الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة الكهف
1 -
قوله تعالى: (وَلَمْ يَجْعَلْ لَه عِوَجاً. قَيِّماً. .) .
إن قلتَ: ما فائدة ذكره " قيّماً " بعد قوله " ولم يجعلْ له عِوَجاً " لأنَّ نفي العِوَج يستلزم الِإقامة؟!
قلت: فائدئه التأكيد في وصف كتاب الله العظيم، أو معنى " قَيِّماً " أنه قائمٌ على الكتب السماوية كلِّها، مصدِّقاً لها، ناسخاً لبعض شرائعها.
ونُصب " قيِّماً) بمقدَّرٍ تقديره: لكنْ جعَلَه قيِّماً.
2 -
قوله تعالى: (ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أيُّ الحِزْبَيْنِ أحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَداً) .
أي لنعلمه علم ظهورٍ ومشاهدة.
3 -
قوله تعالى: (وَيَقولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كلْبُهُمْ. .)" وثامنُهم " الواو فيه زائدة، وقيل: مستأنفةٌ، وقيل: واوُ الثمانية كما في قوله تعالى (وَفُتِحَت أَبْوَابُهَا) وقال الزمخشري وغيرُه: هي الواو التي تدخل على الجملة الواقعة صفة للنكرة، كما تدخل على الصفة الواقعة حالاً فى المعرفة، تقول: جاءني رجلٌ ومعه آخر، ومررتُ بزيد وبيده سيفٌ، ومنه قوله تعالى:(وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتابٌ معلوم) .
وفائدتُها توكيدُ اتّصال الصفة بالموصوف، والدلالة على أن اتّصالها أمرٌ ثابتٌ مستقرٌّ.
4 -
قوله تعالى: (واتلُ ما أوحيَ إليك من كتاب ربك لا مبدِّل لكلماته. .) .
أي من البشر، وإلا فاللهُ يبدلها، قال تعالى:" ما ننسخ من آيةٍ أو نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أوْ مِثْلِهَا ")
وقال: " وإذا بدَّلنا آيةً مكان آيةٍ " الآية.
5 -
قوله تعالى: (وَقُلِ الحَقُّ مِن رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُر. .) .
إن قلتَ: في هذا إباحةُ الكفر؟!
قلتُ: لا، لأن هذا إنما ذُكر تهديداً لهم، بناءً على أن الضمير في " شَاءَ " لـ " مَنْ " وعليه الجمهور. أو المعنى: فمن شاء الله إيمانه آمنَ، ومن شاء كفره كَفَر، بناءً على أن الضمير فيه " للَّهِ " كما قاله ابن عباس رضي الله عنهما.
6 -
قوله تعالى: (يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ. .) الآية.
إن قلتَ: لبسُها في الدنيا حرامٌ على الرجال، فكيف وعد اللهُ بها المؤمنين في الجنة؟
قلتُ: عادةُ ملوكِ الفرسِ والروم، لبسُ الأساور والتيجان، دون مَنْ عداهم، فلذلك وعد اللهُ المؤمنين
بها لأنهم ملوكُ الآخرة.
7 -
قوله تعالى: (وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ. .) الآية.
أفردها بعد تثنيتها ليدلَّ على الحصر، أي لا جنة له غيرها، ولا نصيب له في جنة غيره، ولم يقصد جنَّةً معيَّنةً من الجنَتين، بل جنس ما كان له في الدنيا. 8 - قوله تعالى:(وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لأجِدَنَّ خَيْراً مِنْهَا مُنْقَلَباً) .
إن قلتَ: كيف قال الكافر ذلك وهو يُنكر البعث؟
قلتُ: معناه: ولئن رُددتُ إلى ربي على زعمك، ليعطينِّي هناكَ خيراً منها، ونظيره قولُه تعالى في فصِّلت (وَلَئِنْ رُجِعْت إلَى رَبِّي إنَّ لِي عِنْدَهُ للحسْنَى) وعبَّر هنا بـ " رُدِدْتُ " وثَمَّ بـ " رُجِعت " توسعةً في التعبير عن الشيء بمتساويين.
9 -
قوله تعالى: (إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالاً وَوَلَداً) .
فائدةُ ذكرِ " أَنَا " في مثل ذلك، حصر الخبر في المبتدأ، كما في قوله تعالى:" إنّي أَنَا ربُّكَ " وقوله: " إنِّي أنَا الله ".
10 -
قوله تعالى: (هنَالِكَ الوَلَايَة لِلَّهِ الحَقِّ هوَ خَيْرٌ ثَوَاباً وَخَيْرٌ عُقْباً) .
" خَيْرٌ " هنا ليست على بابها، إذْ غير الله لا يثيب، ولا تحمد طاعته في العاقبة ليكون الله خيراً منه ثواباً وعقباً، أو ذلك على سبيل الفرضِ والتقدير. 11 - قوله تعالى:(وَحَشَرْنَاهمْ فَلَمْ نغَادِرْ مِنْهمْ أحَداً) .
أتى به ماضياً، مع أن ما قبله مضارعين وهما:" ويوم نسيِّر الجبالَ وتَرَى الأرضَ بارزةً " ليدلَّ على أنَّ حشرهم، كان قبل السّير والبروز، لِيُعاينوا تلك الأهوال والعظائم، كأنه قال: وحشرناهم قبل ذلك.
12 -
قوله تعالى: (وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَا لهَذَا الكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرةً وَلَا كبيرَةً إلَاّ أَحْصَاهَا) .
إن قلتَ: كيف قال ذلك، مع أن الصغائر تُكفَّر باجتناب الكبائر، لقوله تعالى:" إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تنْهَوْن عنه نُكَفِّرْ عنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ "؟!
قلتُ: الآيةُ الأولى في حقِّ الكافرين، بدليل قوله " فترى المجرمين " والثانيةُ في حقِّ المؤمنين، لأن اجتناب الكبائر لا يتحقَّق مع الكفر.
أو يُقال: الأولى في حقِّ المؤمنين أيضاً، لكن يجوز أن يُكتب الصغائر، ليشاهدها العبد يوم القيامة، ثم يُكفَّرعنه فيعلم قَدْر نعمةِ العفوِ عليه.
13 -
قوله تعالى: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلّاَ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الجنِّ. .) .
إن قلتَ: هذا يدلُّ على أن " إبليس " من الجنِّ، وهو منافٍ لقوله تعالى في البقرة:" وإذْ قُلْنَا للملَائِكَة اسجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إلَّا إبليسَ " فإِنه يدلُّ على أنه من الملائكة؟
قلتُ: في ذلك قولان:
أحدهما: أنه من الجنّ لظاهر هذه الآية، ولأن له
ذريةً كفرة بل أكفر الكفرة. بخلاف الملائكة لا ذرية لهم، ولا يعصون الله ما أمرهم، لأنهم عقولٌ مجردة لا شهوةَ لهم، ولا معصيةَ إلَّا عن شهوة، فالاستثناءُ في تلك الآية منقطعٌ.
وثانيهما وهو المختارُ (1) أنه من الملائكة، قبل أن يعصي الله تعالى، فلمَّا عصاه مسخه شيطاناً، ورُوي ذلك عن ابن عباس، كما رُوي عنه أيضاً أنه كان من خُزَّانِ الجنة، وهم جماعةٌ من الملائكةِ يسمَّون الجنَّ، ف " كان " بمعنى صار.
أو المعنى كان في سابق علمه تعالى، أو من الجنّ الذين هم من الملائكة، فالاستثناءُ متَّصلٌ، ولا منافاة بين الآيتين.
14 -
قوله تعالى: (أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُوني وَهُمْ لَكُمْ عَدُوّ. .) الآية.
إن قلتَ: كيف قال ذلك، مع أن الشيطان وذريته، ليسوا أولياء بل أعداء، لأن الأولياء هم الأصدقاء؟!
قلتُ: المرادُ بالولاية هنا، اتِّباعُ النَاسِ لهم فيما يأمرونهم به من المعاصي، فالموالاةُ مجازٌ عن هذا، لأنه من لوازمها.
15 -
قوله تعالى: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأعْرَضَ عَنْهَا. .) .
قاله هنا بالفاء، الدالة على التعقيب، لأن ما هنا في الأحياء من الكفَّار، فإنهم ذُكِّروا فأعرضوا عَقِب ما ذكِّروا، وقاله في السجدة ب " ثمَّ " الدالة على التراخي، لأن ما هناك في الأموات من الكفار، فإنهم ذُكّروا مرَّة بعد أخرى، ثم أعرضوا بالموتِ فلم يؤمنوا.
16 -
قوله تعالى: (فَلَمَّا بَلَغَامَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا
حُوتَهُمَا. .) الآية.
إن قلتَ: كيف قال ذلك، مع أن النَّاسي " يوشع " وحده؟
قلتُ: نسبةُ النسيانِ إليهما مجازٌ، أو المرادُ أحدهما، كنظيره في قوله تعالى (يَخْرجُ منهما اللُّؤْلُؤُ والمَرْجَانُ) .
وقيل: نسيَ " موسى " بفقده الحوتِ، و " يوشع " أن يُخبره بخبره.
17 -
قوله تعالى: (حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا. .) الآية.
قاله بغير فاءٍ، وقال بعد:" حتَّى إذَا لَقِيَا غُلَاماً فَقَتَلَهُ " بالفاء، لأنه جعل خَرْقها جزاءَ الشرط، فلم يحتج للفاء، وجعل قتل الغلام من جملة الشرط، فعطفه عليه بالفاء، وجزاء الشرط قوله " قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكيَّةً بغيرِ نفسٍ ".
18 -
قوله تعالى: (لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً) .
قاله بلفظ " الِإمْرِ " لأنه للعجب، والعجب كما يكون في الخير، يكون في الشرِّ، وقاله بعد في قتل الغلام بلفظ " نُكْراً " لأنه لا يكون إلا في الشرّ، وقتلُ النفسِ أعظمُ من مجرَّد خرق السفينة، فناسب كلٌّ ما هو فيه، ولذلك قال في خرق السفينة " ألَمْ أقُلْ إنَّكَ " بحذف " لك " وفي قتل الغلام " ألمْ أقُلْ لكَ إنَّكَ " بذكره، ولأن في ذكره، قصدَ زيادة المواجهة، بالعتاب على تركِ الوصيَّةِ مرَّة ثانية.
19 -
قوله تعالى: (ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً) .
جاء بالأول بالتاء " تَسْتَطِعْ " على الأصل، وفي الثاني " تَسْطِعْ " بحذفها تخفيفاً لأنه الفرعُ، وعَكَس ذلك في قوله " فَمَا اسْطَاعُوا أن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْباً " لأن مفعول الأول اشتمل على حرفٍ، وفعل وفاعل، ومفعول، فناسبه الحذف تخفيفاً، بخلاف مفعول الثاني فإنه اسم واحد، وهو قوله " نقباً " فناسبه البقاءُ على الأصل.
20 -
قوله تعالى: (أمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكينَ
يَعْمَلُونَ في البَحْرِ فَأَرَدْت أَن أَعِيبَها. .) .
قاله الخَضِرُ في خرقِ السفينة، وقال في قتل الغلام " فَأردْنَا أنْ يُبْدلَهُمَا ربًّهُما خَيْراً منْهُ " وفي إقامةِ جدارِ اليتيمينِ " فَأرَادَ ربًّكَ أنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا ".
لأنَّ الأول في الظاهر إفسادٌ محضٌ، فأسنده إلى نفسه.
وفي الثالث إنعامٌ محضٌ، فأسنده إلى ربه تعالى.
وفي الثاني إفسادٌ من حيثُ القتلُ، وإنعامٌ من حيثُ التبديلُ، فأسنده إلى ربِّه ونفسه، كذا قيل في الأخيرة.
والأوجهُ فيه ما قيل: إنه عبَّر عن نفسه فيه بلفظ
الجمع، تنبيهاً على أنه من العِظَام في علوم الحكمة، فلم يُقْدِم على القتل إلَّا لحكمة عالية.
521 -
قوله تعالى: (حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ في عَيْنٍ حَمِئَةٍ. .) .
إن قلتَ: الشمس في السَّماءِ الرابعة (1) ، وهي بقدر كرة الأرض مائةً وستين، أو وخمسين، أو وعشرين مرَّة، فكيف تَسَعها عينٌ في الأرضِ تغرب فيها؟
قلتُ المرادُ وجدها في ظنّه، كما يرى راكبُ البحر، الشمسَ طالعةً وغاربةً فيه، " فذو القرنين " انتهى إلى آخر البُنيانِ في جهة الغَرْب، فوجد عيناً واسعة، فظنَّ أن الشمس تغربُ فيها.
فإن قلتَ: " ذو القرنين " كان نبياً، أو تقياً حكيماً، فكيف خفي عليه هذا حتى وقع في ظنِّ ما يستحيلُ وقوعُه؟
قلتُ: الأنبياء والحكماءُ لا يبعد أن يقع منهم مثل ذلك، ألا ترى إلى ظنِّ موسى فيما أنكره على الخضِر، وأيضاً فاللَّه قادرٌ على تصغير جُرْم الشمس، وتوسيع العينِ وكرة الأرضِ، بحيث تسع عينُ الماء
(1)
عينَ الشمس، فلمَ لا يجوز ذلك، ولم يُعلم به لقصور عقولنا عن الِإحاطة بذلك!!
22 -
قوله تعالى: (فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ وَزْناً) .
أي قَدْراً لحقارتهم، وليس المرادُ فلا ننصبُ لهم ميزاناً، لأن الميزانَ إنما يُنصبُ ليوزن به الحسناتُ، في مقابلته السيئات، والكافر لا حسنةَ له، وأما قوله تعالى (وأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازينُهُ فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ) فهو فيمن غلبتْ سيئاتُه على حسناته من المؤمنين، فإنه يدخل النار لكنْ لا يُخلَّد فيها.
" تَمَّتْ سُورَةُ الكهف "