المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة النور (24) : آية 63] - التحرير والتنوير - جـ ١٨

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌23- سُورَةُ الْمُؤْمِنِينَ

- ‌أغراض السُّورَة

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 5 إِلَى 7]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 10 إِلَى 11]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 12 إِلَى 14]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 15 إِلَى 16]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 18 إِلَى 20]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 21 إِلَى 22]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 23 إِلَى 25]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 26 إِلَى 27]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 28 إِلَى 29]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : آيَة 30]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 31 إِلَى 32]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 33 إِلَى 38]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 39 إِلَى 40]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : آيَة 41]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 42 إِلَى 43]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : آيَة 44]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 45 إِلَى 48]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : آيَة 49]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : آيَة 50]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : آيَة 51]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : آيَة 52]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : آيَة 53]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : آيَة 54]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 55 إِلَى 56]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 57 إِلَى 61]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : آيَة 62]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : آيَة 63]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 64 إِلَى 67]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 68 إِلَى 70]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : آيَة 71]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : آيَة 72]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 73 إِلَى 74]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : آيَة 75]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 76 إِلَى 77]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : آيَة 78]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : آيَة 79]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : آيَة 80]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 81 إِلَى 83]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 84 إِلَى 85]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 86 إِلَى 87]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 88 إِلَى 89]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : آيَة 90]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 91 إِلَى 92]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 93 إِلَى 95]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : آيَة 96]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 97 إِلَى 98]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 99 إِلَى 100]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 101 إِلَى 104]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 105 إِلَى 107]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 108 إِلَى 111]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 112 إِلَى 114]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : آيَة 115]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : آيَة 116]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : آيَة 117]

- ‌[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : آيَة 118]

- ‌24- سُورَةُ النُّورِ

- ‌أَغْرَاضُ هَذِهِ السُّورَةُ

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : الْآيَات 4 إِلَى 5]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : الْآيَات 6 إِلَى 9]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : الْآيَات 17 إِلَى 18]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : الْآيَات 23 إِلَى 25]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : الْآيَات 27 إِلَى 28]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 29]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 30]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 31]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 32]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 34]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 35]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : الْآيَات 36 إِلَى 38]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 39]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 40]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 41]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 42]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 43]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 44]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 45]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 46]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : الْآيَات 47 إِلَى 50]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 51]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 52]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 53]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 54]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 55]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 56]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 57]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : الْآيَات 58 إِلَى 59]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 60]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 61]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 62]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 63]

- ‌[سُورَة النُّور (24) : آيَة 64]

- ‌25- سُورَةُ الْفُرْقَانِ

- ‌أَغْرَاضُ هَذِهِ السُّورَةِ

- ‌[سُورَة الْفرْقَان (25) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الْفرْقَان (25) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة الْفرْقَان (25) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة الْفرْقَان (25) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الْفرْقَان (25) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الْفرْقَان (25) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة الْفرْقَان (25) : الْآيَات 7 الى 9]

- ‌[سُورَة الْفرْقَان (25) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة الْفرْقَان (25) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة الْفرْقَان (25) : الْآيَات 12 إِلَى 14]

- ‌[سُورَة الْفرْقَان (25) : الْآيَات 15 إِلَى 16]

- ‌[سُورَة الْفرْقَان (25) : الْآيَات 17 إِلَى 18]

- ‌[سُورَة الْفرْقَان (25) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة الْفرْقَان (25) : آيَة 20]

الفصل: ‌[سورة النور (24) : آية 63]

وَقَوْلُهُ: وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ مُؤْذِنٌ بِأَنَّ ذَلِكَ الِانْصِرَافَ خِلَافُ مَا يَنْبَغِي لِأَنَّهُ لِتَرْجِيحِ

حَاجَتِهِ عَلَى الْإِعَانَةِ عَلَى حَاجَةِ الْأُمَّةِ.

وَهَذِهِ الْآيَةُ أَصْلٌ مِنْ نِظَامِ الْجَمَاعَاتِ فِي مَصَالِحِ الْأُمَّةِ لِأَنَّ مِنَ السُّنَّةِ أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ اجْتِمَاعٍ إِمَامٌ وَرَئِيسٌ يُدِيرُ أَمْرَ ذَلِكَ الِاجْتِمَاعِ. وَقَدْ أَشَارَتْ مَشْرُوعِيَّةُ الْإِمَامَةِ إِلَى ذَلِكَ النِّظَامِ. وَمِنَ السُّنَّةِ أَنْ لَا يَجْتَمِعَ جَمَاعَةٌ إِلَّا أَمَّرُوا عَلَيْهِمْ أَمِيرًا فَالَّذِي يَتَرَأَّسُ الْجَمْعَ هُوَ قَائِمٌ مَقَامَ وَلِيِّ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ فِي مقَام النبيء صلى الله عليه وسلم فَلَا يَنْصَرِفُ أَحَدٌ عَنِ اجْتِمَاعِهِ إِلَّا بَعْدَ أَنْ يَسْتَأْذِنَهُ، لِأَنَّهُ لَوْ جَعَلَ أَمْرَ الِانْسِلَالِ لِشَهْوَةِ الْحَاضِرِ لَكَانَ ذَرِيعَةً لِانْفِضَاضِ الِاجْتِمَاعَاتِ دُونَ حُصُولِ الْفَائِدَةِ الَّتِي جُمِعَتْ لِأَجْلِهَا، وَكَذَلِكَ الْأَدَبُ أَيْضًا فِي التَّخَلُّفِ عَنِ الِاجْتِمَاعِ عِنْدَ الدَّعْوَةِ إِلَيْهِ كَاجْتِمَاعِ الْمَجَالِسِ النِّيَابِيَّةِ وَالْقَضَائِيَّةِ وَالدِّينِيَّةِ أَوِ التَّخَلُّفِ عَنْ مِيقَاتِ الِاجْتِمَاعِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ إِلَّا لعذر واستئذان.

[63]

[سُورَة النُّور (24) : آيَة 63]

لَا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِواذاً فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (63)

لَمَّا كَانَ الِاجْتِمَاعُ لِلرَّسُولِ فِي الْأُمُورِ يَقَعُ بَعْدَ دَعْوَتِهِ النَّاسَ لِلِاجْتِمَاعِ وَقَدْ أَمَرَهُمُ اللَّهُ أَنْ لَا يَنْصَرِفُوا عَنْ مجامع الرَّسُول صلى الله عليه وسلم إِلَّا لِعُذْرٍ بَعْدَ إِذْنِهِ أَنْبَأَهُمْ بِهَذِهِ الْآيَةِ وُجُوبَ اسْتِجَابَةِ دَعْوَةِ الرَّسُولِ إِذَا دَعَاهُمْ. وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ فِي سُورَةِ الْأَنْفَالِ [24] . وَالْمَعْنَى: لَا تَجْعَلُوا دَعْوَةَ الرَّسُولِ إِيَّاكُمْ لِلْحُضُورِ لَدَيْهِ مُخَيَّرِينَ فِي اسْتِجَابَتِهَا كَمَا تَتَخَيَّرُونَ فِي اسْتِجَابَةِ دَعْوَةِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا،

ص: 308

فَوَجْهُ الشَّبَهِ الْمَنْفِيُّ بَيْنَ الدَّعْوَتَيْنِ هُوَ الْخِيَارُ فِي الْإِجَابَةِ. وَالْغَرَضُ مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ أَنْ لَا يَتَوَهَّمُوا أَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الثَّبَاتُ فِي مَجَامِعِ الرَّسُولِ إِذَا حَضَرُوهَا، وَأَنَّهُمْ فِي حُضُورِهَا إِذَا دُعُوا إِلَيْهَا بِالْخِيَارِ، فَالدُّعَاءُ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ مَصْدَرُ دَعَاهُ إِذَا نَادَاهُ أَوْ أَرْسَلَ إِلَيْهِ لَيَحْضُرَ.

وَإِضَافَةُ دُعاءَ إِلَى الرَّسُولِ مِنْ إِضَافَةِ الْمَصْدَرِ إِلَى فَاعِلِهِ. وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ إِضَافَةُ دُعاءَ مِنْ إِضَافَةِ الْمَصْدَرِ إِلَى مَفْعُولِهِ وَالْفَاعِلُ الْمُقَدَّرُ ضَمِيرُ الْمُخَاطَبِينَ.

وَالتَّقْدِيرُ: لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَكُمُ الرَّسُولَ، فَالْمَعْنَى نَهْيُهُمْ.

وَوَقَعَ الِالْتِفَاتُ مِنَ الْغَيْبَةِ إِلَى خِطَابِ الْمُسْلِمِينَ حَثًّا عَلَى تَلَقِّي الْجُمْلَةِ بِنَشَاطٍ فَهْمٍ، فَالْخِطَابُ للْمُؤْمِنين الَّذين تَحَدَّثَ عَنْهُمْ بِقَوْلِهِ: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ [النُّور: 62] وَقَوْلُهُ: إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ [النُّور: 62] إِلَخْ. نُهُوا عَنْ أَنْ يَدْعُوَا الرَّسُولَ عِنْدَ

مُنَادَاتِهِ كَمَا يَدْعُو بَعْضُهُمْ بَعْضًا فِي اللَّفْظِ أَوْ فِي الْهَيْئَةِ. فَأَمَّا فِي اللَّفْظِ فَبِأَنْ لَا يَقُولُوا: يَا مُحَمَّدُ، أَوْ يَا ابْنَ عَبْدِ اللَّهِ، أَوْ يَا ابْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَلَكِنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَوْ يَا نَبِيءَ الله، أَو بكنيته يَا أَبَا الْقَاسِمِ. وَأَمَّا فِي الْهَيْئَةِ فَبِأَنْ لَا يَدْعُوهُ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ، وَأَنْ لَا يُلِحُّوا فِي دُعَائِهِ إِذَا لَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِمْ، كَمَا جَاءَ فِي سُورَةِ الْحُجُرَاتِ. لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مِنَ الْجَلَافَةِ الَّتِي لَا تَلِيقُ بِعَظَمَةِ قدر الرَّسُول صلى الله عليه وسلم. فَهَذَا أَدَبٌ لِلْمُسْلِمِينَ وَسَدٌّ لِأَبْوَابِ الْأَذَى عَنِ الْمُنَافِقين. وَإِذ كَانَتِ الْآيَةُ تَحْتَمِلُ أَلْفَاظُهَا هَذَا الْمَعْنَى صَحَّ لِلْمُتَدَبِّرِ أَنْ يَنْتَزِعَ هَذَا الْمَعْنَى مِنْهَا إِذْ يَكْفِي أَنْ يَأْخُذَ مَنْ لَاحَ لَهُ مَعْنَى مَا لَاحَ لَهُ.

وبَيْنَكُمْ ظَرْفٌ إِمَّا لَغْوٌ مُتَعَلِّقٌ بِ تَجْعَلُوا، أَوْ مُسْتَقِرٌّ صِفَةٌ لِ دُعاءَ، أَي دعاءه فِي كَلَامِكُمْ. وَفَائِدَةُ ذِكْرِهِ عَلَى كِلَا الْوَجْهَيْنِ التَّعْرِيضُ بالمنافقين الَّذين تمالؤوا بَيْنَهُمْ عَلَى التَّخَلُّفِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ إِذَا دَعَاهُمْ كُلَّمَا وَجَدُوا لِذَلِكَ سَبِيلًا كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: مَا كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ [التَّوْبَة: 120] .

فَالْمَعْنَى. لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَمَا جَعَلَ المُنَافِقُونَ بَينهم وتواطأوا عَلَى ذَلِكَ.

ص: 309

وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ جُمْلَةِ: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ [النُّور:

62] وَمَا تَبِعَهَا وَبَيْنَ جُمْلَةِ: قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِواذاً.

وَجُمْلَةُ: قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِواذاً اسْتِئْنَافُ تَهْدِيدٍ لِلَّذِينِ كَانُوا سَبَبَ نُزُولِ آيَةِ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ [النُّور: 62] الْآيَةَ، أَيْ أُولَئِكَ الْمُؤْمِنُونَ وَضِدُّهُمُ الْمُعَرَّضُ بِهِمْ لَيْسُوا بِمُؤْمِنِينَ. وَقَدْ عَلِمَهُمُ اللَّهُ وَاطَّلَعَ عَلَى تَسَلُّلِهِمْ.

(وَقد) لِتَحْقِيقِ الْخَبَرِ لِأَنَّهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ إِذَا تَسَلَّلُوا مُتَسَتِّرِينَ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِمُ النَّبِيءُ فَأَعْلَمَهُمُ اللَّهُ أَنَّهُ عَلِمَهُمْ، أَيْ أَنَّهُ أَعْلَمَ رَسُولَهُ بِذَلِكَ.

وَدُخُولُ (قَدْ) عَلَى الْمُضَارِعِ يَأْتِي لِلتَّكْثِيرِ كَثِيرًا لِأَنَّ (قَدْ) فِيهِ بِمَنْزِلَةِ (رُبَّ) تُسْتَعْمَلُ فِي التَّكْثِيرِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ [الْأَحْزَاب: 18] وَقَوْلُ زُهَيْرٍ:

أَخُو ثِقَةٍ لَا تُهْلِكُ الْخَمْرُ مَالَهُ

وَلَكِنَّهُ قَدْ يُهْلِكُ الْمَالَ نَائِلُهْ

والَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ هُمُ الْمُنَافِقُونَ. وَالتَّسَلُّلُ: الِانْسِلَالُ مِنْ صَبْرَةٍ، أَيِ الْخُرُوجِ مِنْهُ بِخُفْيَةٍ خُرُوجًا كَأَنَّهُ سَلُّ شَيْءٍ مِنْ شَيْءٍ. يُقَالُ: تَسَلَّلَ، أَيْ تَكَلَّفَ الِانْسِلَالَ مِثْلَ مَا يُقَالُ:

تَدَخَّلَ إِذَا تَكَلَّفَ إِدْخَالَ نَفْسِهِ.

وَاللِّوَاذُ: مَصْدَرُ لَاوَذَهُ، إِذَا لَاذَ بِهِ ولاذ بِهِ الْآخَرُ. شُبِّهَ تَسَتُّرُ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ عَنِ اتِّفَاقٍ

وَتَآمُرٍ عِنْدَ الِانْصِرَافِ خُفْيَةً بِلَوْذِ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ لِأَنَّ الَّذِي سَتَرَ الْخَارِجَ حَتَّى يَخْرُجَ هُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَاذَ بِهِ أَيْضًا فَجَعَلَ حُصُولَ فِعْلِهِ مَعَ فِعْلِ اللَّائِذِ كَأَنَّهُ مُفَاعَلَةٌ مِنَ اللَّوْذِ.

وَانْتَصَبَ لِواذاً عَلَى الْحَالِ لِأَنَّهُ فِي تَأْوِيلِ اسْمِ الْفَاعِلِ.

ومِنْكُمْ مُتَعَلِّقٌ بِ يَتَسَلَّلُونَ. وَضَمِيرُ مِنْكُمْ خِطَابٌ لِلْمُؤْمِنِينَ، أَيْ قَدْ عَلِمَ اللَّهُ الَّذِينَ يَخْرُجُونَ مِنْ جَمَاعَتِكُمْ مُتَسَلِّلِينَ مُلَاوِذِينَ.

وَفُرِّعَ عَلَى مَا تَضَمَّنَتْهُ جُمْلَةُ: قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِواذاً تَحْذِيرٌ مِنْ مُخَالَفَةِ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ: لَا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ الْآيَةَ بَعْدَ التَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى مُطَّلِعٌ عَلَى تَسَلُّلِهِمْ.

ص: 310