الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدَّلِيلِ. وَمَا يَصِفُونَهُ بِهِ هُوَ مَا اخْتَصُّوا بِوَصْفِهِمُ اللَّهَ بِهِ مِنَ الشُّرَكَاءِ فِي الْإِلَهِيَّةِ وَمِنْ تَعَذُّرِ الْبَعْثِ عَلَيْهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَهُوَ الَّذِي جَرَى فِيهِ غَرَضُ الْكَلَامِ.
وَإِنَّمَا أَتْبَعَ الِاسْتِدْلَالَ عَلَى انْتِفَاءِ الشَّرِيكِ بِقَوْلِهِ عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْمُرَادِ بِهِ عُمُومَ الْعِلْمِ وَإِحَاطَتِهِ بِكُلِّ شَيْءٍ كَمَا أَفَادَتْهُ لَامُ التَّعْرِيفِ فِي الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ مِنَ الِاسْتِغْرَاقِ الْحَقِيقِيِّ، أَيْ عَالِمُ كُلِّ مَغِيبٍ وَكُلِّ ظَاهِرٍ، لِدَفْعِ تَوَهُّمِ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اسْتِقْلَالَ كُلِّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ قَدْ لَا يُفْضِي إِلَى عُلُوِّ بَعْضِ الْآلِهَةِ عَلَى بَعْضٍ، لِجَوَازِ أَنْ لَا يَعْلَمَ أَحَدٌ مِنَ الْآلِهَةِ بِمِقْدَارِ تَفَاوُتِ مَلَكُوتِهِ عَلَى مَلَكُوتِ الْآخَرِ فَلَا يَحْصُلُ عُلُوُّ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ لِاشْتِغَالِ كُلِّ إِلَهٍ بِمَلَكُوتِهِ. وَوَجْهُ الدَّفْعِ أَنَّ الْإِلَهَ إِذَا جَازَ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ خَالِقٍ لِطَائِفَةٍ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ الَّتِي خَلَقَهَا غَيْرُهُ لِئَلَّا تَتَدَاخَلَ الْقُدَرُ فِي مَقْدُورَاتٍ وَاحِدَةٍ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ عَالِمٍ بِمَا خَلَقَهُ غَيْرُهُ لِأَنَّ صِفَاتِ الْعِلْمِ لَا تَتَدَاخَلُ، فَإِذَا عَلِمَ أَحَدُ الْآلِهَةِ مِقْدَارَ مَلَكُوتِ شُرَكَائِهِ فَالْعَالِمُ بِأَشَدِّيَّةِ مَلَكُوتِهِ يَعْلُو عَلَى مَنْ هُوَ دُونَهُ فِي الْمَلَكُوتِ. فَظَهَرَ أَنَّ قَوْلَهُ عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ مِنْ تَمَامِ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى انْتِفَاءِ الشُّرَكَاءِ، وَلِذَلِكَ فُرِّعَ عَنْهُ بِالْفَاءِ قَوْلُهُ فَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ.
وَقَرَأَ نَافِعٌ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ وَأَبُو جَعْفَرٍ وَخَلَفٌ عالِمِ الْغَيْبِ بِرَفْعِ عالِمِ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ وَهُوَ مِنَ الْحَذْفِ الشَّائِعِ فِي الِاسْتِعْمَالِ إِذَا أُرِيدَ الْإِخْبَارُ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَ أَنْ أُجْرِيَتْ عَلَيْهِ أَخْبَارٌ أَوْ صِفَاتٌ.
وَقَرَأَهُ ابْنُ كَثِيرٍ وَابْنُ عَامِرٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَحَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ وَيَعْقُوبُ بِجَرِّ عالِمِ عَلَى الْوَصْفِ لِاسْمِ الْجَلَالَةِ فِي قَوْلِهِ سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ.
وَ (مَا) مَصْدَرِيَّةٌ. وَالْمَعْنَى فَتَعَالَى عَنْ إِشْرَاكِهِمْ، أَيْ هُوَ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَوْصُوفًا بِكَوْنِهِ مُشَارِكًا فِي وَصْفِهِ الْعَظِيمِ، أَيْ هُوَ مُنَزَّهٌ عَن ذَلِك.
[93- 95]
[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 93 إِلَى 95]
قُلْ رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ (93) رَبِّ فَلا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (94) وَإِنَّا عَلى أَنْ نُرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقادِرُونَ
(95)
آذَنَتِ الْأَيَاتُ السَّابِقَةُ بِأَقْصَى ضَلَالِ الْمُشْرِكِينَ وَانْتِفَاءِ عُذْرِهِمْ فِيمَا دَانُوا بِهِ اللَّهَ تَعَالَى وَبِغَضَبِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ لِذَلِكَ، وَأَنَّهُمْ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ مَعَ الْأُمَمِ الَّتِي عَجَّلَ اللَّهُ لَهَا الْعَذَابَ فِي
الدُّنْيَا وَادَّخَرَ لَهَا عَذَابًا آخَرَ فِي الْآخِرَةِ، فَكَانَ ذَلِك نذراة لَهُمْ بِمِثْلِهِ وَتَهْدِيدًا بِمَا سَيَقُولُونَهُ وَكَانَ مَثَارًا لخشية النبيء صلى الله عليه وسلم أَنْ يَحِلَّ الْعَذَابُ بِقَوْمِهِ فِي حَيَاتِهِ وَالْخَوْف من هؤله فلقن الله نبيئه أَنْ يَسْأَلَ النَّجَاةَ مِنْ ذَلِكَ الْعَذَابِ. وَفِي هَذَا التَّلْقِينِ تَعْرِيضٌ بِأَنَّ اللَّهَ مُنَجِّيهِمْ مِنَ الْعَذَابِ بِحِكْمَتِهِ، وَإِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ الله يري نبيئه حُلُولَ الْعَذَابِ بِمُكَذِّبِيهِ كَمَا هُوَ شَأْنُ تَلْقِينِ الدُّعَاءِ كَمَا فِي قَوْلِهِ: رَبَّنا لَا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا [الْبَقَرَة: 286] الْآيَةَ.
فَهَذِهِ الْجُمْلَةُ اسْتِئْنَافٌ بَيَانِيٌّ جَوَابًا عَمَّا يَخْتَلِجُ فِي نَفْسِ رَسُولِ اللَّهِ عليه الصلاة والسلام. وَقَدْ تَحَقَّقَ ذَلِكَ فِيمَا حَلَّ بِالْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ. فَالْوَعِيدُ الْمَذْكُورُ هُنَا وَعِيدٌ بِعِقَابٍ فِي الدُّنْيَا كَمَا يَقْتَضِيهِ قَوْلُهُ: فَلا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ.
وَذُكِرَ فِي هَذَا الدُّعَاءِ لَفْظُ (رَبِّ) مُكَرَّرًا تَمْهِيدًا لِلْإِجَابَةِ لِأَنَّ وَصْفَ الرُّبُوبِيَّةِ يَقْتَضِي الرَّأْفَةَ بِالْمَرْبُوبِ.
وَأُدْخِلَ بَعْدَ حَرْفِ الشَّرْطِ (مَا) الزَّائِدَةُ لِلتَّوْكِيدِ فَاقْتَرَنَ فِعْلُ الشَّرْطِ بِنُونِ التَّوْكِيدِ لِزِيَادَةِ تَحْقِيقِ رَبْطِ الْجَزَاءِ بِالشَّرْطِ.
وَنَظِيرُهُ فِي تَكْرِيرِ الْمُؤَكَّدَاتِ بَيْنَ الشَّرْطِ وَجَوَابِهِ قَوْلُ الْأَعْشَى:
إِمَّا تَرَيْنَا حُفَاةً لَا نِعَالَ لَنَا
…
إِنَّا كَذَلِكَ مَا نَحْفَى وَنَنْتَعِلُ
أَيْ فَاعْلَمِي حَقًّا أَنَّا نَحْفَى تَارَةً وَنَنْتَعِلُ أُخْرَى لِأَجْلِ ذَلِكَ، أَيْ لِأَجْلِ إِخْفَاءِ الخطى لَا للأجل وِجْدَانِ نَعْلٍ مَرَّةً وَفُقْدَانِهَا أُخْرَى كَحَالِ أَهْلِ الْخَصَاصَةِ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فِي آخِرِ الْأَعْرَافِ [200] .
وَالْمَعْنَى: إِذَا كَانَ مَا يُوعَدُونَ حَاصِلًا فِي حَيَاتِي فَأَنَا أَدْعُوكُمْ أَنْ لَا تَجْعَلُونِي فِيهِمْ حِينَئِذٍ.