الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالْفُرْقَانُ: الْقُرْآنُ وَهُوَ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرُ فَرَّقَ، كَمَا فِي قَوْلِهِ: وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ [الْأَنْفَال: 41] وَقَوْلِهِ: يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً [الْأَنْفَال: 29] . وَجُعِلَ عَلَمًا بِالْغَلَبَةِ عَلَى الْقُرْآنِ لِأَنَّهُ فَرْقٌ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ لِمَا بَيَّنَ مَنْ دَلَائِلِ الْحَقِّ وَدَحْضِ الْبَاطِلِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي قَوْله تَعَالَى: وَأَنْزَلَ الْفُرْقانَ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ [4] .
وَإِيثَارُ اسْمِ الْفُرْقَانِ بِالذِّكْرِ هُنَا لِلْإِيمَاءِ إِلَى أَنَّ مَا سَيُذْكَرُ مِنَ الدَّلَائِلِ عَلَى الْوَحْدَانِيَّةِ وَإِنْزَالِ الْقُرْآنِ دَلَائِلُ قَيِّمَةٌ تُفَرِّقُ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ.
وَوَصْفُ النَّبِيءِ بِ عَبْدِهِ تَقْرِيبٌ لَهُ وَتَمْهِيدٌ لِإِبْطَالِ طَلَبِهِمْ مِنْهُ فِي قَوْله: وَقالُوا مالِ هذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ [الْفرْقَان: 7] الْآيَةَ.
وَالْمرَاد ب لِلْعالَمِينَ جَمِيعُ الْأُمَمِ مِنَ الْبَشَرِ لِأَنَّ الْعَالَمَ يُطْلَقُ عَلَى الْجِنْسِ وَعَلَى النَّوْعِ وَعَلَى الصِّنْفِ بِحَسَبِ مَا يَسْمَحُ بِهِ الْمَقَامُ، وَالنِّذَارَةُ لَا تَكُونُ إِلَّا لِلْعُقَلَاءِ مِمَّنْ قُصِدُوا بِالتَّكْلِيفِ. وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ عَلَى لَفْظِ الْعالَمِينَ فِي سُورَةِ الْفَاتِحَةِ [2] .
وَالنَّذِيرُ: الْمُخْبِرُ بِسُوءٍ يَقَعُ، وَهُوَ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مُفْعِلٌ بِصِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ مِثْلَ الْحَكِيمِ.
وَالِاقْتِصَارُ فِي وَصْفِ الرَّسُولِ هُنَا عَلَى النَّذِيرِ دُونَ الْبَشِيرِ كَمَا فِي قَوْلِهِ: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا
كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً
[سبأ: 28] لِأَنَّ الْمَقَامَ هُنَا لِتَهْدِيدِ الْمُشْرِكِينَ إِذْ كَذَّبُوا بِالْقُرْآنِ وَبِالرَّسُولِ عليه الصلاة والسلام. فَكَانَ مُقْتَضِيًا لِذِكْرِ النِّذَارَةِ دُونَ الْبِشَارَةِ، وَفِي ذَلِكَ اكْتِفَاءٌ لِأَنَّ الْبِشَارَةَ تَخْطُرُ بِبَالِ السَّامِعِ عِنْدَ ذِكْرِ النِّذَارَةِ. وَسَيَجِيءُ: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا مُبَشِّراً وَنَذِيراً فِي هَذِهِ السُّورَةِ [56] .
وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ جَمَعَ بَيْنَ التَّنْوِيهِ بِشَأْنِ الْقُرْآنِ وَأَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنَ اللَّهِ وَتَنْوِيهٌ بِشَأْنِ النَّبِيءِ عليه الصلاة والسلام وَرِفْعَةِ مَنْزِلَتِهِ عِنْدَ اللَّهِ وَعُمُوم رسَالَته.
[2]
[سُورَة الْفرْقَان (25) : آيَة 2]
الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً
(2)
أُجْرِيَتْ عَلَى اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى هَذِهِ الصِّفَاتُ الْأَرْبَعُ بِطَرِيقِ تَعْرِيفِ الْمَوْصُولِيَّةِ لِأَنَّ بَعْضَ الصِّلَاتِ مَعْرُوفٌ عِنْدَ الْمُخَاطَبِينَ اتِّصَافُ اللَّهِ بِهِ وَهُمَا الصِّفَتَانِ الْأُولَى وَالرَّابِعَةُ وَإِذْ قَدْ كَانَتَا مَعْلُومَتَيْنِ كَانَتِ الصِّلَتَانِ الْأُخْرَيَانِ الْمَذْكُورَتَانِ مَعَهُمَا فِي حُكْمِ الْمَعْرُوفِ لِأَنَّهُمَا أُجْرِيَتَا عَلَى مَنْ عُرِفَ بِالصِّلَتَيْنِ الْأُولَى وَالرَّابِعَةِ فَإِنَّ الْمُشْرِكِينَ مَا كَانُوا يَمْتَرُونَ فِي أَنَّ اللَّهَ هُوَ مَالِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا فِي أَنَّ اللَّهَ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ كَمَا فِي قَوْلِهِ: قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ الْآيَاتُ مِنْ سُورَةِ الْمُؤْمِنِينَ [86، 87] ، وَلَكِنَّهُمْ يُثْبِتُونَ لِلَّهِ وَلَدًا وَشَرِيكًا فِي الْمُلْكِ.
وَمِنْ بَدِيعِ النَّظْمِ أَنْ جَعَلَ الْوَصْفَانِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِمَا مَعَهُمْ مُتَوَسِّطَيْنِ بَيْنَ الْوَصْفَيْنِ اللَّذَيْنِ لَا مِرْيَةَ فِيهِمَا حَتَّى يَكُونَ الْوَصْفَانِ الْمُسَلَّمَيْنِ كَالدَّلِيلِ أَوَّلًا وَالنَّتِيجَةِ آخِرًا، فَإِنَّ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا يَلِيقُ بِهِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا وَلَا أَنْ يَتَّخِذَ شَرِيكًا لِأَنَّ مُلْكَهُ الْعَظِيمَ يَقْتَضِي غِنَاهُ الْمُطْلَقَ فَيَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ اتِّخَاذُهُ وَلَدًا وَشَرِيكًا عَبَثًا إِذْ لَا غَايَةَ لَهُ، وَإِذَا كَانَتْ أَفْعَالُ الْعُقَلَاءِ تُصَانُ عَنِ الْعَبَثِ فَكَيْفَ بِأَفْعَالِ أَحْكَمِ الْحُكَمَاءِ تَعَالَى وَتَقَدَّسَ.
فَقَوْلُهُ: الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بَدَلٌ مِنَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ [الْفُرْقَانَ: 1] .
وَإِعَادَةُ اسْمِ الْمَوْصُولِ لِاخْتِلَافِ الْغَرَضِ مِنَ الصِّلَتَيْنِ لِأَنَّ الصِّلَةَ الْأُولَى فِي غَرَضِ الِامْتِنَانِ بِتَنْزِيلِ الْقُرْآنِ لِلْهُدَى، وَالصِّلَةَ الثَّانِيَةَ فِي غَرَضِ اتِّصَافِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْوَحْدَانِيَّةِ.
وَفِي الْمُلْكِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ الِاشْتِرَاكَ فِي الْمُلْكِ يُنَافِي حَقِيقَةَ الْمُلْكِ التَّامَّةِ الَّتِي لَا يَلِيقُ بِهِ غَيْرُهَا.
وَالْخَلْقُ: الْإِيجَادُ، أَيْ أَوْجَدَ كُلَّ مَوْجُودٍ مِنْ عَظِيمِ الْأَشْيَاءِ وَحَقِيرِهَا. وَفُرِعَ عَلَى خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً لِأَنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى إِتْقَانِ الْخَلْقِ إِتْقَانًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْخَالِقَ مُتَّصِفٌ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ.