المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة الحج (22) : آية 78] - التحرير والتنوير - جـ ١٧

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌21- سُورَةُ الْأَنْبِيَاءِ

- ‌أغراض السُّورَة:

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 2 الى 3]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 11 إِلَى 14]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 16 إِلَى 17]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 19 إِلَى 20]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 26 إِلَى 29]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 30]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 31]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 32]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 34]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 35]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 36]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 37]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 38 إِلَى 40]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 41]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 42 الى 44]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 45]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 46]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 47]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 48 إِلَى 50]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 51 إِلَى 57]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 58 إِلَى 61]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 62 إِلَى 67]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 68 إِلَى 69]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 70]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 71 إِلَى 73]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 74 إِلَى 75]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 76 إِلَى 77]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 78 الى 79]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 80]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 81]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 82]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 83 إِلَى 84]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 85 إِلَى 86]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 87 إِلَى 88]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 89 الى 90]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 91]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 92]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 93]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 94]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 95]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 96 إِلَى 97]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 98 إِلَى 100]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 101 إِلَى 103]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 104]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 105 إِلَى 106]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 107]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 108]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 109]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 110]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 111]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 112]

- ‌22- سُورَةُ الْحَجِّ

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : الْآيَات 6 إِلَى 7]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : الْآيَات 8 إِلَى 10]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : الْآيَات 19 إِلَى 22]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : الْآيَات 23 إِلَى 24]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : الْآيَات 27 إِلَى 28]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 29]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : الْآيَات 30 الى 31]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 32]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : الْآيَات 34 الى 35]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 36]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 37]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 38]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 39]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 40]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 41]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : الْآيَات 42 إِلَى 44]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 45]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 46]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 47]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 48]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : الْآيَات 49 إِلَى 51]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : الْآيَات 52 إِلَى 54]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 55]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : الْآيَات 56 إِلَى 59]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 60]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 61]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 62]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 63]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 64]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 65]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 66]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 67]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : الْآيَات 68 إِلَى 69]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 70]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 71]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 72]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 73]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 74]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 75]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 76]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 77]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 78]

الفصل: ‌[سورة الحج (22) : آية 78]

فِي رِوَايَةِ الْمَدَنِيِّينَ مِنْ أَصْحَابِهِ عَنْهُ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي «الْكَافِي» : «وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا مَنْ يَرَى السُّجُودَ فِي الثَّانِيَةِ مِنَ الْحَجِّ قَالَ: وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ» . وَتَحْصِيلُ مَذْهَبِهِ أَنَّهَا إِحْدَى عَشْرَةَ سَجْدَةً لَيْسَ فِي الْمُفَصَّلِ مِنْهَا شَيْءٌ» ، فَلَمْ يَنْسِبْهُ إِلَى مَالِكٍ إِلَّا مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ، وَكَذَلِكَ ابْنُ رُشْدٍ فِي «الْمُقَدِّمَاتِ» : فَمَا نَسَبَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ إِلَى الْمَدَنِيِّينَ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ غَرِيبٌ.

وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ مِشْرَحٍ (1) عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: «قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فُضِّلَتْ سُورَةُ الْحَجِّ لِأَنَّ فِيهَا سَجْدَتَيْنِ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَمَنْ لَمْ يَسْجُدْهُمَا فَلَا يَقْرَأْهُمَا»

اه. قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ إِسْنَادُهُ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ اه، أَيْ مِنْ أَجْلِ أَنَّ ابْنَ لَهِيعَةَ ضَعَّفَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، وَقَالَ مُسْلِمٌ: تَرَكَهُ وَكِيعٌ، وَالْقَطَّانُ، وَابْنُ مَهْدِيٍّ. وَقَالَ أَحْمَدُ:

احْتَرَقَتْ كُتُبُهُ فَمَنْ رَوَى عَنْهُ قَدِيمًا (أَيْ قَبْلَ احْتِرَاقِ كُتُبِهِ) قُبِلَ.

[78]

[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 78]

وَجاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78)

وَجاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ

الْجِهَادُ بِصِيغَةِ الْمُفَاعَلَةِ حَقِيقَةٌ عُرْفِيَّةٌ فِي قِتَالِ أَعْدَاءِ الْمُسْلِمِينَ فِي الدِّينِ لِأَجْلِ إِعْلَاءِ كَلِمَةِ الْإِسْلَامِ أَوْ لِلدَّفْعِ عَنْهُ كَمَا

فَسَّرَهُ النَّبِيءُ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ»

. وَأَنَّ مَا

رُوِيَ عَنِ النَّبِيءِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ حِينَ قَفَلَ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: «رَجَعْنَا مِنَ الْجِهَادِ الْأَصْغَرِ إِلَى الْجِهَادِ الْأَكْبَرِ»

، وَفَسَّرَهُ لَهُمْ بِمُجَاهَدَةِ الْعَبْدِ هَوَاهُ (2) ، فَذَلِكَ

(1) مشرح- بميم مَكْسُورَة فشين مُعْجمَة سَاكِنة هُوَ ابْن عاهان الْمعَافِرِي تَابِعِيّ توفى سنة 120 هـ.

(2)

رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ عَن جَابر بن عبد الله بِسَنَد ضَعِيف.

ص: 347

مَحْمُولٌ عَلَى الْمُشَاكَلَةِ بِإِطْلَاقِ الْجِهَادِ عَلَى مَنْعِ دَاعِي النَّفْسِ إِلَى الْمَعْصِيَةِ.

وَمَعْنَى (فِي) التَّعْلِيلُ، أَيْ لِأَجْلِ اللَّهِ، أَيْ لِأَجْلِ نَصْرِ دِينِهِ

كَقَوْلِ النَّبِيءِ صلى الله عليه وسلم: «دَخَلَتِ

امْرَأَةٌ النَّارَ فِي هِرَّةٍ» أَيْ لِأَجْلِ هِرَّةٍ، أَيْ لِعَمَلٍ يَتَعَلَّقُ بِهِرَّةٍ كَمَا بَيِّنَهُ بِقَوْلِهِ:«حَبَسَتْهَا لَا هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَلَا هِيَ أَرْسَلَتْهَا تُرَمِّمُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ حَتَّى مَاتَتْ هَزْلًا»

. وَانْتَصَبَ حَقَّ جِهادِهِ عَلَى الْمَفْعُولِ الْمُطْلَقِ الْمُبَيِّنِ لِلنَّوْعِ، وَأُضِيفَتِ الصِّفَةُ إِلَى الْمَوْصُوفِ، وَأَصْلُهُ: جِهَادَهُ الْحَقَّ، وَإِضَافَةُ جِهَادٍ إِلَى ضَمِيرِ الْجَلَالَةِ لِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ، أَيْ حَقَّ الْجِهَادِ لِأَجْلِهِ، وَقَرِينَةُ الْمُرَادِ تَقَدُّمُ حَرْفِ (فِي) كَقَوْلِهِ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ [آل عمرَان: 102] .

وَالْحَقُّ بِمَعْنَى الْخَالِصِ، أَيِ الْجِهَادُ الَّذِي لَا يَشُوبُهُ تَقْصِيرٌ.

وَالْآيَةُ أَمْرٌ بِالْجِهَادِ، وَلَعَلَّهَا أَوَّلُ آيَةٍ جَاءَتْ فِي الْأَمْرِ بِالْجِهَادِ لِأَنَّ السُّورَةَ بَعْضَهَا مَكِّيٌّ وَبَعْضَهَا مَدَنِيٌّ وَلِأَنَّهُ تَقَدَّمَ آنِفًا قَوْلُهُ: ذلِكَ وَمَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ [الْحَج: 60] ، فَهَذَا الْآنَ أَمْرٌ بِالْأَخْذِ فِي وَسَائِلِ النَّصْرِ، فَالْآيَةُ نَزَلَتْ قَبْلَ وَقْعَةِ بِدْرٍ لَا مَحَالَةَ.

ص: 348

هُوَ اجْتَباكُمْ وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ جُمْلَةُ هُوَ اجْتَباكُمْ إِنْ حُمِلَتْ عَلَى أَنَّهَا وَاقِعَةٌ مَوْقِعَ الْعِلَّةِ لِمَا أُمِرُوا بِهِ ابْتِدَاءً مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا [الْحَج: 77] إِلَخْ، أَيْ لِأَنَّهُ لَمَّا اجْتَبَاكُمْ، كَانَ حَقِيقًا بِالشُّكْرِ لَهُ بِتِلْكَ الْخِصَالِ الْمَأْمُورِ بِهَا.

وَالِاجْتِبَاءُ: الِاصْطِفَاءُ وَالِاخْتِبَارُ، أَيْ هُوَ اخْتَارَكُمْ لِتَلَقِّي دِينِهِ وَنَشْرِهِ وَنَصْرِهِ عَلَى مُعَانِدِيهِ. فَيَظْهَرُ أَنَّ هَذَا مُوَجَّهٌ لِأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَصَالَةً وَيَشْرِكُهُمْ فِيهِ كُلُّ مَنْ جَاءَ بِعْدَهُمْ بِحُكْمِ اتِّحَادِ الْوَصْفِ فِي الْأَجْيَالِ كَمَا هُوَ الشَّأْنُ فِي مُخَاطِبَاتِ التَّشْرِيعِ.

وَإِنْ حُمِلَ قَوْلُهُ هُوَ اجْتَباكُمْ عَلَى مَعْنَى التَّفْضِيلِ عَلَى الْأُمَمِ كَانَ مَلْحُوظًا فِيهِ تَفْضِيلُ مَجْمُوعِ الْأُمَّةِ عَلَى مَجْمُوعِ الْأُمَمِ السَّابِقَةِ الرَّاجِعِ إِلَى تَفْضِيلِ كُلِّ طَبَقَةٍ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى الطَّبَقَةِ الْمُمَاثِلَةِ لَهَا مِنَ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ.

وَقَدْ تَقَدَّمَ مِثْلُ هَذَيْنِ الْمَحْمَلَيْنِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [آل عمرَان: 110] .

وَأُعْقِبَ ذَلِكَ بِتَفْضِيلِ هَذَا الدِّينِ الْمُسْتَتْبِعِ تَفْضِيلَ أَهْلِهِ بِأَنْ جَعَلَهُ دِينًا لَا حَرَجَ فِيهِ لِأَنَّ ذَلِكَ يُسَهِّلُ الْعَمَلَ بِهِ مَعَ حُصُولِ مَقْصِدِ الشَّرِيعَةِ مِنَ الْعَمَلِ فَيَسْعَدُ أَهْلُهُ بِسُهُولَةِ امْتِثَالِهِ، وَقَدِ امْتَنَّ اللَّهُ تَعَالَى بِهَذَا الْمَعْنَى فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ، مِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى:

ص: 349

يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ [الْبَقَرَة: 185] . وَوَصْفُهُ الدِّينَ بِالْحَنِيفِ،

وَقَالَ النَّبِيءُ صلى الله عليه وسلم: «بُعِثْتُ بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ»

. وَالْحَرَجُ: الضِّيقُ، أُطْلِقَ عَلَى عُسْرِ الْأَفْعَالِ تَشْبِيهًا لِلْمَعْقُولِ بِالْمَحْسُوسِ ثُمَّ شَاعَ ذَلِكَ حَتَّى صَارَ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً كَمَا هُنَا.

وَالْمِلَّةُ: الدِّينُ وَالشَّرِيعَةُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً فِي [سُورَةِ النَّحْلِ: 123] . وَقَوْلِهِ: وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي فِي [سُورَةِ يُوسُفَ: 38] .

وَقَوْلُهُ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ زِيَادَةٌ فِي التَّنْوِيهِ بِهَذَا الدِّينِ وَتَحْضِيضٌ عَلَى الْأَخْذِ بِهِ بِأَنَّهُ اخْتُصَّ بِأَنَّهُ دِينٌ جَاءَ بِهِ رَسُولَانِ إِبْرَاهِيمُ وَمُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم وَهَذَا لَمْ يَسْتَتِبَّ لِدِينٍ آخَرَ، وَهُوَ مَعْنَى

قَوْلِ النَّبِيءِ صلى الله عليه وسلم: «أَنَا دَعْوَةُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ»

(1)

أَيْ بِقَوْلِهِ: رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ [الْبَقَرَة: 129] ، وَإِذ قَدْ كَانَ هَذَا هُوَ الْمَقْصُودُ فَمَحْمَلُ الْكَلَامِ أَنَّ هَذَا الدِّينَ دِينُ إِبْرَاهِيمَ، أَيْ أَنَّ الْإِسْلَامَ احْتَوَى عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ عليه الصلاة والسلام. وَمَعْلُومٌ أَنَّ لِلْإِسْلَامِ أَحْكَامًا كَثِيرَةً وَلَكِنَّهُ اشْتَمَلَ عَلَى مَا لَمْ يَشْتَمِلْ عَلَيْهِ غَيْرُهُ مِنَ الشَّرَائِعَ الْأُخْرَى مِنْ دِينِ إِبْرَاهِيمَ، جُعِلَ كَأَنَّهُ عَيْنُ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ، فَعَلَى هَذَا الِاعْتِبَارِ يَكُونُ انْتِصَابُ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ عَلَى الْحَالِ مِنَ الدِّينِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْإِسْلَامَ حَوَى مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ.

ثُمَّ إِنْ كَانَ الْخِطَابُ مُوَجَّهًا إِلَى الَّذِينَ صَحِبُوا النَّبِيءَ صلى الله عليه وسلم فَإِضَافَةُ أُبُوَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَيْهِمْ بِاعْتِبَارِ غَالِبِ الْأُمَّةِ، لِأَنَّ غَالِبَ الْأُمَّةِ يَوْمَئِذٍ مِنَ الْعَرَبِ الْمُضَرِيَّةِ وَأَمَّا الْأَنْصَارُ فَإِنَّ نَسَبَهُمْ لَا يَنْتَمِي إِلَى إِبْرَاهِيمَ عليه الصلاة والسلام لِأَنَّهُمْ مِنَ الْعَرَبِ الْقَحْطَانِيِّينَ عَلَى أَنَّ أَكْثَرَهُمْ كَانَتْ لِإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِمْ وِلَادَةٌ مِنْ قِبَلِ الْأُمَّهَاتِ.

(1) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ عَن عبَادَة بن الصَّامِت.

ص: 350

وَإِنْ كَانَ الْخِطَابُ لِعُمُومِ الْمُسْلِمِينَ كَانَتْ إِضَافَةُ أُبُوَّةِ إِبْرَاهِيمَ لَهُمْ عَلَى مَعْنَى التَّشْبِيهِ فِي الْحُرْمَةِ وَاسْتِحْقَاقِ التَّعْظِيمِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ [الْأَحْزَاب: 6]، وَلِأَنَّهُ أَبُو النَّبِيءِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وَمُحَمَّدٌ لَهُ مَقَامُ الْأُبُوَّةِ للْمُسلمين وَقد قرىء قَوْلُهُ تَعَالَى:

وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ [الْأَحْزَاب: 6] بِزِيَادَةِ وَهُوَ أَبُوهُمْ.

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْخِطَابُ لِلنَّبِيءِ صلى الله عليه وسلم عَلَى طَرِيقَةِ التَّعْظِيمِ كَأَنَّهُ قَالَ: مِلَّةَ أَبِيكَ إِبْرَاهِيمَ.

وَالضَّمِيرُ فِي هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ عَائِدٌ إِلَى الْجَلَالَةِ كَضَمِيرِ هُوَ اجْتَباكُمْ فَتَكُونُ الْجُمْلَةُ اسْتِئْنَافًا ثَانِيًا، أَيْ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَخَصَّكُمْ بِهَذَا الِاسْمِ الْجَلِيلِ فَلَمْ يُعْطِهِ غَيْرَكُمْ وَلَا يَعُودُ إِلَى إِبْرَاهِيمَ.

وقَبْلُ إِذَا بُنِيَ عَلَى الضَّمِّ كَانَ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ إِلَيْهِ مَنَوِيٍّ بِمَعْنَاهُ دُونَ لَفْظِهِ.

وَالِاسْمُ الَّذِي أُضِيفَ إِلَيْهِ قَبْلُ مَحْذُوفٌ، وَبُنِيَ قَبْلُ عَلَى الضَّمِّ إِشْعَارًا بِالْمُضَافِ إِلَيْهِ. وَالتَّقْدِيرُ: مِنْ قَبْلِ الْقُرْآنِ. وَالْقَرِينَةُ قَوْلُهُ وَفِي هَذَا، أَيْ وَفِي هَذَا الْقُرْآنِ.

وَالْإِشَارَةُ فِي قَوْلِهِ وَفِي هَذَا إِلَى الْقُرْآنِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ائْتُونِي بِكِتابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ [الْأَحْقَاف: 4]، أَيْ وَسَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ فِي الْقُرْآنِ. وَذَلِكَ فِي نَحْوِ قَوْلِهِ: فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ [آل عمرَان: 64] وَقَوْلِهِ: وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ [الزمر: 12] .

وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا [الْحَج: 77] أَوْ بِقَوْلِهِ اجْتَباكُمْ أَيْ لِيَكُونَ الرَّسُولُ، أَي مُحَمَّد عليه الصلاة والسلام شَهِيدًا عَلَى الْأُمَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ بِأَنَّهَا آمَنَتْ بِهِ، وَتَكُونُ الْأُمَّةُ الْإِسْلَامِيَّةُ شَاهِدَةً عَلَى النَّاسِ، أَيْ عَلَى الْأُمَمِ بِأَنَّ

ص: 351

رُسُلَهُمْ بَلَّغُوهُمُ الدَّعْوَةَ فَكَفَرَ بِهِمُ الْكَافِرُونَ. وَمِنْ جُمْلَةِ النَّاسِ الْقَوْمُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم.

وَقُدِّمَتْ شَهَادَةُ الرَّسُولِ لِلْأُمَّةِ هُنَا، وَقُدِّمَتْ شَهَادَةُ الْأُمَّةِ فِي آيَةِ [الْبَقَرَةِ: 143] وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً لِأَنَّ آيَةَ هَذِهِ السُّورَةِ فِي مَقَامِ التَّنْوِيهِ بِالدِّينِ الَّذِي جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ. فَالرَّسُولُ هُنَا أَسْبَقُ إِلَى الْحُضُورِ فَكَانَ ذِكْرُ شَهَادَتِهِ أَهَمَّ، وَآيَةُ الْبَقَرَةِ صُدِّرَتْ بِالثَّنَاءِ عَلَى الْأُمَّةِ فَكَانَ ذِكْرُ شَهَادَةِ الْأُمَّةِ أَهَمَّ.

فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ تَفْرِيعٌ عَلَى جُمْلَةِ هُوَ اجْتَباكُمْ وَمَا بَعْدَهَا، أَيْ فَاشْكُرُوا اللَّهَ بِالدَّوَامِ عَلَى إِقَامَةِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالِاعْتِصَامِ بِاللَّهِ.

وَالِاعْتِصَامُ: افْتِعَالٌ مِنَ الْعَصْمِ، وَهُوَ الْمَنْعُ مِنَ الضُّرِّ وَالنَّجَاةُ، قَالَ تَعَالَى: قالَ سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ قالَ لَا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ [هود: 43]، وَقَالَ النَّابِغَةُ:

يَظَلُّ مِنْ خَوْفِهِ الْمَلَّاحُ مُعْتَصِمًا

بِالْخَيْزُرَانَةِ بَعْدَ الْأَيْنِ وَالنَّجَدِ

وَالْمَعْنَى: اجْعَلُوا اللَّهِ مَلْجَأَكُمْ وَمَنْجَاكُمْ.

وَجُمْلَةُ هُوَ مَوْلاكُمْ مُسْتَأْنَفَةٌ مُعَلِّلَةٌ لِلْأَمْرِ بِالِاعْتِصَامِ بِاللَّهِ لِأَنَّ الْمَوْلَى يُعْتَصَمُ بِهِ وَيُرْجَعُ إِلَيْهِ لِعَظِيمِ قُدْرَتِهِ وَبَدِيعِ حِكْمَتِهِ.

وَالْمَوْلَى: السَّيِّدُ الَّذِي يُرَاعِي صَلَاحَ عَبْدِهِ.

ص: 352

وَفُرِّعَ عَلَيْهِ إِنْشَاءُ الثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ بِأَنَّهُ أَحْسَنُ مَوْلًى وَأَحْسَنُ نَصِيرٍ. أَيْ نعم الْمُدبر لشؤونكم، وَنعم النَّاصِرُ لَكُمْ. وَنَصِيرٌ: صِيغَةُ مُبَالَغَةٍ فِي النَّصْرِ، أَيْ نِعْمَ الْمَوْلَى لَكُمْ وَنِعْمَ النَّصِيرُ لَكُمْ. وَأَمَّا الْكَافِرُونَ فَلَا يَتَوَلَّاهُمْ تَوَلِّي الْعِنَايَةِ وَلَا يَنْصُرُهُمْ.

وَهَذَا الْإِنْشَاءُ يَتَضَمَّنُ تَحْقِيقَ حُسْنِ وِلَايَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَحُسْنِ نَصْرِهِ. وَبِذَلِكَ الِاعْتِبَارِ حَسُنَ تَفْرِيعُهُ عَلَى الْأَمْرِ بِالِاعْتِصَامِ بِهِ.

وَهَذَا مِنْ بَرَاعَةِ الْخِتَامِ، كَمَا هُوَ بَيِّنٌ لِذَوِي الْأَفْهَامِ.

ص: 353