المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌سُورَة الأعراف 1 - قوله تعالى: (كتَابٌ أُنْزِلَ إلَيْكَ فَلَا يَكُنْ - فتح الرحمن بكشف ما يلتبس في القرآن - جـ ١

[زكريا الأنصاري]

فهرس الكتاب

- ‌سُورَة الفَاتِحة

- ‌سورة البقرة

- ‌سورة آل عمران

- ‌سُورَة النسِّاء

- ‌سُورة المَائِدَة

- ‌سُورَة الأَنعام

- ‌سُورَة الأعراف

- ‌سورة الأَنفَال

- ‌سورة التَّوبة

- ‌سورة يونس

- ‌سورة هود

- ‌سورة يوسف

- ‌سورة الرعد

- ‌سورة إبراهيم

- ‌سورة الحجر

- ‌سورة النحل

- ‌سورة الإسْرَاء

- ‌سورة الكهف

- ‌سورة مريم

- ‌سورة طه

- ‌سورة الأَنبياء

- ‌سورة الحجّ

- ‌سورة المؤمنون

- ‌سُورة النُّور

- ‌سورة الفرقان

- ‌سورة الشعَراء

- ‌سُورَة النَّمْل

- ‌سُوَرة القصص

- ‌سورة العنكبوت

- ‌سُورَة الرُّوم

- ‌سورة لقمان

- ‌سُوَرة السجْدة

- ‌سُورَة الأحزاب

- ‌سُوَرة سبأ

- ‌سورة فاطر

- ‌سُوَرة يس

- ‌سُورة الصّافَّات

- ‌سورة ص

- ‌سورة الزُمر

- ‌سُوَرة غافر

- ‌سورة فصلَتْ

- ‌سورة الشورى

- ‌سُورَة الزُّخْرُف

- ‌سورة الدُّخَان

- ‌سورة الجاثية

- ‌سُورَة الأَحقاف

- ‌سُورَة محمد

- ‌سورة الفتح

- ‌سُورَة الحجرات

- ‌سورة ق

- ‌سُوَرة الذّارِيَات

- ‌سُورَة الطور

- ‌سورة النجم

- ‌سُورَة القمر

- ‌سورة الرحمن

- ‌سُورة الوَاقِعَة

- ‌سورة الحديد

- ‌سُورة المجادَلة

- ‌سُورة الحشْر

- ‌سُورة الممتَحنة

- ‌سُوَرة الصَّف

- ‌سُورَة الجُمُعة

- ‌سُورة المنافِقون

- ‌سُوَرة التغَابن

- ‌سورة الطلاق

- ‌سُورة التحريم

- ‌سورَة الملك

- ‌سوَرة القَلَم

- ‌سُورة الحَاقَّة

- ‌سورة المعارج

- ‌سُورة نوح

- ‌سورة الجن

- ‌سُورة المُزَّمِّل

- ‌سورة المدثر

- ‌سُورة القيامَة

- ‌سورة الإنسان

- ‌سُورَة المرُسلات

- ‌سورة النبأ

- ‌سورة النازعات

- ‌سورة عبس

- ‌سورة التكوير

- ‌سورة الانفِظار

- ‌سُورة المطُفِّفين

- ‌سورة الانشقاق

- ‌سورة البرُوج

- ‌سورة الطارق

- ‌سورة الأعلى

- ‌سورة الغاشِيَة

- ‌سورة الفجر

- ‌سورة البَلَد

- ‌سورة الشمس

- ‌سُورَة اللَّيْل

- ‌سورة الضحى

- ‌سُورة الشرح

- ‌سورة التين

- ‌سُورَة العَلَق

- ‌سُورة القَدْر

- ‌سُورَة البينة

- ‌سورة الزلزلة

- ‌سُورة العاديات

- ‌سُورَة القَارعَة

- ‌سُوَرة التكاثر

- ‌سُورة العصر

- ‌سُوَرة الهُمزة

- ‌سُورَة الفِيل

- ‌سورة قريش

- ‌سُورة الماعُون

- ‌سُورَة الكوثَر

- ‌سورة الكافرون

- ‌سورة النصر

- ‌سُورَة المَسد

- ‌سورة الإخْلاص

- ‌سورة الفلق

- ‌سورة الناس

الفصل: ‌ ‌سُورَة الأعراف 1 - قوله تعالى: (كتَابٌ أُنْزِلَ إلَيْكَ فَلَا يَكُنْ

‌سُورَة الأعراف

1 -

قوله تعالى: (كتَابٌ أُنْزِلَ إلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ منه) .

أي ضيق من الكتاب أن تبلِّغه مخافة أن تُكذَّب، والنَّهيُ في اللفظ للحرَج، والمرادُ الخاطبُ، مبالغةً في النهي عن ذلك، كأنه قيل: لا تتسبَّبْ في شيء ينشأ منه حرجٌ، وهو من باب " لَا أرينَّك ههنا " النهيُ في اللفظ للمتكلَم، والمرادُ المخاطبُ، أي لا تكن بحضرتي فأراك، ومثلُه " فلا يَصُدَّنَّكَ عنها من لا يُؤْمِنْ بها ".

2 -

قوله تعالى: (وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتاً أَوْ هُمْ قَائِلُونَ) أي أردنا إهلاكها.

3 -

قوله تعالى: (وَالوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الحَقُّ فَمَنْ ثقُلَتْ

ص: 185

مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ)

جَمَع ميزان القيامة مع أنه واحدٌ، باعتبار تعدُّد ما يُوزن به من الأعمال، أو باعتبار أنه يقوم مقام موازين كثيرة، لأنه يميز الذَّرة وما هو كالجبال.

فإن قلتَ: الأعمالُ أعراضٌ فكيف تُوزن؟!

قلتُ: يصيِّرها اللهُ أجساماً، أو الموزون صحائفُها

4 -

قوله تعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ)

أتى ب " ثُمَّ " الثانية وهي للترتيب، مع أنَّ الأمر بالسجود لآدم، كان قبل خلقنا وتصويرنا. لأن " ثُمَّ " هنا للترتيب الِإخباري، أو لتفاوت ما بين نعمتيْ السجود له وما قبله، لأن السجود له أكمل إحساناً، وأتمّ إنعاماً مما قبله.

ص: 186

أو المراد: ولقد خلقنا أباكم ثم صوَّرناه، بحذفِ مضافٍ.

5 -

قوله تعالى: (قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَاّ تَسْجُدَ إذْ أَمَرْتُكَ) الآية،

قال ذلك هنا، وقال في الحِجْر:" قال يا إبليسُ مالكَ أَلَّا تكونَ مع الساجدينَ ".

وفي (ص) : " قال يا إبليسُ ما منعَكَ أن تسجدَ لما خلقت بيديَّ " بزيادة " يا إبليسُ " فيهما.

لأن خطابه هنا قَرُبَ من ذكره، فحسن حذفُ ذلك،

وفي تيْنِك لم يقرب منه قربه هنا، فحسُن ذكره.

وأما قولُه هنا وفي (ص)" مَنَعَكَ " وفي الحِجْر

" مَالَكَ " فتفنُّنٌ، جرياً على عادة العرب في تفنّنهم في الكلام.

وقولُه " أَلَّا تسجد " قال ذلك بزيادة " لا " كما في قوله تعالى " لِئَلَاّ يعلمَ أهْلُ الكِتابِ " وقال في " ص " بحذفها، وهو الأصلُ، فزيادتها هنا لتأكيد معنى النَّفي في " مَنَعَكَ ".

ص: 187

أو لتضمين " مَنَعَك " حَمَلَك، وهي على الثاني ليست زائدةً في المعنى.

6 -

قوله تعالى: (قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبرَ فِيها)

أي في السماء. . خصَّها بالذِّكر لأنها مقرُّ الملائكةِ المطيعين، الذين لا يعصون اللَّهَ، وإلّاَ فليس لِإبليس أن يتكبَّر في الأرضِ أيضاً.

7 -

قوله تعالى: (قَالَ أَنْظِرْني إلَى يَوْمِ يبعثونَ)

قاله هنا بحذف الفاء، موافقةً لحَذفِ " يَا إبليس " هنا. -

وقال في " الحِجْر " و " ص " بذكرها، موافقة لذكره ثَمَّ، لما تضمَّنه النداء من " أدعوك " وأناديك، كما في قوله تعالى " ربنا فاغفر لنا ذنوبنا ".

8 -

قوله تعالى: (قَالَ إنَّكَ مِنَ المُنْظَرِينَ)

قاله هنا بحذف الفاء موافقةً لحذفها في السؤال هنا.

وقال في " الحجر " و " ص " بذكرها موافقةً لذكرها فيه ثَمَ.

ص: 188

فإن قلتَ: كيف أُجيبَ إبليس إلى الإِنظار، مع أنه إنما طلبه ليُفسد أحوال عباد اللَّهِ تعالى؟!

قلتُ: لما في ذلك من ابتلاء العباد، ولما في مخالفته من أعظم الثواب.

9 -

قوله تعالى: (قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَني لَأقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطِكَ المُسْتَقِيمَ) .

قال ذلك هنا بالفاء، وفي الحِجْر بحذفها، مع اتفاقهما في مدخول الباء.

وقال في " صَ ": " فَبِعِزَّتِكَ " بالفاء، مع مخالفته لتيْنك في مدخول الباء. لأنَّ " الفاء " وقعت هنا في محلها، وفي " ص " لأنها متسببة عما قبلها، ولا مانع فحسنت، ولم تحسُن في " الحِجْر " لوقوع النِّداء ثَمَّ في قوله (رَبِّ بما أَغْوَيْتَني) والنداء يُستانف له الكلام وُيقطع، و " الباءُ " في المواضع الثلاثة للسببيَّة، أو للقَسَم، وما بعدها في " ص " موافقٌ لما بعدها في غيرها في المعنى، وإن خالفه لفظاً، فلا اختلاف في الحقيقة، إذ غوى اللهِ للشيطانِ يتضمَّنُ عزته تعالى.

ص: 189

15 -

قوله تعالى: (فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوآتِهِما. .) .

اللَاّم فيه " لامُ العاقبة " والصَّيرورة، لا " لامُ كيْ "، لأن الغرض إخراجهما من الجنَّة، لا كشف عورتهما، كما في قوله تعالى (فالتقطَهُ آلُ فِرعونَ ليكونَ لهمْ عَدُوًّا وَحَزَناً)

وقول الشاعر:

لِدُوا للمَوْتِ وابْنُوا للخَرَاب

فكلكمُ يَصير إلى التُّراب

11 -

قوله تعالى: (كَمَا بَدَأكم تَعُودُونَ. .)

إن قلتَ: كيف قال ذلك، مع أنه تعالى بدأَنا أوَّلًا نطفةً، ثم عَلَقة، ثم مضغةً، ثم عظاماً، ثمَّ لحماً، ونحن نعودُ بعد الموتِ كذلك؟

قلتُ: معناه: كما بدأكم من تُرابِ، كذلك تعودون منه!! أو كما أوجدكم بعد العدم، كذلكَ يعيدكم بعده. .

ص: 190

فالتشبيهُ في نفسِ الِإحياءِ والخلق، لا في الكيفيَّة والترتيب.

12 -

قوله تعالى: (قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ القِيامة. .) الآية.

إنْ قلتَ: كيف أخبر عن الزِّينة والطيِّبات، بأنهما للذينَ آمنوا في الحياة الدنيا، مع أنَّ المشاهدَ أنهما لغير الذين آمنوا أكثر وأدوم؟

قلتُ: في الآية إضمارٌ تقديره: قل هي للذين آمنوا غير خالصةٍ في الحياة الدنيا، خالصةٌ للمؤمنين يوم القيامة.

13 -

قوله تعالى: (فَإذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ) . قاله هنا وفي سائر المواضع بالفاء، إلَّا في " يونس " فبحذفِها، لأن مدخولها في غير يونس، جملةٌ معطوفةٌ على أخرى، مصدَّرة بالواو، وبينها

ص: 191

اتِّصالٌ وتعقيبٌ، فحسُنَ الِإتيان بالفاء، الدالة على التعقيب، بخلاف ما في يونس.

وقولُه: في الآية " ولا يستقدمون " معطوفٌ على الجملة الشرطية، لا على جواب الشرط، إذْ لا يصحُّ ترتُّبه على الشرط..

4 1 - قوله تعالى: (وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الجَنَّةُ أورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) .

إن قلتَ: كيف قال ذلك، مع أن الميراث هو ما ينتقل من ميِّتٍ إلى حيٍّ، وهو مفقودٌ هنا؟!

قلتُ: بل هو تشبيهُ أهل الجنة وأهل النَّار بالوارث والموروث عنه، لأن الله خلق في الجنَّة منازل للكفار، بتقدير إيمانهم، فمن لم يُؤمن منهم جُعل منزلُه لأهل الجنة.

أو لأنَّ: دخول الجنة، لا يكون إلا برحمة الله تعالى لا بعمل، فأشبه الميراثَ، وإن كانت الدرجاتُ فيها بحسب الأعمال.

ص: 192

15 -

قوله تعالى: (الَّذِين يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاَ وَهُمْ بِالآخِرَةِ كَافِرُونَ) .

قال ذلك هنا، وقال في هود " وهمْ بالآخِرةِ همْ كَافِرونَ " لأنَّ ما هنا جاء على الأصل، وتقديره: وهم كَافرون بالآخرة، فقدَّم " بالآخرة " رعايةً للفواصل.

وما في هود، وقع بعد قوله تعالى (ويقولُ الأشهادُ هؤلاءِ الذينَ كَذَبوا على ربهم أَلَا لعنةُ اللَّهِ على الظَّالمينَ)

والقياسُ عليهم، فلمَّا عَبَّر عنهم بالظَّالمين، التبسَ أنهم هم الذين كَذَبوا على ربِّهم أم غيرهُم، فقال:" وهمْ بالآخرةِ همْ كافرونَ " ليُعلم أنهم هم المذكورون لا غيرُهم.

16 -

قوله تعالى: (وَلَا تُفْسِدُوا في الأَرْضِ بَعْدَ إضلَاحِهَا. .) الآية، أي بعد أن أصلحها اللَّهُ، بالأمر بالعدلِ، وإرسالِ الرسل. أو بعد أن أصلح اللَّهُ أهلَها، بحذف مضاف.

ص: 193

17 -

قوله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي يُرسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمتِهِ.) الآية.

قاله هنا: وفي " الروم " بلفظ المضارع.

وقال في: ((الفرقان " و " فاطر ": أرسلَ بلفظ الماضي.

لأنَّ ما هنا تقدَّمه ذكرُ الخوف والطَّمع في قوله تعالى: (وادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً) وهما للمستقبل.

وما في الروم، تقدَّمه التعبيرُ بالمضارع مرَّاتٍ في قوله تعالى:(ومن آياتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مبشِّرَاتٍ) الآية، فناسبَ ذكرُ المضارع فيهما.

وما في " الفرقان " تقدَّمه التعبيرُ بالماضي مرَّاتِ، في قوله تعالى (أَلمْ ترَ إلىَ ربكَ كيفَ مدَّ الظِّلَّ) وتأخًّر عنه ذلك في قوله " وهو الذي مرج البحرين " الآية.

ص: 194

وما في " فاطر " تقدَّمه في أولها " فاطر " و " جاعل "

وهما بمعنى الماضي، فناسب ذكرُ الماضي في السورتين.

18 -

قوله تعالى: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا نوحاً إِلَى قَوْمِهِ. .) الآية.

قاله هنا بغير واو، وقاله في " هود " و " المؤمنين " بواوٍ. لأنَّ ما هنا مستأنفٌ لم يتقدَّمه ذكرُ نبيٍّ، وما في هود تقدَّمه ذكرُ الأنبياء مرَّةً بعد أخرى، وما في المؤمنين تقدَّمه " ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق " وقوله " وعليها وعلى الفُلك تُحملون " وكلّها بالواو، فناسب ذكرها فيهما.

19 -

قوله تعالى: (قَالَ الْمَلأُ مِنْ قَوْمِهِ. .) . الآية

قاله هنا في قصة " نوح " و " هود " بلا فاء، لأنه خرج مخرج الابتداء وإن تضمَّن الجواب، كما في قوله تعالى (قالوا نحنُ أعلمُ بمنْ فيها) بعد قوله (قال إن فيها لوطاً) .

وقاله في " هود " و " المؤمنين " بالفاء، لأنه وقع

ص: 195

جواباً لما قبله، فناسبتْه الفاء.

فإن قلتَ: كيف وصفَ الملَأ ب " الذين كفروا " في قصة هود، دون قصة نوحٍ عليهما الصلاة والسَّلام؟!

قلت: لأنه كان قد آمنَ بهودٍ بعضُهم، فلم يكونوا كلهم قائلين له " إنا لنراكَ في سفاهة " بخلاف قوم نوحٍ، فإنه لم يكن فيهم من آمن به إذ ذاك.

وَنُقِضَ بأنه تعالى، وصف أيضاً الملأ من قوم نوحٍ بالكفر في سورة هود.

وأُجيب بجواز كون هذا القول وقع مرتين، المرة الثانية بعد إيمان بعضهم، بخلاف المرة الأولى.

25 -

قوله تعالى في قصة نوح: (أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ. .) . قال فيها بلفظ المضارع في الجملة الثانية، مناسبة للمضارع في الُأولى، كما عطف الماضي على الماضي في قوله (لقدْ أبلغتكُمْ رِسَالَاتِ رَبَي ونصحتُ لكم) .

ص: 196

وقاله في قصة هود بلفظ اسم الفاعل، مناسبةً لاسم الفاعل قبله في قوله (وإنَّا لنظنُّكَ من الكاذبينَ) وبعده في قوله " أمينٌ ".

وعبَّر في قصة " نوحٍ " و " هود " بالمضارع في الجملة الأولى، وفي قصة " صالح " و " شعيب " بالماضي فيهمِا، لأن ما في الأَوَّلَيْن وقع في ابتداء الرسالة، وما في الآخرَيْن وقع في آخرها.

21 -

قوله تعالى: (فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا في دَارِهِمْ جَاثِمينَ) .

قاله هنا مرتين، وفي العنكبوت مرَّةً، بالِإفراد.

وقال في " هود " فأصبخوا في دِيَارِهمْ جَاثمينَ " مرتين بالجمع لأن ما في المواضع الأوَل، تقدَّمه ذكرُ الرِّجفة

ص: 197

أي الزلزلة، وهي تختصُّ بجزءٍ من الأرض، فناسبها الِإفراد. وما في الأخيرين، تقدَّمه ذكرُ الصَّيْحة، وكانت من السًماء، وهي زائدةٌ على الرجفة، فناسبها الجمعُ.

22 -

قوله تعالى: في قصة صالح: (فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي) قال ذلك فيها بالتوحيد، وقاله في قصة شعب بالجمع..

لأن ما أمر به شعيبِّ قومَه من التوحيد، وإيفاء الكيل، والنًهي عن الصِّدِّ، وإقامة الوزنِ بالقسط، أكثرُ ممَّا أمرَ به صالحٌ قومه.

أو لأن شعيباً: أُرسل إلى أصحاب الأيكة، وإلى مدين، فجُمعَ باعتبار تعدُّد الرسَل إليهم. . و " صالح " عليه السلام وحَّد باعتبار الجنس.

فإن قلتَ: كيف قال صالح لقومه، بعد ما أخذتهم الرجفةُ وماتوا:" يا قومِ لقد أبلغتكُمُ رسالة ربي " الآية، ومخاطبةُ الحيِّ للميِّت لا فائدة فيه؟

قلتُ: بل فيه فائدة، وهي نصيحة غيره، فإن ذلك

ص: 198

يُستعمل عُرفاً فيما ذكر، لأن من نصح غيره فلم يَقبل منه حتى قُتل، ويراه ناصحُه فإنه يقول له: كم نصحتُك فلم تقبل حتى أصابك هذا!! حثًّا للسَّامعين له، على قبولهم النصيحة.

23 -

قوله تعالى: (بَلْ أَنْتُمْ قَوْم مُسْرِفُون) .

عبَّر هنا بلفظ السَّرف والاسم، وفي " النَّمل " بلفظ الجهل والفعل تكثيراً للفائدة في التعبير عن المراد، بلفظيْن متساوييْن معنىً، إذْ كلُّ سَرَفٍ جهلٌ، وبالعكس، ورعايةً للفواصل في التعبير بالاسم والفعل، إذِ الفواصلُ هنا أسماء وهي:" العالمين، المرسلين، النَّاصحين " إلى آخرها.

وفي النَّمل أفعال وهي: " يعلمون، يتقون، يبصرون " فناسب الاسم هنا، والفعلُ ثَمَّ.

24 -

قوله تعالى: (وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إلَّا أَنْ

ص: 199

قَالُوا أخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيتكُمْ. .) قاله هنا بالواو، وفي " النمل " وفي " العنكبوت " في الموضعيْن بالفاء.

لأن ما هنا: تقدَّمه اسمٌ هو " مُسْرِفونَ " والاسم لا يناسبه التعقيبُ. وما في تَيْنِكَ تقدَّمه فعلٌ، هو " تجهلون " و " تقطعون " و " تأتون في ناديكُمُ المنكر "، والفعل يناسبُه التعقيبُ، فناسبَ ذكرُ الفاءِ الدَّالة عليه ثَمَّ، وذكرُ " الواو " هنا.

25 -

قوله تعالى: (لَنُخْرِجنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيتِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ في مِلَّتنَا. .) . فيه تغليبُ الجمعِ على الواحد، إذ منهم شعيبٌ، ولم يكن في ملَّتهم حتى يعود إليها، وكذا قول شعيب " إنْ عُدْنا في مِلَّتِكُمْ بعدَ إذْ نجَّانَا اللَّهُ منهَا " على أن " عادَ " تأتي بمعنى صار، كما في قوله تعالى (حتَّى عَادَ كالعُرْجونِ القَدِيمِ) والمعنى: إن صرنا في ملَّتكم.

ص: 200

26 -

قوله تعالى: (وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنوا بِمَا كذَّبُوا مِنْ قَبْلُ. .) .

قاله هنا بحذف المعمول وهو " به ". . وفي " يونس " بإثباتِه تَبَعاً لما قبلهما في الموضعين.

إذْ قبلَ ما هنا " ولكنْ كذَّبوا " وقبل ما في يونس " كذبوا

بآياتنا " بإثباته.

27 -

قوله تعالى: (وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبهمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ) .

مع قوله بعدُ (كذَلكَ يَطْبَع اللَّه عَلَى قُلوبِ الكَافِرينَ) .

قاله هنا أولًا بالنون، وإِضمار الفاعل، وثانياً بالياء وإِظهار الفاعل، وقال في " يونس " بالنون والإِضمار. . لأن الآيتين هنا تقدمهما الأمران: الياء مع الإِظهار مرتين في قوله تعالى: (أفأمنوا مكر اللَّهِ

ص: 201

فلا يأمن مكرَ اللَّهِ إلا القومُ الخاسرونَ) والنون مع الِإضمار في قوله (أنْ لَوْ نشاءُ أَصَبْناهم بذنوبهم) فناسبَ الجمعُ بين الأمرين هنا.

والآية ثَمَّ تقدَّمها النونُ مع الِإضمار فقط، في قوله " نجيناهم "" وجعلناهم "" ثمَّ بعثنا " فناسبَ الاقتصار على النون مع الِإضمار ثَمَّ.

28 -

قوله تعالى: (قَالَ إنْ كنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأتِ بِهَا إنْ كنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) .

إن قلتَ: لم قال فرعون هذا، بعد قوله " إن كنتَ جئتَ بآيةٍ "؟

قلتُ: معناه إن كنت جئتَ بآيةٍ من عند الله فأتني بها.

فإن قلتَ: كيف قال تعالى هنا حكايةً عن السَّحرة الذين آمنوا وعن فرعون " قالوا آمنا بربّ العالمين. . إلى قوله " وتوفنا مسلمين " ثم حكى عنهم هذا في " طه " و " الشعراء " بزيادةٍ ونقصان، واختلاف ألفاظٍ في الألفاظ المنسوبة إليهم، والقصةُ واحدة، فكيف اختلفتا عبارتهم فيها؟

قلتُ: حكى الله ذلك عنهم مراراً، بألفاظ متساويةٍ

ص: 202

معنى، جرياً على عادة العرب فِى التفنًّن في الكلام، والحذفِ في محلٍّ، إحالةً على ذكره في محلٍّ آخر، وإنما خولف في ذلك، لئلا يُملَّ إذا تمحَّضَ تكرارُه.

والحكمةُ في تكرار قصة موسى وغيرها من القصص، تأكيدُ التحدي، وإظهارُ الِإعجاز، ولهذا سمَّى الله القرآن " مثاني " لأنه تُثنَّى فيه الأخبارُ والقصص، أو إفادة الغائب عن المرَّة السابقة، فقد كان أصحابُ النبي صلى الله عليه وسلم يحضرُ بعضُهم، ويغيبُ بعضُهم في الغزوات، فإذا حضر الغائبون، أكرمهم الله تعالى بإعادة الوحي، تشريفاً لهم.

29 -

قوله تعالى: (قَالَ المَلأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ) .

إن قلتَ: كيف نسبَ القول هنا للملأ، ونسبه في الشعراء لفرعون في قوله تعالى " قَال للملأ حولَه إن هذا لساحرٌ عليمٌ "؟

قلتُ: قاله فرعون وهم، فحكى قوله ثَمَّ، وقولهم وحدهم أو معه هنا.

30 -

قوله تعالى: (يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ

ص: 203

فَمَاذَا تَأْمُرُونَ) .

قاله هنا بحذف " بسحره " وقاله في الشعراء بإثباته، لأن الآية هنا بُنيتْ على الاختصار، ولأن ما قبل الآية هنا وهو " لساحر عليمٌ " يدلُّ على السحر، بخلاف الآية ثَمَّ.

31 -

قوله تعالى: (قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي المَدَائِنِ حاشِرِين)

قاله هنا بلفظ " وأَرْسِلْ " وفي الشعراء بلفظ " وابْعَثْ " وهما بمعنى واحد، تكثيراً للفائدة في التعبير عن المراد، بلفظيْن متساوييْن معنىً.

32 -

قوله تعالى: (يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيم) .

قاله هنا وفي " يونس " بلفظ (سَاحِر) موافقةَ لما قبله، وهو " إنَّ هذا لَسَاحِرٌ عليم " هنا، و (إنَّه لا يفلحُ السَّاحِرونَ) في يونس.

وقُرىء " بكل سَحَّار " موافقةً لما في الشعراء.

ص: 204

33 -

قوله تعالى: (قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذنَ لَكُمْ. .) .

قاله هنا بلفظ " به " وقال في طه والشعراء بلفظ " له ". لأن الضمير هنا عائدٌ إلى ربِّ العالمين، وفي تَيْنِكَ إلى موسى، لقوله فيهما (إنَّهُ لَكبيرُكُمْ) .

وقيل: " آمنتم بِهِ " و " آمنتُم له " واحد.

34 -

قوله تعالى: (وَقَالُوا مَهْمَا تَأتِنَا بِهِ مِنْ آيةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنَ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ) .

إن قلتَ: كيف سمَّوْا ذلكَ آيةً مع قولهم " لِتسْحرَنا بهَا "؟!

قلتُ: إنما سمَّوْه آيةً استهزاءً بموسى، لا اعتقاداً أنه آية.

35 -

قوله تعالى: (وَدَمَّرْنَا مَا كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كانُوا يَعرِشُونَ) .

إن قلتَ: ما الجمعُ بينه وبين قوله في الشعراء (فَأخرجناهُم من جَنَّاتٍ وعُيونٍ) ؟ الآية.

قلتُ: معنى " دمَّرْنا " أبطلنا ما كان يصنع فرعون

ص: 205

وقومه، من المكر والكيد بموسى عليه السلام " وَمَا كانُوا يعرِشُونَ " يبنون من الصَّرح، الذي أمر فرعون هامانَ ببنائه، ليصعد بواسطته إلى السَّماء.

وقيل: هو على ظاهره من أنَّ معنى " دمَّرنا " أهلكنا، لأن اللَّه تعالى أورث ذلك بني إسرائيل مدَّة ثمَّ دمَّره.

36 -

قوله تعالى: (وَفي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ) .

أي نعمةٌ عظيمةٌ، إن جعلتَ الإشارة راجعة إلى الإِنجاء

في قوله تعالى " وإذْ أنجيناكُمْ مِنْ آلَِ فرعونَ ".

أو محنةٌ عظيمةٌ، إن جعلتَ الِإشارة راجعة إلى قتل الأبناء، واستحياءِ النساء، في قوله تعالى " يُقتِّلون أبناءكُمْ ويستحيون نسائكم ". إذِ البلاءُ بين " النِّعمة " و " المِحنة " قال تعالى:(وَبَلَونَاهمْ بالحَسَنَاتِ والسيِّئاتِ) وقال: (ونبلوكُمْ بالشرِّ والخيرِ فتنةً وإلينَا تُرْجَعون)

ص: 206

37 -

قوله تعالى: (وَوَاعدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْناهَا بِعَشرٍ. .) الآية.

فإن قلتَ: المواعدةُ كانتْ أمراً بالصَّومِ في هذا العدد، فكيف ذكرَ الليالي مع أنها ليست محلًا للصوم؟!

قلتُ: العربُ في أغلب تواريخها، إنما تذكرُ الليالي،

وإن أرادت الأيام، لأنَّ الليل هو الأصلُ في الزمان، والنَّهار عارضٌ، لأن الظُّلمة سابقةٌ في الوجود على النور، مع أن الليل ظرف لبعض الصوم وهي النيَّة، التي هي ركنٌ فيه.

38 -

قوله تعالى: (فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً. .) .

إن قلتَ: ما فائدتُه مع علمه ممَّا قبله؟

قلتُ: فائدتُه التوكيد، والعلمُ بأن العشر ليالٍ، لا ساعات، ورفعُ توهُّم أن العشر داخلة في الثلاثين، بمعنى أنها كانت عشريِن وأُتمَّت بعشر.

39 -

قوله تعالى: (فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إلَيْكَ

ص: 207

وَأَنَا أَوَّلُ المُؤْمِنين. .) أي أنا أول من آمن من بني إسرائيل في زمني..

أو بأنك لا تُرى في الدنيا بالحاسَّة الفانية.

45 -

قوله تعالى: (وَأمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الفَاسِقِين)" بأحسنها " أي التوراة.

إن قلتَ: كيف قال " بأحسنها " مع أنهم مأمورون بجميع ما فيها؟

قلتُ: معنى " بأحسنها " بحسَنها وكلُّها حسن. . أو أُمروا فيها بالخير، ونُهوا عن الشرِّ، وفعلُ الخير أحسنُ من ترك الشرِّ، أو أن فيها حسناً وأحسن، كالقَوَد والعفو، والانتصار والصبر، والمأمور به والمباح، فأُمروا بما هو الأكثر ثواباً.

41 -

قوله تعالى: (وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلَا جَسَداً لَهُ خُوَاز. .)

ليس المرادُ من بعد زمنِ موسى، لأن اتخاذ قومه ذلكَ إنما كان في زمنه، بل المرادُ

ص: 208

من بعد ذهابه إلى الجبل، أو من بعد عهده إليهم أن لا يعبدوا غير الله.

42 -

قوله تعالى: (وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ) أي ندموا على عبادتهم العجل.

إن قلتَ: كيف عبَّر عن الندم بالسُّقوط في اليد؟

قلتُ: لأن عادة من اشتدَّ ندمه على فائتٍ، أن يعضَّ يده غمّاً، كما في قوله تعالى (ويومَ يَعَضُّ الظَّالمُ على يديْهِ) فتصيرُ يده مسقوطاً فيها، لأن فاه قد وقع فيها.

43 -

قوله تعالى: (وَلَمَّارَجَعَ مُوسَى إلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً. .) . الآية.

إن قلتَ: يعني غضبانَ عن أسف؟

قلتُ: لا، لأنَّ " الأسِفَ " الحزينُ، وقيل: الشديدُ الغضب.

44 -

قوله تعالى: (أَخَذَ الألْوَاحَ وَفي نُسْخَتِهَا هُدَىً وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهمْ يَرْهَبُونَ)

الجملة الثانية فيها حالٌ من الألواح، والمعنى: أخذ الألواحَ، والحالُ أن فيما نُسِخَ

ص: 209

فيها أي كُتب - هُدىً ورحمة.

45 -

قوله تعالى: (وَاتَّبَعُوا النَّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ)

أي اتبعوا القرآن الذي أُنزل معه - أي مع النبي صلى الله عليه وسلم.

فإن قلت: القرآنُ لم ينزل مع النبي، بل عليه، وإنما نزل مع جبريل؟!

قلتُ: " معه " بمعنى مقارناً لزمنه، أو بمعنى عليه، أو هو متعلقٌ باتَّبعوا أي اتبعوا القرآن كما اتَّبعه هو، مصاحبينَ له في اتباعه.

46 -

قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالكِتابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ المُصْلِحِينَ)

خصَّ الصلاة بالذكر، مع دخولها فيما قبلهَا، إظهاراً لمرتبتها، لكونها عمادَ الدين، وناهيةً عن الفحشاء والمنكر.

47 -

قوله تعالى: (فَمَثَلُهُ كمَثَلِ الكَلْبِ إنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكهُ يَلْهَثْ. .) الآية.

فإن قلتَ: هذا تمثيلٌ لحال " بلعام " فكيف قال

ص: 210

بعده " سَاءَ مثلاً القومُ " ولم يُضرب إلا لواحد؟

قلتُ: المَثَلُ في الصُّورة وإن ضُرب لواحد، فالمرادُ به كفًارُ مكة كُلُّهم، لأنهم صنعوا مع النبي صلى الله عليه وسلم، بسبب ميلهم إلى الدنيا، من الكيد والمكر، ما يُشبه فعل " بلعام " مع موسى.

أو أنَّ " سَاءَ مثلاً القَوْمُ " راجعٌ إلى قوله تعالى (ذَلِكَ مثَلُ القَوْمِ " لا إلى أول الآية.

48 -

قوله تعالى: (أُوْلَئِكَ كالأنْعَام بَلْ هُمْ أَضَلُّ. .) .

إن قلتَ: كيف جمع بين الأمرين؟

قلتُ: المرأد بالأول تشبيهه بالأنعام، في أصل الضلال لا في مقداره، وبالثاني في بيان مقداره. وقيل: المرادُ بالأول التشبيه في المقدار أيضاً، لكنْ المرادُ به طائفة، وبالثاني أخرى، ووجهُ كونهم أضلُّ من الأنعام، أنها تنقاد لأربابها، وتعرف من يُحسنُ إليها، وتجتنبُ ما يضرُها. . وهؤلاء لاينقادون لربهم، ولا يعرفون إحسانه إليهم، من

ص: 211

إساءة الشيطان، الذي هو عدوُّهم.

49 -

قوله تعالى: (إنْ أَنَا إلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْم يُؤْمِنُونَ) .

إن قلتَ: كيف خصَّ المؤمِنين بالذِّكرِ، مع أنه نذيرٌ وبشيرٌ للنَّاس كافة، كماقال تعالى (وما أرسلناكَ إلَّا كافّةً للنَّاسِ بشيراً ونذيراً) ؟

قلتُ: خصَّهم بالذّكر، لأنهم المنتفعون بالِإنذار والبشارة.

55 -

قوله تعالى: (فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلَا لَهُ شُرَكاءَ فِيمَا آتَاهُمَا. .) الآية.

إن قلت: كيف قال عن " آدم وحواء " ذلكَ، مع أن الأنبياء معصومون عن مطلق الكبائر، فضلاً عن الشَرك الذي هو أكبرُ الكبائر؟!

قلتُ: فيه حذفٌ مضافٍ، أي جعل أولادُهما شركاءَ

له " فيما آتاهما " أي آتى أولادهما، بقرينة قوله تعالى:

ص: 212

(فتعالى اللهُ عما يُشركونَ) بالجمع. ومعنى إشراك أولادهما في آتاهُم اللهُ، تسميتهم أولادهم ب " عبد العُزَّى " و " عبد مناة " و " عبد شمس " ونحوها، مكان " عبد الله " و " عبد الرحمن " و " عبد الرحيم ".

51 -

قوله تعالى: (قُلْ لَا أَمْلكُ لِنَفْسِي نَفْعاً ولَا ضرًّا إلا مَا شَاءَ اللهُ. .) . قدَّم النَّفع هنا على الضُرِّ، وعكسَ في " يونس " لأن أكثر ما جاء في القرآن، من لفظيْ: الضُرِّ، والنفع معاً، جاء بتقديم الضُرِّ على النفع، ولو بغير لفظهما، كالطَّوْع والكُره في الوعد، لأن العابد يعبد معبوده، خوفاً من عقابه أولاً، ثمَّ طَمَعاً في ثوابه ثانياً، كما قال تعالى " يدعون ربَّهم خوْفاً وطَمَعاً "، وحيث تقدَّم النَّفع على الضُّرِّ، تقدَّمه لفظ تضمَّن نفعاً، وذلك في ثمانية مواضع: هنا وفي الرَّعدِ، وسبأ، والأنعامِ،

ص: 213

وآخر يونس، وفي الأنبياء، والفرقانِ، والشُّعراءِ "

فقدَّم هنا النفع لموافقة قوله قبله " من يهدِ اللهُ فهو المهتدي " الآية.

وقوله بعده (لاستكثرتُ من الخير وما مسَّني السُّوءُ) إذِ الهدايةُ والخير من جنس النفع، وقدَّم الضُرَّ في آخر يونس على الأصل ولموافقة قوله قبله " ما لا يضرُّهم ولا ينفعهم ".

" تَمَّتْ سُورَةُ الأعراف "

ص: 214