المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 83 إلى 84] - التحرير والتنوير - جـ ١٧

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌21- سُورَةُ الْأَنْبِيَاءِ

- ‌أغراض السُّورَة:

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 2 الى 3]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 11 إِلَى 14]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 16 إِلَى 17]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 19 إِلَى 20]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 26 إِلَى 29]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 30]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 31]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 32]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 34]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 35]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 36]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 37]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 38 إِلَى 40]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 41]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 42 الى 44]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 45]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 46]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 47]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 48 إِلَى 50]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 51 إِلَى 57]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 58 إِلَى 61]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 62 إِلَى 67]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 68 إِلَى 69]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 70]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 71 إِلَى 73]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 74 إِلَى 75]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 76 إِلَى 77]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 78 الى 79]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 80]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 81]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 82]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 83 إِلَى 84]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 85 إِلَى 86]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 87 إِلَى 88]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 89 الى 90]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 91]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 92]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 93]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 94]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 95]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 96 إِلَى 97]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 98 إِلَى 100]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 101 إِلَى 103]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 104]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 105 إِلَى 106]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 107]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 108]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 109]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 110]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 111]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 112]

- ‌22- سُورَةُ الْحَجِّ

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : الْآيَات 6 إِلَى 7]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : الْآيَات 8 إِلَى 10]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : الْآيَات 19 إِلَى 22]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : الْآيَات 23 إِلَى 24]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : الْآيَات 27 إِلَى 28]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 29]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : الْآيَات 30 الى 31]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 32]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : الْآيَات 34 الى 35]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 36]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 37]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 38]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 39]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 40]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 41]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : الْآيَات 42 إِلَى 44]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 45]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 46]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 47]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 48]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : الْآيَات 49 إِلَى 51]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : الْآيَات 52 إِلَى 54]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 55]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : الْآيَات 56 إِلَى 59]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 60]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 61]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 62]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 63]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 64]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 65]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 66]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 67]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : الْآيَات 68 إِلَى 69]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 70]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 71]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 72]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 73]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 74]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 75]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 76]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 77]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 78]

الفصل: ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 83 إلى 84]

فِي آيَاتٍ أُخْرَى كَقَوْلِهِ تَعَالَى: يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ وَجِفانٍ كَالْجَوابِ وَقُدُورٍ راسِياتٍ [سبأ: 13] وَهَذِهِ أَعْمَالٌ مُتَعَارَفَةٌ. وَإِنَّمَا اخْتُصَّ سُلَيْمَانُ بِعَظَمَتِهَا مِثْلَ بِنَاءِ هَيْكَلِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَبِسُرْعَةِ إِتْمَامِهَا.

وَمَعْنَى وَكُنَّا لَهُمْ حافِظِينَ أَنَّ اللَّهَ بِقُدْرَتِهِ سَخَّرَهُمْ لِسُلَيْمَانَ وَمَنَعَهُمْ عَنْ أَنْ يَنْفَلِتُوا عَنْهُ أَوْ أَنْ يَعْصُوهُ، وَجَعَلَهُمْ يَعْمَلُونَ فِي خَفَاءٍ وَلَا يُؤْذُوا أَحَدًا مِنَ النَّاسِ فَجَمَعَ اللَّهُ بِحِكْمَتِهِ بَيْنَ تَسْخِيرِهِمْ لِسُلَيْمَانَ وَعِلْمِهِ كَيْفَ يَحْكُمُهُمْ وَيَسْتَخْدِمُهُمْ وَيُطَوِّعُهُمْ، وَجَعَلَهُمْ مُنْقَادِينَ لَهُ وَقَائِمِينَ بِخِدْمَتِهِ دُونَ عَنَاءٍ لَهُ، وَحَالَ دُونَهُمْ وَدُونَ النَّاسِ لِئَلَّا يُؤْذُوهُمْ. وَلَمَّا تُوُفِّيَ سُلَيْمَانُ لَمْ يُسَخِّرِ اللَّهُ الْجِنَّ لِغَيْرِهِ اسْتِجَابَةً لِدَعْوَتِهِ إِذْ قَالَ: وَهَبْ لِي مُلْكاً لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي [ص: 35] . وَلَمَّا مَكَّنَ اللَّهُ النَّبِيءَ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم مِنَ الْجِنِّيِّ الَّذِي كَادَ أَنْ يُفْسِدَ عَلَيْهِ صَلَاتَهُ وَهَمَّ بِأَنْ يَرْبُطَهُ، ذَكَرَ دَعْوَةَ سُلَيْمَانَ فَأَطْلَقَهُ فَجَمَعَ اللَّهُ لَهُ بَيْنَ التَّمْكِينِ مِنَ الْجِنِّ

وَبَيْنَ تَحْقِيقِ رَغْبَةِ سُلَيْمَانَ.

وَقَوْلُهُ لَهُمْ يَتَعَلَّقُ بِ حافِظِينَ وَاللَّامُ لَامُ التَّقْوِيَةِ. وَالتَّقْدِيرُ: حَافِظِينَهُمْ، أَيْ مَانِعِينَهْمُ عَن النَّاس.

[83، 84]

[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 83 إِلَى 84]

وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَكَشَفْنا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْناهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَذِكْرى لِلْعابِدِينَ (84)

عَطْفٌ عَلَى وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ [الْأَنْبِيَاء: 78] أَيْ وَآتَيْنَا أَيُّوبَ حُكْمًا وَعِلْمًا إِذْ نَادَى رَبَّهُ. وَتَخْصِيصُهُ بِالذِّكْرِ مَعَ مَنْ ذُكِرَ مِنَ الْأَشْيَاءِ لِمَا اخْتُصَّ بِهِ مِنَ الصَّبْرِ حَتَّى كَانَ مَثَلًا فِيهِ. وَتَقَدَّمَتْ تَرْجَمَةُ أَيُّوبَ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ.

ص: 125

وَأَمَّا الْقِصَّةُ الَّتِي أَشَارَتْ إِلَيْهَا هَذِهِ الْآيَةُ فَهِيَ الْمُفَصَّلَةُ فِي السِّفْرِ الْخَاصِّ بِأَيُّوبَ مِنْ أَسْفَارِ النَّبِيئِينَ الْإِسْرَائِيلِيَّةِ. وَحَاصِلُهَا أَنَّهُ كَانَ نَبِيئًا وَذَا ثَرْوَةٍ وَاسِعَةٍ وَعَائِلَةٍ صَالِحَةٍ مُتَوَاصِلَةٍ، ثُمَّ ابْتُلِيَ بِإِصَابَاتٍ لَحِقَتْ أَمْوَالَهُ مُتَتَابِعَةً فَأَتَتْ عَلَيْهَا، وَفَقَدَ أَبْنَاءَهُ السَّبْعَةَ وَبَنَاتِهِ الثَّلَاثَ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، فَتَلَقَّى ذَلِكَ بِالصَّبْرِ وَالتَّسْلِيمِ. ثُمَّ ابْتُلِيَ بِإِصَابَةِ قُرُوحٍ فِي جَسَدِهِ وَتَلَقَّى ذَلِكَ كُلَّهُ بِصَبْرٍ وَحِكْمَةٍ وَهُوَ يَبْتَهِلُ إِلَى اللَّهِ بِالتَّمْجِيدِ وَالدُّعَاءِ بِكَشْفِ الضُّرِّ. وَتَلَقَّى رِثَاءَ أَصْحَابِهِ لِحَالِهِ بِكَلَامٍ عَزِيزِ الْحِكْمَةِ وَالْمَعْرِفَةِ بِاللَّهِ، وَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ بِمَوَاعِظَ. ثُمَّ أَعَادَ عَلَيْهِ صِحَّتَهُ وَأَخْلَفَهُ مَالًا أَكْثَرَ مِنْ مَالِهِ وَوَلَدَتْ لَهُ زَوْجُهُ أَوْلَادًا وَبَنَاتٍ بِعَدَدِ مَنْ هَلَكُوا لَهُ مِنْ قَبْلُ.

وَقَدْ ذُكِرَتْ قِصَّتُهُ بِأَبْسَطَ مِنْ هُنَا فِي سُورَةِ ص، وَلِأَهْلِ الْقَصَصِ فِيهَا مُبَالَغَاتٌ لَا تَلِيقُ بِمَقَامِ النُّبُوءَةِ.

وَ (إِذْ) ظَرْفٌ قُيِّدَ بِهِ إِيتَاءُ أَيُّوبَ رِبَاطَةَ الْقَلْبِ وَحِكْمَةَ الصَّبْرِ لِأَنَّ ذَلِكَ الْوَقْتَ كَانَ أَجْلَى مَظَاهِرِ عِلْمِهِ وَحِكْمَتِهِ كَمَا أَشَارَتْ إِلَيْهِ الْقِصَّةُ. وَتَقَدَّمَ نَظِيرُهُ آنِفًا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى:

وَنُوحاً إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ [الْأَنْبِيَاء: 76] فَصَارَ أَيُّوبُ مَضْرِبَ الْمَثَلِ فِي الصَّبْرِ.

وَقَوْلِهِ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ- بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ- عَلَى تَقْدِيرِ بَاءِ الْجَرِّ، أَيْ نَادَى ربه بِأَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ.

وَالْمَسُّ: الْإِصَابَةُ الْخَفِيفَةُ. وَالتَّعْبِيرُ بِهِ حِكَايَةً لِمَا سَلَكَهُ أَيُّوبُ فِي دُعَائِهِ مِنَ الْأَدَبِ مَعَ اللَّهِ إِذْ جَعَلَ مَا حَلَّ بِهِ مِنَ الضُّرِّ كَالْمَسِّ الْخَفِيفِ.

وَالضُّرُّ- بِضَمِّ الضَّادِ- مَا يَتَضَرَّرُ بِهِ الْمَرْءُ فِي جَسَدِهِ مِنْ مرض أَو هزال، أَوْ فِي مَالِهِ مِنْ نَقْصٍ وَنَحْوِهِ.

ص: 126

وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ التَّعْرِيضُ بِطَلَبِ كَشْفِ الضُّرِّ عَنْهُ بِدُونِ سُؤَالٍ فَجَعَلَ وَصْفَ نَفْسِهِ بِمَا يَقْتَضِي الرَّحْمَةَ لَهُ، وَوَصْفَ رَبِّهِ بِالْأَرْحَمِيَّةِ تَعْرِيضًا بِسُؤَالِهِ، كَمَا قَالَ أُمَيَّةُ بْنُ أَبِي الصَّلْتِ:

إِذَا أَثْنَى عَلَيْكَ الْمَرْءُ يَوْمًا

كَفَاهُ عَنْ تَعَرُّضِهِ الثَّنَاءُ

وَكَوْنُ اللَّهِ تَعَالَى أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ لِأَنَّ رَحْمَتَهُ أَكْمَلُ الرَّحَمَاتِ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ رَحِمَ غَيْرَهُ فَإِمَّا أَنْ يَرْحَمَهُ طَلَبًا لِلثَّنَاءِ فِي الدُّنْيَا أَوْ لِلثَّوَابِ فِي الْآخِرَةِ أَوْ دَفْعًا لِلرِّقَّةِ الْعَارِضَةِ لِلنَّفْسِ مِنْ مُشَاهَدَةِ مَنْ تَحِقُّ الرَّحْمَةُ لَهُ فَلَمْ يَخْلُ مِنْ قَصْدِ نَفْعٍ لِنَفْسِهِ، وَأَمَّا رَحْمَتُهُ تَعَالَى عِبَادَهُ فَهِيَ خَلِيَّةٌ عَنِ اسْتِجْلَابِ فَائِدَةٍ لِذَاتِهِ الْعَلِيَّةِ.

وَلِكَوْنِ ثَنَاءِ أَيُّوبَ تَعْرِيضًا بِالدُّعَاءِ فَرَّعَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ تَعَالَى: فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَكَشَفْنا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ. وَالسِّينُ وَالتَّاءُ لِلْمُبَالَغَةِ فِي الْإِجَابَةِ، أَيِ اسْتَجَبْنَا دَعْوَتَهُ الْعُرْضِيَّةَ بِإِثْرِ كَلَامِهِ وَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ، إِشَارَةً إِلَى سُرْعَةِ كَشْفِ الضُّرِّ عَنْهُ، وَالتَّعْقِيبُ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِحَسَبِهِ، وَهُوَ مَا تَقْتَضِيهِ الْعَادَةُ فِي الْبُرْءِ وَحُصُولِ الرِّزْقِ وَوِلَادَةِ الْأَوْلَادِ.

وَالْكَشْفُ: مُسْتَعْمَلٌ فِي الْإِزَالَةِ السَّرِيعَةِ. شُبِّهَتْ إِزَالَةُ الْأَمْرَاضِ وَالْأَضْرَارِ الْمُتَمَكِّنَةِ الَّتِي يُعْتَادُ أَنَّهَا لَا تَزُولُ إِلَّا بِطُولٍ بِإِزَالَةِ الْغِطَاءِ عَنِ الشَّيْءِ فِي السُّرْعَةِ.

وَالْمَوْصُولُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ مَقْصُودٌ مِنْهُ الْإِبْهَامُ. ثُمَّ تَفْسِيرُهُ بِ (مِنَ) الْبَيَانِيَّةِ لِقَصْدِ تَهْوِيلِ ذَلِكَ الضُّرِّ لِكَثْرَةِ أَنْوَاعِهِ بِحَيْثُ يَطُولُ عَدُّهَا. وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ [النَّحْل: 53] إِشَارَةً إِلَى تَكْثِيرِهَا. أَلَا تَرَى إِلَى مُقَابَلَتِهِ ضِدَّهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ثُمَّ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ [النَّحْل: 53] ، لِإِفَادَةِ أَنَّهُمْ يُهْرَعُونَ إِلَى اللَّهِ فِي أَقَلِّ ضُرٍّ وَيَنْسَوْنَ شُكْرَهُ عَلَى عَظِيمِ النِّعَمِ، أَيْ كَشَفْنَا مَا حَلَّ بِهِ مِنْ ضُرٍّ فِي جَسَدِهِ وَمَالِهِ فَأُعِيدَتْ صِحَّتُهُ وَثَرْوَتُهُ.

ص: 127