الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَمُقْتَضَى الشَّرْطِ أَنَّهُ يَكُونُ كَافِرًا وَبِذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: قَالَ هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ (1) : «سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ: مَنْ سَبَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ أُدِّبَ، وَمَنْ سَبَّ عَائِشَةَ قُتِلَ لِأَنَّ اللَّهَ يَقُولُ: يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَمَنْ سَبٍّ عَائِشَةَ فَقَدْ خَالَفَ الْقُرْآنَ وَمَنْ خَالَفَ الْقُرْآنَ قُتِلَ» اهـ. يُرِيدُ بِالْمُخَالَفَةِ إِنْكَارَ مَا جَاءَ بِهِ الْقُرْآنُ نَصًّا وَهُوَ يَرَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَوْدِ لِمِثْلِهِ فِي قَضِيَّةِ الْإِفْكِ لِأَنَّ اللَّهَ بَرَّأَهَا بِنُصُوصٍ لَا تَقْبَلُ التَّأْوِيلَ، وَتَوَاتَرَ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي شَأْنِ عَائِشَةَ. وَذَكَرَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ عَنِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِكُفْرٍ. وَأَمَّا السَّبُّ بِغَيْرِ ذَلِكَ فَهُوَ مُسَاوٍ لِسَبِّ غَيْرِهَا مِنْ أَصْحَاب النبيء صلى الله عليه وسلم.
وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ أَيْ يَجْعَلُهَا لَكُمْ وَاضِحَةَ الدَّلَالَةِ عَلَى الْمَقْصُودِ وَالْآيَاتُ:
آيَاتُ الْقُرْآنِ النَّازِلَةُ فِي عُقُوبَةِ الْقَذْفِ وَمَوْعِظَةِ الْغَافِلِينَ عَنِ الْمُحَرَّمَاتِ.
وَمُنَاسَبَةُ التَّذْكِيرِ بِصِفَتَيِ الْعِلْمِ وَالْحكمَة ظَاهِرَة.
[19]
[سُورَة النُّور (24) : آيَة 19]
إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ
(1) هِشَام بن عمار السّلمِيّ الدِّمَشْقِي الْحَافِظ الْمُقْرِئ الْخَطِيب. سمع مَالِكًا وخالقا. وَثَّقَهُ ابْن معِين.
توفّي سنة/ 245/ هـ. وعاش اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين سنة. لم يترجمه عِيَاض فِي «الْمُسْتَدْرك» وَلَا ابْن فَرِحُونَ فِي «الديباج» ، فَالظَّاهِر أَنه لم يكن من أَتبَاع مَالك. وَقد ذكره الذَّهَبِيّ فِي «الكاشف» والمزي فِي «تَهْذِيب الْكَمَال» .
(19)
لَمَّا حَذَّرَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الْعَوْدِ إِلَى مِثْلِ مَا خَاضُوا بِهِ مِنَ الْإِفْكِ عَلَى جَمِيعِ أَزْمِنَةِ الْمُسْتَقْبَلِ أَعْقَبَ تَحْذِيرَهُمْ بِالْوَعِيدِ عَلَى مَا عَسَى أَنْ يَصْدُرَ مِنْهُمْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ بِالْوَعِيدِ عَلَى مَحَبَّةِ شُيُوعِ الْفَاحِشَةِ فِي الْمُؤْمِنِينَ فَالْجُمْلَةُ اسْتِئْنَافٌ ابْتِدَائِيٌّ، وَاسْمُ الْمَوْصُولِ يَعُمُّ كُلَّ مَنْ يَتَّصِفُ بِمَضْمُونِ الصِّلَةِ فَيَعُمُّ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَالْمُشْرِكِينَ، فَهُوَ تَحْذِيرٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَإِخْبَارٌ عَنِ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُشْرِكِينَ.
وَجَعَلَ الْوَعِيدَ عَلَى الْمَحَبَّةِ لِشُيُوعِ الْفَاحِشَةِ فِي الْمُؤْمِنِينَ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ مَحَبَّةَ ذَلِكَ
تَسْتَحِقُّ الْعُقُوبَةَ لِأَنَّ مَحَبَّةَ ذَلِكَ دَالَّةٌ عَلَى خُبْثِ النِّيَّةِ نَحْوَ الْمُؤْمِنِينَ. وَمِنْ شَأْنِ تِلْكَ الطَّوِيَّةِ أَنْ لَا يَلْبَثَ صَاحِبُهَا إِلَّا يَسِيرًا حَتَّى يَصْدُرَ عَنْهُ مَا هُوَ محب لَهُ أَوْ يُسَرَّ بِصُدُورِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِهِ، فَالْمَحَبَّةُ هُنَا كِنَايَةٌ عَنِ التَّهَيُّؤِ لِإِبْرَازِ مَا يُحِبُّ وُقُوعَهُ. وَجِيءَ بِصِيغَةِ الْفِعْلِ الْمُضَارِعِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى الِاسْتِمْرَارِ. وَأَصْلُ الْكِنَايَةِ أَنْ تَجْمَعَ بَيْنَ الْمَعْنَى الصَّرِيحِ وَلَازَمِهِ فَلَا جَرَمَ أَنْ يَنْشَأَ عَنْ تِلْكَ الْمَحَبَّةِ عَذَابُ الدُّنْيَا وَهُوَ حَدُّ الْقَذْفِ وَعَذَابُ الْآخِرَةِ وَهُوَ أَظْهَرُ لِأَنَّهُ مِمَّا تَسْتَحِقُّهُ النَّوَايَا الْخَبِيثَةُ. وَتِلْكَ الْمَحَبَّةُ شَيْءٌ غَيْرُ الْهَمِّ بِالسَّيِّئَةِ وَغَيْرُ حَدِيثِ النَّفْسِ لِأَنَّهُمَا خَاطِرَانِ يُمْكِنُ أَنْ يَنْكُفَ عَنْهُمَا صَاحِبُهُمَا، وَأَمَّا الْمَحَبَّةُ الْمُسْتَمِرَّةُ فَهِيَ رَغْبَةٌ فِي حُصُولِ الْمَحْبُوبِ. وَهَذَا نَظِيرُ الْكِنَايَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ [الماعون:
3] كِنَايَةٌ عَنِ انْتِفَاءِ وُقُوعِ طَعَامِ الْمِسْكِينِ. فَالْوَعِيدُ هُنَا عَلَى مَحَبَّةِ وُقُوعِ ذَلِكَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى قَوْلِهِ: أَنْ تَشِيعَ لِأَنَّ (أَنْ) تُخْلِصُ الْمُضَارِعَ لِلْمُسْتَقْبَلِ. وَأَمَّا الْمَحَبَّةُ الْمَاضِيَةُ فَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا بِقَوْلِهِ: وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِيما أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذابٌ عَظِيمٌ [النُّور: 14] .
وَمَعْنَى: أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ أَنْ يَشِيعَ خَبَرُهَا، لِأَنَّ الشُّيُوعَ مِنْ صِفَاتِ الْأَخْبَارِ وَالْأَحَادِيثِ كَالْفُشُوِّ وَهُوَ: اشْتِهَارُ التَّحَدُّثِ بِهَا. فَتَعَيَّنَ تَقْدِيرُ مُضَافٍ، أَيْ أَنْ يَشِيعَ خَبَرُهَا إِذِ الْفَاحِشَةُ هِيَ الْفَعْلَةُ الْبَالِغَةُ حَدًّا عَظِيمًا فِي الشَّنَاعَةِ.
وَشَاعَ إِطْلَاقُ الْفَاحِشَةِ عَلَى الزِّنَى وَنَحْوِهِ وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ [15] . وَتَقَدَّمَ ذِكْرُ الْفَاحِشَةِ بِمَعْنَى الْأَمْرِ