الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالْعِبَرِ. خُتِمَ الْكَلَامُ بِشَتْمِهِمْ وَتَهْدِيدِهِمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ، أَيْ مِمَّا تَصِفُونَ بِهِ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآنُ.
وَالْوَيْلُ: كَلِمَةُ دُعَاءٍ بِسُوءٍ. وَفِيهَا فِي الْقُرْآنِ تَوْجِيهٌ لِأَنَّ الْوَيْلَ اسْم للعذاب.
[19، 20]
[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 19 إِلَى 20]
وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ (19) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لَا يَفْتُرُونَ (20)
عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا [الْأَنْبِيَاء: 17] مُبَيِّنَةٌ أَنَّ كُلَّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْض عباد لله تَعَالَى مَخْلُوقُونَ لِقَبُولِ تَكْلِيفِهِ وَالْقِيَامِ بِمَا خُلِقُوا
لِأَجْلِهِ، وَهُوَ تَخَلُّصٌ إِلَى إِبْطَالِ الشِّرْكِ بِالْحُجَّةِ الدامغة بعد الْإِفَاضَة فِي إِثْبَاتِ صِدْقِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم وَحُجِّيَّةِ الْقُرْآنِ.
فَاللَّامُ فِي وَلَهُ لِلْمِلْكِ، وَالْمَجْرُورُ بِاللَّامِ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ. ومَنْ فِي السَّماواتِ مُبْتَدَأٌ، وَتَقْدِيمُ الْمَجْرُورِ لِلِاخْتِصَاصِ، أَيْ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا لِغَيْرِهِ وَهُوَ قَصْرُ إِفْرَادٍ رَدًّا عَلَى الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ فِي الْإِلَهِيَّةِ.
ومَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَعُمُّ الْعُقَلَاءَ وَغَيْرَهُمْ وَغُلِّبَ اسْمُ الْمَوْصُولِ الْغَالِبُ فِي الْعُقَلَاءِ لِأَنَّهُمُ الْمَقْصُودُ الْأَوَّلُ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى وَمَنْ عِنْدَهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَى مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَيَكُونَ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ لِلِاهْتِمَامِ بِهِ. وَوَجْهُ الِاهْتِمَامِ ظَاهِرٌ وَتَكُونُ جُمْلَةُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ حَالًا مِنَ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ.
وَيَجُوزُ أَنْ يكون مَنْ عِنْدَهُ مُبْتَدَأً وَجُمْلَةُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ خَبرا.
وَمَا صدق (مَنْ) جَمَاعَةٌ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى لَا يَسْتَكْبِرُونَ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ.
وَمَنْ عِنْدَهُ هُمُ الْمُقَرَّبُونَ فِي الْعَوَالِمِ الْمُفَضَّلَةِ وَهُمُ الْمَلَائِكَةُ.
وَعَلَى كِلَا الْوَجْهَيْنِ فِي مَوْقِعِ جُمْلَةِ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ يَكُونُ الْمَقْصُودُ مِنْهَا التَّعْرِيضَ بِالَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَةِ اللَّهِ وَيَعْبُدُونَ الْأَصْنَامَ وَهُمُ الْمُشْرِكُونَ.
وَالِاسْتِحْسَارُ: مَصْدَرٌ كَالْحُسُورِ وَهُوَ التَّعَبُ، فَالسِّينُ وَالتَّاءُ فِيهِ لِلْمُبَالَغَةِ فِي الْوَصْفِ كَالِاسْتِكْبَارِ وَالِاسْتِنْكَارِ وَالِاسْتِيخَارِ، أَيْ لَا يَصْدُرُ مِنْهُمُ الِاسْتِحْسَارُ الَّذِي هُوَ التَّعَبُ الشَّدِيدُ الَّذِي يَقْتَضِيهِ عَمَلُهُمُ الْعَظِيمُ، أَيْ لَا يَقَعُ مِنْهُمْ مَا لَوْ قَامَ بِعَمَلِهِمْ غَيْرُهُمْ لَاسْتَحْسَرَ ثِقَلَ ذَلِكَ الْعَمَلِ، فَعُبِّرَ بِالِاسْتِحْسَارِ هُنَا الَّذِي هُوَ الْحُسُورُ الْقَوِيُّ لِأَنَّهُ الْمُنَاسِبُ لِلْعَمَلِ الشَّدِيدِ، وَنَفْيُهُ مِنْ قَبِيلِ نَفْيِ الْمُقَيَّدِ بِقَيْدٍ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ فِي أَمْثَالِهِ. فَلَا يُفْهَمُ مِنْ نَفْيِ الْحُسُورِ الْقَوِيِّ أَنَّهُمْ قَدْ يَحْسُرُونَ حُسُورًا ضَعِيفًا. وَهَذَا الْمَعْنَى قَدْ يُعَبِّرُ عَنْهُ أَهِلُ الْمَعَانِي بِأَنَّ الْمُبَالَغَةَ فِي النَّفْيِ لَا فِي الْمَنْفِيِّ.
وَجُمْلَةُ يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ بَيَانٌ لِجُمْلَةِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ لِأَنَّ مَنْ لَا يَتْعَبُ مِنْ عَمَلٍ لَا يَتْرُكُهُ فَهُوَ يُوَاظِبُ عَلَيْهِ وَلَا يَعْيَا مِنْهُ.
وَاللَّيْلُ وَالنَّهَارُ: ظَرْفَانِ. وَالْأَصْلُ فِي الظَّرْفِ أَنْ يَسْتَوْعِبَهُ الْوَاقِعُ فِيهِ، أَيْ يُسَبِّحُونَ
فِي جَمِيعِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ.
وَتَسْبِيحُ الْمَلَائِكَةِ بِأَصْوَاتٍ مَخْلُوقَةٍ فِيهِمْ لَا يُعَطِّلُهَا تَبْلِيغُ الْوَحْيِ وَلَا غَيْرُهُ مِنَ الْأَقْوَالِ.
وَالْفُتُورُ: الِانْقِطَاعُ عَن الْفِعْل.