المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌سورة التَّوبة 1 - قوله تعالى: (بَرَاءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إلَى - فتح الرحمن بكشف ما يلتبس في القرآن - جـ ١

[زكريا الأنصاري]

فهرس الكتاب

- ‌سُورَة الفَاتِحة

- ‌سورة البقرة

- ‌سورة آل عمران

- ‌سُورَة النسِّاء

- ‌سُورة المَائِدَة

- ‌سُورَة الأَنعام

- ‌سُورَة الأعراف

- ‌سورة الأَنفَال

- ‌سورة التَّوبة

- ‌سورة يونس

- ‌سورة هود

- ‌سورة يوسف

- ‌سورة الرعد

- ‌سورة إبراهيم

- ‌سورة الحجر

- ‌سورة النحل

- ‌سورة الإسْرَاء

- ‌سورة الكهف

- ‌سورة مريم

- ‌سورة طه

- ‌سورة الأَنبياء

- ‌سورة الحجّ

- ‌سورة المؤمنون

- ‌سُورة النُّور

- ‌سورة الفرقان

- ‌سورة الشعَراء

- ‌سُورَة النَّمْل

- ‌سُوَرة القصص

- ‌سورة العنكبوت

- ‌سُورَة الرُّوم

- ‌سورة لقمان

- ‌سُوَرة السجْدة

- ‌سُورَة الأحزاب

- ‌سُوَرة سبأ

- ‌سورة فاطر

- ‌سُوَرة يس

- ‌سُورة الصّافَّات

- ‌سورة ص

- ‌سورة الزُمر

- ‌سُوَرة غافر

- ‌سورة فصلَتْ

- ‌سورة الشورى

- ‌سُورَة الزُّخْرُف

- ‌سورة الدُّخَان

- ‌سورة الجاثية

- ‌سُورَة الأَحقاف

- ‌سُورَة محمد

- ‌سورة الفتح

- ‌سُورَة الحجرات

- ‌سورة ق

- ‌سُوَرة الذّارِيَات

- ‌سُورَة الطور

- ‌سورة النجم

- ‌سُورَة القمر

- ‌سورة الرحمن

- ‌سُورة الوَاقِعَة

- ‌سورة الحديد

- ‌سُورة المجادَلة

- ‌سُورة الحشْر

- ‌سُورة الممتَحنة

- ‌سُوَرة الصَّف

- ‌سُورَة الجُمُعة

- ‌سُورة المنافِقون

- ‌سُوَرة التغَابن

- ‌سورة الطلاق

- ‌سُورة التحريم

- ‌سورَة الملك

- ‌سوَرة القَلَم

- ‌سُورة الحَاقَّة

- ‌سورة المعارج

- ‌سُورة نوح

- ‌سورة الجن

- ‌سُورة المُزَّمِّل

- ‌سورة المدثر

- ‌سُورة القيامَة

- ‌سورة الإنسان

- ‌سُورَة المرُسلات

- ‌سورة النبأ

- ‌سورة النازعات

- ‌سورة عبس

- ‌سورة التكوير

- ‌سورة الانفِظار

- ‌سُورة المطُفِّفين

- ‌سورة الانشقاق

- ‌سورة البرُوج

- ‌سورة الطارق

- ‌سورة الأعلى

- ‌سورة الغاشِيَة

- ‌سورة الفجر

- ‌سورة البَلَد

- ‌سورة الشمس

- ‌سُورَة اللَّيْل

- ‌سورة الضحى

- ‌سُورة الشرح

- ‌سورة التين

- ‌سُورَة العَلَق

- ‌سُورة القَدْر

- ‌سُورَة البينة

- ‌سورة الزلزلة

- ‌سُورة العاديات

- ‌سُورَة القَارعَة

- ‌سُوَرة التكاثر

- ‌سُورة العصر

- ‌سُوَرة الهُمزة

- ‌سُورَة الفِيل

- ‌سورة قريش

- ‌سُورة الماعُون

- ‌سُورَة الكوثَر

- ‌سورة الكافرون

- ‌سورة النصر

- ‌سُورَة المَسد

- ‌سورة الإخْلاص

- ‌سورة الفلق

- ‌سورة الناس

الفصل: ‌ ‌سورة التَّوبة 1 - قوله تعالى: (بَرَاءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إلَى

‌سورة التَّوبة

1 -

قوله تعالى: (بَرَاءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ المُشْرِكينَ) .

إن قلتَ: لم ترك البسملة فيها دون غيرها؟

قلتُ: لاختلاف الصحابة في أنَّ " براءة " و " الأنفال " سورتان، أو سورةٌ واحدةٌ، نظراً لأن كلاًّ منهما نزل في القتال، فترك بينهما فُرْجة، عملًا بالأول، وتُركتْ البسملة عملًا بالثاني.

أو لأنَّ البسملة أمانٌ، وبراءة فيها قتلُ المشركين ومحاربُتهم، فلا مناسبة بينهما.

أو لأنَّ الأنفال، لمَّا تضمَّنت طلبَ موالاة المؤمنين، بعضهم بعضاً، وأن ينقطعوا عن الكفار بالكلِّية، وكان قولُه تعالى " براءةٌ منَ اللهِ ورسولِهِ إلى الَّذينَ عاهدتُمْ منَ

ص: 225

المشركين " - تقريراً وتأكيداً، لذلك تُركتْ البسملة بينهما.

2 -

قوله تعالى: (وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ وَبَشِّر الَّذين كَفَرْوا بِعَذَابٍ أَلِيم) . كرَّره لأنَّ الأول للمكانِ، والثاني للزمان المذكور قبل، في قوله تعالى:" فَسِيحوا في الأَرضِ أربعَةَ أشْهُرٍ ".

3 -

قوله تعالى: (فَإنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزكاةَ فَإخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ. .) . كرَّره لاختلاف جزاء الشرطِ، إذْ جزاء الشرط في الأول، تخليةُ سبيلهم في الدنيا، وفي الثاني أخوَّتُهم لنا في الدِّين، وهي ليست عين تخليتهم، بل سبُبها.

4 -

قوله تعالى: (كيْفَ وَإنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إلاًّ وَلَا ذِمَّةً. .) . " إلّاً " أي قرابة " ولا ذمَّة " أي عهداً.

كرَّر ذلك بإبدال الضمير بـ " مؤمنٍ " في قوله تعالى

ص: 226

(لا يرقُبون في مؤمنِ إلّاً ولا ذِمَّةً) لأن الأول وقع جواباً لقوله " وإنْ يَظْهَرُواَ " أي الكفار. والثاني وقع إخباراً عن تقبيح حالهم.

5-

قوله تعالى: (وَإنْ نَكَثُوأ أيمانَهُمْ مِنْ بعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا في دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمّةَ الكُفْرِ) . خصَّ فيه " أئمة الكفر " بالذِّكر، وهم رؤساءُ الكفر وقادتهم، لأنهم الأصلُ في النكثِ، والطَّعْنِ في الدِّين.

6 -

قوله تعالى: (وَقَالَتِ اليَهُودُ عُزَيْرٌ ابنُ اللهِ وقالتِ النّصارى المسيحُ ابن اللهِ. .) قائل ذلك في كلٍّ منهما بعضُهم، لا كلّهم، فـ " أل " فيهما للعهد، لا للاستغراق، كما في قوله تعالى:(إذْ قالت الملائكةُ يا مريمُ إنَّ اللهَ اصطفاكِ) الآية. إذِ القائل لها ذلك إنما هو جبرائيل عليه السلام.

7 -

قوله تعالى: (ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ. .) . فائدة قوله " بأفواههم " مع أن القول لا يكون إلَّا بالفم، الِإعلام بأن ذلك مجرَّد

ص: 227

قول، لا أصل له، مبالغة في الرَّدِّ عليهم.

8 -

قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الحَق. .) الآية. فائدة ذكر " دين الحقِّ " مع دخوله في الهُدَى قبله، بيانُ شَرَفِهِ وتعظيمه، كقوله تعالى " حَافِظُوا على الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الوُسْطَى ".

أو أنَّ المراد بالهدى القرآنُ، وبالدِّين الإِسلامُ.

9 -

قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ. .) . أفردَ الضميرَ، مع تقدُّم اثنين " الذهب والفضة " نظراً إلى عوده إلى الفضة لقربها، ولأنها أكثرُ من الذَّهب.

أو إلى عوده إلى المعنى، لأن المكنوز دراهمُ ودنانير، ونظيرُه قوله " وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا ".

10 -

قوله تعالى: (مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حرمٌ ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ فلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أنفسَكمْ. .) .

ص: 228

إن قلتَ: لم خصَّ الأربعة الحُرُم بذلك، مع أن ظلم النفس منهيٌّ عنه في كل زمانٍ؟

قلتُ: لم يَخُصَّها به، إذِ الضمير عائدٌ إلى " اثنا عشر شهراً " كما قاله ابن عباس رضي الله عنهما، لا إلى الأربعة الحُرُم فقط.

أو خصَّها به لقربها، أو لمزيد فضلها وحرمتها عندهم في الجاهلية.

11 -

قوله تعالى: (لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَاليَوْم الآخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا. .) . أي لا يستأذنوك في التخلُّفَ عن الجهاد.

إن قلتَ: كيف قال ذلك، معِ أن كثيراً من المؤمنين، استأذنوه فِى ذلك لعذرٍ، أخذاً من قوله تعالى (إنَّما المُؤْمِنُونَ الَّذينَ آمَنُوا باللهِ وَرَسُولِهِ وَإذَا كانوا معه على أمرٍ جامعٍ لم يذهبوا حتى يستأذنوه) .

قلتُ: لا منافاة، لأن ذلك نفيٌ بمعنى النهي كقوله تعالى:(فلا رَفَثَ وَلَا فسوقَ ولا جدال في الحجِّ) أو هو

ص: 229

منسوخٌ كما قال ابن عباس بقوله " لم يذهبوا حتّى يستأذنوه ".

أو المراد أنهم لا يستأذنوه في ذلك لغير عذر.

12 -

قوله تعالى: (وَلَكِنْ كَرِهَ الله انْبِعَاثَهمْ فَثَبطهُمْ وَقِيلَ اقْعدوا مَعً القَاعِدِينَ) .

إن قلتَ: كيف أمرهم بالقعود عن الجهاد، مع أنه ذمهم عليه؟

قلت: إنما أمرهم بذلك أمر توبيخ، كقوله تعالى " اعملوا ما شِئْتمْ " بقرينة قوله " مع القاعدينَ " أي من النّساء، والصِّبيان، والزمنَى، الذين شأنُهم القعودُ في البيوت.

أو الآمِر لهم إنما هو الشيطان بالوسوسة، أو بعضهم بعضاً.

3 1 - قوله تعالى: (لَوْ خَرَجوا فِيكمْ مَا زَادوكمْ إلَّا خَبَالَاَ وَلَأَوْضعوا خِلَالَكمْ. .) .

فإن قلتَ: " إذا علم اللهُ أن المنافقين، لوخرجوا مع

ص: 230

المؤمنين للجهاد ما زادوهم إلَّا خبالاً أي فساداً، ولأوضعوا خلالهم أي لأسرعوا في السَّعي بينهم بالنميمة، فكيف أمرهم بالخروج مع المؤمنين؟

قلتُ: أمرهم بالخروج لِإلزامهم الحجَّة، ولإِظهار نفاقهم.

14 -

قوله تعالى: (قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إنَّكُمْ كنْتُمْ قَوْماً فَاسِقِين) . أي كافرين ولو بالنفاق، بقرينة قوله (وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نفقاتُهم إلّاَ أَنَّهُمْ كفَرُوا باللهِ وَبِرَسولِهِ) .

15 -

قوله تعالى: (إلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ)

قاله هنا بالباء في المتعاطفين، وقاله ثانياً، وثالثاً بحذفها من المعطوف، لأن ما في الأول غاية التوكيد بقوله (وما مَنَعَهم أن تُقبل منهم نفقاتهم إلّاَ أنهم كفروا) فأكَّد المتعاطفين بالباء، ليكون الكلام على نسق واحد، بخلاف الثاني

ص: 231

والثالث، لم يتقدمهما ذلك.

16 -

قوله تعالى: (فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ. .) الآية. قاله هنا بالفاء، وقاله بعد بالواو. لأن الفاء تتضمَّنُ معنى الجزاء، والفعلُ قبلها

في قوله " ولا يأتون الصَّلاة " وقوله " ولا يُنفقون " لكونه مستقبلَاَ، يتضمَّن معنى الشَّرط، فناسب فيه الفاء، وما بعدُ ذكر قبله " كفروا باللهِ ورسوله وماتوا وهم فاسقون " والفعلُ فيهما لكونه ماضياً، لا يتضمَّن معنى الشرط، فناسب فيه الواو، وقولُه (وَلَا أَوْلَادُهُمْ) ذكره هنا

بـ " لا " وفيما بعد بدونها، لما في زيادتها هنا من التوكيد المناسب لغاية التوكيد، بالحصر فيما قبلها، وذلك مفقودٌ فيما بعد.

17 -

قوله تعالى: (إنَّما الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالمَسَاكينِ وَالعَامِلِينَ عَلَيْهَا. .) الآية. أضاف فيها الصَّدقات، إلى

ص: 232

الأصناف الأربعة الأولى بلام المُلْك، وإلى الأربعة الأخيرة بـ " في " الظرفية، للإِشعار بإطلاق المُلْك في الأربعة الأولى، وتقييده في الأخيرة، حتى إذا لم يحصل الصرف في مصارفها استرجع، بخلافه في الأولى، كما هو مقرَّرٌ في الفقه، وكُرِّر في الأخيرة في قوله " وفي سبيل الله " حثًّا على الإِعانة في الجهاد لشرفه.

98 -

قوله تعالى: (قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ. .) الآية. عدَّى الِإيمان إلى الله بالباء، لتضمُّنه معنى التصديق، ولموافقته ضدَّه وهو الكفر، في قوله تعالى (مَنْ كفَرَ بِاللهِ) .

وعدَّاه إلى المؤمنين باللام، لتضمُّنه معنى الِإنقياد، وموافقةً لكَثير من الآيات، كقوله تعالى (وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمنٍ لنا) وقوله (أفتطمعون أن يؤمنوا لكم) وقوله (أنؤمن لك واتبعك الأرذلون) ؟

وأما قوله تعالى في موضع (قال آمنتم لَهُ قبلَ أن آذن لَكُمْ) وفي آخر (آمنتم به) فمشتركٌ الدلالة، بين الِإيمان

ص: 233

بموسى والِإيمان بالله، لأن من آمنَ بموسى حقيقةً آمن بالله كعكسه.

19 -

قوله تعالى: (أَلمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللهَ وَرَسولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِداً فيها..) خبرٌ عن المنافقين الذين سبق ذكرُهم مخلَّدون في النَّار، فلا يُشكل بأنَّ المؤمن العاصي لا يُخَلَّدُ في النَّار،

20 -

قوله تعالى: (يَحْذَرُ المُنَافِقُون أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا في قُلُوبِهمْ. .) .

إن قلتَ: كيف قال ذلك، مع أن إنزال السورة إنما هو على النبي لا عليهم؟

قلتُ: " على " بمعنى " في " كما في قوله تعالى (واتَّبعوا ما تتلُوا الشَّياطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمان) أو أن الإِنزال هنا بمعنى القراءة عليهم.

فإن قلتَ: الحذر واقع منهم على إنزال السورة، فكيف قال (إن الله مخرج ما تَحْذَرونَ) ؟

قلتُ: معناه إن الله مظهرٌ ما تحذرون ظهوره من نفاقكم، بإنزال هذه السورة، وهو المناسب لقوله

ص: 234

(تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ) أو مظهرٌ ما تحذرون من إنزال هذه السورة.

فإن قلتَ: " تُنَبئهم بما في قلوبهم " تحصيل الحاصل، لأنهم عالمون به؟

قلتُ: تنبِّئُهم بأسرارهم، وما كتموه، شائعةً ذائعة، وتفضحهم بظهور ما اعتقدوا أنه لا يعرفه غيرهم.

21 -

قوله تعالى: (المُنَافِقُونَ وَالمُنَافِقَاتُ بَعْضُهم مِنْ بَعْض. .) الآية.

إن قلتَ: كيف قال ذلك هنا بـ " مِنْ " وقال في قوله (والمؤمنونَ والمؤمناتُ بعضُهم أولياءُ بعضٍ) بلفظ " أولياء " مع أنَّ " مِنْ " أدلُّ على المجانسة، لاقتضائها البعضية، فكانت بالمؤمنين أولى، لأنهم أشدُّ تجانساً في الصفات؟!

قلتُ: المراد بقوله " بعضهم من بعضٍ " على دين بعض، لأن " مِنْ " تأتي بمعنى " على " كما في قوله تعالى (وَنصَرْناهُ مِنَ القَوْمِ) وقوله (للِّذينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ) أي يحلفون على عدم وطئهنَّ، والمرادُ بقوله

ص: 235

(بعضهُم أولياءُ بعضٍ)

أنصارهم وأعوانهم في الدِّينِ، وعلى ذلك فكلٌّ من اللفظيْن يصلح مكان الآخر، لكن للولاية شرفٌ، فكانت أولى بالمؤمنين والمؤمنات.

22 -

قوله تعالى: (أُوْلَئِكَ الَّذينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ في الدُّنيا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الخَاسِرُونَ) أي المنافقون والمنافقاتُ حبطت أعمالهم في الدنياوالآخرة، أما حبطها في الدنيا، فمن حيثُ كيدهم ومكرُهم وخداعُهم، التي كانوا يقصدون بها إطفاء نور الله، ويأبى الله إلا أن يُتم نوره. وأما حبطُها في الآخرة، فمن حيثُ إن عباداتِهم وطاعاتِهم، أتوا بها رياءً وسمعةً ونفاقاً، فحبطت أعمالهم من الخبيثات المذكورات، حيث لم يحصُل بها غرضهم في الدنيا ولا في الآخرة

وأمَّا عباداتُهم التي تجري بها أحكامُ المسلمين عليهم، كحقن دمائهم وأموالهم، فينفقون بها في الدنيا خالصةً ولا عبرة به.

23 -

قوله تعالى: (وَمَا لهمْ فِي الأَرْضِ مِنْ وَليٍّ وَلَا نَصيرٍ) .

ص: 236

إن قلتَ: لمَ خصَّص الأرض بالذكر، مع أنهم لا وليَّ لهم في الأرض ولا في السماء، ولا في الدنيا ولا في الآخرة؟!

قلتُ: لمَّا كانوا لا يعتقدون الوحدانية، ولا يصدِّقون بالآخرة، كان اعتقادهم وجود الوليّ والنَّصير، مقصوراً على الدنيا، فعبَّر عنها في الأرض.

أو أراد بالأرض أرض الدنيا والآخرة.

24 -

قوله تعالى: (إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ) الآية.

إن قلتَ: لم خصَّ السَّبعين، مع أنهم لا يُغفر لهم أصلاً، لقوله تعالى (سَوَاءٌ عَلَيْهِم أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ) ولأنهم مشركون، واللِّه لا يَغفر أن يُشرك به؟

قلتُ: لأن عادة العرب جرتْ بضرب المثل في الآحاد بالسبعة، وفي العشرات بالسبعين، استكثاراً ولا يريدون الحصر.

فإن قلتَ: لو كان المراد ذلك، لما خفيَ على

ص: 237

أفصح العرب، وأعلمهم بأساليب الكلام، حتى قال لما أُنزلت هذه الآية: لأزيدنَّ على السبعين، لعلَّ اللهَ أن يغفرلهم.

قلتُ: لم يَخْفَ عليه ذلك، وإنما أراد بما قال إظهار كمال رأفته، ورحمته بمن بُعث إليهم، وفيه لطفٌ بأمته وحثٌّ لهم على المراحم، وشفقة بعضهم على بعض، وهذا دأبُ الأنبياء عليهم السلام، كما قال إبراهيم عليه السلام (وَمَنْ عَصَانِي فَإنَّكَ عْفورٌ رحيم) .

25 -

قوله تعالى: (وَطُبعَ عَلَى قُلُوبهمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُون) . قاله هنا بالبناء للمفعول، َ وقال بعده (وَطَبَعَ اللَّهُ على قلوبهم فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) بالبناء للفاعل، لأن الأول تقدَّمه مبنيٌّ للمفعول وهو قوله " وَإذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ " والثاني تقدَّمه ذكر الله مرَّاتٍ، فناسب بناء الأول للمفعول، والثاني للفاعل، ليناسب الفاعل ما قبله، ثم ختم كلًا منهما بما يناسُبه، فقال في الأول " لا يفقهون " وفي الثاني " لا يعلمون " لأنَّ العلم فوق الفقه أي الفهم.

26 -

قوله تعالى: (وَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ

ص: 238

ثُمٌ ترَدُّونَ إلى عَالِم الغَيْبِ والشَّهَادَةِ) قاله هنا بـ " ثُمَّ " بحذف " والمؤمنون ". وقاله بعدها بالواو، وبذكر " والمؤمنون ".

لأنَّ الأول في المنافقين، ولا يطَّلع على ضمائرهم إلَّا

الله، ثم رسولُه بإطلاع اللهِ إياه عليها. والثاني في المؤمنين، وطاعاتهم وعباداتْهم ظاهرةٌ لله ولرسوله وللمؤمنين، وختم الأول بقوله " ثُمَّ تُرَدُّونَ " ليفيد قطعه عمَّا قبله، لأنه وعيد. . وختم الثاني بقوله " وستردُّون " ليفيد وصله بما قبله لأنه وعدٌ، فناسب في الأول " ثُمَّ " وحذفَ " والمؤمنون " وفي الثاني " الواو " وذكر " والمؤمنون ".

فإن قلتَ: السِّينُ في " سَيَرَى اللهُ " للاستقبال، والرؤيةُ بمعنى العلم، والله تعالى عالمٌ بعملهم حالًا ومآلًا، فكيف جمع بينهما؟!

قلتُ: معناه في حقِّ الله، أنه سيعلمه واقعاً مآلًا، كما علمه غيرَ واقع حالًا، لأن الله تعالى يعلم الأشياء على

ص: 239

ما هي عليه، فيعلم الواقع واقعاً، وغير الواقع غيرَ واقع، أمَّا في حقّ الرسولِ فهو على ظاهره.

27 -

قوله تعالى: (الَأعْرَابُ أَشَدُّ كفْراً وَنِفَاقاً وَأَجْدَرُ أَلّاَ يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْرلَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ. .)

فإن قلتَ: وصفَ العربِ بأنهم جاهلون بذلك، يُنافي صحَّة الاحتجاج بألفاظهم وأشعارهم، على كتاب اللَّهِ وسنَّة نبيه؟!

قلتُ: لا منافاة، إذْ وصفُهم بالجهل إنما هو في أحكام القرآن، لا في ألفاظه، ونحن لا نحتجّ بلغتهم في بيان الأحكام، بل في بيان معاني الألفاظ، لأن القرآن والسُّنَّة جاءا بلغتهم.

28 -

قوله تعالى: (وَمِنْ أَهْلِ المَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ. .) الآية، الخطاب لمحمد صلى الله عليه وسلم.

فإن قلتَ: كيف نفى عنه علمه بحال المنافقين هنا، وأثبته له في قوله:(وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ في لَحْنِ القَوْلِ)) ؟

ص: 240

قلتُ: آيةُ النَّفي نزلت قبل آية الِإثبات فلا تنافي.

29 -

قوله تعالى: (وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً) الآية. أي خلطوا كلَا منهما بالآخر.

30 -

قوله تعالى: (وَالنَّاهُون عَنِ المنكَرِ وَالحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللهِ وَبَشِّرِ المُؤْمِنينَ) .

إن قلتَ: لمَ عَطفَه دون ما قبله من الصِّفاتِ؟

قلتُ: لأنه وقع بعد سبع صفاتٍ، وعادةُ العربِ أن تُدخلَ الواو بعد السَّبعة.

31 -

قوله تعالى: (وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إلَّا كتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَل صَالِحٌ. .) الآية. قال ذلك هنا، وقال بعد:(إلَّا كتِبَ لَهُمْ) بدون " عمل صالح "!! لأنَّ ما هنا مشتمل على ما هو من عملهم وهو قوله: (ولا يَطَئُونَ مَوْطِئاً يَغيظُ الكُفَّارَ) إلى آخره، وعلى ما ليس من عملهم وهو قوله (ذَلِكَ بأنَّهُمْ لا يُصيبهُمْ ظمَأٌ) إلى آخره، فتفضَّل اللهُ بإجرائه مجرى عملهم في الثواب، فناسبَ

ص: 241

ذلك زيادةُ قوله " به عملٌ صالحٌ " ولهذا عمَّ عقِبَه في قوله (إنَّ اللهَ لا يضيع أجرَ المحسنينَ) .

وما ذُكرَ في الآية الثانية، مختصٌّ بما هو من عملهم وهو قوله (ولا يُنْفِقُونَ نفقةً صغيرةً) إلى آخره، ليُكتب لهم ذلك بعينه، ولهذا خصَّهم عقِبه في قوله:(ليَجْزِيَهُمُ الله أحسنَ ما كانوا يعملونَ) .

وقولُه " أحسن " أي بأحسن، والمراد بحَسَن عملهم، إذ لا يختصُّ جزاؤهم بأحسن عملهم. . أو المراد ليجزيهم أحسن من الذي كانوا يعملون.

" تَمَّتْ سُورَةُ التوبة "

ص: 242