَالَهُ عَبْدُ الْحَكِيمِ فِي «حَاشِيَةِ الْبَيْضَاوِيِّ» .

الْأَمْرُ الثَّانِي: يَجُوزُ أَنْ يَتَّفِقَ الْإِلَهَانِ عَلَى أَنْ لَا يُرِيدَ أَحَدُهُمَا إِلَّا الْأَمْرَ الَّذِي لَمْ يُرِدْهُ الْآخَرُ فَلَا يَلْزَمُ عَجْزُ مَنْ لَمْ يَفْعَلْ.

الْأَمْرُ الثَّالِثُ: يَجُوزُ أَنْ يَتَّفِقَ الْإِلَهَانِ عَلَى إِيجَادِ الْأَمْرِ الْمُرَادِ بِالِاشْتِرَاكِ لَا بِالِاسْتِقْلَالِ.

الْأَمْرُ الرَّابِعُ: يَجُوزُ تَفْوِيضُ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ أَنْ يَفْعَلَ فَلَا يَلْزَمُ عَجْزُ الْمُفَوِّضِ لِأَنَّ عَدَمَ إِيجَادِ الْمَقْدُورِ لِمَانِعٍ أَرَادَهُ الْقَادِرُ لَا يُسَمَّى عَجْزًا، لَا سِيَّمَا وَقَدْ حَصَلَ مُرَادُهُ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْهُ بِنَفْسِهِ.

وَالْجَوَابُ عَنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ الْأَخِيرَةِ أَنَّ فِي جَمِيعِهَا نَقْصًا فِي الْأُلُوهِيَّةِ لِأَنَّ الْأُلُوهِيَّةَ مِنْ شَأْنِهَا الْكَمَالُ فِي كُلِّ حَالٍ.

إِلَّا أَنَّ هَذَا الْجَوَابَ لَا يَخْرِجُ الْبُرْهَانَ عَنْ حَدِّ الْإِقْنَاعِ.

الطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ: عول عَلَيْهَا التفتازانيّ فِي «شَرْحِ الْعَقَائِدِ النَّسَفِيَّةِ» وَهِيَ أَنَّ تَعَدُّدَ الْإِلَهَيْنِ يَسْتَلْزِمُ إِمْكَانَ حُصُولِ التَّمَانُعِ بَيْنَهُمَا، أَيْ أَنْ يَمْنَعَ أَحَدُهُمَا

ص: 42

مَا يُرِيدُهُ الْآخَرُ، لِأَنَّ الْمُتَعَدِّدِينَ يَجُوزُ عَلَيْهِمُ الِاخْتِلَافُ فِي الْإِرَادَةِ. وَإِذَا كَانَ هَذَا الْإِمْكَانُ لَازِمًا لِلتَّعَدُّدِ فَإِنْ حَصَلَ التمانع بَينهمَا إِذْ تَعَلَّقَتْ إِرَادَةُ أَحَدِهِمَا بِوُجُودِ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ وَتَعَلَّقَتْ إِرَادَةُ الْآخَرِ بِعَدَمِ وُجُودِهِ، فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَحْصُلَ الْمُرَادَانِ مَعًا لِلُزُومِ اجْتِمَاعِ النَّقِيضَيْنِ، وَإِنْ حَصَلَ أَحَدُ الْمُرَادَيْنِ لَزِمَ عَجْزُ صَاحِبِ الْمُرَادِ الَّذِي لَمْ يَحْصُلُ، وَالْعَجْزُ يَسْتَلْزِمُ الْحُدُوثَ وَهُوَ مُحَالٌ، فَاجْتِمَاعُ النَّقِيضَيْنِ أَوْ حُدُوثُ الْإِلَهِ لَازِمٌ لَازم لَازم لِلتَّعَدُّدِ وَهُوَ مُحَالٌ، وَلَازِمُ اللَّازِمِ لَازِمٌ فَيَكُونُ الْمَلْزُومُ الْأَوَّلُ محالا، قَالَ التفتازانيّ: وَبِهِ تَنْدَفِعُ الْإِيرَادَاتُ الْوَارِدَةُ عَلَى بُرْهَانِ التَّمَانُعِ.

وَأَقُولُ يَرُدُّ عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ أَنَّ إِمْكَانَ التَّمَانُعِ لَا يُوجِبُ نُهُوضَ الدَّلِيلِ، لِأَنَّ هَذَا الْإِمْكَانَ يَسْتَحِيلُ وُقُوعُهُ بِاسْتِحَالَةِ حُدُوثِ الِاخْتِلَافِ بَيْنَ الْإِلَهَيْنِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ اخْتِلَافَ الْإِرَادَةِ إِنَّمَا يَجِيءُ مِنْ تَفَاوُتِ الْعِلْمِ فِي الِانْكِشَافِ بِهِ، وَلِذَلِكَ يَقِلُّ الِاخْتِلَافُ بَيْنَ الْحُكَمَاءِ. وَالْإِلَهَانِ نَفْرِضُهُمَا مُسْتَوِيَيْنِ فِي الْعِلْمِ وَالْحِكْمَةِ فَعِلْمُهُمَا وَحِكْمَتُهُمَا يَقْتَضِيَانِ

انْكِشَافًا مُتَمَاثِلًا فَلَا يُرِيدُ أَحَدُهُمَا إِلَّا مَا يُرِيدُهُ الْآخَرُ فَلَا يَقَعُ بَيْنَهُمَا تَمَانُعٌ، وَلِذَلِكَ اسْتُدِلَّ فِي الْمَقَاصِدِ عَلَى لُزُومِ حُصُولِ الِاخْتِلَافِ بَيْنَهُمَا بِحُكْمِ اللُّزُومِ الْعَادِيِّ.

بَقِيَ النَّظَرُ فِي كَيْفِيَّةِ صُدُورِ الْفِعْلِ عَنْهُمَا فَذَلِكَ انْتِقَالٌ إِلَى مَا بُنِيَتْ عَلَيْهِ الطَّرِيقَةُ الْأُولَى.

وَإِنَّ احْتِمَالَ اتِّفَاقِ الْإِلَهَيْنِ عَلَى إِرَادَةِ الْأَشْيَاءِ إِذَا كَانَتِ الْمَصْلَحَةُ فِيهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِلَهَيْنِ حَكِيمَانِ لَا تَخْتَلِفُ إِرَادَتُهُمَا، وَإِنْ كَانَ احْتِمَالًا صَحِيحًا لَكِنْ يَصِيرُ بِهِ تَعَدُّدُ الْإِلَهِ عَبَثًا لِأَنَّ تَعَدُّدَ وُلَاةِ الْأُمُورِ مَا كَانَ إِلَّا لِطَلَبِ ظُهُورِ الصَّوَابِ عِنْدَ اخْتِلَافِهِمَا، فَإِذَا كَانَا لَا يَخْتَلِفَانِ فَلَا فَائِدَةَ فِي التَّعَدُّدِ، وَمِنَ الْمُحَالِ بِنَاءَ صِفَةِ أَعْلَى الْمَوْجُودَاتِ عَلَى مَا لَا أَثَرَ لَهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، فَالْآيَةُ دَلِيلٌ قَطْعِيٌّ.

ص: 43

ثُمَّ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ فِي «شَرْحِ النَّسَفِيَّةِ» فَحَقَّقَ أَنَّهَا دَلِيلٌ إِقْنَاعِيٌّ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ، وَقَالَ الْمُحَقَّقُ الْخَيَالِيُّ إِلَى أَنَّهَا لَا تَكُونُ دَلِيلًا قَطْعِيًّا إِلَّا بِالنَّظَرِ إِلَى تَحْقِيقِ مَعْنَى الظَّرْفِيَّةِ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى فِيهِما، وَعَيَّنَ أَنْ تَكُونَ الظَّرْفِيَّةُ ظَرْفِيَّةَ التَّأْثِيرِ، أَيْ لَو كَانَ مُؤثر فِيهِمَا، أَيِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ غَيْرُ اللَّهِ تَكُونُ الْآيَةُ حُجَّةً قَطْعِيَّةً. وَقَدْ بَسَطَهُ عَبْدُ الْحَكِيمِ فِي «حَاشِيَتِهِ عَلَى الْخَيَالِيِّ» وَلَا حَاجَةَ بِنَا إِلَى إِثْبَاتِ كَلَامِهِ هُنَا.

وَالِاسْتِثْنَاءُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى إِلَّا اللَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ أَحَدِ طَرَفَيِ الْقَضِيَّةِ لَا مِنَ النِّسْبَةِ الْحُكْمِيَّةِ، أَيْ هُوَ اسْتِثْنَاءٌ مِنَ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ لَا مِنَ الْحُكْمِ. وَذَلِكَ مِنْ مَوَاقِعِ الِاسْتِثْنَاءِ لِأَنَّ أَصْلَ الِاسْتِثْنَاءِ هُوَ الْإِخْرَاجُ مِنَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فَالْغَالِبُ أَنْ يَكُونَ الْإِخْرَاجُ مِنَ الْمُسْتَثْنَى بِاعْتِبَارِ تَسَلُّطِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ قَبْلَ الِاسْتِثْنَاءِ وَذَلِكَ فِي الْمُفَرَّغِ وَفِي الْمَنْصُوبِ، وَقَدْ يَكُونُ بِاعْتِبَارِهِ قَبْلَ تَسَلُّطِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ وَذَلِكَ فِي غَيْرِ الْمَنْصُوبِ وَلَا الْمُفَرَّغِ فَيُقَالُ حِينَئِذٍ إِنَّ (إِلَّا) بِمَعْنَى غَيْرٍ وَالْمُسْتَثْنَى يُعْرَبُ بَدَلًا مِنَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ.

وَفُرِّعَ عَلَى هَذَا الِاسْتِدْلَالِ إِنْشَاءُ تَنْزِيهِ اللَّهِ تَعَالَى عَنِ الْمَقَالَةِ الَّتِي أَبْطَلَهَا الدَّلِيلُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: فَسُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ أَيْ عَمَّا يَصِفُونَهُ بِهِ مِنْ وُجُودِ الشَّرِيكِ.

وَإِظْهَارُ اسْمِ الْجَلَالَةِ فِي مَقَامِ الْإِضْمَارِ لِتَرْبِيَةِ الْمَهَابَةِ.

وَوَصْفُهُ هُنَا بِرَبِّ الْعَرْشِ لِلتَّذْكِيرِ بِأَنَّهُ انْفَرَدَ بِخَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَهُوَ شَيْءٌ لَا يُنَازِعُونَ فِيهِ بَلْ هُوَ خَالِقُ أَعْظَمِ السَّمَاوَاتِ وَحَاوِيَهَا وَهُوَ الْعَرْشُ تَعْرِيضًا بِهِمْ بِإِلْزَامِهِمْ لَازِمَ قَوْلِهِمْ بِانْفِرَادِهِ بِالْخَلْقِ أَنْ يَلْزَمَ انْتِفَاءَ الشُّرَكَاءِ لَهُ فِيمَا دُونَ ذَلِكَ.

ص: 44