الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَبُو عَمْرٍو وَالْكِسَائِيُّ بِأَلْفٍ فِي آخِرِهَا. وَوَقَفَ الْبَاقُونَ عَلَيْهَا بِسُكُونِ الْهَاءِ عَلَى اعْتِبَارِ مَا رسمت بِهِ.
[32]
[سُورَة النُّور (24) : آيَة 32]
وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (32)
أُرْدِفَتْ أَوَامِرُ الْعَفَافِ بِالْإِرْشَادِ إِلَى مَا يُعِينُ عَلَيْهِ، وَيَعِفُّ نُفُوسَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَيَغُضُّ مِنْ أَبْصَارِهِمْ، فَأَمَرَ الْأَوْلِيَاءَ بِأَنْ يُزَوِّجُوا أَيَامَاهُمْ وَلَا يَتْرُكُوهُنَّ مُتَأَيِّمَاتٍ لِأَنَّ ذَلِكَ أَعَفُّ لَهُنَّ وَلِلرِّجَالِ الَّذِينَ يَتَزَوَّجُونَهُنَّ. وَأَمَرَ السَّادَةَ بِتَزْوِيجِ عَبِيدِهِمْ وَإِمَائِهِمْ. وَهَذَا وَسِيلَةٌ لِإِبْطَالِ الْبِغَاءِ كَمَا سَيَتْبَعُ بِهِ فِي آخِرِ الْآيَةِ.
وَالْأَيَامَى: جَمْعُ أَيِّمٍ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ الْمَكْسُورَةِ بِوَزْنِ فَيْعِلٍ وَهِيَ الْمَرْأَةُ الَّتِي لَا زَوْجَ لَهَا كَانَتْ ثَيِّبًا أَمْ بِكْرًا. وَالشَّائِعُ إِطْلَاقُ الْأَيِّمِ عَلَى الَّتِي كَانَتْ ذَاتِ زَوْجٍ ثُمَّ خَلَتْ عَنْهُ بِفِرَاقٍ أَوْ مَوْتِهِ، وَأَمَّا إِطْلَاقُهُ عَلَى الْبِكْرِ الَّتِي لَا زَوْجَ لَهَا فَغَيْرُ شَائِعٍ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ مَجَازٌ كَثُرَ اسْتِعْمَالُهُ. وَالْأَيِّمُ فِي الْأَصْلِ مِنْ أَوْصَاف النِّسَاء قَالَه أَبُو عَمْرٍو وَالْكِسَائِيُّ وَلِذَلِكَ لَمْ تَقْتَرِنْ بِهِ هَاءُ التَّأْنِيثِ فَلَا يُقَالُ: امْرَأَةٌ أَيِّمَةٌ. وَإِطْلَاقُ الْأَيِّمِ عَلَى الرَّجُلِ الْخَلِيِّ عَنِ امْرَأَةٍ إِمَّا لِمُشَاكَلَةٍ أَوْ تَشْبِيهٍ، وَبَعْضُ أَيِمَّةِ اللُّغَةِ كَأَبِي عُبَيْدٍ وَالنَّضْرِ بْنِ شُمَيْلٍ يَجْعَلُ الْأَيِّمَ مُشْتَرَكًا لِلْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ وَعَلَيْهِ دُرِجَ فِي «الْكَشَّاف» و «الْقَامُوس» .
وَوَزْنُ أَيَامَى عِنْدَ الزَّمَخْشَرِيِّ أَفَاعِلُ لِأَنَّهُ جَمْعُ أَيِّمٍ بِوَزْنِ فَيْعِلٍ، وَفَيْعِلُ لَا يُجْمَعُ عَلَى فَعَالَى. فَأَصْلُ أَيَامَى أَيَائِمُ فَوَقَعَ فِيهِ قَلْبٌ مَكَانِيٌّ قُدِّمَتِ الْمِيمُ
لِلتَّخَلُّصِ مِنْ ثِقَلِ الْيَاءِ بَعْدَ حَرْفِ الْمَدِّ، وَفُتِحَتِ الْمِيمُ لِلتَّخْفِيفِ فَقُلِبَتِ الْيَاءُ أَلِفًا. وَعِنْدَ ابْنِ مَالِكٍ وَجَمَاعَةٍ: وَزْنُهُ فَعَالَى عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ سِيبَوَيْهِ.
والْأَيامى صِيغَةُ عُمُومٍ لِأَنَّهُ جَمْعٌ مُعَرَّفٌ بِاللَّامِ فَتَشْمَلُ الْبَغَايَا. أُمِرَ أَوْلِيَاؤُهُنَّ بِتَزْوِيجِهِنَّ فَكَانَ هَذَا الْعُمُومُ نَاسِخًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ [النُّور: 3] فَقَدْ قَالَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ: إِنَّ هَذِهِ نَاسِخَةٌ لِلْآيَةِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ. وَنُقِلَ الْقَوْلُ بِأَنَّ الَّتِي قبلهَا محكمَة عَن غَيْرِ مُعَيَّنٍ. وَزَوَّجَ أَبُو بَكْرٍ امْرَأَةً مِنْ رَجُلٍ زَنَى بِهَا لَمَّا شَكَاهُ أَبُوهَا.
وَمَعْنَى التَّبْعِيضِ فِي قَوْلِهِ مِنْكُمْ أَنَّهُنَّ مِنَ الْمُسَلَّمَاتِ لِأَنَّ غَيْرَ الْمُسَلَّمَاتِ لَا يَخْلُونَ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَنْ يَكُنَّ أَزْوَاجًا لِبَعْضِ الْمُسْلِمِينَ فَلَا عَلَاقَةَ لِلْآيَةِ بِهِنَّ، أَوْ أَنْ يَكُنَّ مَمْلُوكَاتٍ فَهُنَّ دَاخِلَاتٌ فِي قَوْلِهِ: وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ عَلَى الِاحْتِمَالَاتِ الْآتِيَةِ فِي مَعْنَى الصَّالِحِينَ وَأَمَّا غَيْرُهُنَّ فَوِلَايَتُهُنَّ لِأَهْلِ مِلَّتِهِنَّ.
وَالْمَقْصُودُ: الْأَيَامَى الْحَرَائِرُ، خَصَّصَهُ قَوْلُهُ بَعْدَهُ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ. وَظَاهِرُ وَصْفِ الْعَبِيدِ وَالْإِمَاءِ بِالصَّالِحِينَ أَنَّ الْمُرَادَ اتِّصَافُهُمْ بِالصَّلَاحِ الدِّينِيِّ.
أَيِ الْأَتْقِيَاءُ. وَالْمَعْنَى: لَا يَحْمِلُكُمْ تَحَقُّقُ صَلَاحِهِمْ عَلَى إِهْمَالِ إِنْكَاحِهِمْ لِأَنَّكُمْ آمِنُونَ مِنْ وُقُوعِهِمْ فِي الزِّنَى بَلْ عَلَيْكُمْ أَنْ تُزَوِّجُوهُمْ رِفْقًا بِهِمْ وَدَفْعًا لِمَشَقَّةِ الْعَنَتِ عَنْهُمْ.
فَيُفِيدُ أَنَّهُمْ إِنْ لَمْ يَكُونُوا صَالِحِينَ كَانَ تَزْوِيجُهُمْ آكَدَ أَمْرًا. وَهَذَا مِنْ دَلَالَةِ الْفَحْوَى فَيَشْمَلُ غَيْرَ الصَّالِحِينَ غَيْرَ الْإِعْفَاءِ وَالْعَفَائِفِ مِنَ الْمَمَالِيكِ الْمُسْلِمِينَ، وَيَشْمَلُ الْمَمَالِيكَ غَيْرَ الْمُسْلِمِينَ. وَبِهَذَا التَّفْسِيرِ تَنْقَشِعُ الْحَيْرَةُ الَّتِي عَرَضَتْ لِلْمُفَسِّرِينَ فِي التَّقْيِيدِ بِهَذَا الْوَصْفِ. وَقِيلَ أُرِيدَ بِالصَّالِحِينَ الصَّلَاحُ لِلتَّزَوُّجِ بِمَعْنى اللياقة لشؤون الزَّوْجِ، أَيْ إِذَا كَانُوا مَظِنَّةَ الْقِيَامِ بِحُقُوقِ الزَّوْجِيَّةِ.
وَصِيغَةُ الْأَمْرِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ إِلَى آخِرِهِ مُجْمَلَةٌ تَحْتَمِلُ الْوُجُوبَ وَالنَّدْبَ بِحَسَبِ مَا يَعْرِضُ مِنْ حَالِ الْمَأْمُورِ بِإِنْكَاحِهِمْ: فَإِنْ كَانُوا مَظِنَّةَ الْوُقُوعِ فِي مَضَارٍّ فِي الدِّينِ أَوِ الدُّنْيَا كَانَ إِنْكَاحُهُمْ وَاجِبًا، وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا كَذَلِكَ فَعِنْدَ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ إِنْكَاحُهُمْ مُسْتَحَبٌّ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يُنْدَبُ. وَحَمْلُ الْأَمْرِ عَلَى الْإِبَاحَةِ، وَهُوَ مَحْمَلٌ ضَعِيفٌ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَقَامِ إِذْ لَيْسَ الْمَقَامُ مَظِنَّةَ تَرَدُّدٍ فِي إِبَاحَةِ تَزْوِيجِهِمْ.
وَجُمْلَةُ: إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ إِلَخْ اسْتِئْنَافٌ بَيَانِيٌّ لِأَنَّ عُمُومَ الْأَيَامَى وَالْعَبِيدِ وَالْإِمَاءِ فِي صِيغَةِ الْأَمْرِ يُثِيرُ سُؤَالَ الْأَوْلِيَاءِ وَالْمَوَالِي أَنْ يَكُونُ الرَّاغِبُ فِي تَزَوُّجِ الْمَرْأَةِ الْأَيِّمِ فَقِيرًا فَهَل يردهُ الْوَلِيّ، وَأَنْ يكون سيد العَبْد فَقِيرًا لَا يَجِدُ مَا يُنْفِقُهُ عَلَى زَوْجِهِ، وَكَذَلِكَ سَيِّدُ الْأَمَةِ يَخْطُبُهَا رَجُلٌ فَقِيرٌ حُرٌّ أَوْ عَبْدٌ فَجَاءَ هَذَا لِبَيَانِ إِرَادَةِ الْعُمُومِ فِي الْأَحْوَالِ. وَوَعَدَ اللَّهُ الْمُتَزَوِّجَ مِنْ هَؤُلَاءِ إِنْ كَانَ فَقِيرًا أَنْ يُغْنِيَهُ اللَّهُ، وَإِغْنَاؤُهُ تَيْسِيرُ الْغِنَى إِلَيْهِ إِنْ كَانَ حُرًّا وَتَوْسِعَةُ الْمَالِ عَلَى مَوْلَاهُ إِنْ كَانَ عَبْدًا فَلَا عُذْرَ لِلْوَلِيِّ وَلَا لِلْمَوْلَى أَنْ يَرَدَّ خِطْبَتَهُ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ.
وَإِغْنَاءُ اللَّهِ إِيَّاهُمْ تَوْفِيقُ مَا يَتَعَاطَوْنَهُ مِنْ أَسْبَابِ الرِّزْقِ الَّتِي اعْتَادُوهَا مِمَّا يَرْتَبِطُ بِهِ سَعْيُهُمُ الْخَاص من مُقَارنَة الْأَسْبَابِ الْعَامَّةِ أَوِ الْخَاصَّةِ الَّتِي تُفِيدُ سَعْيَهُمْ نَجَاحًا وَتِجَارَتَهُمْ رَبَاحًا. وَالْمَعْنَى: أَنَّ اللَّهَ تَكَفَّلَ لَهُمْ أَنْ يَكْفِيَهُمْ مُؤْنَةَ مَا يَزِيدُهُ التَّزَوُّجُ مِنْ نَفَقَاتِهِمْ.
وَصِفَةُ اللَّهِ «الْوَاسِعُ» مُشْتَقَّةٌ مِنْ فِعْلِ وَسِعَ بِاعْتِبَار أَنه وصف مَجَازِيٌّ لِأَنَّ الْمَوْصُوفَ بِالسَّعَةِ هُوَ إِحْسَانُهُ. قَالَ حُجَّةُ الْإِسْلَامِ: وَالسَّعَةُ تُضَافُ مَرَّةً إِلَى الْعِلْمِ إِذَا اتَّسَعَ وَأَحَاطَ بِالْمَعْلُومَاتِ الْكَثِيرَةِ، وَتُضَافُ مَرَّةً إِلَى الْإِحْسَانِ وَبَذْلِ النِّعَمِ، وَكَيْفَمَا قُدِّرَ وَعَلَى أَيِّ شَيْءٍ
نَزَلَ فَالْوَاسِعُ الْمُطْلَقُ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى لِأَنَّهُ إِنْ نَظَرَ إِلَى عِلْمِهِ فَلَا سَاحِلَ لِبَحْرِ مَعْلُومَاتِهِ وَإِنْ نَظَرَ إِلَى إِحْسَانِهِ وَنِعَمِهِ فَلَا نِهَايَةَ لِمَقْدُورَاتِهِ اهـ.
وَالَّذِي يُؤْخَذُ مِنِ اسْتِقْرَاءِ الْقُرْآنِ وَصْفَ الْوَاسِعِ الْمُطْلَقِ إِنَّمَا يُرَادُ بِهِ سَعَةُ الْفَضْلِ وَالنِّعْمَةِ، وَلِذَلِكَ يُقْرَنُ بِوَصْفِ الْعِلْمِ وَنَحْوِهِ قَالَ