الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالْمُخَالَفَةُ: الْمُغَايِرَةُ فِي الطَّرِيقِ الَّتِي يَمْشِي فِيهَا بِأَنْ يَمْشِيَ الْوَاحِدُ فِي طَرِيقٍ غَيْرِ الطَّرِيقِ الَّذِي مَشَى فِيهِ الْآخَرُ، فَفِعْلُهَا مُتَعَدٍّ. وَقَدْ حُذِفَ مَفْعُولُهُ هُنَا لِظُهُورِ أَنَّ الْمُرَادَ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ اللَّهَ، وتعدية فعل الْمُخَالفَة بِحَرْفِ (عَنْ) لِأَنَّهُ ضُمِّنَ مَعْنَى الصُّدُودِ كَمَا عُدِّيَ بِ (إِلَى) فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى مَا أَنْهاكُمْ عَنْهُ لَمَّا ضُمِّنَ مَعْنَى الذَّهَابِ.
يُقَالُ خَالَفَهُ إِلَى الْمَاءِ، إِذَا ذَهَبَ إِلَيْهِ دُونَهُ، وَلَوْ تُرِكَتْ تَعْدِيَتُهُ بِحرف جر لأفاد أَصْلِ الْمُخَالَفَةِ فِي الْغَرَضِ الْمَسُوقِ لَهُ الْكَلَامُ.
وَضَمِيرُ عَنْ أَمْرِهِ عَائِدٌ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى. وَالْأَمْرُ هُوَ مَا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ: لَا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً فَإِنَّ النَّهْيَ عَنِ الشَّيْءِ يَسْتَلْزِمُ الْأَمْرَ بِضِدِّهِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: اجْعَلُوا لِدُعَاءِ الرَّسُولِ الِامْتِثَالَ فِي الْعَلَانِيَةِ وَالسِّرِّ. وَهَذَا كَقَوْلِ ابْنِ أَبِي رَبِيعَةَ.
فَقُلْنَ لَهَا سِرًّا فَدَيْنَاكِ لَا يَرُحْ
…
صَحِيحًا وَإِنْ لَمْ تَقْتُلِيهِ فَأَلْمِمِ
فَجَعَلَ قَوْلَهُنَّ: «لَا يَرُحْ صَحِيحًا» وَهُوَ نَهْيٌ فِي مَعْنَى: اقْتُلِيهِ، فَبَنَى عَلَيْهِ قَوْلَهُ:«وَإِنْ لَمْ تَقْتُلِيهِ فَأَلْمِمِ» .
وَالْحَذَرُ: تَجَنُّبُ الشَّيْءِ الْمُخِيفِ. وَالْفِتْنَةُ: اضْطِرَابُ حَالِ النَّاسِ، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ فِي الْبَقَرَةِ [191] . وَالْعَذَابُ الْأَلِيمُ هُنَا عَذَابُ الدُّنْيَا، وَهُوَ عَذَاب الْقَتْل.
[64]
[سُورَة النُّور (24) : آيَة 64]
أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (64)
تَذْيِيلٌ لِمَا تَقَدَّمَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ كُلِّهَا. وَافْتِتَاحُهُ بِحَرْفِ التَّنْبِيهِ إِيذَانٌ بِانْتِهَاءِ الْكَلَامِ وَتَنْبِيهٌ لِلنَّاسِ لِيَعُوا مَا يَرِدُ بَعْدَ حَرْفِ التَّنْبِيهِ، وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ
مَالِكُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، فَهُوَ يُجَازِي عِبَادَهُ بِمَا يَسْتَحِقُّونَ وَهُوَ عَالِمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ.
وَمَعْنَى: مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ الْأَحْوَالُ الْمُلَابِسِينَ لَهَا مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ، فَحَرْفُ الِاسْتِعْلَاءِ مُسْتَعَارٌ لِلتَّمَكُّنِ.
وَذَكَّرَهُمْ بِالْمَعَادِ إِذْ كَانَ الْمُشْرِكُونَ وَالْمُنَافِقُونَ مُنْكِرِينَهُ.
وَقَوْلُهُ: فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا كِنَايَةٌ عَنِ الْجَزَاءِ لِأَنَّ إِعْلَامَهُمْ بِأَعْمَالِهِمْ لَوْ لَمْ يَكُنْ كِنَايَةً عَنِ الْجَزَاءِ لَمَا كَانَتْ لَهُ جَدْوَى.
وَقَوْلُهُ: وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ تَذْيِيلٌ لِجُمْلَةِ: قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أَعَمُّ مِنْهُ.
وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ لَطِيفَةُ الِاطِّلَاعِ عَلَى أَحْوَالِهِمْ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَسْتُرُونَ نِفَاقَهُمْ.