الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالْبَلْوَى: الِاخْتِبَارُ. وَتَقَدَّمُ غَيْرَ مَرَّةٍ. وَإِطْلَاقُ الْبَلْوَى عَلَى مَا يَبْدُو مِنَ النَّاسِ مِنْ تَجَلُّدٍ وَوَهْنٍ وَشُكْرٍ وَكُفْرٍ، عَلَى مَا يَنَالُهُمْ مِنَ اللَّذَّاتِ وَالْآلَامِ مِمَّا بَنَى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ نِظَامَ الْحَيَاةِ، إِطْلَاقٌ مَجَازِيٌّ، لِأَنَّ ابْتِنَاءَ النِّظَامِ عَلَيْهِ دَلَّ عَلَى اخْتِلَافِ أَحْوَالِ النَّاسِ فِي تَصَرُّفِهِمْ فِيهِ وَتَلَقِّيهِمْ إِيَّاهُ. أَشْبَهَ اخْتِبَارَ الْمُخْتَبِرِ لِيَعْلَمَ أَحْوَالَ مَنْ يَخْتَبِرُهُمْ.
وفِتْنَةً مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ الْمُطْلِقَةِ تَوْكِيدًا لِفِعْلِ نَبْلُوكُمْ لِأَنَّ الْفِتْنَةَ تُرَادِفُ الْبَلْوَى.
وَجُمْلَةُ وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ إِثْبَاتٌ لِلْبَعْثِ، فَجَمَعَتِ الْآيَةُ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ وَالنَّشْرَ.
وَتَقْدِيمُ الْمَجْرُورِ لِلرِّعَايَةِ عَلَى الْفَاصِلَةِ وَإِفَادَةِ تَقَوِّي الْخَبَرِ. وَأَمَّا احْتِمَالُ الْقَصْرِ فَلَا يَقُومُ هُنَا إِذْ لَيْسَ ذَلِكَ بِاعْتِقَادٍ لِلْمُخَاطَبِينَ كَيْفَمَا افترضتهم.
[36]
[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 36]
وَإِذا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَاّ هُزُواً أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمنِ هُمْ كافِرُونَ (36)
هَذَا وَصْفٌ آخَرُ لِمَا يُؤْذِي بِهِ الْمُشْرِكُونَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ يَرَوْنَهُ فَهُوَ أَخَصُّ مِنْ أَذَاهُمْ إِيَّاهُ فِي مَغِيبِهِ، فَإِذَا رَأَوْهُ يَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ.
وَالْهُزُؤُ- بِضَمِّ الْهَاءِ وَضَمِّ الزَّايِ- مَصْدَرُ هَزَأَ بِهِ، إِذَا جَعَلَهُ لِلْعَبَثِ وَالتَّفَكُّهِ. وَمعنى اتّخاذه هزؤا أَنَّهُمْ يَجْعَلُونَهُ مُسْتَهْزَأً بِهِ فَهَذَا مِنَ الْإِخْبَارِ
بِالْمَصْدَرِ لِلْمُبَالَغَةِ، أَوْ هُوَ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ كَالْخَلْقِ بِمَعْنَى الْمَخْلُوقِ. وَتَقَدَّمَ فِي سُورَةِ [الْكَهْفِ: 106] قَوْلُهُ تَعَالَى:
وَاتَّخَذُوا آياتِي وَرُسُلِي هُزُواً.
وَجُمْلَةُ أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ مُبَيِّنَةٌ لِجُمْلَةِ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً فَهِيَ فِي مَعْنَى قَوْلٍ مَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً لِأَنَّ الِاسْتِهْزَاءَ يَكُونُ بِالْكَلَامِ. وَقَدِ انْحَصَرَ اتِّخَاذُهُمْ إِيَّاهُ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ فِي الِاسْتِهْزَاءِ بِهِ دُونَ أَنْ يَخْلِطُوهُ بِحَدِيثٍ آخَرَ فِي شَأْنِهِ.
وَالِاسْتِفْهَامُ مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّعْجِيبِ، وَاسْمُ الْإِشَارَةِ مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّحْقِيرِ، بِقَرِينَةِ الِاسْتِهْزَاءِ.
وَمَعْنَى يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ يَذْكُرُهُمْ بِسُوءٍ، بِقَرِينَةِ الْمَقَامِ، لِأَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ مَا يَذْكُرُ بِهِ
آلِهَتَهُمْ مِمَّا يَسُوءُهُمْ، فَإِنَّ الذِّكْرَ يَكُونُ بِخَيْرٍ وَبِشَرٍّ فَإِذَا لَمْ يُصَرَّحْ بِمُتَعَلِّقِهِ يُصَارُ إِلَى الْقَرِينَةِ كَمَا هُنَا وكما فِي قَوْلِهِ تَعَالَى الْآتِي: قالُوا سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ [الْأَنْبِيَاء: 60] . وَكَلَامُهُمْ مَسُوقٌ مَسَاقَ الْغَيْظِ وَالْغَضَبِ، وَلِذَلِكَ أَعْقَبَهُ اللَّهُ بِجُمْلَةِ الْحَالِ وَهِيَ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمنِ هُمْ كافِرُونَ، أَيْ يَغْضَبُونَ مِنْ أَنْ تُذْكَرَ آلِهَتُهُمْ بِمَا هُوَ كَشْفٌ لِكُنْهِهَا الْمُطَابِقِ لِلْوَاقِعِ فِي حَالِ غَفْلَتِهِمْ عَن ذكر الرحمان الَّذِي هُوَ الْحَقِيقُ بِأَنْ يَذْكُرُوهُ. فَالذِّكْرُ الثَّانِي مُسْتَعْمَلٌ فِي الذِّكْرِ بِالثَّنَاءِ وَالتَّمْجِيدِ بِقَرِينَةِ الْمَقَامِ. وَالْأَظْهَرُ أَنَّ المُرَاد بِذكر الرحمان هُنَا الْقُرْآنُ، أَيِ الذِّكْرُ الْوَارِد من الرحمان. وَالْمُنَاسَبَةُ الِانْتِقَالُ مِنْ ذِكْرٍ إِلَى ذِكْرٍ. وَمَعْنَى كفرهم بِذكر الرحمان إِنْكَارُهُمْ أَنْ يَكُونَ الْقُرْآنُ آيَةً دَالَّةً عَلَى صِدْقِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ [الْأَنْبِيَاء: 5] . وَأَيْضًا كُفْرُهُمْ بِمَا جَاءَ بِهِ الْقُرْآنُ مِنْ إِثْبَاتِ الْبَعْثِ.
وَعَبَّرَ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى بَاسِمِ الرَّحْمنِ تَوَرُّكًا عَلَيْهِمْ إِذْ كَانُوا يَأْبَوْنَ أَن يكون الرحمان اسْمًا لِلَّهِ تَعَالَى: وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ قالُوا وَمَا الرَّحْمنُ أَنَسْجُدُ لِما تَأْمُرُنا وَزادَهُمْ نُفُوراً
فِي سُورَةِ [الْفُرْقَانِ: 60] .