الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَعَلَى التَّفْسِيرِ الثَّانِي لِلشَّعَائِرِ تَكُونُ جُمْلَةُ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللَّهِ عَطْفًا عَلَى جُمْلَةِ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ [الْحَج: 28] تَخْصِيصًا لَهَا بِالذِّكْرِ بَعْدَ ذِكْرِ حُرُمَاتِ اللَّهِ.
وَضَمِيرُ فَإِنَّها عَائِدٌ إِلَى شَعَائِرِ اللَّهِ الْمُعَظَّمَةِ فَيَكُونُ الْمَعْنَى: فَإِنَّ تَعْظِيمَهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ.
وَقَوْلُهُ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ جَوَابُ الشَّرْطِ وَالرَّابِطُ بَيْنَ الشَّرْطِ وَجَوَابِهِ هُوَ الْعُمُومُ فِي قَوْلِهِ: الْقُلُوبِ فَإِنَّ مِنْ جُمْلَةِ الْقُلُوبِ قُلُوبَ الَّذِينَ يُعَظِّمُونَ شَعَائِرَ اللَّهِ.
فَالتَّقْدِيرُ: فَقَدْ حَلَّتِ التَّقْوَى قَلْبَهُ بِتَعْظِيمِ الشَّعَائِرِ لِأَنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ، أَيْ لِأَنَّ تَعْظِيمَهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ.
وَإِضَافَةُ تَقْوَى إِلَى الْقُلُوبِ لِأَنَّ تَعْظِيمَ الشَّعَائِرِ اعْتِقَادٌ قَلْبِيٌّ يَنْشَأُ عَنهُ الْعَمَل.
[33]
[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 33]
لَكُمْ فِيها مَنافِعُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ (33)
جُمْلَةُ لَكُمْ فِيها مَنافِعُ حَالٌ مِنَ الْأَنْعَامِ فِي قَوْلِهِ: وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعامُ [الْحَج: 30] وَمَا بَيْنَهُمَا اعْتِرَاضَاتٌ أَوْ حَالٌ مِنْ شَعائِرَ اللَّهِ [الْحَج: 32] عَلَى التَّفْسِيرِ الثَّانِي لِلشَّعَائِرِ. وَالْمَقْصُودُ بِالْخَبَرِ هُنَا: هُوَ صِنْفٌ مِنَ الْأَنْعَامِ، وَهُوَ صِنْفُ الْهَدَايَا بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ:
ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ.
وَضَمِيرُ الْخِطَابِ مُوَجَّهٌ لِلْمُؤْمِنِينَ.
وَالْمَنَافِعُ: جَمْعُ مَنْفَعَةٍ، وَهِيَ اسْمُ النَّفْعِ، وَهُوَ حُصُولُ مَا يُلَائِمُ وَيَحُفُّ. وَجَعْلُ الْمَنَافِعِ فِيهَا يَقْتَضِي أَنَّهَا انْتِفَاعٌ بِخَصَائِصِهَا مِمَّا يُرَادُ مِنْ نَوْعِهَا قَبْلَ أَنْ تَكُونَ هَدْيًا.
وَفِي هَذَا تَشْرِيعٌ لِإِبَاحَةِ الِانْتِفَاعِ بِالْهَدَايَا انْتِفَاعًا لَا يُتْلِفُهَا، وَهُوَ رَدٌّ عَلَى الْمُشْركين إِذْ كَانُوا إِذا قَلَّدُوا الْهَدْيَ وَأَشْعَرُوهُ حَظَرُوا الِانْتِفَاعَ بِهِ مِنْ رُكُوبِهِ وَحَمْلٍ عَلَيْهِ وَشُرْبِ لَبَنِهِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ.
وَفِي «الْمُوَطَّأِ» : «عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَأَى رَجُلًا يَسُوقُ بَدَنَةً فَقَالَ:
ارْكَبْهَا؟ فَقَالَ: إِنَّهَا بَدَنَةٌ، فَقَالَ: ارْكَبْهَا، فَقَالَ: إِنَّهَا بَدَنَةٌ، فَقَالَ: ارْكَبْهَا، وَيْلَكَ فِي الثَّانِيَةِ
أَوَ الثَّالِثَةِ»
. وَالْأَجَلُ الْمُسَمَّى هُوَ وَقْتُ نَحْرِهَا، وَهُوَ يَوْمٌ مِنْ أَيَّامِ مِنًى. وَهِيَ الْأَيَّامُ الْمَعْدُودَاتُ.
وَالْمَحِلُّ:- بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْحَاءِ- مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ مِنْ حَلَّ يَحِلُّ إِذَا بَلَغَ الْمَكَانَ وَاسْتَقَرَّ فِيهِ. وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ نِهَايَةِ أَمْرِهَا، كَمَا يُقَالُ: بَلَغَ الْغَايَةَ، وَنِهَايَةُ أَمْرِهَا النَّحْرُ أَوِ الذَّبْحُ.
وإِلى حَرْفُ انْتِهَاءٍ مَجَازِيٍّ لِأَنَّهَا لَا تُنْحَرُ فِي الْكَعْبَةِ، وَلَكِنَّ التَّقَرُّبَ بِهَا بِوَاسِطَةِ تَعْظِيمِ الْكَعْبَةِ لِأَنَّ الْهَدَايَا إِنَّمَا شُرِعَتْ تَكْمِلَةً لِشَرْعِ الْحَجِّ، وَالْحَجُّ قَصْدُ الْبَيْتِ. قَالَ تَعَالَى:
وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ [آل عمرَان: 97] ، فَالْهَدَايَا تَابِعَةٌ لِلْكَعْبَةِ، قَالَ تَعَالَى: هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ [الْمَائِدَة: 95] وَإِنْ كَانَتِ الْكَعْبَةُ لَا يُنْحَرُ فِيهَا، وَإِنَّمَا الْمَنَاحِرُ: مِنًى، وَالْمَرْوَةُ، وَفِجَاجُ مَكَّةَ أَيْ طُرُقُهَا بِحَسَبِ أَنْوَاعِ الْهَدَايَا، وَتَبْيِينُهُ فِي السُّنَّةِ.
وَقَدْ جَاءَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ رَدُّ الْعَجُزِ عَلَى الصَّدْرِ بِاعْتِبَارِ مَبْدَأِ هَذِهِ الْآيَاتِ وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ [الْحَج