المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 68 إلى 70] - التحرير والتنوير - جـ ١٨

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌23- سُورَةُ الْمُؤْمِنِينَ

- ‌أغراض السُّورَة

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 5 إِلَى 7]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 10 إِلَى 11]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 12 إِلَى 14]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 15 إِلَى 16]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 18 إِلَى 20]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 21 إِلَى 22]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 23 إِلَى 25]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 26 إِلَى 27]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 28 إِلَى 29]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : آيَة 30]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 31 إِلَى 32]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 33 إِلَى 38]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 39 إِلَى 40]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : آيَة 41]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 42 إِلَى 43]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : آيَة 44]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 45 إِلَى 48]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : آيَة 49]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : آيَة 50]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : آيَة 51]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : آيَة 52]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : آيَة 53]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : آيَة 54]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 55 إِلَى 56]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 57 إِلَى 61]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : آيَة 62]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : آيَة 63]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 64 إِلَى 67]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 68 إِلَى 70]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : آيَة 71]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : آيَة 72]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 73 إِلَى 74]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : آيَة 75]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 76 إِلَى 77]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : آيَة 78]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : آيَة 79]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : آيَة 80]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 81 إِلَى 83]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 84 إِلَى 85]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 86 إِلَى 87]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 88 إِلَى 89]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : آيَة 90]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 91 إِلَى 92]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 93 إِلَى 95]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : آيَة 96]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 97 إِلَى 98]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 99 إِلَى 100]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 101 إِلَى 104]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 105 إِلَى 107]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 108 إِلَى 111]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 112 إِلَى 114]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : آيَة 115]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : آيَة 116]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : آيَة 117]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : آيَة 118]

- ‌24- سُورَةُ النُّورِ

- ‌أَغْرَاضُ هَذِهِ السُّورَةُ

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : الْآيَات 4 إِلَى 5]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : الْآيَات 6 إِلَى 9]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : الْآيَات 17 إِلَى 18]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : الْآيَات 23 إِلَى 25]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : الْآيَات 27 إِلَى 28]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 29]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 30]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 31]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 32]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 34]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 35]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : الْآيَات 36 إِلَى 38]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 39]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 40]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 41]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 42]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 43]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 44]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 45]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 46]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : الْآيَات 47 إِلَى 50]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 51]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 52]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 53]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 54]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 55]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 56]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 57]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : الْآيَات 58 إِلَى 59]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 60]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 61]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 62]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 63]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 64]

- ‌25- سُورَةُ الْفُرْقَانِ

- ‌أَغْرَاضُ هَذِهِ السُّورَةِ

- ‌[سُورَة الْفرْقَان (25) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الْفرْقَان (25) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة الْفرْقَان (25) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة الْفرْقَان (25) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الْفرْقَان (25) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الْفرْقَان (25) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة الْفرْقَان (25) : الْآيَات 7 الى 9]

- ‌[سُورَة الْفرْقَان (25) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة الْفرْقَان (25) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة الْفرْقَان (25) : الْآيَات 12 إِلَى 14]

- ‌[سُورَة الْفرْقَان (25) : الْآيَات 15 إِلَى 16]

- ‌[سُورَة الْفرْقَان (25) : الْآيَات 17 إِلَى 18]

- ‌[سُورَة الْفرْقَان (25) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة الْفرْقَان (25) : آيَة 20]

الفصل: ‌[سورة المؤمنون (23) : الآيات 68 إلى 70]

[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 68 إِلَى 70]

أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آباءَهُمُ الْأَوَّلِينَ (68) أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (69) أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ (70)

الْفَاءُ لِتَفْرِيعِ الْكَلَامِ عَلَى الْكَلَامِ السَّابِقِ وَهُوَ قَوْلُهُ بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا إِلَى قَوْلِهِ سامِراً تَهْجُرُونَ [الْمُؤْمِنُونَ: 63- 67] . وَهَذَا التَّفْرِيعُ مُعْتَرِضٌ بَيْنَ جُمْلَةِ بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا وَجُمْلَةِ وَلَوْ رَحِمْناهُمْ وَكَشَفْنا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ [الْمُؤْمِنُونَ: 75] .

وَالْمُفَرَّعُ اسْتِفْهَامَاتٌ عَنْ سَبَبِ إِعْرَاضِهِمْ وَاسْتِمْرَارِ قُلُوبِهِمْ فِي غَمْرَةٍ إِلَى أَنْ يَحِلَّ بهم الْعَذَاب الْمَوْعُود لَهُ.

وَهَذِهِ الِاسْتِفْهَامَاتُ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي التخطئة على طَريقَة الْمَجَازِ الْمُرْسَلِ لِأَنَّ اتِّضَاحَ الْخَطَأِ يَسْتَلْزِمُ الشَّكَّ فِي صُدُورِهِ عَنِ الْعُقَلَاءِ فَيَقْتَضِي ذَلِكَ الشَّكُّ السُّؤَالَ عَنْ وُقُوعِهِ مِنَ الْعُقَلَاءِ.

وَمَآلُ مَعَانِي هَذِهِ الِاسْتِفْهَامَاتِ أَنَّهَا إِحْصَاءٌ لِمَثَارِ ضَلَالِهِمْ وَخَطَئِهِمْ وَلذَلِك خُصَّتْ بِذِكْرِ أُمُورٍ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ. وَكَذَلِكَ احْتِجَاجٌ عَلَيْهِمْ وَقَطْعٌ لِمَعْذِرَتِهِمْ وَإِيقَاظٌ لَهُمْ بِأَنَّ صِفَاتِ الرَّسُولِ كُلَّهَا دَالَّةٌ عَلَى صِدْقِهِ.

فَالِاسْتِفْهَامُ الْأَوَّلُ: عَنْ عَدَمِ تَدَبُّرِهِمْ فِيمَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ مِنَ الْقُرْآنِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ بِالْقَوْلِ أَيِ الْكَلَامُ، قَالَ تَعَالَى: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ [النِّسَاء: 82] . وَالتَّدَبُّرُ: إِعْمَالُ النَّظَرِ الْعَقْلِيِّ فِي دَلَالَاتِ الدَّلَائِلِ عَلَى مَا نُصِبَتْ لَهُ. وَأَصْلُهُ أَنَّهُ مِنَ النَّظَرِ فِي دُبُرِ الْأَمْرِ، أَيْ فِيمَا لَا يَظْهَرُ مِنْهُ للمتأمل بادىء ذِي بَدْءٍ. وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً فِي سُورَةِ النِّسَاءِ

ص: 87

وَالْمَعْنَى: أَنَّهُمْ لَوْ تَدَبَّرُوا قَوْلَ الْقُرْآنِ لَعَلِمُوا أَنَّهُ الْحَقُّ بِدَلَالَةِ إِعْجَازِهِ وَبِصِحَّةِ

أَغْرَاضِهِ، فَمَا كَانَ اسْتِمْرَارُ عِنَادِهِمْ إِلَّا لِأَنَّهُمْ لَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ. وَهَذَا أَحَدُ الْعِلَلِ الَّتِي غَمَرَتْ بِهِمْ فِي الْكُفْرِ.

وَالِاسْتِفْهَامُ الثَّانِي: هُوَ الْمُقَدَّرُ بَعْدَ (أَمْ) وَقَوْلِهِ: أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ. فَ (أَمْ) حَرْفُ إِضْرَابٍ انْتِقَالِيٍّ مِنَ اسْتِفْهَامٍ إِلَى غَيْرِهِ وَهِيَ (أَمْ) الْمُنْقَطِعَةُ بِمَعْنَى (بَلْ) وَيَلْزَمُهَا تَقْدِيرُ اسْتِفْهَامٍ بَعْدَهَا لَا مَحَالَةَ. فَقَوْلُهُ جاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آباءَهُمُ تَقْدِيرُهُ: بَلْ أَجَاءَهُمْ.

وَالْمَجِيءُ مَجَازٌ فِي الْإِخْبَارِ وَالتَّبْلِيغِ، وَكَذَلِكَ الْإِتْيَانُ.

وَ (مَا) الْمَوْصُولَةُ صَادِقَةٌ عَلَى دِينٍ. وَالْمَعْنَى: أَجَاءَهُمْ دِينٌ لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ وَهُوَ الدِّينُ الدَّاعِي إِلَى تَوْحِيدِ الْإِلَهِ وَإِثْبَاتِ الْبَعْثِ، وَلِذَلِكَ كَانُوا يَقُولُونَ: إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ [الزخرف: 22] . وَلِهَذَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَكَذلِكَ مَا أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ قالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آباءَكُمْ قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ [الزخرف: 23، 24] .

ثُمَّ إِنَّهُ إِنْ كَانَ الْمُرَادُ ظَاهِرَ مَعْنَى الصِّلَةِ وَهِيَ مَا لَمْ يَأْتِ آباءَهُمُ الْأَوَّلِينَ مِنْ أَنَّ الدِّينَ الَّذِي جَاءَهُمْ لَا عَهْدَ لَهُمْ بِهِ، تَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ فِي الْكَلَامِ تَهَكُّمٌ بِهِمْ إِذْ قَدْ أَنْكَرُوا دِينًا جَاءَهُمْ وَلَمْ يَسْبِقْ مَجِيئُهُ لَآبَاءِهُمْ. وَوَجْهُ التَّهَكُّمِ أَنَّ شَأْنَ كُلِّ رَسُولٍ جَاءَ بِدِينٍ أَنْ يَكُونَ دِينُهُ أُنُفًا وَلَوْ كَانَ لِلْقَوْمِ مِثْلُهُ لَكَانَ مَجِيئُهُ تَحْصِيلَ حَاصِلٍ.

وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ مِنَ الصِّلَةِ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا كَانَ عَلَيْهِ آبَاؤُهُمْ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ مَعْنَى: لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ، كَانَ الْكَلَامُ مُجَرَّدَ تَغْلِيطٍ، أَيْ لَا اتِّجَاهَ لِكُفْرِهِمْ بِهِ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا كَانَ عَلَيْهِ آبَاؤُهُمْ إِذْ لَا يَكُونُ الدِّينُ إِلَّا مُخَالِفًا لِلضَّلَالَةِ وَيَكُونُ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ بَلْ قالُوا إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ [الزخرف: 21، 22] .

ص: 88

وَأَمَّا الِاسْتِفْهَامُ الثَّالِثُ: الْمُقَدَّرُ بَعْدَ (أَمْ) الثَّانِيَةِ فِي قَوْلِهِ: أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُوَ اسْتِفْهَامٌ عَنْ عَدَمِ مَعْرِفَتِهِمُ الرَّسُولَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ عَدَمَ الْمَعْرِفَةِ بِهِ هُوَ أَحَدُ احْتِمَالَيْنِ فِي شَأْنِهِمْ إِذْ لَا يَخْلُونَ عَنْ أَحَدِهِمَا، فَأَمَّا كَوْنُهُمْ يَعْرِفُونَهُ فَهُوَ الْمَظْنُونُ بِهِمْ فَكَانَ الْأَجْدَرُ بِالِاسْتِفْهَامِ هُوَ عَدَمُ مَعْرِفَتِهِمْ بِهِ إِذْ تُفْرَضُ كَمَا يُفْرَضُ الشَّيْءُ الْمَرْجُوحُ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الِاسْتِغْرَابِ الْمُسْتَلْزِمِ لِلتَّغْلِيطِ فَإِنَّ رَمْيَهُمُ الرَّسُولَ بِالْكَذِبِ وَبِالسِّحْرِ وَالشِّعْرِ يُنَاسِبُ أَنْ لَا يَكُونُوا يَعْرِفُونَهُ مِنْ قَبْلُ، إِذِ الْعَارِفُ بِالْمَرْءِ لَا يَصِفُهُ بِمَا هُوَ مِنْهُ بَرِيءٌ، وَلِذَلِكَ تَفَرَّعَ عَلَى عَدَمِ

مَعْرِفَتِهِمْ إِنْكَارُهُمْ إِيَّاهُ، أَيْ إِنْكَارُهُمْ صِفَاتِهِ الْكَامِلَةَ.

فَتَعْلِيقُ ضَمِيرِ ذَاتِ الرَّسُولِ بِ مُنْكِرُونَ هُوَ مِنْ بَابِ إِسْنَادِ الْحُكْمِ إِلَى الذَّاتِ وَالْمُرَادُ صِفَاتُهَا مِثْلَ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ [النِّسَاء: 23] . وَهَذِهِ الصِّفَاتُ هِيَ الصِّدْقُ وَالنَّزَاهَةُ عَنِ السِّحْرِ وَأَنَّهُ لَيْسَ فِي عِدَادِ الشُّعَرَاءِ.

وَلِلَّهِ دَرُّ أَبِي طَالِبٍ فِي قَوْلِهِ:

لَقَدْ عَلِمُوا أَنَّ ابْنَنَا لَا مُكَذَّبٌ

لَدَيْنَا وَلَا يُعْزَى لِقَوْلِ الْأَبَاطِلِ

وَقَالَ تَعَالَى فِيمَا أَمَرَ بِهِ رَسُولَهُ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ (أَيِ الْقُرْآنُ) أَفَلا تَعْقِلُونَ [يُونُس: 16] .

وَلَمَّا كَانَ الْبَشَرُ قَدْ يَعْرِضُ لَهُ مَا يَسْلُبُ خِصَالَهُ وَهُوَ اخْتِلَالُ عَقْلِهِ عُطِفَ عَلَى أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ قَوْلُهُ أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ، وَهُوَ الِاسْتِفْهَامُ الرَّابِعُ، أَيْ أَلَعَلَّهُمُ ادَّعَوْا أَنَّ رَسُولَهُمُ الَّذِي يَعْرِفُونَهُ قَدْ أُصِيبَ بِجُنُونٍ فَانْقَلَبَ صِدْقُهُ كَذِبًا.

وَالْجِنَّةُ: الْجُنُونُ، وَهُوَ الْخَلَلُ الْعَقْلِيُّ الَّذِي يُصِيبُ الْإِنْسَانَ، كَانُوا يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُ مِنْ مَسِّ الْجِنِّ.

وَالْجِنَّةُ يُطْلَقُ عَلَى الْجِنِّ وَهُوَ الْمَخْلُوقَاتُ الْمُسْتَتِرَةُ عَنْ أَبْصَارِنَا كَمَا فِي قَوْلِهِ: مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ [النَّاس: 6] . وَيُطْلَقُ الْجِنَّةُ عَلَى الدَّاءِ اللَّاحِقِ مِنْ إِصَابَةِ الْجِنِّ وَصَاحِبُهُ مَجْنُونٌ، وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا بِدَلِيلِ بَاءِ الْمُلَابَسَةِ. وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ

ص: 89

تَعَالَى أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ [184] . وَهُمْ لَمْ يَظُنُّوا بِهِ الْجُنُونَ وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَهُ بِأَلْسِنَتِهِمْ بُهْتَانًا. وَلَيْسَ الْقَوْلُ بِأَلْسِنَتِهِمْ هُوَ مَصَبُّ الِاسْتِفْهَامِ. ثُمَّ قَدْ نُقِضَ مَا تَسَبَّبَ عَلَى مَا اخْتَلَقُوهُ فَجِيءَ بِحَرْفِ الْإِضْرَابِ فِي الْخَبَرِ فِي مَعْنَى الِاسْتِدْرَاكِ وَهُوَ (بَلْ) .

وَالْحَقُّ: الثَّابِتُ فِي الْوَاقِعِ وَنَفْسِ الْأَمْرِ، يَكُونُ فِي الذَّوَاتِ وَأَوْصَافِهَا. وَفِي الْأَجْنَاسِ، وَفِي الْمَعَانِي، وَفِي الْأَخْبَارِ. فَهُوَ ضِدُّ الْكَذِبِ وَضِدُّ السِّحْرِ وَضِدُّ الشِّعْرِ، فَمَا جَاءَهُمْ بِهِ النبيء صلى الله عليه وسلم مِنَ الْأَخْبَارِ وَالْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي كُلُّهُ مَلَابِسٌ لِلْحَقِّ، فَبَطَلَ بِهَذَا مَا قَالُوهُ فِي الْقُرْآنِ وَفِي الرَّسُول عليه الصلاة والسلام مَقَالَةُ مَنْ لَمْ يَتَدَبَّرُوا الْقُرْآنَ وَمَنْ لَمْ يُرَاعُوا إِلَّا مُوَافَقَةَ مَا كَانَ عَلَيْهِ آبَاؤُهُمُ الْأَوَّلُونَ وَمَنْ لَمْ يَعْرِفُوا حَالَ رَسُولِهِمُ الَّذِي هُوَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمَقَالَةُ مَنْ يَرْمِي بِالْبُهْتَانِ فَنَسَبُوا الصَّادِقَ إِلَى التَّلْبِيسِ وَالتَّغْلِيطِ.

فَالْحَقُّ الَّذِي جَاءَهُمْ بِهِ النَّبِيءُ أَوَّلُهُ إِثْبَاتُ الْوَحْدَانِيَّةِ لِلَّهِ تَعَالَى وَإِثْبَاتُ الْبَعْثِ وَمَا يَتْبَعُ

ذَلِكَ مِنَ الشَّرَائِعِ النَّازِلَةِ بِمَكَّةَ، كَالْأَمْرِ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَصِلَةِ الرَّحِمِ، وَالِاعْتِرَافِ لِلْفَاضِلِ بِفَضْلِهِ. وَزَجْرِ الْخَبِيثِ عَنْ خُبْثِهِ، وَأُخُوَّةِ الْمُسْلِمِينَ، بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ، وَالْمُسَاوَاةِ بَيْنَهُمْ فِي الْحَقِّ. وَمَنْعِ الْفَوَاحِشِ مِنَ الزِّنَى وَقَتْلِ الْأَنْفُسِ وَوَأْدِ الْبَنَاتِ وَالِاعْتِدَاءِ وَأَكْلِ الْأَمْوَالِ بِالْبَاطِلِ وَإِهَانَةِ الْيَتِيمِ وَالْمِسْكِينِ. وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ إِبْطَالِ مَا كَانَ عَلَيْهِ أَمْرُ الْجَاهِلِيَّةِ مِنَ الْعُدْوَانِ. والخلافة الَّتِي نشأوا عَلَيْهَا مِنْ عَهْدٍ قَدِيمٍ. فَكُلُّ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ يَوْمَئِذٍ هُوَ الْمُوَافِقُ لِمُقْتَضَى نِظَامِ الْعُمْرَانِ الَّذِي خَلَقَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْعَالَمَ فَهُوَ الْحَقُّ كَمَا قَالَ مَا خَلَقْناهُما إِلَّا بِالْحَقِّ [الدُّخان: 39] . وَلَمَّا كَانَ قَوْلُ الْكَاذِبِ وَقَوْلُ الْمَجْنُونِ الْمُخْتَصِّ بِهَذَا الَّذِي لَا يُشَارِكُهُمَا فِيهِ الْعُقَلَاءُ وَالصَّادِقُونَ غَيْرَ جَارِيَيْنِ عَلَى هَذَا الْحَقِّ كَانَ إِثْبَاتُ أَنَّ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُول حَقٌّ نَقْضًا لِإِنْكَارِهِمْ صِدْقَهُ. وَلِقَوْلِهِمْ هُوَ مَجْنُونٌ كَانَ مَا بَعْدَ (بَلْ) نَقْضًا لِقَوْلِهِمْ.

وَظَاهِرُ تَنَاسُقِ الضَّمَائِرِ يَقْتَضِي أَنَّ ضَمِيرَ أَكْثَرُهُمْ يَعُودُ إِلَى الْقَوْمِ الْمُتَحَدَّثِ عَنْهُمْ فِي قَوْلِهِ فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ [الْمُؤْمِنُونَ: 54] فَيَكُونُ الْمَعْنَى: أَكْثَرُ

ص: 90