الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالْإِثْمُ: الذَّنْبُ وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [219]
وَعِنْدَ قَوْلِهِ: وَذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [120] .
وَتَوَلِّي الْأَمْرِ: مُبَاشَرَةُ عَمَلِهِ وَالتَّهَمُّمُ بِهِ.
وَالْكِبْرُ بِكَسْرِ الْكَافِ فِي قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ، وَيَجُوزُ ضَمُّ الْكَافِ. وَقَرَأَ بِهِ يَعْقُوبُ وَحْدَهُ، وَمَعْنَاهُ: أَشَدُّ الشَّيْءِ وَمُعْظَمُهُ، فَهُمَا لُغَتَانِ عِنْدَ جُمْهُورِ أَيِمَّةِ اللُّغَةِ. وَقَالَ ابْنُ جِنِّيِّ وَالزَّجَّاجُ: الْمَكْسُورُ بِمَعْنَى الْإِثْمِ، وَالْمَضْمُومُ: مُعْظَمُ الشَّيْءِ. وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ بن سَلُولٍ وَهُوَ مُنَافِقٌ وَلَيْسَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ.
وَضَمِيرُ مِنْهُمْ عَائِدٌ إِلَى الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ. وَقِيلَ: الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ حَسَّانُ ابْن ثَابِتٍ لِمَا وَقَعَ فِي «صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ» : «عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: دَخَلَ حَسَّانُ عَلَى عَائِشَةَ فَأَنْشَدَ عِنْدَهَا أَبْيَاتًا مِنْهَا:
حَصَانٌ رَزَانٌ مَا تُزَنُّ بِرِيبَةٍ
…
وَتُصْبِحُ غَرْثَى مِنْ لُحُومِ الْغَوَافِلِ
فَقَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ: لَكِنْ أَنْتَ لَسْتَ كَذَلِكَ. قَالَ مَسْرُوقٌ فَقُلْتُ: تَدَعِينَ مِثْلَ هَذَا يَدْخُلُ عَلَيْكِ وَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ فَقَالَتْ: أَيُّ عَذَابٍ أَشَدُّ مِنَ الْعَمَى» .
وَالْوَعِيدُ بِأَنَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا يَقْتَضِي أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهُ بْنُ أُبَيٍّ بن سَلُولٍ. وَفِيهِ إِنْبَاءٌ بِأَنَّهُ يَمُوتُ عَلَى الْكُفْرِ فَيُعَذَّبُ الْعَذَابَ الْعَظِيمَ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ عَذَابُ الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ، وَأَمَّا بَقِيَّةُ الْعُصْبَةِ فَلَهُمْ مِنَ الْإِثْمِ بِمِقْدَارِ ذَنْبِهِمْ. وَفِيهِ إِيمَاءٌ بِأَنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِمْ إِنْ تَابُوا كَمَا هُوَ الشَّأْنُ فِي هَذَا الدَّين.
[12]
[سُورَة النُّور (24) : آيَة 12]
لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ (12)
اسْتِئْنَافٌ لِتَوْبِيخِ عُصْبَةِ الْإِفْكِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَتَعْنِيفِهِمْ بَعْدَ أَنْ سَمَّاهُ إِفْكًا.
وَ (لَوْلا) هُنَا حَرْفٌ بِمَعْنَى (هَلَّا) لِلتَّوْبِيخِ كَمَا هُوَ شَأْنُهَا إِذَا وَلِيَهَا الْفِعْلُ الْمَاضِي وَهُوَ هُنَا ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ. وَأَمَّا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ فَهُوَ ظَرْفٌ مُتَعَلِّقٌ بِفِعْلِ الظَّنِّ فَقُدِّمَ عَلَيْهِ وَمَحَلُّ التَّوْبِيخِ جُمْلَةُ: ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً فَأَسْنَدَ السَّمَاعَ إِلَى جَمِيعِ الْمُخَاطَبِينَ وَخَصَّ بِالتَّوْبِيخِ مَنْ سَمِعُوا وَلَمْ يُكَذِّبُوا الْخَبَرَ.
وَجَرَى الْكَلَامُ عَلَى الْإِبْهَامِ فِي التَّوْبِيخِ بِطَرِيقَةِ التَّعْبِيرِ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ وَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ
دُونَ عَدَدِ الْجَمْعِ فَإِنَّ مَنْ لَمْ يَظُنَّ خَيْرًا رَجُلَانِ، فَعَبَّرَ عَنْهُمَا بِالْمُؤْمِنِينَ وَامْرَأَةٌ فَعَبَّرَ عَنْهَا بِالْمُؤْمِنَاتِ عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ: الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ [آل عمرَان:
173] .
وَقَوْلُهُ: بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقَعَ فِي مُقَابَلَةِ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ فَيَقْتَضِي التَّوْزِيعَ، أَيْ ظَنَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِالْآخَرِينَ مِمَّنْ رَمَوْا بِالْإِفْكِ خَيْرًا إِذْ لَا يَظُنُّ الْمَرْءُ بِنَفْسِهِ.
وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ [الحجرات: 11] أَيْ يَلْمِزُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وَقَوْلِهِ: فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ [النُّور: 61] .
رُوِيَ أَنَّ أَبَا أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيَّ لَمَّا بَلَغَهُ خَبَرُ الْإِفْكِ قَالَ لِزَوْجِهِ: أَلَا تَرَيْنَ مَا يُقَالُ؟
فَقَالَتْ لَهُ: لَوْ كُنْتَ بَدَلَ صَفْوَانَ أَكُنْتَ تَظُنُّ بِحُرْمَةِ رَسُولِ اللَّهِ سُوءًا؟ قَالَ: لَا. قَالَتْ: وَلَوْ كُنْتُ أَنَا بَدَلَ عَائِشَةَ مَا خُنْتُ رَسُولَ اللَّهِ فَعَائِشَةُ خَيْرٌ مِنِّي وَصَفْوَانُ خَيْرٌ مِنْكَ. قَالَ: نَعَمْ.
وَتَقْدِيمُ الظَّرْفِ وَهُوَ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ عَلَى عَامِلِهِ وَهُوَ قُلْتُمْ [النُّور: 16] لِلِاهْتِمَامِ بِمَدْلُولِ ذَلِكَ الظَّرْفِ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهُمْ كَانَ مِنْ وَاجِبِهِمْ أَنْ يَطْرُقَ ظَنُّ الْخَيْرِ قُلُوبَهُمْ بِمُجَرَّدِ سَمَاعِ الْخَيْر وَأَن يتبرؤا مِنَ الْخَوْضِ فِيهِ بِفَوْرِ سَمَاعِهِ.
وَالْعُدُولُ عَنْ ضَمِيرِ الْخِطَابِ فِي إِسْنَادِ فِعْلِ الظَّنِّ إِلَى الْمُؤْمِنِينَ الْتِفَات، فَمُقْتَضى الظَّاهِر أَنْ يُقَالَ: ظَنَنْتُمْ بِأَنْفُسِكُمْ خَيْرًا، فَعَدَلَ عَنِ الْخِطَابِ لِلِاهْتِمَامِ بِالتَّوْبِيخِ فَإِنَّ الِالْتِفَاتَ ضَرْبٌ مِنَ الِاهْتِمَامِ بِالْخَبَرِ، وَلِيُصَرِّحَ بِلَفْظِ