الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَيُفِيدُهُ قِيَامَهُ. وَلَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَزِمَ أَنْ لَا يَكُونُ زَيْدًا عِنْدَ عَدَمِ الْقِيَامِ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ.
وَبِهَذَا يعلم أَن لَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنَ الْإِخْبَارِ عَنِ اسْمِ الْإِشَارَةِ حَقِيقَتَهُ بَلِ الْخَبَرُ مُسْتَعْمَلٌ مَجَازًا فِي مَعْنَى التَّحْرِيضِ وَالْمُلَازَمَةِ، وَهُوَ يُشْبِهُ لَازِمَ الْفَائِدَةِ وَإِنْ لَمْ يَقَعْ فِي أَمْثِلَتِهِمْ. وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَهذا بَعْلِي شَيْخاً [هود: 72] فَإِنَّ سَارَةَ قَدْ عَلِمَتْ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ عَرِفُوا أَنَّ إِبْرَاهِيمَ بَعْلُهَا إِذْ قَدْ بَشَّرُوهَا بِإِسْحَاقَ. وَإِنَّمَا الْمَعْنَى: وَهَذَا الَّذِي تَرَوْنَهُ هُوَ بَعْلِي الَّذِي يُتَرَقَّبُ مِنْهُ النَّسْلُ الْمُبَشَّرُ بِهِ، أَيْ حَالُهُ يُنَافِي الْبِشَارَةَ، وَلِذَلِكَ يُتْبَعُ مِثْلُ هَذَا التَّرْكِيبِ بِحَالٍ تُبَيِّنُ الْمَقْصُودَ مِنَ الْإِخْبَارِ كَمَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ لَطِيفَةٍ فِي تِلْكَ الْآيَة.
[53]
[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : آيَة 53]
فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (53)
جِيءَ بِفَاءِ التَّعْقِيبِ لِإِفَادَةِ أَنَّ الْأُمَمَ لَمْ يَتَرَيَّثُوا عَقِبَ تَبْلِيغِ الرُّسُلِ إِيَّاهُمْ إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ [الْمُؤْمِنُونَ: 52] أَنْ تَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ فَاتَّخَذُوا آلِهَةً كَثِيرَةً فَصَارَ دِينُهُمْ مُتَقَطِّعًا قِطَعًا لِكُلِّ فَرِيقٍ صَنَمٌ وَعِبَادَةٌ خَاصَّةٌ بِهِ. فضمير فَتَقَطَّعُوا عَائِدٌ إِلَى الْأُمَمِ الْمَفْهُومُ مِنَ السِّيَاقِ الَّذِينَ هُمُ الْمَقْصُودُ مِنْ قَوْلِهِ وَإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ [الْمُؤْمِنُونَ: 52] . وَضَمِيرُ الْجَمْعِ عَائِدٌ إِلَى أُمَمِ الرُّسُلِ يَدُلُّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ.
فَالْكَلَامُ مَسُوقٌ مَسَاقَ الذَّمِّ. وَلِذَلِكَ قَدْ تُفِيدُ الْفَاءُ مَعَ التَّعْقِيبِ مَعْنَى التَّفْرِيعِ، أَيْ فَتَفَرَّعَ عَلَى مَا أَمَرْنَاهُمْ بِهِ مِنَ التَّوْحِيدِ أَنَّهُمْ أَتَوْا بِعَكْسِ الْمَطْلُوبِ مِنْهُمْ فَيُفِيدُ الْكَلَامُ زِيَادَةً عَلَى الذَّمِّ تَعْجِيبًا مِنْ حَالِهِمْ. وَمِمَّا يُزِيدُ مَعْنَى الذَّمِّ تَذْيِيلُهُ بِقَوْلِهِ كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ أَيْ وَهُمْ لَيْسُوا بِحَالِ مَنْ يَفْرَحُ.
وَالتَّقَطُّعُ أَصْلُهُ مُطَاوِعُ قَطَّعَ. وَاسْتُعْمِلَ فِعْلًا مُتَعَدِّيًا بِمَعْنَى قَطَّعَ بِقَصْدِ إِفَادَةِ الشِّدَّةِ فِي حُصُولِ الْفِعْلِ، وَنَظِيرُهُ تَخَوَّفَهُ السَّيْرُ، أَيْ تَنَقَّصَهُ، وَتَجَهَّمَهُ اللَّيْلُ وَتَعَرَّفَهُ الزَّمَنُ. فَالْمَعْنَى:
قَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ قِطَعًا كَثِيرَةً، أَيْ تَفَرَّقُوا عَلَى
نِحَلٍ كَثِيرَةٍ فَجَعَلَ كُلُّ فَرِيقٍ مِنْهُمْ لِنَفْسِهِ دِينًا. وَيَجُوزُ أَن يَجْعَل فَتَقَطَّعُوا قَاصِرًا أُسْنِدَ التَّقَطُّعُ إِلَيْهِمْ عَلَى سَبِيلِ الْإِبْهَامِ ثُمَّ مُيِّزَ بِقَوْلِهِ أَمْرَهُمْ كَأَنَّهُ قِيلَ: تَقَطَّعُوا أَمْرًا، فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ نُحَاةِ الْكُوفَةِ يُجَوِّزُونَ كَوْنَ التَّمْيِيزِ مَعْرِفَةً.
وَقَدْ بَسَطْنَا الْقَوْلَ فِي معنى تَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ فِي سُورَةِ الْأَنْبِيَاءِ [93] .
وَالْأَمْرُ هُنَا بِمَعْنَى الشَّأْنِ وَالْحَالِ وَمَا صَدَقُهُ أُمُورُ دِينِهِمْ.
وَالزُّبُرُ بِضَمِّ الزَّايِ وَضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ كَمَا قَرَأَ بِهِ الْجُمْهُورُ جَمْعُ زَبُورٍ وَهُوَ الْكِتَابُ.
اسْتُعِيرَ اسْمُ الْكِتَابِ لِلدِّينِ لِأَنَّ شَأْنَ الدِّينِ أَنْ يَكُونَ لِأَهْلِهِ كِتَابٌ، فَيَظْهَرُ أَنَّهَا اسْتِعَارَةٌ تَهَكُّمِيَّةٌ إِذْ لَمْ يَكُنْ لِكُلِّ فَرِيقٍ كِتَابٌ وَلَكِنَّهُمُ اتَّخَذُوا لِأَنْفُسِهِمْ أَدْيَانًا وَعَقَائِدَ لَوْ سُجِّلَتْ لَكَانَتْ زُبُرًا.
وَقَرَأَهُ أَبُو عَمْرٍو بِخِلَافٍ عَنْهُ زُبُراً بِضَمِّ الزَّاءِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَهُوَ جَمْعُ زُبْرَةٍ بِمَعْنَى قِطْعَةٍ.
وَجُمْلَةُ كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ تَذْيِيلٌ لِمَا قَبْلَهُ لِأَنَّ التَّقَطُّعَ يَقْتَضِي التَّحَزُّبَ فَذُيِّلَ بِأَنَّ كُلَّ فَرِيقٍ مِنْهُمْ فَرِحٌ بِدِينِهِ، فَفِي الْكَلَامِ صِفَةٌ مَحْذُوفَةٌ لِ حِزْبٍ، أَيْ كُلُّ حِزْبٍ مِنْهُمْ، بِدَلَالَةِ الْمَقَامِ.
وَالْفَرَحُ: شِدَّةُ الْمَسَرَّةِ، أَيْ رَاضُونَ جَذِلُونَ بِأَنَّهُمُ اتَّخَذُوا طَرِيقَتَهُمْ فِي الدِّينِ.
وَالْمَعْنَى: أَنَّهُمْ فَرِحُونَ بِدِينِهِمْ عَنْ غَيْرِ دَلِيلٍ وَلَا تَبَصُّرٍ بَلْ لِمُجَرَّدِ الْعُكُوفِ عَلَى الْمُعْتَاد.
وَذَلِكَ يومىء إِلَيْهِ لَدَيْهِمْ الْمُقْتَضِي أَنَّهُ مُتَقَرِّرٌ بَيْنَهُمْ مِنْ قَبْلُ، أَيْ بِالدِّينِ الَّذِي هُوَ لَدَيْهِمْ فَهُمْ لَا يَرْضَوْنَ عَلَى مَنْ خَالَفَهُمْ وَيُعَادُونَهُ، وَذَلِكَ يُفْضِي إِلَى التَّفْرِيقِ وَالتَّخَاذُلِ بَيْنَ الْأُمَّةِ الْوَاحِدَةِ وَهُوَ خِلَافُ مُرَادِ اللَّهِ وَلِذَلِكَ ذُيِّلَ بِهِ قَوْلُهُ وَإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً [الْمُؤْمِنُونَ:
52] . وَقَدِيمًا كَانَ التَّحَزُّبُ مُسَبِّبًا لِسُقُوطِ الْأَدْيَانِ وَالْأُمَمِ وَهُوَ مِنْ دَعْوَةِ الشَّيْطَانِ الَّتِي يُلْبِسُ فِيهَا الْبَاطِلَ فِي صُورَةِ الْحَقِّ.
وَالْحِزْبُ: الْجَمَاعَةُ الْمُجْتَمِعُونَ عَلَى أَمْرٍ مِنَ اعْتِقَادٍ أَوْ عَمَلٍ، أَوِ المتفقون عَلَيْهِ.