المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌سورة الإسْرَاء 1 - قوله تعالى: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً - فتح الرحمن بكشف ما يلتبس في القرآن - جـ ١

[زكريا الأنصاري]

فهرس الكتاب

- ‌سُورَة الفَاتِحة

- ‌سورة البقرة

- ‌سورة آل عمران

- ‌سُورَة النسِّاء

- ‌سُورة المَائِدَة

- ‌سُورَة الأَنعام

- ‌سُورَة الأعراف

- ‌سورة الأَنفَال

- ‌سورة التَّوبة

- ‌سورة يونس

- ‌سورة هود

- ‌سورة يوسف

- ‌سورة الرعد

- ‌سورة إبراهيم

- ‌سورة الحجر

- ‌سورة النحل

- ‌سورة الإسْرَاء

- ‌سورة الكهف

- ‌سورة مريم

- ‌سورة طه

- ‌سورة الأَنبياء

- ‌سورة الحجّ

- ‌سورة المؤمنون

- ‌سُورة النُّور

- ‌سورة الفرقان

- ‌سورة الشعَراء

- ‌سُورَة النَّمْل

- ‌سُوَرة القصص

- ‌سورة العنكبوت

- ‌سُورَة الرُّوم

- ‌سورة لقمان

- ‌سُوَرة السجْدة

- ‌سُورَة الأحزاب

- ‌سُوَرة سبأ

- ‌سورة فاطر

- ‌سُوَرة يس

- ‌سُورة الصّافَّات

- ‌سورة ص

- ‌سورة الزُمر

- ‌سُوَرة غافر

- ‌سورة فصلَتْ

- ‌سورة الشورى

- ‌سُورَة الزُّخْرُف

- ‌سورة الدُّخَان

- ‌سورة الجاثية

- ‌سُورَة الأَحقاف

- ‌سُورَة محمد

- ‌سورة الفتح

- ‌سُورَة الحجرات

- ‌سورة ق

- ‌سُوَرة الذّارِيَات

- ‌سُورَة الطور

- ‌سورة النجم

- ‌سُورَة القمر

- ‌سورة الرحمن

- ‌سُورة الوَاقِعَة

- ‌سورة الحديد

- ‌سُورة المجادَلة

- ‌سُورة الحشْر

- ‌سُورة الممتَحنة

- ‌سُوَرة الصَّف

- ‌سُورَة الجُمُعة

- ‌سُورة المنافِقون

- ‌سُوَرة التغَابن

- ‌سورة الطلاق

- ‌سُورة التحريم

- ‌سورَة الملك

- ‌سوَرة القَلَم

- ‌سُورة الحَاقَّة

- ‌سورة المعارج

- ‌سُورة نوح

- ‌سورة الجن

- ‌سُورة المُزَّمِّل

- ‌سورة المدثر

- ‌سُورة القيامَة

- ‌سورة الإنسان

- ‌سُورَة المرُسلات

- ‌سورة النبأ

- ‌سورة النازعات

- ‌سورة عبس

- ‌سورة التكوير

- ‌سورة الانفِظار

- ‌سُورة المطُفِّفين

- ‌سورة الانشقاق

- ‌سورة البرُوج

- ‌سورة الطارق

- ‌سورة الأعلى

- ‌سورة الغاشِيَة

- ‌سورة الفجر

- ‌سورة البَلَد

- ‌سورة الشمس

- ‌سُورَة اللَّيْل

- ‌سورة الضحى

- ‌سُورة الشرح

- ‌سورة التين

- ‌سُورَة العَلَق

- ‌سُورة القَدْر

- ‌سُورَة البينة

- ‌سورة الزلزلة

- ‌سُورة العاديات

- ‌سُورَة القَارعَة

- ‌سُوَرة التكاثر

- ‌سُورة العصر

- ‌سُوَرة الهُمزة

- ‌سُورَة الفِيل

- ‌سورة قريش

- ‌سُورة الماعُون

- ‌سُورَة الكوثَر

- ‌سورة الكافرون

- ‌سورة النصر

- ‌سُورَة المَسد

- ‌سورة الإخْلاص

- ‌سورة الفلق

- ‌سورة الناس

الفصل: ‌ ‌سورة الإسْرَاء 1 - قوله تعالى: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً

‌سورة الإسْرَاء

1 -

قوله تعالى: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ المَسْجدِ الحَرَامِ إِلَى المَسْجِدِ الأَقْصَا. .) .

قال " بعبده " دون نبيِّه أوحبيبه، لئلا تضِلَّ به أمَّتُه،

كما ضلَّت أمَّةُ المسيح، حيث دعته إلهاً.

أو لأن وصفه بالعبودية، المضافةِ إلى الله تعالى أشرف المقامات، وقال " ليلاً " مُنَكَّراً، ليدلَّ على قِصَر زمن الِإسراء، مع أنَّ بين مكة وبيت المقدس، مسيرة أربعين ليلةً، لأن التنكيرَ يدلُّ على البعضيَّة.

والحكمةُ في إسرائه صلى الله عليه وسلم من بيت المقدس، دون مكة، لأنه محشرُ الخلائق، فيطؤه بقدمه ليسهل على أمته يوم القيامة، وقوفهم ببركة أثر قدمه.

أو لأنه مجمعُ أرواح الأنبياء، فأراد الله أن يُشرِّفهم بزيارته صلى الله عليه وسلم.

ص: 318

أو أُسريَ به منه، ليشاهد من أحواله وصفاته، ما يُخبر به كفار مكة، صبيحة تلك الليلة، فيكون إخباره بذلك مطابقاً لما رأوْا، وشاهداً ودليلاً على صدقه في الإِسراء.

2 -

قوله تعالى: (الَّذِي بَارَكنَا حَوْلَهُ. .) .

هو أعمُّ من أن يُقال: باركنا عليه، أو فيه، لإِفادته شمول البركة، لما أحاط بالمسجد من أرض الشام بالمنطوق، وللمسجد بمفهوم الأولى.

3 -

قوله تعالى: (إِنْ أحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأنْفُسِكُمْ وَإِنْ أسَأْتُمْ فَلَهَا. .) الآية.

" فَلَها " اللَّامُ للاختصاص، أو بمعنى " عَلَى "، كما في قوله تعالى:" وَيخِرُّونَ لِلأذْقَانِ سُجَّداً ".

4 -

قوله تعالى: (وَيُبَشِّرُ المُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً) .

قال ذلك هنا بلفظ " كبيراً "، وقاله في الكهف بلفظ " حَسَناً "، موافقةً للفواصل قبلهما وبعدهما.

ص: 319

5 -

قوله تعالى: (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلَ. .) .

إن قلتَ: لمَ ثَنَّى الآية هنا، وأفردها في قوله

(وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَها آيَةً) ؟

قلتُ: لتباين اللَّيلِ والنَّهارِ من كل وجه، ولتكررهما، فناسبهما التثنيةُ، بخلاف " عيسى " مع أمِّه، فإنَّه جزءٌ منها، ولا تكرر فيهما، فناسبهما الإفرادُ.

6 -

قوله تعالى: (وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً. .) .

أي مضيئة لأن النَّهار لا يُبصِر.

7 -

قوله تعالى: (اقْرَأْ كتَابَكَ كفى بِنَفْسِكَ اليَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً) .

لا يُنافي قوله تعالى: (وَكفَى بِنَا حَاسِبِينَ) لأن في يوم القيامة مواقف مختلفة، ففي موقفٍ يَكِلُ اللَّهُ حسابهم

ص: 320

إلى أنفسهم، وعلمُه محيطٌ به، وفي موقفٍ يحاسبُهم هو تعالى.

وقيل: هو الذي يحاسبُهم لا غيرُ، وقولُه (كَفَى بِنَفْسِكَ اليَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً) أي يكفيك أنك شاهدٌ على نفسك بذنوبها، فهو توبيخٌ وتقريعٌ، لا تفويضُ حسابِ العبدِ إلى نفسه.

وقيل: من يريدُ مناقشته في الحساب، يُحاسبه بنفسه، ومن يريد مسامحته يَكِلُ حسابَه إليه.

8 -

قوله تعالى: (وَإِذَا أرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقوا فِيهَا. .) الآية.

" أمرنا مترفيها " أي أردنا منهم الفسق، أو أمرناهم بالطاعة، أو كثَّرناهم ففسقوا، يُقال: أمَرتُه، وآمَرتُه، بالقصر والمَدِّ بمعنى كثَّرته. وقيَّد بالمترفين وإن كان الأمرُ لا يختصُّ بهم، لأن صلاحهم أو فسادهم، مستلزمٌ لصلاح غيرهم أو فساده.

ص: 321

9 -

قوله تعالى: (مَنْ كَانَ يُريدُ العَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ. . .) الآية.

إن قلتَ: قضيَّتُه أنَّ من لم يتركِ الدنيا يكونُ من أهل النار، وليس كذلك؟!

قلتُ: المراد من لِم يُردْ بإسلامه وعبادته إلَّا الدنيا، وهذا لا يكون إلّاَ كافراَ، أو منافقاً.

15 -

قوله تعالى: (وَمَا كانَ عَطَاءُ رَبِّك مَحْظُوراً)

أي ممنوعاً.

إن قلتَ: كيف قال ذلك، مع أنَّا نشاهد الواحدَ، لا يقدر على دانقٍ، وآخرُ معه الألوف؟!

قلتُ: المراد بالعطاء هنا الرِّزقُ، واللهُ سوَّى في ضمانه بين المطيع والعاصي من العباد، فلا تفاوت بينهم في أصل الرزق، وإنما التفاوتُ بينهم في مقادير الأملاكِ، وإنما لم يمنع الكفَّارَ الرّزقَ، كما منعهم الهدايةَ، لأنَّ في منعهِ له هلاكَهم، وقيامَ الحجة لهم، بأن يقولوا: لو أمهلتنا ورزقتنا، لبقينا أحياءَ فآمنَّا.

ص: 322

ولأنم لو منعهم الرزق لكان قد عاجَلهم بالعقوبة، ولكان ذلك من صفاتِ البخلاء، واللَّهُ منزَّه عن ذلك، لأنه حليمٌ كريمٌ.

ولأن إعطاء الرزق لجميع العبادِ عدلٌ، وعدلُ اللهِ عامٌّ، وهِبةُ الهدايةِ فضلٌ، والفضلُ بيدِ اللَّهِ يؤتيه من يشاء.

11 -

قوله تعالى: (لَا تَجْعَلْ مَعَ اللهِ إلَهاً آخَرَ لتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَخْذُولَاَ) . قال ذلك هنا، ثم قال:(ولا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إلى عُنُقِكَ ولا تَبْسُطْهَا كُلَّ البَسْطِ لتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُورًا) ثم قال: (لا تجعلْ مَعَ اللهِ إلهاً آخَرَ فَتُلْقَى في جَهَنَّمَ مَلُوماً مَدْحُوراً) .

ولا تكرار فيها، لأنَّ الأولى في الدنيا، والثالثة في الآخرة. والخطابُ فيهما للنبي صلى الله عليه وسلم على الراجح والمرادُ به غيرهُ، كما في آية " إمَّا يبلغنَّ عندك الكِبَر أحدُهُما أو كلاهما ".

وأما الثانية فخطابٌ للنبى صلى الله عليه وسلم أيضاً، وهو المرادُ

به، وذلك أن امرأة، بعثتْ صبيَاً إليه مرة بعد أُخرى، سألته قميصاً، ولم يكن عليه ولا له قميصٌ غيره، فنزعه

ص: 323

ودفعه إليه، فدخل وقتُ الصلاة فلم يخرج في الحين، فدخل عليه أصحابه فرأوه على تلك الصِّفة، فلاموه على ذلك، فأنزل الله " فتقعد مَلُوماً " أي يلومك النَّاس " محْسُوراً " أي مكشوفاً، وقيل: مقطوعاً عن الخروج إلى الجماعة. (1)

12 -

قوله تعالى: (إمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا) الآية.

فائدة ذكر " عِنْدَكَ " أنهما يكبران في بيته وكنفه، ويكونان كَلاًّ عليه، لا كافل لهما غيره، وربَّما ناله منهما من المشاقِّ، ما كان ينالهما منه في حال الصِّغَر.

3 1 - قوله تعالى: (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَساَء سَبِيلاً)، هو أعمُّ من أن يُقال:" ولا تَزْنُوا " ليفيد النَّهيَ عن مقدِّمات الزِّنا، كاللَّمس والقُبلة بالمنطوق، وعن الزِّنا بمفهوم الأَولى.

14 -

قوله تعالى: (وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هَذَا القُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَمَا يَزِيدُهُمْ إلَّا نُفوراً) .

ص: 324

قال ذلك هنا بحذف " للنَّاسِ " اكتفاءً بذكره قبلُ، بلفظ " وكلَّ إنسانٍ أَلْزمناه طائرهُ في عُنُقِهِ ".

وقاله بعدُ بذكره، ليتميَّز عن الجنِّ، لجريان ذكرهما معاً قبل.

وقُدِّمَ على " في هذا القرآن " هنا في الآية الثانية، اهتماماً بالتمييز المذكور، وبالنَّاس لأنهم الأصلُ في التكليف ولهذا اقتصر عليهم في غالب الآيات كقوله " يا أيها النَّاسُ " وقوله " من بعدما بيَّناه للنَّاس " وقوله " الذي أنزل فيه القرآنُ هدىً للنَّاس ".

وعَكَسَ في الكهف لمناسبة قولِه قبلُ " مَا لِهَذا الكِتَابِ لا يُغادِرُ صَغيرةً وَلَا كبيرةً "؟

15 -

قوله تعالى: (تُسَبِّحُ لَهُ السَّموَاتُ السَّبْعُ وَالأَرضُ وَمَنْ فِيهِنَّ) الآية. ضمير " فيهنَّ " عائد إلى السمواتِ والأرض، والتسبيحُ - وهو التنزيهُ - شاملٌ التسبيح بلسان المقال، كما في المؤمنين، وبلسان الحال

ص: 325

كما في سائر الموجودات، إذْ كلّ موجود يدلُّ على قدرته تعالى، وفي ذلك جمعٌ بين الحقيقة والمجاز، وهو جائزٌ عند الشافعي رضي الله عنه.

فإن قلتَ: يمنع من شموله للثاني قوله (ولكنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) لأنه مفقوهٌ لنا؟

قلتُ: الخطاب فيه للكفَّار، وهم لمِ يفقهوا تسبيحَ الموجودات، لأنهم أثبتوا للُّه شركاً، وزوجاَ، وولداً، بل هم غافلون عن أكثر دلائل التوحيد، والنبوّة، والمعاد.

16 -

قوله تعالى: (وَقَالُوا أئِذَا كنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً)

أعادها بعينها آخر السورة، وليس تكرارا، لأن الأولى من كلامهم في الدنيا حين أنكروا البعث، والثانية من كلام الله تعالى، حين جازاهم على كفرهم وإنكارهم البعث فقال:(مَأوَاهُمْ جَهَنَّمُ كلَّمَا خَبَت زِدْنَاهُمْ سَعِيراً) الآية.

وقال هنا: (ذلك جزاؤهم بأنهم كفروا بآياتنا)

وفي الكهف (ذلك جزاؤهم جهنم بما كفروا) بزيادة "

ص: 326

جهنم " اكتفى هنا بالإشارة، ولتقدم ذكر جهنم وهي - وإن تقدَّمت في الكهف - لم يكتف بالِإشارة، بل جمع بينها وبين العبارة، لاقتران الوعيد بالوعد بالجنات في قوله (إنَّ ائَذين آمنوا وَعَمِلُوا الصالِحَاتِ كانَتْ لهمْ جَنَّاتُ الفِرْدَوْس نُزُلاً) ليكون الوعد والوعيد ظاهريْنِ للمستمعين.

17 -

قوله تعالى: (وَلَقَدْ فضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورَا) .

إن قلتَ: لمَ خصَّ " داود " بالذّكر؟

قلتُ: لأنه اجتمع له ما لم يجتمع لغيره من الأنبياء، وهو الرسالةُ، والكتابةُ، والخطابةُ، والخلافةُ، والملْكُ، والقضاءُ، في زمن واحد، قال تعالى (وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الحِكْمَةَ وَفَصْلَ الخِطَابِ) وقال (يَا دَاوُدُ إنا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً في الأَرْضِ فَاحكُمْ بين النَّاسِ بِالحق. .) .

فإن قلتَ: لمَ نكَّر الزَّبور هنا، وعرَّفه في قوله:

ص: 327

" ولقد كتبنا في الزبور "؟

قلتُ: يجوز أن يكون الزبور من الأعلام التي يستعمل ب " أل " وبدونها، كالعباس، والفضل.

أو نكَّرهُ هنا بمعنى آتيناه بعض الزُّبر وهي الكتب، أو أراد به ما فيه ذكرُ النبي صلى الله عليه وسلم من الزبور، فسمَّى بعض الزَّبور زبوراً، كما سمَّى بعض القرآن قرآناً في قوله تعالى:(وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ) .

18 -

قوله تعالى: (قُلِ ادْعُوا َالَّذِين زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ) .

قاله هنا بالضمير لقرب مرجعه، وهو الرَّبُّ في قوله " وربُّك أعلمُ ".

وقال في سبأ (قُلِ ادْعُوا الَّذين زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ) بالِإسم الظاهر، لبعد مرجع الضمير لو أُتي به، والمرادُ فيهما: قل ادعوا الذين زعمتموهم آلهةً من دون الله أي غيره لينفعوكم بزعمكم.

فإن قلتَ: كيف قال " من دونه " مع أن المشركين

ص: 328

ما زعموا غير الله إلهاً دون الله، بل مع الله على وجه الشركة؟

قلتُ: في الكلام تقديمٌ وتأخيرٌ، تقديره: قل ادعوا الذين من دون الله زعمتم أنهم شركاء.

10-

قوله تعالى: (وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذَّب بها الأولون. .) ، أي وما منعنا أن نرسل رسولًا، بالآيات التي اقترحها أهل مكة على النبيء صلى الله عليه وسلم، كجعل الصفا ذهباً، وإزالةِ جبالِ مكة ليزرعوا، إلا تكذيب الأولين بها أي بآياتٍ اقترحوها على رسلهم لمَّا أرسلناها فأهلكناهم، ولو أرسلناها إلى هؤلاء لكذَّبوا بها واستحقوا الِإهلاك، وقد حكمنا بإمهالهم ليتم أمرُ النبي صلى الله عليه وسلم، ولأنَّا لا نعجل بالعقوبة.

فإن قلتَ: كيف قال " وَمَا مَنَعَنَا " الخ مع أنه تعالى لا يمنعه عن إرادته مانعٌ؟

قلتُ: المنعُ هنا مجازٌ عن الترك، كأنه قال: وما

كان سببُ تركِ الإِرسال بالآيات، إلَّا تكذيب الأولين.

20 -

قوله تعالى: (وآتينا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً. .)

ص: 329

أي دالَّة كما يُقال: الدليل مرشدٌ وهادٍ.

فإن قلتَ: ما وجهُ ارتباط هذا بما قبله؟

قلتُ: لمَّا أخبر بأن الأولين كذَّبوا بالآيات المقترحة، عينَّ منها " ناقةَ صالح " لأن آثار ديارهم الهالكة باقيةٌ في بلاد العرب، قريبةٌ من حدودهم، يُبصرها صادرُهم وواردُهم.

21 -

قوله تعالى: (فَظلمُوا بِهَا. .) أي بالناقة

الباءُ ليست للتعدية، لأن الظلم يتعدَّى بنفسه، فالمعنى: فظلموا أنفسهم بقتلها أي بسببه.

22 -

قوله تعالى: (وَمَا نُرْسِل بِالآياتِ إلّاَ تَخْوِيفاً) .

إن قلتَ: هذا يدل على الِإرسال بالآيات، وقوله

قبلُ " وما منعنا أن نرسل بالآيات " يدلُّ على عدمه؟!

قلتُ: المرادُ بالآياتِ هنا: العِبَرُ، والدَّلالاتُ، وفيما قبلُ: الآياتُ المقترحة.

23 -

قوله تعالى: (والشَّجَرَةَ المَلْعُونَةَ في القُرْآنِ)

ص: 330

إن قلتَ: ليس في القرآن لعنُ شجرةٍ؟

قلتُ: فيه إضمارٌ تقديره: والشجرة الملعونة المذكورة في القرآن.

أو معناه: الملعونُ آكلوها وهم الكَفَرةُ، أو الملعونةُ بمعنى المذمومة، وهي مذمومة في القرآن بقوله تعالى:(إن شجرةَ الزَّقومِ طعامُ الأَثيمِ) وبقوله تعالى: (طَلْعُهَا كأنهُ رءوسُ الشَياطِينِ) .

أو الملعونة بمعنى المبعدة، لأن اللعنَ لغةً:

الطَّرْدُ والِإبعادُ. وهذه الشجرة مبعدةٌ عن مكانِ رحمة الله تعالى وهو الجنة، لأنها في قعر جهنم، وهذا الِإبعادُ مذكورٌ في القرآن بقوله تعالى " إنها شجرةٌ تخرجُ في أصلِ الجحيم ".

24 -

قوله تعالى: (قَالَ أرَأيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَي. .) .

قاله هنا بتكرير الخطاب، كنظيره في " أرأيتكم "

في الأنعام، لدلالته على أن المخاطَب به أمرٌ عظيم،

ص: 331

وهو هنا كذلك، لأنه - لعنهُ اللهُ - ضمِنَ بقوله " لأحْتَنِكَنَّ ذُرِّيتَهُ إِلَّا قَلِيلاً " إغواءَ أكثرهم.

25 -

قوله تعالى: (فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا (71)

إن قلت: لم خصهم بذلك مع أن أصحاب الشمال كذلك إذا نظروا إلى ما في كتابهم من الفضائح والقبائح أخذهم من الحياء والخل والخوف ما يوجب انقباض ألسنهم من إقامة الحروف فتكون قراءتهم كلا قراءة، وأمر أصحاب اليمين على العكس، وأما قوله " ولا يضلمون فتيلا " فعائد إلى كل الناس لا إلى أصحاب اليمين خاصة، وإنما خصهم بذلك لأنهم يعلمون أنهم لا يظلمون ويعتقدون ذلك بخلاف أصحاب الشمال فإنهم يعتقدون أو يظنون أنهم يظلمون.

وقوله تعالى: (وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ

ص: 332

جَاءَهُمُ الْهُدَى. .) الآية.

قال ذلك هنا، وقاله في الكهف بزيادة " ويستغفروا ربَّهم " لأن المعنى هنا: ما منعهم عن الِإيمان بمحمد، إلَّا قولُهم:" أبعثَ الله بشراً رسولًا "؟ هلَّا بعثَ مَلَكاً إ! وجهلوا أن التَّجانس يورث التَّوانس، والتغايرَ يورثُ التنافر.

والمعنى في الكهف: ما منعهم عن الإِيمان والاستغفار، إلا إتيانُ سنة الأوَّلين، فزاد فيها (وَيسْتَغْفروا رَبَّهُمْ " لاتصاله بقوله " سُنَّةَ الأوَّلينَ " وهم قومُ نوحٍ، وهود، وصالح، وشعيب، حيث أمروا بالاستغفار.

فنوحٌ قال: " اسْتَغْفِرُوا ربَّكُمْ إنَّهُ كَانَ غَفَّاراً ". وهود قال: " وَيا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُم تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجَيبٌ ". وشعيب قال: " وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ) .

ص: 333

27 -

قوله تعالى: (قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً بينِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كان بِعِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً) .

قال ذلك هنا بتقديم " شهِيداً " على " بيني وبينكم " وقاله في العنكبوت بالعكس. . لأن ما هنا جاء على الأصل من تقديم المفعول، وما في العنكبوت جاء على خلاف الأصل، ليتَّصل وصف الشهيد به، وهو قوله تعالى (ويعلمُ ما في السمواتِ والأرض) .

28 -

قوله تعالى: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ. .) . قال ذلك هنا بلفظ " قادر " وفي الأحقاف بلفظ

" بقادرٍ " وفي يس " أوليس الذي خلق السمواتِ والأرضَ بقادرٍ ". . لأن ما هنا خبر " إن "، وما في يس خبر " ليسَ " وخبرها تدخلُه الباء، وما في الأحقاف خبرُ " إنَّ " وكانَ القياسُ عدمُ دخول الباء فيه، لكنَّها دخلته تشبيهاً لـ " لَمْ " بـ " ليس " في النفي.

29 -

قوله تعالى: (قَال لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ

ص: 334

إِلَّا رَبُّ السَّموَاتِ وَالأرْضِ بَصَائِرَ. .) .

إن قلتَ: كيف قال موسى عليه السلام لفرعون ذلك، مع أن فرعون لم يعلم ذلك، لأنه لو علم ذلك لم يقل لموسى عليه السلام " مسحوراً " بل كان يؤمن به؟!

قلتُ: معناه لقد علمتَ لو نظرتَ نظراً صحيحاً، ولكنك معاندٌ مكابرٌ، تخشى فواتَ دعوى الألوهية لو صدَّقتني.!

35 -

قوله تعالى: (وَإِنِّي لأظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً) .

أي هالكاً، أو ملعوناً، أو خاسراً.

فإن قلتَ: كيف قال له " لأظُنُّكَ " مع أنه يعلم أنه مثبورٌ؟!

قلتُ: الظنُّ هنا بمعنى العلم، كما في قوله تعالى " الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم ".

ص: 335

وإنما عبَّر بالظنِّ، ليُقَابل (قولَ فرعونَ له:" لأظنُّكَ يا موسى مسحوراً " كأنه قال: إذا ظننتني مسحوراً، فأنا أظنُّك مثبوراً.

31 -

قوله تعالى: ((يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّداً. .) الآية.

كرَّره لأن الأول واقعٌ في حال السجود، والثاني في حال البكاء، أو الأول واقعٌ في قراءة القرآن، أو سماعه، والثاني في غير ذلك.

" تَمَّتْ سُورَةُ الِإسراء "

ص: 336