الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَنْهُمْ فِي تَقْرِيرِهِ وَجُعِلَ مِنَ الْكَلَامِ الْمُوَجَّهِ إِلَى كُلِّ سَامِعٍ وَجُعِلُوا فِيهِ مُعَبَّرًا عَنْهُمْ بِضَمَائِرِ الْغَيْبَةِ، وَلَمَّا أُرِيدَ تَجْهِيلُهُمْ وَإِلْجَاؤُهُمْ إِلَى الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ غُيِّرَ الْكَلَامُ إِلَى الْخِطَابِ تَسْجِيلًا عَلَيْهِمْ وَتَقْرِيعًا لَهُم بتجهيلهم.
[8]
[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 8]
وَما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لَا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَما كانُوا خالِدِينَ (8)
الْجَسَدُ: الْجِسْمُ الَّذِي لَا حَيَاةَ فِيهِ، وَهُوَ يُرَادِفُ الْجُثَّةَ. هَذَا قَوْلُ الْمُحَقِّقين من أيمة اللُّغَةِ مِثْلِ أَبِي إِسْحَاقَ الزَّجَّاجِ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَداً [طه:
88] . وَقَدْ تَقَدَّمَ هُنَاكَ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً [ص: 34] . قِيلَ هُوَ شِقُّ غُلَامٍ لَا رُوحَ فِيهِ وَلَدَتْهُ إِحْدَى نِسَائِهِ، أَيْ مَا جَعَلْنَاهُمْ أَجْرَامًا غَيْرَ مُنْبَثَّةٍ فِيهَا الْأَرْوَاحُ بِحَيْثُ تَنْتَفِي عَنْهُمْ صِفَاتُ الْبَشَرِ الَّتِي خَاصَّتُهَا أَكْلُ الطَّعَامِ، وَهَذَا رَدٌّ لما يَقُولُونَهُ مالِ هذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ [الْفرْقَان: 7] مَعَ قَوْلِهِمْ هُنَا هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ [الْأَنْبِيَاء: 3] .
وَذِكْرُ الْجَسَدِ يُفِيدُ التَّهَكُّمَ بِالْمُشْرِكِينَ لِأَنَّهُمْ لما قَالُوا مالِ هذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ [الْفرْقَان: 7] ، وَسَأَلُوا أَنْ يَأْتِيَ بِمَا أُرْسِلَ بِهِ الْأَوَّلُونَ كَانَ مُقْتَضَى أَقْوَالِهِمْ أَنَّ الرُّسُلَ الْأَوَّلِينَ
كَانُوا فِي صُوَرِ الْآدَمِيِّينَ لَكِنَّهُمْ لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَأَكْلُ الطَّعَامِ مِنْ لَوَازِمِ الْحَيَاةِ، فَلَزِمَهُمْ لَمَّا قَالُوا مَا لِهَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ أَنْ يَكُونُوا قَائِلِينَ بِأَنَّ شَأْنَ الرُّسُلِ أَنْ يَكُونُوا أَجْسَادًا بِلَا أَرْوَاحٍ، وَهَذَا مِنَ السَّخَافَةِ بِمَكَانَةٍ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَما كانُوا خالِدِينَ فَهُوَ زِيَادَةُ اسْتِدْلَالٍ لِتَحْقِيقِ بَشَرِيَّتِهِمُ اسْتِدْلَالًا بِمَا هُوَ وَاقِعٌ مِنْ عَدَمِ كَفَاءَةِ أُولَئِكَ الرُّسُلِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ بِالْمُشَاهَدَةِ، لِقَطْعِ مَعَاذِيرِ الضَّالِّينَ، فَإِنْ زَعَمُوا أَنْ قَدْ كَانَ الرُّسُلُ