الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مُبْطِنِينَ الشِّرْكَ مَعَ اللَّهِ فَجَاعِلِينَ الْحَقَّ ثَابِتًا لِأَصْنَامِهِمْ، فَالْقَصْرُ حِينَئِذٍ إِضَافِيٌّ، أَيْ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ وَحْدَهُ دُونَ أَصْنَامِهِمْ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ بن سَلُولٍ وَحْدَهُ فَعَبَّرَ عَنْهُ بِلَفْظِ الْجَمْعِ لِقَصْدِ إِخْفَاءِ اسْمِهِ تَعْرِيضًا بِهِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ [آل عمرَان: 173]
وَقَول النبيء صلى الله عليه وسلم: «مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كتاب الله»
. [26]
[سُورَة النُّور (24) : آيَة 26]
الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ وَالطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ أُولئِكَ مُبَرَّؤُنَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (26)
بَعْدَ أَنْ بَرَّأَ اللَّهُ عَائِشَةَ رضي الله عنها مِمَّا قَالَ عُصْبَةُ الْإِفْكِ فَفَضَحَهُمْ بِأَنَّهُم مَا جاؤا إِلَّا بسيء الظَّنِّ وَاخْتِلَاقِ الْقَذْفِ وَتَوَعَّدَهُمْ وَهَدَّدَهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَى الَّذِينَ تَابُوا أَنْحَى عَلَيْهِمْ
ثَانِيَةً بِبَرَاءَةِ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مِنْ أَنْ تَكُونَ لَهُ أَزْوَاجٌ خَبِيثَاتٌ لِأَنَّ عِصْمَتَهُ وَكَرَامَتَهُ عَلَى اللَّهِ يَأْبَى اللَّهُ مَعَهَا أَنْ تَكُونَ أَزْوَاجُهُ غَيْرَ طَيِّبَاتٍ. فمكانة الرَّسُول صلى الله عليه وسلم كَافِيَةٌ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى بَرَاءَةِ زَوْجِهِ وَطَهَارَةِ أَزْوَاجِهِ كُلِّهِنَّ. وَهَذَا مِنَ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى حَالِ الشَّيْءِ بِحَالِ مُقَارِنِهِ وَمُمَاثِلِهِ.
وَفِي هَذَا تَعْرِيضٌ بِالَّذِينِ اخْتَلَقُوا الْإِفْكَ بِأَنَّ مَا أَفَكُوهُ لَا يَلِيقُ مِثْلُهُ إِلَّا بِأَزْوَاجِهِمْ، فَقَوْلُهُ:
الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ تَعْرِيضٌ بِالْمُنَافِقِينَ الْمُخْتَلِقِينَ لِلْإِفْكِ.
وَالِابْتِدَاءُ بِذِكْرِ الْخَبِيثاتُ لِأَنَّ غَرَضَ الْكَلَامِ الِاسْتِدْلَالُ عَلَى بَرَاءَةِ عَائِشَةَ وَبَقِيَّةِ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ. وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ: لِلْخَبِيثِينَ لَامُ الِاسْتِحْقَاقِ. وَالْخَبِيثَاتُ وَالْخَبِيثُونَ وَالطَّيِّبَاتُ وَالطَّيِّبُونَ أَوْصَافٌ جَرَتْ عَلَى مَوْصُوفَاتٍ مَحْذُوفَةٍ يَدُلُّ عَلَيْهَا السِّيَاقُ. وَالتَّقْدِيرُ فِي الْجَمِيعِ: الْأَزْوَاجُ.
وَعَطْفُ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ إِطْنَابٌ لِمَزِيدِ الْعِنَايَةِ بِتَقْرِيرِ هَذَا الْحُكْمِ وَلِتَكُونَ الْجُمْلَةُ بِمَنْزِلَةِ الْمَثَلِ مُسْتَقِلَّةً بِدَلَالَتِهَا عَلَى الْحُكْمِ وَلِيَكُونَ الِاسْتِدْلَالُ عَلَى حَالِ الْقَرِينِ بِحَالِ مُقَارِنِهِ حَاصِلًا مِنْ أَيِّ جَانِبٍ ابْتَدَأَهْ السَّامِعُ.
وَذِكْرُ وَالطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ إِطْنَابٌ أَيْضًا لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ الْمُقَارَنَةَ دَلِيلٌ عَلَى حَالِ الْقَرِينَيْنِ فِي الْخَيْرِ أَيْضًا.
وَعَطْفُ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ كَعَطْفِ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ.
وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى الْخَبِيثِ وَالطَّيِّبِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ فِي سُورَةِ الْأَنْفَالِ [37] وَقَوْلُهُ: قالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ [38] وَقَوْلُهُ: وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ [157] .
وَغَلَبَ ضَمِيرُ التَّذْكِيرِ فِي قَوْله: مُبَرَّؤُنَ وَهَذِهِ قَضِيَّةٌ كُلِّيَّةٌ وَلِذَلِكَ حُقَّ لَهَا أَنْ تَجْرِيَ مَجْرَى الْمَثَلِ وَجُعِلَتْ فِي آخِرِ الْقِصَّةِ كَالتَّذْيِيلِ.
وَالْمُرَادُ بِالْخُبْثِ: خُبْثُ الصِّفَاتِ الْإِنْسَانِيَّةِ كَالْفَوَاحِشِ. وَكَذَلِكَ الْمُرَادُ بِالطَّيِّبِ: زَكَاءُ الصِّفَاتِ الْإِنْسَانِيَّةِ مِنَ الْفَضَائِلِ الْمَعْرُوفَةِ فِي الْبَشَرِ فَلَيْسَ الْكُفْرُ مِنَ الْخُبْثِ وَلَكِنَّهُ مِنْ مْتَمِّمَاتِهِ. وَكَذَلِكَ الْإِيمَانُ مِنْ مُكَمِّلَاتِ الطَّيِّبِ فَلِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ كُفْرُ امْرَأَةِ نُوحٍ وَامْرَأَة لوط نَاقِصا لِعُمُومِ قَوْلِهِ: الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما [التَّحْرِيم: 10] أَنَّهُمَا خَانَتَا زَوْجَيْهِمَا بِإِبْطَانِ الْكُفْرِ. وَيَدُلُّ لِذَلِكَ مُقَابَلَةُ حَالِهِمَا بِحَالِ امْرَأَةِ فِرْعَوْنَ إِذْ قالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ إِلَى قَوْلِهِ:
وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [التَّحْرِيم: 11] .
وَالْعُدُولُ عَنِ التَّعْبِيرِ عَنِ الْإِفْكِ باسمه إِلَى مِمَّا يَقُولُونَ إِلَى أَنَّهُ لَا يَعْدُو كَوْنَهُ قَوْلًا، أَيْ أَنَّهُ غَيْرُ مُطَابِقٍ لِلْوَاقِعِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ [مَرْيَم: 80] لِأَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ وَلَا وَلَدَ فِي الْآخِرَةِ.
وَالرِّزْقُ الْكَرِيمُ: نَعِيمُ الْجَنَّةِ. وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْكَرِيمَ هُوَ النَّفِيسُ فِي جِنْسِهِ عِنْدَ قَوْلِهِ:
دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ فِي سُورَةِ الْأَنْفَالِ