الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَعَلَى احْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ عَنِ الْقَسَمِ مُسْتَعْمَلًا فِي النَّهْيِ عَنْ تَكْرِيرِهِ يَكُونُ الْمَعْنَى مِنْ قَبِيلِ التَّهَكُّمِ، أَيْ لَا حُرْمَةَ لِلْقَسَمِ فَلَا تُعِيدُوهُ فَطَاعَتُكُمْ مَعْرُوفَةٌ، أَيْ مَعْرُوفٌ وَهَنُهَا وَانْتِفَاؤُهَا.
وَعَلَى احْتِمَالِ اسْتِعْمَالِ النَّهْيِ فِي عَدَمِ الْمُطَالَبَةِ بِالْيَمِينِ يكون الْمَعْنى: لماذَا تُقْسِمُونَ أَفَأَنَا أَشُكُّ فِي حَالِكُمْ فَإِنَّ طَاعَتَكُمْ مَعْرُوفَةٌ عِنْدِي، أَيْ أَعْرِفُ عَدَمَ وُقُوعِهَا، وَالْكَلَامُ تَهَكُّمٌ أَيْضًا.
وَعَلَى احْتِمَالِ اسْتِعْمَالِ النَّهْيِ فِي التَّسْوِيَةِ فَالْمَعْنَى: قَسَمُكُمْ وَنَفْيُهُ سَوَاءٌ لِأَنَّ أَيْمَانَكُمْ فَاجِرَةٌ وَطَاعَتَكُمْ مَعْرُوفَةٌ.
أَوْ يَكُونُ طاعَةٌ
مُبْتَدَأٌ مَحْذُوفُ الْخَبَرِ، أَيْ طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ أَوْلَى مِنَ الْأَيْمَانِ، وَيَكُونُ وَصْفُ مَعْرُوفَةٌ
مُشْتَقًّا مِنَ الْمَعْرِفَةِ بِمَعْنَى الْعِلْمِ، أَيْ طَاعَةٌ تُعْلَمُ وَتَتَحَقَّقُ أَوْلَى مِنَ الْأَيْمَانِ عَلَى طَاعَةٍ غَيْرِ وَاقِعَةٍ، وَهُوَ كَالْعِرْفَانِ فِي قَوْلِهِمْ: لَا أَعْرِفَنَّكَ تَفْعَلُ كَذَا.
وَإِنْ كَانَ النَّهْيُ مُسْتَعْمَلًا فِي حَقِيقَتِهِ فَالْمَعْنَى: لَا تُقْسِمُوا هَذَا الْقَسَمَ، أَيْ عَلَى الْخُرُوجِ مِنْ دِيَارِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ لِأَنَّ اللَّهَ لَا يُكَلِّفُكُمُ الطَّاعَةَ إِلَّا فِي مَعْرُوفٍ، فَيَكُونُ وَصْفُ مَعْرُوفَةٌ
مُشْتَقًّا مِنَ الْعِرْفَانِ، أَيْ عَدَمِ النُّكْرَانِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ [الممتحنة: 12] .
وَجُمْلَةُ: إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ
صَالِحَةٌ لِتَذْيِيلِ الِاحْتِمَالَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَهِيَ تَعْلِيلٌ لما قبلهَا.
[54]
[سُورَة النُّور (24) : آيَة 54]
قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلَاّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (54)
تَلْقِينٌ آخَرُ لِلرَّسُولِ- عليه الصلاة والسلام بِمَا يَرُدُّ بُهْتَانَهُمْ بِقِلَّةِ الِاكْتِرَاثِ بِمَوَاعِيدِهِمُ الْكَاذِبَةِ وَأَنْ يَقْتَصِرُوا مِنَ الطَّاعَةِ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ
وَرَسُولِهِ فِيمَا كَلَّفَهُمْ دُونَ مَا تَبَرَّعُوا بِهِ كَذِبًا، وَيَخْتَلِفُ مَعْنَى أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ بَيْنَ مَعَانِي الْأَمْرِ بِإِيجَادِ الطَّاعَةِ الْمَفْقُودَةِ أَوْ إِيهَامِ طَلَبِ الدَّوَامِ عَلَى الطَّاعَةِ عَلَى حَسَبِ زَعْمِهِمْ.
وَأُعِيدَ الْأَمْرُ بِالْقَوْلِ لِلِاهْتِمَامِ بِهَذَا الْقَوْلِ فَيَقَعُ كَلَامًا مُسْتَقِلًّا غَيْرَ مَعْطُوفٍ.
وَقَوْلُهُ: فَإِنْ تَوَلَّوْا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَفْرِيعًا عَلَى فِعْلِ أَطِيعُوا فَيَكُونَ فِعْلُ تَوَلَّوْا مِنْ جُمْلَةِ مَا أَمر النَّبِي صلى الله عليه وسلم بِأَنْ يَقُولَهُ لَهُمْ وَيَكُونَ فِعْلًا مُضَارِعًا بِتَاءِ الْخِطَابِ.
وَأَصْلُهُ: تَتَوَلَّوْا بِتَاءَيْنِ حُذِفَتْ مِنْهُمَا تَاءُ الْخِطَابِ لِلتَّخْفِيفِ وَهُوَ حَذْفٌ كَثِيرٌ فِي الِاسْتِعْمَالِ.
وَالْكَلَامُ تَبْلِيغٌ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى إِلَيْهِمْ، فَيكون ضميرا ف عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ عَائِدَيْنِ إِلَى الرَّسُول صلى الله عليه وسلم.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَفْرِيعًا عَلَى فِعْلِ قُلْ أَيْ فَإِذَا قُلْتَ ذَلِكَ فَتَوَلَّوْا وَلَمْ يُطِيعُوا إِلَخْ، فَيَكُونُ فِعْلُ تَوَلَّوْا مَاضِيًا بِتَاءٍ وَاحِدَةٍ مُوَاجِهًا بِهِ النبيء صلى الله عليه وسلم، أَيْ فَإِنْ تَوَلَّوْا وَلَمْ يُطِيعُوا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ مَا حُمِّلْتَ مِنَ التَّبْلِيغِ وَعَلَيْهِمْ مَا حُمِّلُوا مِنْ تَبِعَةِ التَّكْلِيفِ. كَمَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى:
فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ الْمُبِينُ فِي سُورَةِ النَّحْلِ [82] فَيَكُونُ فِي ضَمَائِرِ فَإِنَّما عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ الْتِفَاتٌ. وَأَصْلُ الْكَلَامِ: فَإِنَّمَا عَلَيْكَ مَا حُمِّلْتَ وَعَلَيْهِمْ مَا حُمِّلُوا. وَالِالْتِفَاتُ مُحَسَّنٌ لَا يَحْتَاجُ إِلَى نُكْتَةٍ.
وَبِهَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ تَكُونُ الْآيَةُ مُفِيدَةً مَعْنَيَيْنِ: مَعْنًى مِنْ تَعَلُّقِ خِطَابِ اللَّهِ تَعَالَى بِهِمْ وَهُوَ تَعْرِيضٌ بِتَهْدِيدٍ وَوَعِيدٍ، وَمَعْنًى مِنْ موعظة النبيء صلى الله عليه وسلم إِيَّاهُمْ وَمُوَادَعَةٍ لَهُمْ. وَهَذَا كُلُّهُ تَبْكِيتٌ لَهُمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّهُمْ لَا يَضُرُّونَ بِتَوَلِّيهِمْ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ. وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ [23- 32] : أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ (هُمُ الْيَهُودُ) يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللَّهِ إِلَى قَوْلِهِ: قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكافِرِينَ