الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فِي سُورَةِ يُوسُفَ [108] . وَالْأَحْسَنُ أَنْ يَكُونَ هُنَا لِإِعْلَانِ الْمُتَكَلِّمِ الْبَرَاءَةَ مِنْ شَيْءٍ بِتَمْثِيلِ حَالِ نَفْسِهِ بِحَالِ مَنْ يُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا يَقُول فيبتدىء بِخِطَابِ اللَّهِ بِتَعْظِيمِهِ ثُمَّ بِقَوْلِ: هَذَا بُهْتانٌ عَظِيمٌ تبرّئا مِنْ لَازِمِ ذَلِكَ وَهُوَ مُبَالَغَةٌ فِي إِنْكَارِ الشَّيْءِ وَالتَّعَجُّبِ مِنْ وُقُوعِهِ.
وَتَوْجِيهُ الْخِطَابِ إِلَى اللَّهِ فِي قَوْلِهِ: سُبْحانَكَ لِلْإِشْعَارِ بِأَنَّ اللَّهَ غَاضِبٌ عَلَى مَنْ يَخُوضُ فِي ذَلِكَ فَعَلَيْهِمْ أَنْ يَتَوَجَّهُوا لِلَّهِ بِالتَّوْبَةِ مِنْهُ لِمَنْ خَاضُوا فِيهِ وَبِالِاحْتِرَازِ مِنَ الْمُشَارَكَةِ فِيهِ لِمَنْ لَمْ يَخُوضُوا فِيهِ.
وَجُمْلَةُ: هَذَا بُهْتانٌ عَظِيمٌ تَعْلِيلٌ لِجُمْلَةِ: مَا يَكُونُ لَنا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا فَهِيَ دَاخِلَةٌ فِي تَوْبِيخِ الْمَقُولِ لَهُمْ.
وَوَصْفُ الْبُهْتَانِ بِأَنَّهُ عَظِيمٌ مَعْنَاهُ أَنَّهُ عَظِيمٌ فِي وُقُوعِهِ، أَيْ بَالِغٌ فِي كُنْهِ الْبُهْتَانِ مَبْلَغًا قَوِيًّا.
وَإِنَّمَا كَانَ عَظِيمًا لِأَنَّهُ مُشْتَمِلٌ عَلَى مُنْكَرَاتٍ كَثِيرَةٍ وَهِيَ: الْكَذِبُ، وَكَون الْكَذِب يطعن فِي سَلَامَةِ الْعَرْضِ، وَكَوْنُهُ يُسَبِّبُ إِحَنًا عَظِيمَةً بَيْنَ الْمُفْتَرِينَ والمفترى عَلَيْهِم بِدُونِ عذر، وَكَون المفترى عَلَيْهِمْ مِنْ خِيرَةِ النَّاسِ وَانْتِمَائِهِمْ إِلَى أَخْيَرِ النَّاسِ مِنْ أَزْوَاجٍ وَآبَاءٍ وَقُرَابَاتٍ، وَأَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ اجْتِرَاءٌ عَلَى مقَام النبيء صلى الله عليه وسلم ومقام أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا.
وَالْبُهْتَانُ مَصْدَرٌ مِثْلُ الْكُفْرَانِ وَالْغُفْرَانِ. وَالْبُهْتَانُ: الْخَبَرُ الْكَذِبُ الَّذِي يَبْهَتُ السَّامِعَ لِأَنَّهُ لَا شُبْهَةَ فِيهِ. وَقَدْ مَضَى عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَقَوْلِهِمْ عَلى مَرْيَمَ بُهْتاناً عَظِيماً فِي سُورَة النِّسَاء [156] .
[17، 18]
[سُورَة النُّور (24) : الْآيَات 17 إِلَى 18]
يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (17) وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (18)
بَعْدَ أَنْ بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى مَا فِي خَبَرِ الْإِفْكِ مِنْ تَبِعَاتٍ لَحِقَ بِسَبَبِهَا لِلَّذِينِ جَاءُوا بِهِ وَالَّذِينَ تَقَبَّلُوهُ عَدِيدُ التَّوْبِيخِ وَالتَّهْدِيدِ، وَافْتِضَاحٌ لِلَّذِينِ رَوَّجُوهُ
وَخَيْبَةٌ مُخْتَلَقَةٌ بِنَقِيضِ قَصْدِهِمْ، وَانْتِفَاعٌ لِلْمُؤْمِنِينَ بذلك، وبيّن بادىء ذِي بَدْءٍ أَنَّهُ لَا يُحْسَبُ شَرًّا لَهُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَهُمْ، وَأَنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِهِ مَا اكْتَسَبُوا بِهِ إِلَّا إِثْمًا، وَمَا لَحِقَ الْمُسْلِمِينَ بِهِ ضُرٌّ، وَنَعَى عَلَى الْمُؤْمِنِينَ تَهَاوُنَهُمْ وَغَفْلَتَهُمْ عَنْ سُوءِ نِيَّةِ مُخْتَلِقِيهِ، وَكَيْفَ ذَهَلُوا عَنْ ظَنِّ الْخَيْرِ بِمَنْ لَا يَعْلَمُونَ مِنْهَا إِلَّا خَيْرًا فَلَمْ يُفَنِّدُوا الْخَبَرَ، وَأَنَّهُمُ اقْتَحَمُوا بِذَلِكَ مَا يَكُونُ سَبَبًا لِلَحَاقِ الْعَذَابِ بِهِمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَكَيْفَ حَسِبُوهُ أَمْرًا هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ، وَلَوْ تَأَمَّلُوا لَعَلِمُوا عِظَمَهُ عِنْدَ اللَّهِ، وَسُكُوتُهُمْ عَنْ تَغْيِيرِ هَذَا أَعْقَبَ ذَلِكَ كُلَّهُ بِتَحْذِيرِ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الْعَوْدِ إِلَى مِثْلِهِ مِنَ الْمُجَازَفَةِ فِي التَّلَقِّي، وَمِنَ الِانْدِفَاعِ وَرَاءَ كُلِّ سَاعٍ دُونَ تثبت فِي مواطىء الْأَقْدَامِ، وَدُونَ تَبَصُّرٍ فِي عَوَاقِبِ الْإِقْدَامِ.
وَالْوَعْظُ: الْكَلَامُ الَّذِي يُطْلَبُ بِهِ تَجَنُّبُ الْمُخَاطَبِ بِهِ أَمْرًا قَبِيحًا. وَتَقَدَّمَ فِي آخِرِ سُورَةِ النَّحْلِ [125] .
وَفِعْلُ يَعِظُكُمُ لَا يَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولٍ ثَانٍ بِنَفْسِهِ، فَالْمَصْدَرُ الْمَأْخُوذُ مِنْ أَنْ تَعُودُوا لَا يَكُونُ مَعْمُولًا لِفِعْلِ يَعِظُكُمُ إِلَّا بِتَقْدِيرِ شَيْءٍ مَحْذُوفٍ، أَوْ بِتَضْمِينِ فِعْلِ الْوَعْظِ مَعْنَى فِعْلٍ مُتَعَدٍّ، أَوْ بِتَقْدِيرِ حَرْفِ جَرٍّ مَحْذُوفٍ، فَلَكَ أَنْ تُضَمِّنَ فِعْلَ يَعِظُكُمُ مَعْنَى التَّحْذِيرِ. فَالتَّقْدِيرُ: يُحَذِّرُكُمْ مِنَ الْعَوْدِ لِمِثْلِهِ، أَوْ يُقَدَّرُ: يَعِظُكُمُ اللَّهُ فِي الْعَوْدِ لِمِثْلِهِ، أَوْ يُقَدَّرُ حَرْفُ نَفْيٍ، أَيْ أَنْ لَا تَعُودُوا لِمِثْلِهِ، وَحَذْفُ حَرْفِ النَّفْيِ كَثِيرٌ إِذَا دَلَّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ، وَعَلَى كُلِّ الْوُجُوهِ يَكُونُ فِي الْكَلَامِ إِيجَازٌ.
وَالْأَبَدُ: الزَّمَانُ الْمُسْتَقْبَلُ كُلُّهُ، وَالْغَالِبُ أَنْ يَكُونَ ظَرْفًا لِلنَّفْيِ.
وَقَوْلُهُ: إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ تَهْيِيجٌ وَإِلْهَابٌ لَهُمْ يَبْعَثُ حِرْصَهُمْ عَلَى أَنْ لَا يَعُودُوا لِمِثْلِهِ لِأَنَّهُمْ حَرِيصُونَ عَلَى إِثْبَاتِ إِيمَانِهِمْ، فَالشَّرْطُ فِي مِثْلِ هَذَا لَا يَقْصِدُ بِالتَّعْلِيقِ، إِذْ لَيْسَ الْمَعْنَى: إِنْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ فَعُودُوا لِمِثْلِهِ، وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ احْتِمَالُ حُصُولِ مَفْهُومِ الشَّرْطِ مُجْتَنَبًا كَانَ فِي ذِكْرِ الشَّرْطِ بَعْثٌ عَلَى الِامْتِثَالِ، فَلَوْ تَكَلَّمَ أَحَدٌ فِي الْإِفْكِ بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ مُعْتَقِدًا وُقُوعَهُ