المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة الفرقان (25) : الآيات 7 الى 9] - التحرير والتنوير - جـ ١٨

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌23- سُورَةُ الْمُؤْمِنِينَ

- ‌أغراض السُّورَة

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 5 إِلَى 7]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 10 إِلَى 11]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 12 إِلَى 14]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 15 إِلَى 16]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 18 إِلَى 20]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 21 إِلَى 22]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 23 إِلَى 25]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 26 إِلَى 27]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 28 إِلَى 29]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : آيَة 30]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 31 إِلَى 32]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 33 إِلَى 38]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 39 إِلَى 40]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : آيَة 41]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 42 إِلَى 43]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : آيَة 44]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 45 إِلَى 48]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : آيَة 49]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : آيَة 50]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : آيَة 51]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : آيَة 52]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : آيَة 53]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : آيَة 54]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 55 إِلَى 56]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 57 إِلَى 61]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : آيَة 62]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : آيَة 63]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 64 إِلَى 67]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 68 إِلَى 70]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : آيَة 71]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : آيَة 72]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 73 إِلَى 74]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : آيَة 75]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 76 إِلَى 77]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : آيَة 78]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : آيَة 79]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : آيَة 80]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 81 إِلَى 83]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 84 إِلَى 85]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 86 إِلَى 87]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 88 إِلَى 89]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : آيَة 90]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 91 إِلَى 92]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 93 إِلَى 95]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : آيَة 96]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 97 إِلَى 98]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 99 إِلَى 100]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 101 إِلَى 104]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 105 إِلَى 107]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 108 إِلَى 111]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 112 إِلَى 114]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : آيَة 115]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : آيَة 116]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : آيَة 117]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : آيَة 118]

- ‌24- سُورَةُ النُّورِ

- ‌أَغْرَاضُ هَذِهِ السُّورَةُ

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : الْآيَات 4 إِلَى 5]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : الْآيَات 6 إِلَى 9]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : الْآيَات 17 إِلَى 18]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : الْآيَات 23 إِلَى 25]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : الْآيَات 27 إِلَى 28]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 29]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 30]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 31]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 32]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 34]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 35]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : الْآيَات 36 إِلَى 38]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 39]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 40]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 41]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 42]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 43]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 44]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 45]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 46]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : الْآيَات 47 إِلَى 50]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 51]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 52]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 53]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 54]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 55]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 56]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 57]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : الْآيَات 58 إِلَى 59]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 60]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 61]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 62]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 63]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 64]

- ‌25- سُورَةُ الْفُرْقَانِ

- ‌أَغْرَاضُ هَذِهِ السُّورَةِ

- ‌[سُورَة الْفرْقَان (25) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الْفرْقَان (25) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة الْفرْقَان (25) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة الْفرْقَان (25) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الْفرْقَان (25) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الْفرْقَان (25) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة الْفرْقَان (25) : الْآيَات 7 الى 9]

- ‌[سُورَة الْفرْقَان (25) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة الْفرْقَان (25) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة الْفرْقَان (25) : الْآيَات 12 إِلَى 14]

- ‌[سُورَة الْفرْقَان (25) : الْآيَات 15 إِلَى 16]

- ‌[سُورَة الْفرْقَان (25) : الْآيَات 17 إِلَى 18]

- ‌[سُورَة الْفرْقَان (25) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة الْفرْقَان (25) : آيَة 20]

الفصل: ‌[سورة الفرقان (25) : الآيات 7 الى 9]

وَعَبَّرَ عَنْ مُنْزِلِ الْقُرْآنِ بِطَرِيقِ الْمَوْصُولِ لِمَا تَقْتَضِيهِ الصِّلَةُ مِنِ اسْتِشْهَادِ الرَّسُولِ اللَّهَ عَلَى مَا فِي سِرِّهِ لِأَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ كُلَّ سِرٍّ فِي كُلِّ مَكَانٍ.

فَجُمْلَةُ الصِّلَةِ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي لَازِمِ الْفَائِدَةِ وَهُوَ كَوْنُ الْمُتَكَلِّمِ، أَيِ الرَّسُولِ، عَالِمًا بِذَلِكَ. وَفِي ذَلِكَ كِنَايَةٌ عَنْ مُرَاقَبَتِهِ اللَّهَ فِيمَا يُبَلِّغُهُ عَنْهُ. وَفِي ذَلِكَ إِيقَاظٌ لَهُمْ بِأَنْ يَتَدَبَّرُوا فِي هَذَا الَّذِي زَعَمُوهُ إِفْكًا أَوْ أَسَاطِيرَ الْأَوَّلِينَ لِيَظْهَرَ لَهُمُ اشْتِمَالُهُ عَلَى الْحَقَائِقِ النَّاصِعَةِ الَّتِي لَا يُحِيطُ بِهَا إِلَّا اللَّهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ، فَيُوقِنُوا أَنَّ الْقُرْآنَ لَا يَكُونُ إِلَّا مِنْ إِنْزَالِهِ، وَلِيَعْلَمُوا بَرَاءَةَ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الِاسْتِعَانَةِ بِمَنْ زَعَمُوهُمْ يُعِينُونَهُ.

وَالتَّعْرِيفُ فِي السِّرَّ تَعْرِيفُ الْجِنْسِ يَسْتَغْرِقُ كُلَّ سِرٍّ، وَمِنْهُ إِسْرَارُ الطَّاعِنِينَ فِي الْقُرْآنِ عَنْ مُكَابَرَةٍ وَبُهْتَانٍ، أَيْ يَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ فِي الْقُرْآنِ مَا لَا يَعْتَقِدُونَهُ ظُلْمًا وَزُورًا مِنْهُمْ، وَبِهَذَا يُعْلَمُ مُوقِعُ جُمْلَةِ: إِنَّهُ كانَ غَفُوراً رَحِيماً تَرْغِيبًا لَهُمْ فِي الْإِقْلَاعِ عَنْ هَذِهِ الْمُكَابَرَةِ وَفِي اتِّبَاعِ دِينِ الْحَقِّ لِيَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ وَيَرْحَمَهُمْ، وَذَلِكَ تَعْرِيضٌ بِأَنَّهُمْ إِنْ لَمْ يُقْلِعُوا وَيَتُوبُوا حَقَّ عَلَيْهِمُ الْغَضَبُ وَالنِّقْمَةُ.

[7- 9]

[سُورَة الْفرْقَان (25) : الْآيَات 7 الى 9]

وَقالُوا مالِ هذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ لَوْلا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً (7) أَوْ يُلْقى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْها وَقالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَاّ رَجُلاً مَسْحُوراً (8) انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً (9)

وَقالُوا مالِ هذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ لَوْلا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً (7) أَوْ يُلْقى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْها.

انْتِقَالٌ مِنْ حِكَايَةِ مَطَاعِنِهِمْ فِي الْقُرْآنِ وَبَيَانِ إِبْطَالِهَا إِلَى حِكَايَةِ مَطَاعِنِهِمْ فِي الرَّسُولِ عليه الصلاة والسلام.

وَالضَّمِيرُ عَائِدٌ إِلَى الَّذِينَ كَفَرُوا، فَمَدْلُولُ الصِّفَةِ مُرَاعًى كَمَا تَقَدَّمَ.

ص: 326

وَقَدْ أَوْرَدُوا طَعْنَهُمْ فِي نُبُوءَةِ النَّبِيءِ صلى الله عليه وسلم بِصِيغَةِ الِاسْتِفْهَامِ عَنِ الْحَالَةِ الْمُخْتَصَّةِ بِهِ إِذْ أَوْرَدُوا اسْمَ الِاسْتِفْهَامِ وَلَامَ الِاخْتِصَاصِ وَالْجُمْلَةُ الْحَالِيَّةُ الَّتِي مَضْمُونُهَا مَثَارُ الِاسْتِفْهَامِ.

وَالِاسْتِفْهَامُ تَعَجِيبِيٌّ مُسْتَعْمَلٌ فِي لَازِمِهِ وَهُوَ بُطْلَانُ كَوْنِهِ رَسُولًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّعَجُّبَ مِنَ الدَّعْوَى يَقْتَضِي اسْتِحَالَتَهَا أَوْ بُطْلَانَهَا. وَتَرْكِيبُ مَا لِهذَا وَنَحْوُهُ يُفِيدُ الِاسْتِفْهَامَ عَنْ أَمْرٍ ثَابِتٍ لَهُ، فَاسْمُ الِاسْتِفْهَامِ مُبْتَدَأٌ ولِهذَا خَبَرٌ عَنْهُ فَمَثَارُ الِاسْتِفْهَامِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ هُوَ ثُبُوتُ حَالِ أَكْلِ الطَّعَامِ وَالْمَشْيِ فِي الْأَسْوَاقِ لِلَّذِي يَدَّعِي الرِّسَالَةَ مِنَ اللَّهِ.

فَجُمْلَةُ: يَأْكُلُ الطَّعامَ جُمْلَةُ حَالٍ. وَقَوْلُهُمْ: لِهذَا الرَّسُولِ أَجْرَوْا عَلَيْهِ وَصْفَ الرِّسَالَةِ مُجَارَاةً مِنْهُمْ لِقَوْلِهِ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ وَلَكِنَّهُمْ بَنَوْا عَلَيْهِ لِيَتَأَتَّى لَهُمُ التَّعَجُّبُ وَالْمُرَادُ مِنْهُ الْإِحَالَةُ وَالْإِبْطَالُ.

وَالْإِشَارَةُ إِلَى حَاضِرٍ فِي الذِّهْنِ، وَقَدْ بَيَّنَ الْإِشَارَةَ مَا بَعْدَهَا مِنَ اسْمٍ مُعَرَّفٍ بِلَامِ الْعَهْدِ وَهُوَ الرَّسُولُ.

وَكَنَّوْا بِأَكْلِ الطَّعَامِ وَالْمَشْيِ فِي الْأَسْوَاقِ عَنْ مُمَاثَلَةِ أَحْوَالِهِ لِأَحْوَالِ النَّاسِ تَذَرُّعًا مِنْهُمْ إِلَى إِبْطَالِ كَوْنِهِ رَسُولًا لِزَعْمِهِمْ أَنَّ الرَّسُولَ عَنِ اللَّهِ تَكُونُ أَحْوَالُهُ غَيْرَ مُمَاثِلَةٍ لِأَحْوَالِ النَّاسِ، وَخَصُّوا أَكْلَ الطَّعَامِ وَالْمَشْيَ فِي الْأَسْوَاقِ لِأَنَّهُمَا مِنَ الْأَحْوَالِ الْمُشَاهَدَةِ الْمُتَكَرِّرَةِ، وَرَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَوْلَهُمْ هَذَا بِقَوْلِهِ: وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ [الْفرْقَان: 20] . ثُمَّ انْتَقَلُوا إِلَى اقْتِرَاحِ أَشْيَاءَ تُؤَيِّدُ رِسَالَتَهُ فَقَالُوا: لَوْلا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً. وَخَصُّوا مِنْ أَحْوَالِ الرَّسُولِ حَالَ النِّذَارَةِ لِأَنَّهَا الَّتِي أَنْبَتَتْ حِقْدَهُمْ عَلَيْهِ.

وَ (لَوْلَا) حَرْفُ تَحْضِيضٍ مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّعْجِيزِ، أَيْ لَوْ أُنْزِلَ إِلَيْهِ ملك لَا تَبِعْنَاهُ.

وَانْتَصَبَ (فَيَكُونَ) عَلَى جَوَابِ التَّحْضِيضِ.

وَ (أَوْ) لِلتَّخْيِيرِ فِي دَلَائِلِ الرِّسَالَةِ فِي وَهْمِهِمْ.

ص: 327

وَمَعْنَى يُلْقى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَيْ يَنْزِلُ إِلَيْهِ كَنْزٌ مِنَ السَّمَاءِ، إِذْ كَانَ الْغِنَى فِتْنَةً لِقُلُوبِهِمْ.

وَالْإِلْقَاءُ: الرَّمْيُ، وَهُوَ هُنَا مُسْتَعَارٌ لِلْإِعْطَاءِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِأَنَّهُمْ يَتَخَيَّلُونَ اللَّهَ تَعَالَى فِي السَّمَاءِ.

وَالْكَنْزُ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أَنْ يَقُولُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ فِي سُورَةِ هُودٍ [12] .

وَجَعَلُوا إِعْطَاءَ جَنَّةٍ لَهُ عَلَامَةً عَلَى النُّبُوءَةِ لِأَنَّ وُجُودَ الْجَنَّةِ فِي مَكَّةَ خَارِقٌ لِلْعَادَةِ.

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: يَأْكُلُ مِنْها بِيَاءِ الْغَائِبِ، وَالضَّمِيرُ الْمُسْتَتِرُ عَائِدٌ إِلَى هَذَا الرَّسُولِ.

وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَخَلَفٌ نَأْكُلَ مِنْها بِنُونِ الْجَمَاعَةِ. وَالْمَعْنَى: لِيَتَيَقَّنُوا أَنَّ ثَمَرَهَا حَقِيقَةٌ لَا سِحْرٌ.

ذَكَرَ أَصْحَابُ السِّيَرِ أَنَّ هَذِهِ الْمَقَالَةَ صَدَرَتْ مِنْ كُبَرَاءِ الْمُشْرِكِينَ وَفِي مَجْلِسٍ لَهُمْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَمَعَ عَتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، وَشَيْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، وَأَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ، وَأَبَا الْبَخْتَرِيِّ، وَالْأَسْوَدَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَزَمْعَةَ بْنَ الْأَسْوَدِ، وَالْوَلِيدَ بْنَ الْمُغِيرَةِ، وَأَبَا جَهِلِ بْنَ هِشَامٍ، وَأُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ أبي أُميَّة، والعاصي بْنَ وَائِلٍ، وَنُبَيْهَ بْنَ الْحَجَّاجِ وَمُنَبِّهَ بْنَ الْحَجَّاجِ، وَالنَّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ، وَأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ الَّتِي ذَكَرُوهَا تَدَاوَلهَا أَهَّلُ الْمَجْلِسِ إِذْ لَمْ يُعَيِّنْ أَهْلُ السِّيَرِ قَائِلَهَا.

قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَأَشَاعُوا ذَلِكَ فِي النَّاسِ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي ذَلِكَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ شَيْءٌ مِنْ هَذَا فِي سُورَةِ الْإِسْرَاءِ.

وَكُتِبَتْ لَام مَا لِهذَا مُنْفَصِلَةً عَنِ اسْمِ الْإِشَارَةِ الَّذِي بَعْدَهَا فِي الْمُصْحَفِ الْإِمَامِ فَاتَّبَعَتْهُ الْمَصَاحِفُ لِأَنَّ رَسْمَ الْمُصْحَفِ سُنَّةٌ فِيهِ، كَمَا كتب مالِ هذَا الْكِتابِ لَا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً فِي سُورَةِ الْكَهْفِ [49]، وكما كتب: فَمالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ فِي سُورَةِ سَأَلَ سَائِلٌ [36]، وكما كتب: فَمالِ هؤُلاءِ الْقَوْمِ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ [78] . وَلَعَلَّ وَجْهَ هَذَا الِانْفِصَالِ أَنَّهُ طَرِيقَةُ رَسْمٍ قَدِيمٍ كَانَتِ الْحُرُوفُ تُكْتَبُ مُنْفَصِلًا بَعْضُهَا عَنْ بَعْضٍ وَلَا سِيَّمَا حُرُوفُ الْمَعَانِي فَعَامَلُوا

ص: 328

مَا كَانَ عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ مُعَامَلَةَ مَا كَانَ عَلَى حَرْفَيْنِ فَبَقِيَتْ عَلَى يَدِ أَحَدِ كُتَّابِ الْمُصْحَفِ أَثَارَةٌ مِنْ ذَلِكَ، وَأَصْلُ حُرُوفِ الْهِجَاءِ كُلِّهَا الِانْفِصَالُ، وَكَذَلِكَ هِيَ فِي الْخُطُوطِ الْقَدِيمَةِ لِلْعَرَبِ وَغَيْرِهِمْ. وَكَانَ وَصْلُ حُرُوفِ الْكَلِمَةِ الْوَاحِدَةِ تَحْسِينًا لِلرَّسْمِ وَتَسْهِيلًا لِتَبَادُرِ الْمَعْنَى، وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ كَلِمَتَيْنِ فَوَصْلُهُ اصْطِلَاحٌ.

وَأَكْثَرُ مَا وصلوا مِنْهُ هُوَ الْكَلِمَةُ الْمَوْضُوعَةُ عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ مِثْلُ حُرُوفِ الْقَسَمِ أَوْ كَالْوَاحِدِ مِثْلُ (أَلْ) . وَقالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُوراً انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا

فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا

الظَّالِمُونَ: هُمُ الْمُشْرِكُونَ، فَغَيَّرَ عُنْوَانَهُمُ الْأَوَّلَ إِلَى عُنْوَانِ الظُّلْمِ وَهُمْ هُمْ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ فِي هَذَا الْقَوْلِ اعْتِدَاءً عَلَى الرَّسُولِ بِنَبْزِهِ بِمَا هُوَ بَرِيءٌ مِنْهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ فَظُلْمُهُمْ لَهُ أَشَدُّ ظُلْمٍ، وَصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

ذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَنَّ قَائِلَ: إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُوراً هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزِّبَعْرَى، أَيْ هُوَ مُبْتَكِرُ هَذَا الْبُهْتَانِ وَإِنَّمَا أُسْنِدَ الْقَوْلُ إِلَى جَمِيعِ الظَّالِمِينَ لِأَنَّهُمْ تَلَقَّفُوهُ وَلَهَجُوا بِهِ.

وَالْمَسْحُورُ: الَّذِي أَصَابَهُ السِّحْرُ، وَهُوَ يُورِثُ اخْتِلَالَ الْعَقْلِ عِنْدَهُمْ، أَيْ مَا تَتْبَعُونَ إِلَّا رَجُلًا أَصَابَهُ خَلَلُ الْعَقْلِ فَهُوَ يَقُولُ مَا لَا يَقُولُ مِثْلَهُ الْعُقَلَاءُ.

وَذَكَرَ رَجُلًا هُنَا لِتَمْهِيدِ اسْتِحَالَةِ كَوْنِهِ رَسُولًا لِأَنَّهُ رَجُلٌ مِنَ النَّاسِ. وَهَذَا الْخِطَابُ خَاطَبُوا بِهِ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا النَّبِيءَ صلى الله عليه وسلم.

وَمَعْنَى: انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا أَنَّهُمْ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ الْبَاطِلَةَ بِأَنْ مَثَّلُوكَ بِرَجُلٍ مَسْحُورٍ.

ص: 329