المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة الحج (22) : آية 25] - التحرير والتنوير - جـ ١٧

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌21- سُورَةُ الْأَنْبِيَاءِ

- ‌أغراض السُّورَة:

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 2 الى 3]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 11 إِلَى 14]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 16 إِلَى 17]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 19 إِلَى 20]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 26 إِلَى 29]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 30]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 31]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 32]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 34]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 35]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 36]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 37]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 38 إِلَى 40]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 41]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 42 الى 44]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 45]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 46]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 47]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 48 إِلَى 50]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 51 إِلَى 57]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 58 إِلَى 61]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 62 إِلَى 67]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 68 إِلَى 69]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 70]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 71 إِلَى 73]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 74 إِلَى 75]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 76 إِلَى 77]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 78 الى 79]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 80]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 81]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 82]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 83 إِلَى 84]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 85 إِلَى 86]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 87 إِلَى 88]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 89 الى 90]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 91]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 92]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 93]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 94]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 95]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 96 إِلَى 97]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 98 إِلَى 100]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 101 إِلَى 103]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 104]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 105 إِلَى 106]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 107]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 108]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 109]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 110]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 111]

- ‌[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 112]

- ‌22- سُورَةُ الْحَجِّ

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : الْآيَات 6 إِلَى 7]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : الْآيَات 8 إِلَى 10]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : الْآيَات 19 إِلَى 22]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : الْآيَات 23 إِلَى 24]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : الْآيَات 27 إِلَى 28]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 29]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : الْآيَات 30 الى 31]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 32]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : الْآيَات 34 الى 35]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 36]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 37]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 38]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 39]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 40]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 41]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : الْآيَات 42 إِلَى 44]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 45]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 46]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 47]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 48]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : الْآيَات 49 إِلَى 51]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : الْآيَات 52 إِلَى 54]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 55]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : الْآيَات 56 إِلَى 59]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 60]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 61]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 62]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 63]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 64]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 65]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 66]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 67]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : الْآيَات 68 إِلَى 69]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 70]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 71]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 72]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 73]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 74]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 75]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 76]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 77]

- ‌[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 78]

الفصل: ‌[سورة الحج (22) : آية 25]

ذِكْرِ الْهِدَايَةِ فِي قَوْلِهِ: وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ، وَلَمْ يَسْبِقْ مُقَابِلٌ لِمَضْمُونِ هَذِهِ الْجُمْلَةِ بِالنِّسْبَةِ لِأَحْوَالِ الْكَافِرِينَ وَسَيَجِيءُ ذِكْرُ مُقَابِلِهَا فِي قَوْلِهِ: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِلَى قَوْلِهِ: نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ [الْحَج: 25] وَذَلِكَ مِنْ أَفَانِينِ الْمُقَابَلَةِ. وَالْمَعْنَى: وَقَدْ هُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ فِي الدُّنْيَا، وَهُوَ دِينُ الْإِسْلَامِ، شُبِّهَ بِالصِّرَاطِ لِأَنَّهُ مُوَصِّلٌ إِلَى رِضَى اللَّهِ.

وَالْحَمِيدُ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، أَيِ الْمَحْمُودُ كَثِيرًا فَهُوَ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، فَإِضَافَةُ صِراطِ إِلَى اسْمِ «اللَّهِ» لِتَعْرِيفِ أَيِّ صِرَاطٍ هُوَ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْحَمِيدِ صِفَةً لِ صِراطِ، أَيِ الْمَحْمُودُ لِسَالِكِهِ. فَإِضَافَةُ صِرَاطٍ إِلَيْهِ مِنْ إِضَافَةِ الْمَوْصُوفِ إِلَى الصِّفَةِ، وَالصِّرَاطُ الْمَحْمُودُ هُوَ صِرَاطُ دِينِ اللَّهِ. وَفِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ إِيمَاءٌ إِلَى سَبَبِ اسْتِحْقَاقِ تِلْكَ النِّعَمِ أَنَّهُ الْهِدَايَةُ السَّابِقَةُ إِلَى دِينِ اللَّهِ فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا.

[25]

[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 25]

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ الَّذِي جَعَلْناهُ لِلنَّاسِ سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (25)

هَذَا مُقَابِلٌ قَوْلَهُ وَهُدُوا إِلى صِراطِ الْحَمِيدِ [الْحَج: 24] بِالنِّسْبَةِ إِلَى أَحْوَالِ الْمُشْرِكِينَ إِذْ لَمْ يَسْبِقْ لِقَوْلِهِ ذَلِكَ مُقَابِلٌ فِي الْأَحْوَالِ الْمَذْكُورَةِ فِي آيَةِ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ [الْحَج: 19] كَمَا تَقَدَّمَ. فَمَوْقِعُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ الِاسْتِئْنَافُ الْبَيَانِيُّ. وَالْمَعْنَى: كَمَا كَانَ سَبَبُ اسْتِحْقَاقِ الْمُؤْمِنِينَ ذَلِكَ النَّعِيمَ اتِّبَاعَهُمْ صِرَاطَ اللَّهِ كَذَلِكَ كَانَ سَبَبُ اسْتِحْقَاقِ الْمُشْرِكِينَ ذَلِكَ الْعَذَابَ كُفْرَهُمْ وَصَدَّهُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ.

ص: 235

وَفِيهِ مَعَ هَذِهِ الْمُنَاسَبَةِ لِمَا قَبْلَهُ تَخَلُّصٌ بَدِيعٌ إِلَى مَا بَعْدَهُ مِنْ بَيَانِ حَقِّ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَتَهْوِيلُ أَمْرِ الْإِلْحَادِ فِيهِ، وَالتَّنْوِيهُ بِهِ وَتَنْزِيهُهُ عَنْ أَنْ يَكُونَ مَأْوًى لِلشِّرْكِ وَرِجْسِ الظُّلْمِ وَالْعُدْوَانِ.

وَتَأْكِيدُ الْخَبَرِ بِحَرْفِ التَّأْكِيدِ لِلِاهْتِمَامِ بِهِ.

وَجَاءَ يَصُدُّونَ بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى تَكَرُّرِ ذَلِكَ مِنْهُمْ وَأَنَّهُ دَأْبُهُمْ سَوَاءٌ فِيهِ أَهْلُ مَكَّةَ وَغَيْرُهُمْ لِأَنَّ الْبَقِيَّةَ ظَاهَرُوهُمْ عَلَى ذَلِكَ الصَّدِّ وَوَافَقُوهُمْ.

أَمَّا صِيغَةُ الْمَاضِي فِي قَوْلِهِ: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَلِأَنَّ ذَلِكَ الْفِعْلَ صَارَ كَاللَّقَبِ لَهُمْ مِثْلَ قَوْلِهِ: إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا [الْحَج: 24] .

وَسَبِيلُ اللَّهِ: الْإِسْلَامُ، فَصَدُّهُمْ عَنْهُ هُوَ الَّذِي حَقَّقَ لَهُمْ عَذَابَ النَّارِ، كَمَا حَقَّقَ اهْتِدَاءُ الْمُؤْمِنِينَ إِلَيْهِ لَهُمْ نَعِيمَ الْجَنَّةِ.

وَالصَّدُّ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ مِمَّا شَمِلَهُ الصَّدُّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَخُصَّ بِالذِّكْرِ لِلِاهْتِمَامِ بِهِ، وَلِيَنْتَقِلَ مِنْهُ إِلَى التَّنْوِيهِ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَذِكْرِ بِنَائِهِ، وَشَرْعِ الْحَجِّ لَهُ مِنْ عَهْدِ إِبْرَاهِيمَ.

وَالْمُرَادُ بِصَدِّهِمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ صَدٌّ عَرَفَهُ الْمُسْلِمُونَ يَوْمَئِذٍ. وَلَعَلَّهُ صَدُّهُمُ الْمُسْلِمِينَ عَنْ دُخُولِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالطَّوَافِ بِالْبَيْتِ. وَالْمَعْرُوفُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُمْ مَنَعُوا الْمُسْلِمِينَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ مِنْ زِيَارَةِ الْبَيْتِ فَقَدْ قَالَ أَبُو جَهْلٍ لِسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ لَمَّا جَاءَ إِلَى مَكَّةَ مُعْتَمِرًا وَقَالَ لِصَاحِبِهِ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ: انْتَظِرْ لِي سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ لَعَلِّي أَطُوفُ بِالْبَيْتِ، فَبَيْنَمَا سَعْدٌ يَطُوفُ إِذْ أَتَاهُ أَبُو جَهْلٍ وَعَرَفَهُ. فَقَالَ لَهُ أَبُو جَهْلٍ: أَتَطَّوَّفُ بِالْكَعْبَةِ آمَنَّا وَقَدْ أُوتِيتُمُ الصُّبَاةَ؟ (يَعْنِي الْمُسْلِمِينَ) . وَمِنْ ذَلِكَ مَا صَنَعُوهُ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ.

وَأَحْسَبُ أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ قَبْلَ ذَلِكَ سَوَاءٌ نَزَلَتْ بِمَكَّةَ أَمْ بِالْمَدِينَةِ.

ص: 236

وَوَصْفُ الْمَسْجِدِ بِقَوْلِهِ: الَّذِي جَعَلْناهُ لِلنَّاسِ الْآيَةَ لِلْإِيمَاءِ إِلَى عِلَّةِ مُؤَاخَذَةِ الْمُشْرِكِينَ بِصَدِّهِمْ عَنْهُ لِأَجْلِ أَنَّهُمْ خَالَفُوا مَا أَرَادَ اللَّهُ مِنْهُ فَإِنَّهُ جَعَلَهُ لِلنَّاسِ كُلِّهِمْ يَسْتَوِي فِي أَحَقِّيَّةِ التَّعَبُّدِ بِهِ الْعَاكِفُ فِيهِ، أَيِ الْمُسْتَقِرُّ فِي الْمَسْجِدِ، وَالْبَادِي، أَيِ الْبَعِيدُ عَنْهُ إِذَا دَخَلَهُ.

وَالْمُرَادُ بِالْعَاكِفِ: الْمُلَازِمُ لَهُ فِي أَحْوَالٍ كَثِيرَةٍ، وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنِ السَّاكِنِ بِمَكَّةَ لِأَنَّ السَّاكِنَ بِمَكَّةَ يَعْكُفُ كَثِيرًا فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، بِدَلِيلِ مُقَابَلَتِهِ بِالْبَادِي، فَأُطْلِقَ الْعُكُوفُ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى سُكْنَى مَكَّةَ مَجَازًا بِعَلَاقَةِ اللُّزُومِ الْعُرْفِيِّ. وَفِي ذِكْرِ الْعُكُوفِ تَعْرِيضٌ بِأَنَّهُمْ لَا يَسْتَحِقُّونَ بِسُكْنَى مَكَّةَ مَزِيَّةً عَلَى غَيْرِهِمْ، وَبِأَنَّهُمْ حِينَ يَمْنَعُونَ الْخَارِجِينَ عَنْ مَكَّةَ مِنَ

الدُّخُولِ لِلْكَعْبَةِ قَدْ ظَلَمُوهُمْ بِاسْتِئْثَارِهِمْ بِمَكَّةَ.

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ سَواءً- بِالرَّفْعِ- عَلَى أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ والْعاكِفُ فِيهِ فَاعِلٌ سَدَّ مَسَدَّ الْخَبَرِ، وَالْجُمْلَةُ مَفْعُولٌ ثَانٍ لِ جَعَلْناهُ. وَقَرَأَهُ حَفْصٌ بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ الْمَفْعُولُ الثَّانِي لِ جَعَلْناهُ.

وَالْعُكُوفُ: الْمُلَازَمَةُ. وَالْبَادِي: سَاكِنُ الْبَادِيَةِ.

وَقَوْلُهُ سَواءً لَمْ يبيّن الاسْتوَاء فِيمَا ذَا لِظُهُورِ أَنَّ الِاسْتِوَاءَ فِيهِ بِصِفَةِ كَوْنِهِ مَسْجِدًا إِنَّمَا هِيَ فِي الْعِبَادَةِ الْمَقْصُودَةِ مِنْهُ وَمِنْ مُلْحَقَاتِهِ وَهِيَ: الطَّوَافُ، وَالسَّعْيُ، وَوُقُوفُ عَرَفَةَ.

وَكُتِبَ وَالْبادِ فِي الْمُصْحَفِ بِدُونِ يَاءٍ فِي آخِرِهِ، وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَالْبَادِي بِإِثْبَاتِ الْيَاءِ عَلَى الْقِيَاسِ لِأَنَّهُ مُعَرَّفٌ، وَالْقِيَاسُ إِثْبَاتُ يَاءِ الِاسْمِ الْمَنْقُوصِ إِذَا كَانَ مُعَرَّفًا بِاللَّامِ، وَمَحْمِلُ كِتَابَتِهِ فِي الْمُصْحَفِ بِدُونِ يَاءٍ عِنْدَ أَهْلِ هَذِهِ الْقِرَاءَةِ أَنَّ الْيَاءَ عُومِلَتْ مُعَامَلَةَ الْحَرَكَاتِ وَأَلِفَاتِ أَوَاسِطِ الْأَسْمَاءِ فَلَمْ يَكْتُبُوهَا. وَقَرَأَهُ نَافِعٌ بِغَيْرِ

ص: 237

يَاءٍ فِي الْوَقْفِ وَأَثْبَتَهَا فِي الْوَصْلِ. وَمَحْمِلُ كِتَابَتِهِ عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ بِدُونِ يَاءٍ أَنَّهُ رُوعِيَ فِيهِ التَّخْفِيفُ فِي حَالَةِ الْوَقْفِ لِأَنَّ شَأْنَ الرَّسْمِ أَنْ يُرَاعَى فِيهِ حَالَةُ الْوَقْفِ.

وَقَرَأَهُ الْبَاقُونَ بِدُونِ يَاءٍ فِي الْحَالَيْنِ الْوَصْلِ وَالْوَقْفِ. وَالْوَجْهُ فِيهِ قَصْدُ التَّخْفِيفِ وَمِثْلُهُ كَثِيرٌ.

وَلَيْسَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ حُجَّةٌ لِحُكْمِ امْتِلَاكِ دُورِ مَكَّةَ إِثْبَاتًا وَلَا نَفْيًا لِأَنَّ سِيَاقَهَا خَاصٌّ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ دُونَ غَيْرِهِ. وَيُلْحَقُ بِهِ مَا هُوَ مِنْ تَمَامِ مَنَاسِكِهِ: كَالْمَسْعَى، وَالْمَوْقِفِ، وَالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ، وَالْجِمَارِ. وَقَدْ جَرَتْ عَادَةُ الْفُقَهَاءِ أَنْ يَذْكُرُوا مَسْأَلَةَ امْتِلَاكِ دُورِ مَكَّةَ عِنْدَ ذِكْرِ هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِطْرَادِ. وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي أَنَّ النَّاسَ سَوَاءٌ فِي أَدَاءِ الْمَنَاسِكِ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا يَتْبَعُهُ إِلَّا مَا مَنَعَتْهُ الشَّرِيعَةُ كَطَوَافِ الْحَائِضِ بِالْكَعْبَةِ.

وَأَمَّا مَسْأَلَةُ امْتِلَاكِ دُورِ مَكَّةَ فَلِلْفُقَهَاءِ فِيهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: فَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُمَا يَقُولُونَ: إِنَّ الْقَادِمَ إِلَى مَكَّةَ لِلْحَجِّ لَهُ أَنْ يَنْزِلَ حَيْثُ شَاءَ مِنْ دِيَارِهَا وَعَلَى رَبِّ الْمَنْزِلِ أَنْ يُؤْوِيَهُ. وَكَانَتْ دُورُ مَكَّةَ تُدْعَى السَّوَائِبَ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رضي الله عنهما.

وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ: دُورُ مَكَّةَ مِلْكٌ لِأَهْلِهَا، وَلَهُم الِامْتِنَاع عَن إِسْكَانِ غَيْرِهِمْ، وَلَهُمْ إِكْرَاؤُهَا لِلنَّاسِ، وَإِنَّمَا تَجِبُ الْمُوَاسَاةُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ، وَعَلَى ذَلِكَ حَمَلُوا مَا كَانَ يَفْعَلُهُ

عُمَرُ فَهُوَ مِنَ الْمُوَاسَاةِ. وَقَدِ اشْتَرَى عُمَرُ دَارَ صَفْوَانَ بْنِ أُميَّة وَجعلهَا سجنا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: دُورُ مَكَّةَ لَا تُمْلَكُ وَلَيْسَ لِأَهْلِهَا أَنْ يُكْرُوهَا. وَقَدْ ظُنَّ أَنَّ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي أَنَّ مَكَّةَ فُتِحَتْ عَنْوَةً أَوْ صُلْحًا. وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَا

ص: 238

بِنَاءَ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّ مِنَ الْقَائِلِينَ بِأَنَّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً قَائِلِينَ بِتَمَلُّكِ دُورِ مَكَّةَ فَهَذَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ يَرَاهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً وَيَرَى صِحَّةَ تَمَلُّكِ دُورِهَا. وَوَجْهُ ذَلِكَ: أَنَّ النَّبِيءَ صلى الله عليه وسلم أَقَرَّ أَهْلَهَا فِي مَنَازِلِهِمْ فَيَكُونُ قَدْ أَقْطَعَهُمْ إِيَّاهَا كَمَا مَنَّ عَلَى أَهْلِهَا بِالْإِطْلَاقِ مِنَ الْأَسْرِ وَمِنَ السَّبْيِ. وَلَمْ يَزَلْ أَهْلُ مَكَّةَ يَتَبَايَعُونَ دُورَهُمْ وَلَا يُنْكِرُ عَلَيْهِمْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ.

وَخَبَرُ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مَحْذُوف تَقْدِيره: نذقهم مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ، دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِي الْجُمْلَةِ الْآتِيَةِ: وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ.

وَإِذْ كَانَ الصَّدُّ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلْحَادًا بِظُلْمٍ فَإِنَّ جُمْلَةَ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ تَذْيِيلٌ لِلْجُمْلَةِ السَّابِقَةِ لِمَا فِي (مَنِ) الشَّرْطِيَّةِ مِنَ الْعُمُومِ.

وَالْإِلْحَادُ: الِانْحِرَافُ عَنِ الِاسْتِقَامَةِ وَسَوَاءِ الْأُمُورِ. وَالظُّلْمُ يُطْلَقُ عَلَى الْإِشْرَاكِ وَعَلَى الْمَعَاصِي لِأَنَّهَا ظُلْمُ النَّفْسِ.

وَالْبَاءُ فِي بِإِلْحادٍ زَائِدَةٌ لِلتَّوْكِيدِ مِثْلُهَا فِي وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ [الْمَائِدَة: 6] . أَيْ مَنْ يُرِدْ إِلْحَادًا وَبُعْدًا عَنِ الْحَقِّ وَالِاسْتِقَامَةِ وَذَلِكَ صَدُّهُمْ عَنْ زِيَارَتِهِ.

وَالْبَاءُ فِي بِظُلْمٍ لِلْمُلَابَسَةِ. فَالظُّلْمُ: الْإِشْرَاكُ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَهْدِيدُ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ حَمَلَهُمُ الْإِشْرَاكُ عَلَى مُنَاوَأَةِ الْمُسْلِمِينَ وَمَنْعِهِمْ مِنْ زِيَارَةِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ.

وَ (مِنْ) فِي قَوْلِهِ: مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ مَزِيدَةٌ لِلتَّوْكِيدِ عَلَى رَأْيِ مَنْ لَا يَشْتَرِطُونَ لِزِيَادَةِ (مِنْ) وُقُوعَهَا بَعْدَ نَفْيٍ أَوْ نَهْيٍ. وَلَكَ أَنْ تَجْعَلَهَا لِلتَّبْعِيضِ، أَيْ نُذِقْهُ عَذَابًا مِنْ عَذَاب أَلِيم.

ص: 239