المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة الحج (22) : الآيات 19 إلى 22] - التحرير والتنوير - جـ ١٧

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌21- سُورَةُ الْأَنْبِيَاءِ

- ‌أغراض السُّورَة:

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 2 الى 3]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 11 إِلَى 14]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 16 إِلَى 17]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 19 إِلَى 20]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 26 إِلَى 29]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 30]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 31]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 32]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 34]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 35]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 36]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 37]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 38 إِلَى 40]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 41]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 42 الى 44]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 45]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 46]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 47]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 48 إِلَى 50]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 51 إِلَى 57]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 58 إِلَى 61]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 62 إِلَى 67]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 68 إِلَى 69]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 70]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 71 إِلَى 73]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 74 إِلَى 75]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 76 إِلَى 77]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 78 الى 79]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 80]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 81]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 82]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 83 إِلَى 84]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 85 إِلَى 86]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 87 إِلَى 88]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 89 الى 90]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 91]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 92]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 93]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 94]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 95]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 96 إِلَى 97]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 98 إِلَى 100]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 101 إِلَى 103]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 104]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 105 إِلَى 106]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 107]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 108]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 109]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 110]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 111]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 112]

- ‌22- سُورَةُ الْحَجِّ

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : الْآيَات 6 إِلَى 7]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : الْآيَات 8 إِلَى 10]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : الْآيَات 19 إِلَى 22]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : الْآيَات 23 إِلَى 24]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : الْآيَات 27 إِلَى 28]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 29]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : الْآيَات 30 الى 31]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 32]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : الْآيَات 34 الى 35]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 36]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 37]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 38]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 39]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 40]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 41]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : الْآيَات 42 إِلَى 44]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 45]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 46]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 47]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 48]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : الْآيَات 49 إِلَى 51]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : الْآيَات 52 إِلَى 54]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 55]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : الْآيَات 56 إِلَى 59]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 60]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 61]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 62]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 63]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 64]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 65]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 66]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 67]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : الْآيَات 68 إِلَى 69]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 70]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 71]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 72]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 73]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 74]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 75]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 76]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 77]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 78]

الفصل: ‌[سورة الحج (22) : الآيات 19 إلى 22]

وَجُمْلَةُ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ مُعْتَرِضَةٌ بِالْوَاوِ.

وَجُمْلَةُ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ مُكْنًى بِهَا عَنْ تَرْكِ السُّجُودِ لِلَّهِ، أَيْ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْعَذَابُ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَسْجُدُوا لِلَّهِ، وَقَدْ قَضَى اللَّهُ فِي حُكْمِهِ اسْتِحْقَاقَ الْمُشْرِكِ لِعَذَابِ النَّارِ. فَالَّذِينَ أَشْرَكُوا بِاللَّهِ وَأَعْرَضُوا عَنْ إِفْرَادِهِ بِالْعِبَادَةِ قَدْ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْعَذَابُ بِمَا قَضَى اللَّهُ بِهِ وَأَنْذَرَهُمْ بِهِ.

وَجُمْلَةُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ اعْتِرَاضٌ ثَانٍ بِالْوَاوِ.

وَالْمَعْنَى: أَنَّ اللَّهَ أَهَانَهُمْ بِاسْتِحْقَاقِ الْعَذَابِ فَلَا يَجِدُونَ مَنْ يُكْرِمُهُمْ بِالنَّصْرِ أَوْ بِالشَّفَاعَةِ.

وَجُمْلَةُ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشاءُ فِي مَحَلِّ الْعِلَّةِ لِلْجُمْلَتَيْنِ الْمُعْتَرِضَتَيْنِ لِأَنَّ وُجُودَ حَرْفِ التَّوْكِيدِ فِي أَوَّلِ الْجُمْلَةِ مَعَ عَدَمِ الْمُنْكِرِ يُمَحِّضُ حَرْفَ التَّوْكِيدِ إِلَى إِفَادَةِ الِاهْتِمَامِ فَنَشَأَ مِنْ ذَلِكَ مَعْنَى السَّبَبِيَّةِ وَالتَّعْلِيلِ، فَتُغْنِي (إِنَّ) غَنَاءَ حَرْفِ التَّعْلِيلِ أَوِ السَّبَبِيَّةِ.

وَهَذَا مَوْضِعُ سُجُودٍ مِنْ سُجُودِ الْقُرْآنِ بِاتِّفَاق الْفُقَهَاء.

[19- 22]

[سُورَة الْحَج (22) : الْآيَات 19 إِلَى 22]

هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ (19) يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (20) وَلَهُمْ مَقامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (21) كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيها وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ (22)

مُقْتَضَى سِيَاقِ السُّورَةِ وَاتِّصَالِ آيِ السُّورَةِ وَتَتَابُعِهَا فِي النُّزُولِ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْآيَاتُ مُتَّصِلَةَ النُّزُولِ بِالْآيَاتِ الَّتِي قَبْلَهَا فَيَكُونُ مَوْقِعُ

ص: 227

جُمْلَةِ هذانِ خَصْمانِ مَوْقِعَ الِاسْتِئْنَافِ الْبَيَانِيِّ. لِأَنَّ قَوْلَهُ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ [الْحَج: 18] يُثِيرُ سُؤَالَ مَنْ يَسْأَلُ عَنْ بَعْضِ تَفْصِيلِ صِفَةِ الْعَذَابِ الَّذِي حَقَّ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ الَّذِينَ لَمْ يَسْجُدُوا لِلَّهِ تَعَالَى، فَجَاءَتْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ لِتَفْصِيلِ ذَلِكَ، فَهِيَ اسْتِئْنَافٌ بَيَانِيٌّ. فَاسْمُ الْإِشَارَةِ الْمُثَنَّى مُشِيرٌ إِلَى مَا يُفِيدُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ [الْحَج: 18] مِنِ انْقِسَامِ الْمَذْكُورِينَ إِلَى فَرِيقَيْنِ أَهْلِ تَوْحِيدٍ وَأَهْلِ شِرْكٍ كَمَا يَقْتَضِيهِ قَوْلُهُ: وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ [الْحَج: 18] مِنْ كَوْنِ أُولَئِكَ فَرِيقَيْنِ: فَرِيقٍ يَسْجُدُ لِلَّهِ تَعَالَى، وَفَرِيقٍ يَسْجُدُ لِغَيْرِهِ.

فَالْإِشَارَةُ إِلَى مَا يُسْتَفَادُ مِنَ الْكَلَامِ بِتَنْزِيلِهِ منزلَة مَا يُشَاهد بِالْعَيْنِ، وَمِثْلُهَا كَثِيرٌ فِي الْكَلَامِ.

وَالِاخْتِصَامُ: افْتِعَالٌ مِنَ الْخُصُومَةِ، وَهِيَ الْجَدَلُ وَالِاخْتِلَافُ بِالْقَوْلِ يُقَالُ: خَاصَمَهُ وَاخْتَصَمَا، وَهُوَ مِنَ الْأَفْعَالِ الْمُقْتَضِيَةِ جَانِبَيْنِ فَلِذَلِكَ لَمْ يُسْمَعْ مِنْهُ فِعْلٌ مُجَرَّدٌ إِلَّا إِذَا أُرِيدَ مِنْهُ مَعْنَى الْغَلَبِ فِي الْخُصُومَةِ لِأَنَّهُ بِذَلِكَ يَصِيرُ فَاعِلُهُ وَاحِدًا. وَتَقَدَّمَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً فِي [سُورَةِ النِّسَاءِ: 105] . وَاخْتِصَامُ فَرِيقَيِ الْمُؤْمِنِينَ وَغَيْرِهِمْ مَعْلُومٌ عِنْدَ السَّامِعِينَ قَدْ مَلَأَ الْفَضَاءَ جَلَبَتُهُ، فَالْإِخْبَارُ عَنِ الْفَرِيقَيْنِ بِأَنَّهُمَا خَصْمَانِ مَسُوقٌ لِغَيْرِ إِفَادَةِ الْخَبَرِ بَلْ تَمْهِيدًا لِلتَّفْصِيلِ فِي قَوْلِهِ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ.

فَالْمُرَادُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةَ مَا يَعُمُّ جَمِيعَ الْمُؤْمِنِينَ وَجَمِيعَ مُخَالِفِيهِمْ فِي الدِّينِ.

وَوَقَعَ فِي «الصَّحِيحَيْنِ» عَنْ أَبِي ذَرٍّ: أَنَّهُ كَانَ يُقْسِمُ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ نَزَلَتْ فِي حَمْزَةَ وَصَاحِبَيْهِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَعُتْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ الَّذِينَ

بَارَزُوا يَوْمَ بَدْرٍ شَيْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، وَعُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، وَالْوَلِيدَ بْنَ عُتْبَةَ.

ص: 228

وَفِي «صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ» عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: إِنَّا أَوَّلُ مَنْ يَجْثُو بَين يَدي الرحمان لِلْخُصُومَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ

. قَالَ قَيْسُ بْنُ عُبَادَةَ: وَفِيهِمْ نَزَلَتْ هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ. قَالَ: هُمُ الَّذِينَ بَارَزُوا يَوْمَ بَدْرٍ: عَلِيٌّ، وَحَمْزَةُ، وَعُبَيْدَةُ، وَشَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَعُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَالْوَلِيدُ بْنُ عُتْبَةَ. وَلَيْسَ فِي كَلَامِ عَلِيٍّ أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي يَوْمِ بَدْرٍ وَلَكِنَّ ذَلِكَ مُدْرَجٌ مِنْ كَلَامِ قَيْسِ بْنِ عُبَادَةَ، وَعَلَيْهِ فَهَذِهِ الْآيَةُ مَدَنِيَّةٌ فَتَكُونُ هذانِ إِشَارَةً إِلَى فَرِيقَيْنِ حَاضِرَيْنِ فِي أَذْهَانِ الْمُخَاطَبِينَ فَنُزِّلَ حُضُورُ قِصَّتِهِمَا الْعَجِيبَةِ فِي الْأَذْهَانِ مَنْزِلَةَ الْمُشَاهَدَةِ حَتَّى أُعِيدَ عَلَيْهَا اسْمُ الْإِشَارَةِ الْمَوْضُوعِ لِلْمُشَاهَدِ، وَهُوَ اسْتِعْمَالٌ فِي كَلَامِ الْبُلَغَاءِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ:«خَرَجْتُ لِأَنَصُرَ هَذَا الرَّجُلَ» يُرِيدُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فِي قِصَّةِ صِفِّينَ.

وَالْأَظْهَرُ أَنَّ أَبَا ذَرٍّ عُنِيَ بِنُزُولِ الْآيَةِ فِي هَؤُلَاءِ أَنَّ أُولَئِكَ النَّفَرَ السِّتَّةَ هُمْ أَبْرَزُ مِثَالٍ وَأَشْهَرُ فَرْدٍ فِي هَذَا الْعُمُومِ، فَعَبَّرَ بِالنُّزُولِ وَهُوَ يُرِيدُ أَنَّهُمْ مِمَّنْ يُقْصَدُ مِنْ مَعْنَى الْآيَةِ. وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ فِي كَلَامِ الْمُتَقَدِّمِينَ. وَالِاخْتِصَامُ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ حَقِيقِيٌّ وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي أُطْلِقَ الِاخْتِصَامُ عَلَى الْمُبَارَزَةِ مَجَازًا مُرْسَلًا لِأَنَّ الِاخْتِصَامَ فِي الدِّينِ هُوَ سَبَبُ تِلْكَ الْمُبَارَزَةِ.

وَاسْمُ الْخَصْمِ يُطْلَقُ عَلَى الْوَاحِدِ وَعَلَى الْجَمَاعَةِ إِذَا اتَّحَدَتْ خُصُومَتُهُمْ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ [ص: 21] فَلِمُرَاعَاةِ تَثْنِيَةِ اللَّفْظِ أُتِيَ بِاسْمِ الْإِشَارَةِ الْمَوْضُوعِ لِلْمُثَنَّى وَلِمُرَاعَاةِ الْعَدَدِ أُتِيَ بِضَمِيرِ الْجَمَاعَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:

اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ.

وَمَعْنَى فِي رَبِّهِمْ فِي شَأْنِهِ وَصِفَاتِهِ، فَالْكَلَامُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ ظَاهِرٍ. وَقَرَأَ الْجُمْهُور هاذان- بتَخْفِيف النُّون-. وقرأه ابْنُ كَثِيرٍ- بِتَشْدِيدِ النُّونِ- وَهُمَا لُغَتَانِ.

ص: 229

وَالتَّقْطِيعُ: مُبَالَغَةُ الْقَطْعِ، وَهُوَ فَصْلُ بَعْضِ أَجْزَاءِ شَيْءٍ عَنْ بَقِيَّتِهِ. وَالْمُرَادُ: قَطْعُ شُقَّةِ الثَّوْبِ. وَذَلِكَ أَنَّ الَّذِي يُرِيدُ اتِّخَاذَ قَمِيصٍ أَوْ نَحْوِهِ يَقْطَعُ مِنْ شُقَّةِ الثَّوْبِ مَا يَكْفِي كَمَا يُرِيدُهُ، فَصِيغَتْ صِيغَةَ الشَّدَّةِ فِي الْقَطْعِ لِلْإِشَارَةِ إِلَى السُّرْعَةِ فِي إِعْدَادِ ذَلِكَ لَهُمْ فَيُجْعَلُ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ. وَالثِّيَابُ مِنَ النَّارِ ثِيَابٌ مُحَرِّقَةٌ لِلْجُلُودِ وَذَلِكَ من شؤون الْآخِرَةِ.

وَالْحَمِيمُ: الْمَاءُ الشَّدِيدُ الْحَرَارَةِ.

وَالْإِصْهَارُ: الْإِذَابَةُ بِالنَّارِ أَوْ بِحَرَارَةِ الشَّمْسِ، يُقَالُ: أَصْهَرَهُ وَصَهَرَهُ.

وَمَا فِي بُطُونِهِمْ: أَمْعَاؤُهُمْ، أَيْ هُوَ شَدِيدٌ فِي النَّفَاذِ إِلَى بَاطِنِهِمْ.

وَالْمَقَامِعُ: جَمْعُ مِقْمَعَةٍ- بِكَسْرِ الْمِيمِ- بِصِيغَةِ اسْمِ آلَةِ الْقَمْعِ. وَالْقَمْعُ: الْكَفُّ عَنْ شَيْءٍ بِعُنْفٍ. وَالْمِقْمَعَةُ: السَّوْطُ، أَيْ يُضْرَبُونَ بِسِيَاطٍ مِنْ حَدِيدٍ.

وَمَعْنَى كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيها أَنَّهُمْ لِشِدَّةِ مَا يَغُمُّهُمْ، أَيْ يَمْنَعُهُمْ مِنَ التَّنَفُّسِ، يُحَاوِلُونَ الْخُرُوجَ فَيُعَادُونَ فِيهَا فَيَحْصُلُ لَهُمْ أَلَمُ الْخَيْبَةِ، وَيُقَالُ لَهُمْ: ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ.

وَالْحَرِيقُ: النَّارُ الضَّخْمَةُ الْمُنْتَشِرَةُ. وَهَذَا الْقَوْلُ إِهَانَةٌ لَهُمْ فَإِنَّهُمْ قَدْ عَلِمُوا أَنهم يذوقونه.

ص: 230