المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة النور (24) : آية 3] - التحرير والتنوير - جـ ١٨

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌23- سُورَةُ الْمُؤْمِنِينَ

- ‌أغراض السُّورَة

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 5 إِلَى 7]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 10 إِلَى 11]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 12 إِلَى 14]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 15 إِلَى 16]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 18 إِلَى 20]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 21 إِلَى 22]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 23 إِلَى 25]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 26 إِلَى 27]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 28 إِلَى 29]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : آيَة 30]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 31 إِلَى 32]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 33 إِلَى 38]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 39 إِلَى 40]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : آيَة 41]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 42 إِلَى 43]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : آيَة 44]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 45 إِلَى 48]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : آيَة 49]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : آيَة 50]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : آيَة 51]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : آيَة 52]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : آيَة 53]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : آيَة 54]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 55 إِلَى 56]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 57 إِلَى 61]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : آيَة 62]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : آيَة 63]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 64 إِلَى 67]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 68 إِلَى 70]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : آيَة 71]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : آيَة 72]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 73 إِلَى 74]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : آيَة 75]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 76 إِلَى 77]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : آيَة 78]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : آيَة 79]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : آيَة 80]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 81 إِلَى 83]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 84 إِلَى 85]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 86 إِلَى 87]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 88 إِلَى 89]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : آيَة 90]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 91 إِلَى 92]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 93 إِلَى 95]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : آيَة 96]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 97 إِلَى 98]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 99 إِلَى 100]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 101 إِلَى 104]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 105 إِلَى 107]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 108 إِلَى 111]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 112 إِلَى 114]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : آيَة 115]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : آيَة 116]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : آيَة 117]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : آيَة 118]

- ‌24- سُورَةُ النُّورِ

- ‌أَغْرَاضُ هَذِهِ السُّورَةُ

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : الْآيَات 4 إِلَى 5]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : الْآيَات 6 إِلَى 9]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : الْآيَات 17 إِلَى 18]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : الْآيَات 23 إِلَى 25]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : الْآيَات 27 إِلَى 28]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 29]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 30]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 31]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 32]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 34]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 35]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : الْآيَات 36 إِلَى 38]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 39]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 40]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 41]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 42]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 43]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 44]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 45]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 46]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : الْآيَات 47 إِلَى 50]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 51]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 52]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 53]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 54]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 55]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 56]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 57]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : الْآيَات 58 إِلَى 59]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 60]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 61]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 62]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 63]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 64]

- ‌25- سُورَةُ الْفُرْقَانِ

- ‌أَغْرَاضُ هَذِهِ السُّورَةِ

- ‌[سُورَة الْفرْقَان (25) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الْفرْقَان (25) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة الْفرْقَان (25) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة الْفرْقَان (25) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الْفرْقَان (25) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الْفرْقَان (25) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة الْفرْقَان (25) : الْآيَات 7 الى 9]

- ‌[سُورَة الْفرْقَان (25) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة الْفرْقَان (25) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة الْفرْقَان (25) : الْآيَات 12 إِلَى 14]

- ‌[سُورَة الْفرْقَان (25) : الْآيَات 15 إِلَى 16]

- ‌[سُورَة الْفرْقَان (25) : الْآيَات 17 إِلَى 18]

- ‌[سُورَة الْفرْقَان (25) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة الْفرْقَان (25) : آيَة 20]

الفصل: ‌[سورة النور (24) : آية 3]

وَالطَّائِفَةُ: الْجَمَاعَةُ مِنَ النَّاسِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ [102]، وَعِنْدَ قَوْلِهِ: أَنْ تَقُولُوا إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا فِي آخِرِ الْأَنْعَامِ [156] . وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي ضَبْطِ عَدَدِهَا هُنَا. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ عَدَدٌ تَحْصُلُ بِخَبَرِهِ الِاسْتِفَاضَةُ وَهُوَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَمْكِنَةِ. وَالْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ الِاثْنَانِ فَصَاعِدًا، وَقَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ: أَرْبَعَةٌ اعْتِبَارًا بِشَهَادَةِ الزِّنَا. وَقِيلَ عَشْرَةٌ.

وَظَاهِرُ الْأَمْرِ يَقْتَضِي وُجُوبَ حُضُورِ طَائِفَةٍ لِلْحَدِّ. وَحَمَلَهُ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى النَّدْبِ وَكَذَلِكَ الشَّافِعِيَّةُ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى تَصْرِيحٍ بِحُكْمِهِ فِي الْمَذْهَبِ الْمَالِكِيِّ. وَيَظْهَرُ مِنْ إِطْلَاقِ الْمُفَسِّرِينَ وَأَصْحَابِ الْأَحْكَامِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَمِنَ اخْتِلَافِهِمْ فِي أقل مَا يجزىء مِنْ عَدَدِ الطَّائِفَةِ أَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى الْوُجُوبِ إِذْ هُوَ مَحْمَلُ الْأَمْرِ عِنْدَ مَالِكٍ. وَأَيَّا مَا كَانَ حُكْمُهُ فَهُوَ فِي الْكِفَايَةِ وَلَا يُطَالَبُ بِهِ مَنْ لَهُ بِالْمَحْدُودِ مَزِيدُ صِلَةٍ يُحْزِنُهُ أَنْ يُشَاهِدَ إِقَامَةَ الْحَد عَلَيْهِ.

[3]

[سُورَة النُّور (24) : آيَة 3]

الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَاّ زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُها إِلَاّ زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (3)

هَذِهِ الْآيَةُ نَزَلَتْ مُسْتَقِلَّةً بِأَوَّلِهَا وَنِهَايَتِهَا كَمَا يَأْتِي قَرِيبًا فِي ذِكْرِ سَبَبِ نُزُولِهَا، سَوَاءٌ كَانَ نُزُولُهَا قَبْلَ الْآيَاتِ الَّتِي افْتُتِحَتْ بِهَا السُّورَةُ أَمْ كَانَ نُزُولُهَا بَعْدَ تِلْكَ الْآيَاتِ. فَهَذِهِ الْجُمْلَةُ ابْتِدَائِيَّةٌ. وَمُنَاسَبَةُ مَوْقِعِهَا بَعْدَ الْجُمْلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا وَاضِحَةٌ.

وَقَدْ أَعْضَلَ مَعْنَاهَا فَتَطَلَّبَ الْمُفَسِّرُونَ وُجُوهًا مِنَ التَّأْوِيلِ وَبَعْضُ الْوُجُوهِ يَنْحَلُّ إِلَى مُتَعَدِّدٍ.

وَسَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ مَا

رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَحَسَّنَهُ: «أَنَّهُ كَانَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ مَرْثَدُ بْنُ أَبِي مَرْثَدٍ (الْغَنَوِيُّ مِنَ الْمُسْلِمِينَ)

ص: 152

كَانَ يَخْرُجُ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ يَحْمِلُ الْأَسْرَى (1) فَيَأْتِي بِهِمْ إِلَى الْمَدِينَةِ. وَكَانَتِ امْرَأَةٌ بَغِيٌّ بِمَكَّةَ يُقَالُ لَهَا: عَنَاقُ. وَكَانَتْ خَلِيلَةً لَهُ، وَأَنَّهُ كَانَ وَعَدَ رَجُلًا مِنْ أَسَارَى مَكَّةَ لِيَحْمِلَهُ. قَالَ: فَجِئْتُ حَتَّى انْتَهَيْت إِلَى ظلّ حَائِطٍ مِنْ حَوَائِطِ مَكَّةَ فِي لَيْلَةٍ مُقْمِرَةٍ. قَالَ: فَجَاءَتْ عَنَاقُ فَقَالَتْ: مَرْثَدُ؟ قُلْتُ: مَرْثَدُ.

قَالَتْ: مَرْحَبًا وَأَهْلًا هَلُمَّ فَبِتْ عِنْدَنَا اللَّيْلَةَ. قَالَ فَقُلْتُ: حَرَّمَ اللَّهُ الزِّنَى. فَقَالَتْ عَنَاقُ: يَا أَهْلَ الْخِيَامِ هَذَا الرَّجُلُ يَحْمِلُ أَسْرَاكُمْ، فَتَبِعَنِي ثَمَانِيَةٌ (مِنَ الْمُشْرِكِينَ) .. إِلَى أَنْ قَالَ: ثُمَّ رَجَعُوا وَرَجَعْتُ إِلَى صَاحِبِي فَحَملته ففككت عَنهُ كَبْلَهُ حَتَّى قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْكِحُ عَنَاقَ؟ فَأَمْسَكَ رَسُولُ اللَّهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ شَيْئًا حَتَّى نَزَلَتْ الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: يَا مَرْثَدُ لَا تَنْكِحْهَا»

. فَتَبَيَّنَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ جَوَابًا عَنْ سُؤَالِ مَرْثَدِ بْنِ أَبِي مَرْثَدٍ هَلْ يَتَزَوَّجُ عَنَاقَ. وَمَثَارُ مَا يُشْكِلُ وَيَعْضُلُ مِنْ مَعْنَاهَا: أَنَّ النِّكَاحَ هُنَا عَقْدُ التَّزَوُّجِ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمُحَقِّقُونَ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ مِثْلَ الزَّجَّاجِ وَالزَّمَخْشَرِيِّ وَغَيْرِهِمَا. وَأَنَا أَرَى لَفْظَ النِّكَاحِ لَمْ يُوضَعْ وَلَمْ يُسْتَعْمَلْ إِلَّا فِي عَقْدِ الزَّوَاجِ وَمَا انْبَثَقَ زَعَمَ أَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى الْوَطْءِ إِلَّا مِنْ تَفْسِيرِ بَعْضِ الْمُفَسِّرِينَ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ [الْبَقَرَة: 230] بِنَاءً عَلَى اتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّ مُجَرَّدَ الْعَقْدِ عَلَى الْمَرْأَةِ بِزَوْجٍ لَا يُحِلُّهَا لِمَنْ بَتَّهَا إِلَّا إِذَا دَخَلَ بِهَا الزَّوْجُ الثَّانِي.

وَفِيهِ بَحْثٌ طَوِيلٌ، لَيْسَ هَذَا مَحَلَّهُ.

وَأَنَّهُ لَا تَرَدُّدَ فِي أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ بَعْدَ تَحْرِيمِ الزِّنَى إِذْ كَانَ تَحْرِيمُ الزِّنَى مِنْ أَوَّلِ مَا شُرِّعَ مِنَ الْأَحْكَامِ فِي الْإِسْلَامِ كَمَا فِي الْآيَاتِ الْكَثِيرَةِ النَّازِلَةِ بِمَكَّةَ، وَحَسْبُكَ أَنَّ الْأَعْشَى عَدَّ تَحْرِيمَ الزِّنَى فِي عِدَادِ مَا جَاءَ بِهِ

(1) أَي الَّذين أوثقهم الْمُشْركُونَ بِمَكَّة لأجل إِيمَانهم وَلم يتركوهم يهاجرون إِلَى الْمَدِينَة فَكَانَ مُرْتَد يحملهم إِلَى الْمَدِينَة سرا.

ص: 153

النبيء صلى الله عليه وسلم مِنَ التَّشْرِيعِ إِذْ قَالَ فِي قَصِيدَتِهِ لَمَّا جَاءَ مَكَّةَ بِنِيَّةِ الْإِسْلَامِ ومدح النبيء صلى الله عليه وسلم فَصَدَّهُ أَبُو جَهْلٍ فَانْصَرَفَ إِلَى الْيَمَامَةِ وَمَاتَ هُنَاكَ قَالَ:

أَجِدْكَ لَمْ تَسْمَعْ وصاة مُحَمَّد

نبيء الْإِلَهِ حِينَ أَوْصَى وَأَشْهَدَا

إِلَى أَنْ قَالَ....

وَلَا تَقْرَبَنَّ جَارَةً إِنَّ سِرَّهَا

عَلَيْكَ حَرَامٌ فَانْكِحَنْ أَوْ تَأَبَّدَا (1)

وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْإِسْرَاءِ.

وَإِنَّهُ يلوح فِي بادىء النَّظَرِ مِنْ ظَاهِرِ الْآيَةِ أَنَّ صَدْرَهَا إِلَى قَوْلِهِ أَوْ مُشْرِكٌ إِخْبَارٌ عَنْ حَالِ تَزَوُّجِ امْرَأَةٍ زَانِيَةٍ وَأَنَّهُ لَيْسَ لِتَشْرِيعِ حُكْمِ النِّكَاحِ بَيْنَ الزُّنَاةِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا نِكَاحَ بَيْنَ الْمُشْرِكِينَ. فَإِذَا كَانَ إِخْبَارًا لَمْ يَسْتَقِمْ مَعْنَى الْآيَةِ إِذِ الزَّانِي قَدْ يَنْكِحُ الْحَصِينَةَ وَالْمُشْرِكُ قَدْ يَنْكِحُ الْحَصِينَةَ وَهُوَ الْأَكْثَرُ فَلَا يَسْتَقِيمُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً مَعْنًى، وَأَيْضًا الزَّانِيَةُ قَدْ يَنْكِحُهَا الْمُسْلِمُ الْعَفِيفُ لِرَغْبَةٍ فِي جَمَالِهَا أَوْ لِيُنْقِذَهَا مِنْ عُهْرِ الزِّنَى وَمَا هُوَ بِزَانٍ وَلَا مُشْرِكٍ فَلَا يَسْتَقِيمُ مَعْنًى لِقَوْلِهِ: وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَإِنَّنَا لَوْ تَنَازَلْنَا وَقَبِلْنَا أَنْ تَكُونَ لِتَشْرِيعِ حُكْمٍ فَالْإِشْكَالُ أَقْوَى إِذْ لَا مَعْنَى لِتَشْرِيعِ حُكْمِ نِكَاحِ الزَّانِي وَالزَّانِيَةِ وَالْمُشْرِكِ وَالْمُشْرِكَةِ فَتَعَيَّنَ تَأْوِيلُ الْآيَةِ بِمَا يُفِيدُ مَعْنًى مُعْتَبَرًا.

وَالْوَجْهُ فِي تَأْوِيلِهَا: أَنَّ مَجْمُوعَ الْآيَةِ مَقْصُودٌ مِنْهُ التَّشْرِيعُ دُونَ الْإِخْبَارِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ فِي آخِرِهَا وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ. وَلِأَنَّهَا نَزَلَتْ جَوَابًا عَنْ سُؤَالِ مَرْثَدٍ تَزْوِيجَهُ عِنَاقَ وَهِيَ زَانِيَةٌ وَمُشْرِكَةٌ وَمَرْثَدُ مُسْلِمٌ تَقِيٌّ. غَيْرَ أَنَّ صَدْرَ الْآيَةِ لَيْسَ هُوَ الْمَقْصُودُ بِالتَّشْرِيعِ بَلْ هُوَ تَمْهِيدٌ لِآخِرِهَا مُشِيرٌ إِلَى تَعْلِيلِ مَا شُرِّعَ فِي آخِرِهَا، وَفِيهِ مَا يُفَسِّرُ مَرْجِعَ اسْمِ الْإِشَارَةِ الْوَاقِعِ فِي قَوْلِهِ: وَحُرِّمَ ذلِكَ.

(1) أَي تعزب.

ص: 154

وَأَنَّ حُكْمَهَا عَامٌّ لِمَرْثَدٍ وَغَيْرِهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِحَقِّ عُمُومِ لَفْظِ الْمُؤْمِنِينَ.

وَيَنْبَنِي عَلَى هَذَا التَّأْصِيلِ أَنَّ قَوْلَهُ: الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً تَمْهِيدٌ

لِلْحُكْمِ الْمَقْصُودِ الَّذِي فِي قَوْلِهِ: وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنَّهُ مَسُوقٌ مَسَاقَ الْإِخْبَارِ دُونَ التَّشْرِيعِ فَيَتَعَيَّنُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ لَفْظِ الزَّانِي الْمَعْنَى الِاسْمِيُّ لِاسْمِ الْفَاعِلِ وَهُوَ مَعْنَى التَّلَبُّسِ بِمَصْدَرِهِ دُونَ مَعْنَى الْحُدُوثِ إِذْ يَجِبُ أَنْ لَا يُغْفَلَ عَنْ كَوْنِ اسْمِ الْفَاعِلِ لَهُ شَائِبَتَانِ: شَائِبَةُ كَوْنِهِ مُشْتَقًّا مِنَ الْمَصْدَرِ فَهُوَ بِذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْفِعْلِ الْمُضَارع، فضارب بشبه يَضْرِبُ فِي إِفَادَةِ حُصُولِ الْحَدَثِ مِنْ فَاعِلٍ، وَشَائِبَةُ دَلَالَتِهِ عَلَى ذَاتٍ مُتَلَبِّسَةٍ بِحَدَثٍ فَهُوَ بِتِلْكَ الشَّائِبَةِ يَقْوَى فِيهِ جَانِبُ الْأَسْمَاءِ الدَّالَّةِ عَلَى الذَّوَاتِ. وَحَمْلُهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى الْمَعْنَى الِاسْمِيِّ تَقْتَضِيهِ قَرِينَةُ السِّيَاقِ إِذْ لَا يُفْهَمُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى أَنَّ الَّذِي يُحْدِثُ الزِّنَى لَا يَتَزَوَّجُ إِلَّا زَانِيَةً لِانْتِفَاءِ جَدْوَى تَشْرِيعِ مَنْعِ حَالَةٍ مِنْ حَالَاتِ النِّكَاحِ عَنِ الَّذِي أَتَى زنى.

وَهَذَا عَلَى عَكْسِ مَحْمَلِ قَوْلِهِ: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ [النُّور:

2] فَإِنَّهُ بِالْمَعْنَى الْوَصْفِيِّ، أَيِ التَّلَبُّسِ بِإِحْدَاثِ الزِّنَى حَسْبَمَا حَمَلْنَاهُ عَلَى ذَلِكَ آنِفًا بِقَرِينَةِ سِيَاقٍ تُرَتِّبُ الْجَلْدَ عَلَى الْوَصْفِ إِذِ الْجَلْدُ عُقُوبَةٌ إِنَّمَا تَتَرَتَّبُ عَلَى إِحْدَاثِ جَرِيمَةٍ تُوجِبُهَا.

فَتَمَحَّضَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً إِلَخْ: مَنْ كَانَ الزِّنَى دَأْبًا لَهُ قَبْلَ الْإِسْلَامِ وَتَخَلَّقَ بِهِ ثُمَّ أَسْلَمَ وَأَرَادَ تَزَوُّجَ امْرَأَةٍ مُلَازِمَةٍ لِلزِّنَى مِثْلَ الْبَغَايَا وَمُتَّخِذَاتِ الْأَخْدَانِ (وَلَا يَكُنَّ إِلَّا غَيْرَ مُسْلِمَاتٍ لَا مَحَالَةَ) فَنَهَى اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ عَنْ تَزَوُّجِ مِثْلِهَا بِقَوْلِهِ وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ. وَقُدِّمَ لَهُ مَا يُفِيدُ تَشْوِيهَهُ بِأَنَّهُ لَا يُلَائِمُ حَالَ الْمُسْلِمِ وَإِنَّمَا هُوَ شَأْنُ أَهْلِ الزِّنَى، أَيْ غَيْرُ الْمُؤْمِنِينَ، لِأَنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يَكُونُ الزِّنَى لَهُ دَأْبًا، وَلَوْ صَدَرَ مِنْهُ لَكَانَ عَلَى سَبِيلِ الْفَلْتَةِ كَمَا وَقع لما عز بْنِ مَالِكٍ.

فَقَوْلُهُ: الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً تَمْهِيدٌ وَلَيْسَ بِتَشْرِيعٍ، لِأَنَّ الزَّانِيَ- بِمَعْنَى مَنِ الزِّنَى لَهُ عَادَةٌ- لَا يَكُونُ مُؤْمِنًا فَلَا تُشَرَّعُ لَهُ أَحْكَامُ الْإِسْلَامِ.

ص: 155

وَهَذَا مِنْ قَبِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ [النُّور: 26] وَهَذَا يَتَضَمَّنُ أَنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا تَزَوَّجَ زَانِيَةً فَقَدْ وَضَعَ نَفْسَهُ فِي صَفِّ الزُّنَاةِ، أَيِ الْمُشْرِكِينَ.

وَعُطِفَ قَوْلُهُ: أَوْ مُشْرِكَةً عَلَى زانِيَةً لِزِيَادَةِ التَّفْظِيعِ فَإِنَّ الزَّانِيَةَ غَيْرَ الْمُسْلِمَةِ قَدْ تَكُونُ غَيْرَ مُشْرِكَةٍ مِثْلَ زَوَانِي الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَبَغَايَاهُمَا. وَكَذَلِكَ عُطِفَ أَوْ مُشْرِكٌ عَلَى إِلَّا زانٍ لِظُهُورِ أَنَّ الْمَقَامَ لَيْسَ بِصَدَدِ التَّشْرِيعِ لِلْمُشْرِكَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ أَحْكَامَ التَّزَوُّجِ بَيْنَهُمْ إِذْ لَيْسُوا بِمُخَاطَبِينَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ.

فَتَمَحَّضَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْمُؤْمِنَ الصَّالِحَ لَا يَتَزَوَّجُ الزَّانِيَةَ. ذَلِكَ لِأَنَّ الدُّرْبَةَ عَلَى الزِّنَى يَتَكَوَّنُ بِهَا خُلُقٌ يُنَاسِبُ أَحْوَالَ الزُّنَاةِ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فَلَا يَرْغَبُ فِي مُعَاشَرَةِ الزَّانِيَةِ إِلَّا

مَنْ تَرُوقُ لَهُ أَخْلَاقُ أَمْثَالِهَا، وَقَدْ كَانَ الْمُسْلِمُونَ أَيَّامَئِذٍ قَرِيبِي عَهْدٍ بِشِرْكٍ وَجَاهِلِيَّةٍ فَكَانَ مِنْ مُهِمِّ سِيَاسَةِ الشَّرِيعَةِ لِلْمُسْلِمِينَ التَّبَاعُدُ بِهِمْ عَنْ كُلِّ مَا يُسْتَرْوَحُ مِنْهُ أَنْ يُذَكِّرَهُمْ بِمَا كَانُوا يَأْلَفُونَهُ قَصْدَ أَنْ تَصِيرَ أَخْلَاقُ الْإِسْلَامِ مَلَكَاتٍ فِيهِمْ فَأَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُبْعِدَهُمْ عَمَّا قَدْ يُجَدِّدُ فِيهِمْ أَخْلَاقًا أَوْشَكُوا أَنْ يَنْسَوْهَا.

فَمَوْقِعُ هَذِهِ الْآيَةِ مَوْقِعُ الْمَقْصُودِ مِنَ الْكَلَامِ بَعْدَ الْمُقَدِّمَةِ وَلِذَلِكَ جَاءَتْ مُسْتَأْنَفَةً كَمَا تَقَعُ النَّتَائِجُ بَعْدَ أَدِلَّتِهَا، وَقُدِّمَ قَبْلَهَا حُكْمُ عُقُوبَةِ الزِّنَى لِإِفَادَةِ حُكْمِهِ وَمَا يَقْتَضِيهِ ذَلِكَ مِنْ تَشْنِيعِ فِعْلِهِ. فَلِذَلِكَ فَالْمُرَادُ بِالزَّانِي: مَنْ وَصْفُ الزِّنَى عَادَتُهُ.

وَفِي «تَفْسِيرِ الْقُرْطُبِيِّ» عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَمُجَاهِدٍ: أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ خَاصَّةٌ فِي رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ اسْتَأْذَنَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي نِكَاحِ امْرَأَةٍ يُقَالُ لَهَا: أُمُّ مَهْزُولٍ، وَكَانَتْ مِنْ بَغَايَا الزَّانِيَاتِ وَشَرَطَتْ لَهُ أَنْ تُنْفِقَ عَلَيْهِ (وَلَعَلَّ أُمَّ مَهْزُولٍ كُنْيَةُ عَنَاقَ وَلَعَلَّ الْقِصَّةَ وَاحِدَةٌ) إِذْ لَمْ يُرْوَ غَيْرُهَا. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: هَذَا خَاصٌّ بِهَذِهِ الْمَرْأَةِ إِذْ كَانَتْ كَافِرَةً فَأَمَّا الزَّانِيَةُ الْمُسْلِمَةُ فَإِنَّ الْعَقْدَ عَلَيْهَا لَا يُفْسَخُ.

ص: 156

وَابْتُدِئَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِذِكْرِ الزَّانِي قَبْلَ ذِكْرِ الزَّانِيَةِ عَلَى عَكْسِ مَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ [النُّور: 2] فَإِنَّ وَجْهُ تَقْدِيمِ الزَّانِيَةِ فِي الْآيَةِ السَّابِقَةِ هُوَ مَا عَرَفْتَهُ، فَأَمَّا هُنَا فَإِنَّ سَبَبَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ كَانَ رَغْبَةَ رَجُلٍ فِي تَزَوُّجِ امْرَأَةٍ تَعَوَّدَتِ الزِّنَى فَكَانَ الْمَقَامُ مُقْتَضِيًا الِاهْتِمَامَ بِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى هَذَا السُّؤَالِ مِنْ مَذَمَّةِ الرَّجُلِ الَّذِي يَتَزَوَّجُ مِثْلَ تِلْكَ الْمَرْأَةِ.

وَجُمْلَةُ وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ تَكْمِيلٌ لِلْمَقْصُودِ مِنَ الْجُمْلَتَيْنِ قَبْلَهَا، وَهُوَ تَصْرِيحٌ بِمَا أُرِيدَ مِنْ تَفْظِيعِ نِكَاحِ الزَّانِيَةِ وَبِبَيَانِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ فِي الْقَضِيَّةِ.

وَالْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: ذلِكَ إِلَى الْمَعْنَى الَّذِي تَضَمَّنَتْهُ الْجُمْلَتَانِ مِنْ قَبْلُ وَهُوَ نِكَاحُ الزَّانِيَةِ، أَيْ وَحُرِّمَ نِكَاحُ الزَّانِيَةِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، فَلِذَلِكَ عُطِفَتْ جُمْلَةُ وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ لِأَنَّهَا أَفَادَتْ تَكْمِيلًا لِمَا قَبْلَهَا وَشَأْنُ التَّكْمِيلِ أَنْ يَكُونَ بِطَرِيقِ الْعَطْفِ. وَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ حَمَلَ الْآيَةَ عَلَى ظَاهِرِهَا مِنَ التَّحْرِيمِ وَقَالُوا: هَذَا حُكْمٌ مَنْسُوخٌ نَسَخَتْهَا الْآيَةُ بَعْدَهَا وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ [النُّور: 32] فَدَخَلَتِ الزَّانِيَةُ فِي الْأَيَامَى، أَيْ بَعْدَ أَنِ اسْتَقَرَّ الْإِسْلَامُ وَذَهَبَ الْخَوْفُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَنْ تُعَاوِدَهُمْ أَخْلَاقُ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ.

وَرُوِيَ هَذَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَابْنِ عُمَرَ، وَبِهِ

أَخَذَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ، وَلَمْ يُؤْثَرْ أَنَّ أَحَدًا تَزَوَّجَ زَانِيَةً فِيمَا بَيْنَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ وَنُزُولِ نَاسِخِهَا، وَلَا أَنَّهُ فُسِخَ نِكَاحُ مُسْلِمٍ امْرَأَةً زَانِيَةً. وَمُقْتَضَى التَّحْرِيمِ الْفَسَادُ وَهُوَ يَقْتَضِي الْفَسْخَ. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: هَذَا خَاصٌّ بِهَذِهِ الْمَرْأَةِ إِذْ كَانَتْ كَافِرَةً فَأَمَّا الزَّانِيَةُ الْمُسْلِمَةُ فَإِنَّ الْعَقْدَ عَلَيْهَا لَا يُفْسَخُ. وَمِنْهُمْ مَنْ رَأَى حُكْمَهَا مُسْتَمِرًّا. وَنَسَبَ الْفَخْرُ الْقَوْلَ بِاسْتِمْرَارِ حُكْمِ التَّحْرِيمِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَعَائِشَةَ رضي الله عنهم وَنَسَبَهُ غَيْرُهُ إِلَى التَّابِعِينَ وَلَمْ يَأْخُذْ بِهِ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ من بعد.

ص: 157