المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة الحج (22) : الآيات 30 الى 31] - التحرير والتنوير - جـ ١٧

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌21- سُورَةُ الْأَنْبِيَاءِ

- ‌أغراض السُّورَة:

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 2 الى 3]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 11 إِلَى 14]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 16 إِلَى 17]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 19 إِلَى 20]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 26 إِلَى 29]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 30]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 31]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 32]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 34]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 35]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 36]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 37]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 38 إِلَى 40]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 41]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 42 الى 44]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 45]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 46]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 47]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 48 إِلَى 50]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 51 إِلَى 57]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 58 إِلَى 61]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 62 إِلَى 67]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 68 إِلَى 69]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 70]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 71 إِلَى 73]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 74 إِلَى 75]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 76 إِلَى 77]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 78 الى 79]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 80]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 81]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 82]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 83 إِلَى 84]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 85 إِلَى 86]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 87 إِلَى 88]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 89 الى 90]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 91]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 92]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 93]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 94]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 95]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 96 إِلَى 97]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 98 إِلَى 100]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 101 إِلَى 103]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 104]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 105 إِلَى 106]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 107]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 108]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 109]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 110]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 111]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 112]

- ‌22- سُورَةُ الْحَجِّ

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : الْآيَات 6 إِلَى 7]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : الْآيَات 8 إِلَى 10]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : الْآيَات 19 إِلَى 22]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : الْآيَات 23 إِلَى 24]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : الْآيَات 27 إِلَى 28]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 29]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : الْآيَات 30 الى 31]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 32]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : الْآيَات 34 الى 35]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 36]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 37]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 38]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 39]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 40]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 41]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : الْآيَات 42 إِلَى 44]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 45]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 46]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 47]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 48]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : الْآيَات 49 إِلَى 51]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : الْآيَات 52 إِلَى 54]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 55]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : الْآيَات 56 إِلَى 59]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 60]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 61]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 62]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 63]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 64]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 65]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 66]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 67]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : الْآيَات 68 إِلَى 69]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 70]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 71]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 72]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 73]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 74]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 75]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 76]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 77]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 78]

الفصل: ‌[سورة الحج (22) : الآيات 30 الى 31]

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ ثُمَّ لْيَقْضُوا- ولْيُوفُوا- ولْيَطَّوَّفُوا بِإِسْكَانِ لَامِ الْأَمْرِ فِي جَمِيعِهَا.

وَقَرَأَ ابْنُ ذَكْوَانَ عَنِ ابْنِ عَامِرٍ: وَلْيُوفُوا- ولْيَطَّوَّفُوا- بِكَسْرِ اللَّامِ فِيهِمَا-. وَقَرَأَ ابْنُ هِشَامٍ عَنِ ابْنِ عَامِرٍ، وَأَبُو عَمْرٍو، وَوَرْشٌ عَنْ نَافِعٍ، وَقُنْبُلٍ عَنِ ابْنِ كَثِيرٍ، وَرُوَيْسٌ عَنْ يَعْقُوبَ: ثُمَّ لْيَقْضُوا- بِكَسْرِ اللَّامِ-. وَتَقَدَّمَ تَوْجِيهُ الْوَجْهَيْنِ آنِفًا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: ثُمَّ لْيَقْطَعْ [الْحَج: 15] .

وَقَرَأَ أَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ وَلْيُوفُوا بِفَتْحِ الْوَاوِ وَتَشْدِيدِ الْفَاءِ مِنْ وَفَّى الْمُضَاعَفِ.

[30، 31]

[سُورَة الْحَج (22) : الْآيَات 30 الى 31]

ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعامُ إِلَاّ مَا يُتْلى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30) حُنَفاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكانٍ سَحِيقٍ (31)

ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ اسْمُ الْإِشَارَةِ مُسْتَعْمَلٌ هُنَا لِلْفَصْلِ بَيْنَ كَلَامَيْنِ أَوْ بَيْنَ وَجْهَيْنِ مِنْ كَلَامٍ وَاحِدٍ، وَالْقَصْدُ مِنْهُ التَّنْبِيهُ عَلَى الِاهْتِمَامِ بِمَا سَيُذْكَرُ بَعْدَهُ. فَالْإِشَارَةُ مُرَادٌ بِهَا التَّنْبِيهُ، وَذَلِكَ حَيْثُ يَكُونُ مَا بَعْدَهُ غَيْرَ صَالِحٍ لِوُقُوعِهِ خَبَرًا عَنِ اسْمِ الْإِشَارَةِ فَيَتَعَيَّنُ تَقْدِيرُ خَبَرٍ عَنْهُ فِي مَعْنَى:

ذَلِكَ بَيَانٌ، أَوْ ذِكْرٌ، وَهُوَ مِنْ أَسَالِيبِ الِاقْتِضَابِ فِي الِانْتِقَالِ. وَالْمَشْهُورُ فِي هَذَا الِاسْتِعْمَالِ لَفْظُ (هَذَا) كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ [ص: 55] وَقَوْلِ زُهَيْرٍ:

هَذَا وَلَيْسَ كَمَنْ يَعْيَا بِخُطْبَتِهِ

وَسْطَ النَّدِيِّ إِذَا مَا قَائِلٌ نَطَقَا

وَأُوثِرَ فِي الْآيَةِ اسْمُ إِشَارَةِ الْبَعِيدِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى بُعْدِ الْمَنْزِلَةِ كِنَايَةً عَنْ تَعْظِيمِ مَضْمُونِ مَا قَبْلَهُ.

فَاسْمُ الْإِشَارَةِ مُبْتَدَأٌ حُذِفَ خَبَرُهُ لِظُهُورِ تَقْدِيرِهِ، أَيْ ذَلِكَ بَيَانٌ وَنَحْوُهُ. وَهُوَ كَمَا يُقَدِّمُ الْكَاتِبُ جُمْلَةً مِنْ كِتَابِهِ فِي بَعْضِ الْأَغْرَاضِ فَإِذَا أَرَادَ الْخَوْضَ فِي غَرَضٍ آخَرَ، قَالَ: هَذَا وَقَدْ كَانَ كَذَا وَكَذَا.

ص: 251

وَجُمْلَةُ وَمَنْ يُعَظِّمْ إِلَخْ

مُعْتَرِضَةٌ عَطْفًا عَلَى جُمْلَةِ وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ [الْحَج: 26] عَطْفَ الْغَرَضِ عَلَى الْغَرَضِ. وَهُوَ انْتِقَالٌ إِلَى بَيَانِ مَا يَجِبُ الْحِفَاظُ عَلَيْهِ مِنَ الْحَنِيفِيَّةِ وَالتَّنْبِيهِ إِلَى أَنَّ الْإِسْلَامَ بُنِيَ عَلَى أَسَاسِهَا.

وَضَمِيرُ فَهُوَ عَائِدٌ إِلَى التَّعْظِيمِ الْمَأْخُوذِ مَنْ فِعْلِ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللَّهِ.

وَالْكَلَامُ مُوَجَّهٌ إِلَى الْمُسْلِمِينَ تَنْبِيهًا لَهُمْ عَلَى أَنَّ تِلْكَ الْحُرُمَاتِ لَمْ يُعَطِّلِ الْإِسْلَامُ حُرْمَتَهَا، فَيَكُونُ الِانْتِقَالُ مِنْ غَرَضٍ إِلَى غَرَضٍ وَمِنْ مُخَاطَبٍ إِلَى مُخَاطَبٍ آخَرَ. فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا يَعْتَمِرُونَ وَيَحُجُّونَ قَبْلَ إِيجَابِ الْحَجِّ عَلَيْهِمْ، أَيْ قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ.

وَالْحُرُمَاتُ: جَمْعُ حُرُمَةٍ- بِضَمَّتَيْنِ-: وَهِيَ مَا يَجِبُ احْتِرَامُهُ.

وَالِاحْتِرَامُ: اعْتِبَارُ الشَّيْءِ ذَا حَرَمٍ، كِنَايَةٌ عَنْ عَدَمِ الدُّخُولِ فِيهِ. أَيْ عَدَمِ انْتِهَاكِهِ بِمُخَالَفَةِ أَمْرِ اللَّهِ فِي شَأْنِهِ، وَالْحُرُمَاتُ يَشْمَلُ كُلَّ مَا أَوْصَى اللَّهُ بِتَعْظِيمِ أَمْرِهِ فَتَشْمَلُ مَنَاسِكَ الْحَجِّ كُلَّهَا.

وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: الْحُرُمَاتُ خَمْسٌ: الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ، وَالْبَيْتُ الْحَرَامُ، وَالْبَلَدُ الْحَرَامُ، وَالشَّهْرُ الْحَرَامُ، وَالْمُحْرِمُ مَا دَامَ مُحْرِمًا، فَقَصْرُهُ عَلَى الذَّوَاتِ دُونَ الْأَعْمَالِ.

وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْحُرُمَاتِ يَشْمَلُ الْهَدَايَا وَالْقَلَائِدَ وَالْمَشْعَرَ الْحَرَامَ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ أَعْمَالِ الْحَجِّ، كَالْغُسْلِ فِي مَوَاقِعِهِ، وَالْحَلْقِ وَمَوَاقِيتِهِ وَمَنَاسِكِهِ.

وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعامُ إِلَّا مَا يُتْلى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ حُنَفاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ لَمَّا ذَكَرَ آنِفًا بَهِيمَةَ الْأَنْعَامِ وَتَعْظِيمَ حُرُمَاتِ اللَّهِ أَعْقَبَ ذَلِكَ بِإِبْطَالِ مَا حَرَّمَهُ الْمُشْرِكُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ مِنَ الْأَنْعَامِ مِثْلِ: الْبَحِيرَةِ، وَالسَّائِبَةِ،

ص: 252

وَالْوَصِيلَةِ، وَالْحَامِي وَبَعْضِ مَا فِي بُطُونِهَا. وَقَدْ ذُكِرَ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ.

وَاسْتَثْنَى مِنْهُ مَا يُتْلَى تَحْرِيمُهُ فِي الْقُرْآنِ وَهُوَ مَا جَاءَ ذِكْرُهُ فِي [سُورَةِ الْأَنْعَامِ: 145] فِي قَوْلِهِ: قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً الْآيَاتِ وَمَا ذُكِرَ فِي سُورَةِ النَّحْلِ وَكِلْتَاهُمَا مَكِّيَّتَانِ سَابِقَتَانِ.

وَجِيءَ بِالْمُضَارِعِ فِي قَوْلِهِ: إِلَّا مَا يُتْلى عَلَيْكُمْ لِيَشْمَلَ مَا نَزَلْ مِنَ الْقُرْآنِ فِي ذَلِكَ مِمَّا سَبَقَ نُزُولَ سُورَةِ الْحَجِّ بِأَنَّهُ تُلِيَ فِيمَا مَضَى وَلَمْ يَزَلْ يُتْلَى، وَيَشْمَلُ مَا عَسَى أَنْ يَنْزِلَ مِنْ بَعْدُ مِثْلَ قَوْلِهِ: مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ الْآيَةَ فِي [سُورَةِ الْعُقُودِ: 103] .

وَالْأَمْرُ بِاجْتِنَابِ الْأَوْثَانِ مُسْتَعْمَلٌ فِي طَلَبِ الدَّوَامِ كَمَا فِي قَوْلِهِ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ [النِّسَاء: 136] . وَفُرِّعَ عَلَى ذَلِكَ جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ لِلتَّصْرِيحِ بِالْأَمْرِ بِاجْتِنَابِ مَا لَيْسَ مِنْ حُرُمَاتِ اللَّهِ، وَهُوَ الْأَوْثَانُ.

وَاجْتِنَابُ الْكَذِبِ عَلَى اللَّهِ بِقَوْلِهِمْ لِبَعْضِ الْمُحَرَّمَاتِ هَذَا حَلالٌ مِثْلِ الدَّمِ وَمَا أُهِّلَ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ، وَقَوْلِهِمْ لِبَعْضٍ: هَذَا حَرامٌ مِثْلِ الْبَحِيرَةِ، وَالسَّائِبَةِ. قَالَ تَعَالَى: وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ

[النَّحْل:

116] .

وَالرِّجْسُ: حَقِيقَتُهُ الْخُبْثُ وَالْقَذَارَةُ، وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَإِنَّهُ رِجْسٌ فِي [سُورَةِ الْأَنْعَامِ: 145] .

وَوَصْفُ الْأَوْثَانِ بِالرِّجْسِ أَنَّهَا رِجْسٌ مَعْنَوِيٌّ لِكَوْنِ اعْتِقَادِ إِلَهِيَّتِهَا فِي النُّفُوسِ بِمَنْزِلَةِ تَعَلُّقِ الْخُبْثِ بِالْأَجْسَادِ فَإِطْلَاقُ الرِّجْسِ عَلَيْهَا تَشْبِيهٌ بَلِيغٌ.

وَ (مِنَ) فِي قَوْلِهِ مِنَ الْأَوْثَانِ بَيَانٌ لِمُجْمَلِ الرِّجْسِ، فَهِيَ تَدْخُلُ عَلَى بَعْضِ أَسْمَاءِ

التَّمْيِيزِ بَيَانًا لِلْمُرَادِ مِنَ الرِّجْسِ هُنَا لَا أَنَّ مَعْنَى

ص: 253

ذَلِكَ أَنَّ الرِّجْسَ هُوَ عَيْنُ الْأَوْثَانِ بَلِ الرِّجْسُ أَعَمُّ أُرِيدَ بِهِ هُنَا بَعْضُ أَنْوَاعِهِ فَهَذَا تَحْقِيقُ مَعْنَى (مِنْ) الْبَيَانِيَّةِ.

وحُنَفاءَ لِلَّهِ حَالٌ من ضمير فَاجْتَنِبُوا أَيْ تَكُونُوا إِنِ اجْتَنَبْتُمْ ذَلِكَ حُنَفَاءَ لِلَّهِ، جَمْعُ حَنِيفٍ وَهُوَ الْمُخْلِصُ لِلَّهِ فِي الْعِبَادَةِ، أَيْ تَكُونُوا عَلَى مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ حَقًّا، وَلِذَلِكَ زَادَ مَعْنَى حُنَفاءَ بَيَانًا بِقَوْلِهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ. وَهَذَا كَقَوْلِهِ: إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [النَّحْل: 120] .

وَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ مُشْرِكِينَ بِهِ لِلْمُصَاحَبَةِ وَالْمَعِيَّةِ، أَيْ غَيْرَ مُشْرِكِينَ مَعَهُ غَيْرَهُ.

وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكانٍ سَحِيقٍ أُعْقِبَ نَهْيُهُمْ عَنِ الْأَوْثَانِ بِتَمْثِيلِ فَظَاعَةِ حَالِ مَنْ يُشْرِكُ بِاللَّهِ فِي مَصِيرِهِ بِالشِّرْكِ إِلَى حَالِ انْحِطَاطِ وَتَلَقُّفِ الضَّلَالَاتِ إِيَّاهُ وَيَأْسِهِ مِنَ النَّجَاةِ مَا دَامَ مُشْرِكًا تَمْثِيلًا بَدِيعًا إِذْ كَانَ مِنْ قَبِيلِ التَّمْثِيلِ الْقَابِلِ لِتَفْرِيقِ أَجْزَائِهِ إِلَى تَشْبِيهَاتٍ.

قَالَ فِي «الْكَشَّافِ» : «يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا التَّشْبِيهُ مِنَ الْمُرَكَّبِ وَالْمُفَرَّقِ بِأَنْ صَوَّرَ حَالَ الْمُشْرِكِ بِصُورَةِ حَالِ مَنْ خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَطَفَتْهُ الطَّيْرُ فَتَفَرَّقَ مَزْعًا فِي حَوَاصِلِهَا، أَوْ عَصَفَتْ بِهِ الرِّيحُ حَتَّى هَوَتْ بِهِ فِي بَعْضِ الْمَطَاوِحِ الْبَعِيدَةِ، وَإِنْ كَانَ مُفَرَّقًا فَقَدْ شُبِّهَ الْإِيمَانُ فِي عُلُوِّهِ بِالسَّمَاءِ، وَالَّذِي تَرَكَ الْإِيمَانَ وَأَشْرَكَ بِاللَّهِ بِالسَّاقِطِ مِنَ السَّمَاءِ، وَالْأَهْوَاءَ الَّتِي تَتَوَزَّعُ أَفْكَارَهُ بِالطَّيْرِ الْمُخْتَطِفَةِ، وَالشَّيْطَانَ الَّذِي يُطَوِّحُ

ص: 254

بِهِ فِي وَادِي الضَّلَالَةِ بِالرِّيحِ الَّتِي تَهْوِي بِمَا عَصَفَتْ بِهِ فِي بَعْضِ المهاوي المتلفة» . أ. هـ.

يَعْنِي أَنَّ الْمُشْرِكَ لَمَّا عَدَلَ عَنِ الْإِيمَانِ الْفِطْرِيِّ وَكَانَ فِي مِكْنَتِهِ فَكَأَنَّهُ كَانَ فِي السَّمَاءِ فَسَقَطَ مِنْهَا، فَتَوَزَّعَتْهُ أَنْوَاعُ الْمَهَالِكِ، وَلَا يَخْفَى عَلَيْكَ أَنَّ فِي مَطَاوِي هَذَا التَّمْثِيلِ تَشْبِيهَاتٍ كَثِيرَةً لَا يَعُوزُكَ اسْتِخْرَاجُهَا.

وَالسَّحِيقُ: الْبَعِيدُ فَلَا نَجَاةَ لِمَنْ حَلَّ فِيهِ.

وَقَوْلُهُ: أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ تَخْيِيرٌ فِي نَتِيجَةِ التَّشْبِيهِ، كَقَوْلِهِ: أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ [الْبَقَرَة: 19] . أَشَارَتِ الْآيَةُ إِلَى أَنَّ الْكَافِرِينَ قِسْمَانِ: قِسْمٌ شِرْكُهُ ذَبْذَبَةٌ وَشَكٌّ، فَهَذَا مُشَبَّهٌ بِمَنِ اخْتَطَفَتْهُ الطَّيْرُ فَلَا يَسْتَوْلِي طَائِرٌ عَلَى مِزْعَةٍ مِنْهُ إِلَّا انْتَهَبَهَا مِنْهُ آخَرُ، فَكَذَلِكَ الْمُذَبْذَبُ مَتَى لَاحَ لَهُ خَيَالٌ اتَّبَعَهُ وَتَرَكَ مَا كَانَ عَلَيْهِ. وَقِسْمٌ مُصَمِّمٌ عَلَى الْكُفْرِ مُسْتَقِرٌّ فِيهِ، فَهُوَ مُشَبَّهٌ بِمَنْ أَلْقَتْهُ الرِّيحُ فِي وَادٍ سَحِيقٍ، وَهُوَ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ مَنْ شِرْكُهُ لَا

يُرْجَى مِنْهُ خَلَاصٌ كَالَّذِي تَخَطَّفَتْهُ الطَّيْرُ، وَمِنْهُمْ مَنْ شِرْكُهُ قَدْ يَخْلُصُ مِنْهُ بِالتَّوْبَةِ إِلَّا أَنَّ تَوْبَتَهُ أَمْرٌ بَعِيدٌ عَسِيرُ الْحُصُولِ.

وَالْخُرُورُ: السُّقُوطُ. وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ فِي [سُورَة النَّحْل: 26] .

وفَتَخْطَفُهُ مُضَاعَفُ خَطِفَ لِلْمُبَالِغَةِ، الْخَطْفُ وَالْخَطَفُ: أَخْذُ شَيْءٍ بِسُرْعَةٍ سَوَاءً كَانَ فِي الْأَرْضِ أَمْ كَانَ فِي الْجَوِّ وَمِنْهُ تَخَطُّفُ الْكُرَةِ. وَالْهُوِيُّ: نُزُولُ شَيْءٍ مِنْ عُلُوٍّ إِلَى الْأَرْضِ. وَالْبَاءُ فِي تَهْوِي بِهِ لِلتَّعْدِيَةِ مِثْلُهَا فِي: ذَهَبَ بِهِ.

وَقَرَأَ نَافِعٌ، وَأَبُو جَعْفَرٍ فَتَخْطَفُهُ- بِفَتْحِ الْخَاءِ وَتَشْدِيدِ الطَّاءِ مَفْتُوحَةً- مُضَارِعِ خَطَّفَ الْمُضَاعَفِ. وَقَرَأَهُ الْجُمْهُورُ- بِسُكُونِ الْخَاءِ وَفَتْحِ الطَّاءِ مُخَفَّفَةً- مُضَارِعِ خطف المجرّد.

ص: 255