الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سُورَة النَّمْل
1 -
قوله تعالى: (تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكتَابٍ مُبِينٍ) .
إن قلتَ: الكتابُ المبينُ هو القرآنُ، فكيف عطَفَه عليه، مع أن العطف يقتضي المغايرة؟!
قلتُ: المغايرةُ تصدق بالمغايرة لفظاً ومعنى، وباللفظ فقط، وهو هنا من الثاني، كما في قوله تعالى:(أُولَئِكَ عَليْهم صَلَواتٌ من ربِّهِمْ ورحمةٌ) .
أو المرادُ بالكتاب المبين: هو اللوحُ المحفوظ، وهو هنا من الأول.
فإِن قلتَ: لمَ قدَّم القرآنَ هنا على الكتاب، وعَكَسَ في الحِجْر؟
قلتُ: جرياً على قاعدة العرب في تفنُّنهم في الكلام.
2 -
قوله تعالى: (سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْآتِيكُمْ بِشهاب قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلونَ) .
فإِن قلتَ: كيف قال هنا ذلك، وفي طه " لعلّي آتيكُم " وأحدهما قَطْعٌ، والآخرُ ترجٍّ، والقضيَّةُ واحدة؟!
قلتُ: قد يقول الراجي إذا قويَ رجاؤه: سأفعلُ كذا، وسيكونُ كذا، مع تجويزه عدم الجزم.
3 -
قوله تعالى: (فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَن فِي النَّارِ وَمَن حَوْلَهَا. .) المرادُ بالنَّارِ عند الأكثرِ " النّورُ " وبمن فيها " موسى " ومن حولها " الملائكة " أو العكسُ، بأن باركَ الله من في مكان النور، ومنْ حوله ومكانه هو البقعة المباركة في قوله تعالى:(نودي من شاطىء الوادِ الأيمنِ في البقعة المباركة) وبارك يتعدَّى بنفسه كما هنا، وب " على " و " في " كما في قوله تعالى (وباركنا عليهِ وعَلَى إسْحَاقَ) وقوله (وبارَكَ فيها) .
4 -
قوله تعالى: (وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً) .
قاله هنا بدون ذكر " أن " وفي القصص بذكرها.
لأن ما هنا تقدَّمه فعل بعد " أنْ " وهو " بورك " فحسُنَ
عطفُ الفعل عليه، وما هناكَ لم يتقدمه فعلٌ بعد " أنْ " فذكرتْ " أنْ " لتكوت جملة " أن ألقِ عصاكَ " معطوفةً على جملة " أن يا موسى إنني أنا اللهُ ".
5 -
قوله تعالى: (يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ المُرْسَلُونَ) .
قال ذلك هنا، وقال في القصص " يا مُوسَى أَقْبلْ ولا تخفْ إِنكَ مِنَ الآمِنينَ " بزيادة " أَقْبِلْ "، لأنَّ ما هنا بُني عليه كلامٌ يناسبه وهو " إني لا يخافُ لديَّ المرسلونَ " فناسبه الحذفُ، وما هناك لم يُبنَ عليه شيءٌ، فناسبه زيادة " أقبِلْ " جبراً له، وليكون في مقابلة " مدبراً " أي أقبلْ آمناً غير مدبرٍ، ولا تخفْ.
6 -
قوله تعالى: (إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ المرسلون. إِلَاّ مَنْ ظَلَمَ. .) الآية.
إن قلتَ: كيف وجهُ صحة الاستثناءِ فيه، مع أن الأنبياءَ معصومون من المعاصي؟!
قلتُ: الاستثناءُ منقطعٌ، أي لكنْ من ظلم من غير الأنبياء فإِنه يخاف، فإِن تاب وبدَّل حسْناً بعد سوء فإِني غفورٌ رحيم، أو متصلٌ بحمل الظلم على ما يصدر من الأنبياء من تركِ الأفضل، أو " إِلّاَ " بمعنى " ولا " كما في
قوله تعالى: (لِئَلَّا يكُونَ للنَّاسِ عليكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الذينَ ظلموا) .
وإِنما خصَّ المرسلين بالذِّكر؟ لأن الكلام في قصة موسى - وكان من المرسلين - وإِلّا فسائر الأنبياء كذلك، وإِن لم يكن بعضهم رسلاً.
7 -
قوله تعالى: (وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غيْرِ سُوءٍ. .) .
قاله هنا بلفظ " أَذخِلْ " وفي القَصَص بلفظ " أُسلُكْ " لأن الِإدخال أبلغُ من السلوك، لأن ماضيه أكثر حروفاً من ماضي السلوك، فناسبَ " أَدْخِل " كثرة الآيات، في قوله " تخرجْ بيضاءَ من غيرِ سوءٍ في تسعِ آياتٍ " أي معها مرسلاً إلى فرعون، وناسب أسلك قلَّتها، وهي سلوك اليد، وضمُّ الجناح، المعبَّر عنهما بقوله (فَذَانِكِ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلى فِرْعَوْنَ ومَلئِهِ) .
8 -
قوله تعالى: (فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ) .
قاله هنا بلفظ " وقومه " وفي القصص بلفظ " وملائهِ " لأن الملأَ أشرافُ القوم، ولم يوصفوا ثَمَّ بما
وُصِف به القومُ هنا من قوله " فلما جاءتْهُمْ آياتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ وَجَحَدُوا بها. . " الآية فناسبَ ذكرُ القوم هنا، وذكر الملأَ ثَمَّ.
9 -
قوله تعالى: (وَأوتِينَا مِنْ كلِّ شَيْءٍ. .)
النُّونُ نونُ الجمعِ، عنى " سليمانُ " نفسَه وأباه، أو نونُ العظمة، مراعاةَ لسياسة المُلْك، لأنه كان ملكاً مع كونه نبياً.*
فإِن قلتَ: كيف سوَّى بينه في قوله " من كل شيء " وبين بلقيس في قول الهُدْهد: " وأوتيتْ مِنْ كُلَ شي "؟!
قلتُ: الفرقُ بينهما أنها أوتيتْ من كلِّ شىء من أسباب الدنيا فقط، لعطف ذلك على " تمْلِكُهم " وسْليمان أوتي من كل شيءٍ من أسباب الدين والدنيا، لعطف ذلك على المعجزة وهي " منطقُ الطير ".
10-
قوله تعالى: (لأعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً أوْ لأذبَحَنَّهُ أَوْ ليَأْتِينِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ) . توعَّد " سليمانُ " الهدهد بذلك، مع أنه غيرُ مكلَّفٍ، بياناً لكونه خُصَّ بذلك، كما خُصَّ بتعلّم منطقه.
11 -
قوله تعالى: (اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ
تَوَلَّ عَنْهمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ) .
إن قلتَ: إذا تولَّى عنهم كيف يعلم جوابهم؟!
قلتُ: معناه ثمَّ تول عنهم يسيراً حيث لا يرونك، فانظر ماذا يرجعون؟
12 -
قوله تعالى: (إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمَ) .
قدَّم " سليمانُ " اسمه على اسم الله تعالى، مع أنَّ المناسبَ عكسُه، لأنه عرف أن " بلقيس " تعرف اسمه، دون اسم الله تعالى، فخاف أن تستخفَّ باسم الله تعالى، أوَّلَ ما يقعُ نظرها عليه، أوكان اسمُه على عنوانِ الكتاب، واسمُ اللهِ في باطنه.
13 -
قوله تعالى: (قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الكِتَاب أَنَا اتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَد إِلَيْكَ طَرْفُك. .) .
القائلُ كاتبُ سليمانَ، واسمُه " آصف ".
فإِن قلتَ: كيف قَدَر مع أنه غيرُ نبيٍّ، على ما لم يقدر عليه سليمان مع أنه نبيٌّ، من إحضار عرش بلقيس في طرفة عين؟!
قلتُ: يجوز أن يُخصَّ غيرُ النبيّ بكرامةٍ، لا يشاركه
فيها النبيُّ، كما خُصَّت " مريمُ " بأنها كانت تُرزق من فاكهة الجنة، و " زكريا " لم يُرزق منها، ولم يلزم من ذلكَ فضلُها على " زكريا "، وقد نُقل أن " سليمان " عليه السلام، كان إذا أراد الخروج إلى الغَزَاةِ، قال لفقراء المهاجرين والأنصار، اُدعوا لنا بالنُّصْرة، فإِن الله ينصرنا بدعائكم، ولم يكونوا أفضل منه، مع أن كرامة التَّبع من جملة كرامة المتبوع.
ويُحكى أن العلمَ الذي كان عند " آصف " هو اسمُ الله الأعظم، فدعا به فأُجيب به في الحال.
وهو عند أكثر العلماء كما قال البندنيجي: اسمُ الله، وقيل: يا حيُّ، يا قيُّوم.
وقيل: يا ذا الجلالِ والِإكرام، وقيل: يا أللهُ، يا رحمنُ، وقيل: يا إلهنا وإِلهَ كل شيء، إلهاً واحداً، لا إلهَ إلّاَ أنتَ.
4! - قوله تعالى: (قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لله رَبِّ العَالمِين) . حقيقةُ المعيَّة: الاتفاقُ في الزمانِ، وسليمانُ كان مُسلماً قبلها وإِن يُقل بدل " مع سليمان " على يد سليمان؟ لأنها كانت ملكة،
فلم تذكر عبارةً تدلُّ على أنها صارت مولاةً له بإِسلامها، وإِن كان الواقعُ ذلك.
15 -
قوله تعالى: (وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) .
قاله هنا بلفظ " أنجينا " وفي حمَ السجدة بلفظ " ونجينا " موافقةً لما بعده هنا، ولما قبله وبعده ثَمَّ، فيما وزنُه " أفعل " و " فعل " ثَمَّ، حيث قال هنا بعده " فأنجيناه وأهلَه. . وأمطرنا " وقال ثَمَّ قبله " وزيَّنَّا " وبعده " وقَيَّضْنَا ".
16 -
قوله تعالى: (أَإِلهٌ مَعَ الله) ؟
ذُكر هنا في خمسة مواضع متوالية:
وختم الأولى بقوله: (بَلْ همْ قومٌ يَعْدِلُونَ)
والثانية بقوله: (بلْ أكثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ)
والثالثة بقوله: (قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ) .
والرابعة بقوله: (تَعَالى الله عَمَّا يُشْرِكُونَ) .
والخامسة بقوله: (قل هاتُوا برهانَكُمْ إن كنْتُمْ صادقينَ) .
أي عدلوا، وأوَّلُ الذنوبِ العدولُ عن الحقِّ، ثُمَّ لم يعلموا ولو علموا ما عدلوا، ثم لم يتذكَّروا فيعلموا بالنظر والاستدلال، فأشركوا من غير حجةٍ وبرهانٍ، قل لهم يا محمد: هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين.
17 -
قوله تعالى: (إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَهُوَ العَزِيزُ العَلِيمُ) .
تجوَّز " بحكمه " عما يحكم به، وهو العدلُ، وإِلا فالقضاءُ والحكم واحد.
18 -
قوله تعالى: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْم يُؤْمِنُونَ) . خصَّ المؤمنين بالذّكر، مع أن غيرههمً مثلَهم، لأنهم المنتفعون بالآيات.
19 -
قوله تعالى: (وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّموَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ. .) الآية.
قاله هنا بلفظ " فزع " وفي الزمر بلفظ " صَعِقَ " موافقةً هنا لما بعده، وهو " وهم من فَزَعٍ يومئذٍ آمنون " وفي الزمر لما قبله، وهو " إِنَّكَ ميِّتٌ " إذْ معنى الصعق: الموت، وعبَّر فيهما بالماضي دون المضارع مع أنه أنسبُ، للإِشعارِ
بتحقق الفزع والصعق ووقوعهما، إذِ الماضي أدلُّ على ذلِكَ من المضارع.
ْ2 - قوله تعالى: (وَكلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ) .
إن قلتَ: كيف قال " داخرين " أي صاغرين أذلّاَء بعد البعث، مع أنَّ " النبيِّين، والصدِّيقين، والشهداء، والصالحين " يأتون عزيزين مكرَّمين؟!
قلتُ: المرادُ صغارُ العبودية والرِّق وذلُّهما، لا ذلُّ المعاصي والذنوب، وذلك يعمُّ الخلق كلَّهم، كما في قوله تعالى:(إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ والأَرْضِ إِلّاَ آتِي الوَّحْمَنِ عَبْداً) .
21 -
قوله تعالى: (إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ البَلْدَةِ الذِي حَرَّمَهَا. .) أي حرَّم محرَّماتِها، من تنفير صيدِها وغيره.
" تَمَّتْ سُورَةُ النمل "