الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ قَالَ: مُمْتَلِئَةٌ، بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ قَالَ:
مُثْقَلَةٌ مُوَقَّرَةٌ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ أَيْضًا فِي الآية قال: يعني تشقق السماء.
[سورة المزمل (73) : الآيات 19 الى 20]
إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً (19) إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَؤُا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (20)
الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: إِنَّ هذِهِ إِلَى مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْآيَاتِ. وَالتَّذْكِرَةِ: الْمَوْعِظَةِ، وَالْإِشَارَةُ إِلَى جميع آيات القرآن، لا إِلَى مَا فِي هَذِهِ السُّورَةِ فَقَطْ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلًا أَيِ: اتَّخَذَ بِالطَّاعَةِ الَّتِي أَهَمُّ أَنْوَاعِهَا التَّوْحِيدُ إِلَى رَبِّهِ طَرِيقًا تُوَصِّلُهُ إِلَى الْجَنَّةِ إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ مَعْنَى أَدْنَى: أَقَلُّ، اسْتُعِيرَ لَهُ الْأَدْنَى لِأَنَّ الْمَسَافَةَ بين الشّيئين إِذَا دَنَتْ قَلَّ مَا بَيْنَهُمَا وَنِصْفَهُ مَعْطُوفٌ عَلَى أَدْنَى وَثُلُثَهُ مَعْطُوفٌ عَلَى نِصْفِهِ، وَالْمَعْنَى: أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ أَنَّ رَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم يَقُومُ أَقَلَّ مِنْ ثُلْثَيِ اللَّيْلِ، وَيَقُومُ نِصْفَهُ، وَيَقُومُ ثُلْثَهُ، وَبِالنَّصْبِ قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَالْكُوفِيُّونَ، وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ بِالْجَرِّ، عَطْفًا عَلَى ثُلْثَيِ اللَّيْلِ، وَالْمَعْنَى: أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ أَنَّ رَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم يَقُومُ أَقَلَّ مِنْ ثُلْثَيِ اللَّيْلِ، وَأَقَلَّ مِنْ نِصْفِهِ، وَأَقَلَّ مِنْ ثُلْثِهِ، وَاخْتَارَ قِرَاءَةَ الْجُمْهُورِ أَبُو عُبَيْدٍ وَأَبُو حَاتِمٍ لِقَوْلِهِ: عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَكَيْفَ يَقُومُونَ نِصْفَهُ وَثُلْثَهُ وَهُمْ لَا يُحْصُونَهُ.
وَقَالَ الْفَرَّاءُ: الْقِرَاءَةُ الْأَوْلَى أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ لِأَنَّهُ قَالَ: أَقَلُّ مِنْ ثُلْثَيِ اللَّيْلِ، ثم فسر الْقِلَّةِ. وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ مَعْطُوفٌ عَلَى الضَّمِيرِ فِي تَقُومُ، أَيْ: وَتَقُومُ ذَلِكَ الْقَدْرَ مَعَكَ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ أَيْ: يَعْلَمُ مَقَادِيرَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ عَلَى حَقَائِقِهَا، وَيَخْتَصُّ بِذَلِكَ دُونَ غَيْرِهِ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ذَلِكَ عَلَى الْحَقِيقَةِ. قَالَ عَطَاءٌ: يُرِيدُ لَا يَفُوتُهُ عِلْمُ مَا تَفْعَلُونَ، أَيْ: أَنَّهُ يَعْلَمُ مَقَادِيرَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، فَيَعْلَمُ قَدْرَ الَّذِي تَقُومُونَهُ مِنَ اللَّيْلِ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ أَنْ لَنْ تُطِيقُوا عِلْمَ مَقَادِيرِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَفِي «أَنَّ» ضَمِيرُ شَأْنٍ مَحْذُوفٌ، وَقِيلَ الْمَعْنَى: لَنْ تُطِيقُوا قِيَامَ اللَّيْلِ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ فَإِنَّ قِيَامَ اللَّيْلِ مَا فُرِضَ كُلُّهُ قَطُّ. قَالَ مُقَاتِلٌ وَغَيْرُهُ: لَمَّا نَزَلَ: قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا- نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا- أَوْ زِدْ عَلَيْهِ شَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، وَكَانَ الرَّجُلُ لَا يَدْرِي مَتَى نِصْفُ اللَّيْلِ مِنْ ثُلْثِهِ فَيَقُومُ حَتَّى يُصْبِحَ مَخَافَةَ أَنْ يُخْطِئَ، فَانْتَفَخَتْ أَقْدَامُهُمْ وَانْتَقَعَتْ أَلْوَانُهُمْ، فَرَحِمَهُمُ اللَّهُ، وَخَفَّفَ عَنْهُمْ، فَقَالَ: عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ أَيْ: عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ لِأَنَّكُمْ إِنْ زِدْتُمْ ثَقُلَ عَلَيْكُمْ، وَاحْتَجْتُمْ إِلَى تَكَلُّفِ مَا لَيْسَ فَرْضًا، وَإِنْ نَقَصْتُمْ شَقَّ ذَلِكَ عَلَيْكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ أَيْ: فَعَادَ عَلَيْكُمْ بِالْعَفْوِ، وَرَخَّصَ لَكُمْ فِي تَرْكِ الْقِيَامِ. وَقِيلَ: فَتَابَ عَلَيْكُمْ مِنْ فَرْضِ الْقِيَامِ إِذْ عَجَزْتُمْ، وَأَصْلُ التَّوْبَةِ: الرُّجُوعُ، كَمَا تَقَدَّمَ فَالْمَعْنَى: رَجَعَ بِكُمْ مِنَ التَّثْقِيلِ إِلَى التَّخْفِيفِ، وَمِنَ الْعُسْرِ إلى اليسر فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ أي: فاقرؤوا فِي الصَّلَاةِ بِاللَّيْلِ مَا خَفَّ عَلَيْكُمْ وَتَيَسَّرَ لكم منه
مِنْ غَيْرِ أَنْ تَرْقُبُوا وَقْتًا. قَالَ الْحَسَنُ: هُوَ مَا نَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ. قال السدّي: ما تيسّر منه هو مائة آية. قال الحسن: أَيْضًا مَنْ قَرَأَ مِائَةَ آيَةٍ فِي لَيْلَةٍ لَمْ يُحَاجَّهُ الْقُرْآنُ: وَقَالَ كَعْبٌ: مَنْ قَرَأَ فِي لَيْلَةٍ مِائَةَ آيَةٍ كُتِبَ مِنَ الْقَانِتِينَ، وقال سعيد: خمسون آية، وقيل: معنى فَاقْرَؤُا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ فَصَلُّوا مَا تَيَسَّرَ لَكُمْ مِنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ، وَالصَّلَاةُ تُسَمَّى قُرْآنًا كَقَوْلِهِ: وَقُرْآنَ الْفَجْرِ «1» قِيلَ: إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَسَخَتْ قِيَامَ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ، وَالنُّقْصَانُ مِنَ النِّصْفِ، وَالزِّيَادَةُ عَلَيْهِ. فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَا تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ الْآيَةُ فَرْضًا ثَابِتًا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَنْسُوخًا لِقَوْلِهِ: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً «2» .
قَالَ الشَّافِعِيُّ: الْوَاجِبُ طَلَبُ الِاسْتِدْلَالِ بِالسُّنَّةِ عَلَى أَحَدِ الْمَعْنَيَيْنِ، فَوَجَدْنَا سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَدُلُّ عَلَى أَنْ لَا وَاجِبَ مِنَ الصَّلَاةِ إِلَّا الْخَمْسَ. وَقَدْ ذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ قِيَامَ اللَّيْلِ نَسْخٌ فِي حَقِّهِ صلى الله عليه وسلم وَفِي حَقِّ أُمَّتِهِ. وَقِيلَ:
نُسِخَ التَّقْدِيرُ بِمِقْدَارٍ، وَبَقِيَ أَصْلُ الْوُجُوبِ. وَقِيلَ: إِنَّهُ نَسْخٌ فِي حَقِّ الْأُمَّةِ، وَبَقِيَ فَرْضًا فِي حَقِّهِ صلى الله عليه وسلم، وَالْأَوْلَى الْقَوْلُ بِنَسْخِ قِيَامِ اللَّيْلِ عَلَى الْعُمُومِ فِي حَقِّهِ صلى الله عليه وسلم وفي حق أمته، وليس في قوله: فَاقْرَؤُا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى بَقَاءِ شَيْءٍ مِنَ الْوُجُوبِ لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ الْقِرَاءَةُ مِنَ الْقُرْآنِ فَقَدْ وُجِدَتْ فِي صَلَاةِ الْمَغْرِبِ وَالْعَشَاءِ وَمَا يَتْبَعُهُمَا مِنَ النَّوَافِلِ الْمُؤَكَّدَةِ، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ الصَّلَاةُ مِنَ اللَّيْلِ فَقَدْ وُجِدَتْ صَلَاةُ اللَّيْلِ بِصَلَاةِ الْمَغْرِبِ وَالْعَشَاءِ وَمَا يَتْبَعُهُمَا مِنَ التَّطَوُّعِ. وَأَيْضًا الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الْمُصَرِّحَةُ بِقَوْلِ السَّائِلِ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ يَعْنِي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ فَقَالَ: «لَا، إِلَّا أَنَّ تَطَّوَّعَ» تَدُلُّ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ غَيْرِهَا، فَارْتَفَعَ بِهَذَا وُجُوبُ قِيَامِ اللَّيْلِ وَصَلَاتِهِ عَلَى الْأُمَّةِ، كَمَا ارْتَفَعَ وُجُوبُ ذَلِكَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِقَوْلِهِ:
وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ «3» قال الواحدي: قال المفسرون في قوله: فَاقْرَؤُا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ كَانَ هَذَا فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ نُسِخَ بِالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ، وَثَبَتَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم خَاصَّةً، وَذَلِكَ قَوْلُهُ: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ. ثُمَّ ذَكَرَ سُبْحَانَهُ عُذْرَهُمْ فَقَالَ: عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى فَلَا يُطِيقُونَ قِيَامَ اللَّيْلِ وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ أَيْ: يُسَافِرُونَ فِيهَا لِلتِّجَارَةِ وَالْأَرْبَاحِ يَطْلُبُونَ مِنْ رِزْقِ اللَّهِ مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ فِي مَعَاشِهِمْ، فَلَا يُطِيقُونَ قِيَامَ اللَّيْلِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَعْنِي الْمُجَاهِدِينَ فَلَا يُطِيقُونَ قِيَامَ اللَّيْلِ. ذكر سبحانه ها هنا ثَلَاثَةَ أَسْبَابٍ مُقْتَضِيَةٍ لِلتَّرْخِيصِ، وَرَفَعَ وُجُوبُ قِيَامِ اللَّيْلِ، فَرَفَعَهُ عَنْ جَمِيعِ الْأُمَّةِ لِأَجْلِ هَذِهِ الْأَعْذَارِ الَّتِي تَنُوبُ بَعْضَهُمْ. ثُمَّ ذَكَرَ مَا يفعلونه بعد هذا الترخيص فقال: فَاقْرَؤُا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَقَدْ سَبَقَ تَفْسِيرُهُ قَرِيبًا، وَالتَّكْرِيرُ لِلتَّأْكِيدِ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ يَعْنِي الْمَفْرُوضَةَ، وَهِيَ الخمس لوقتها وَآتُوا الزَّكاةَ يَعْنِي الْوَاجِبَةَ فِي الْأَمْوَالِ. وَقَالَ الْحَارِثُ الْعُكْلِيُّ: هِيَ صَدَقَةُ الْفِطْرِ لِأَنَّ زَكَاةَ الْأَمْوَالِ وَجَبَتْ بَعْدَ ذَلِكَ، وَقِيلَ: صَدَقَةُ التَّطَوُّعِ، وَقِيلَ: كُلُّ أَفْعَالِ الْخَيْرِ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً أَيْ: أَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ الْخَيْرِ مِنْ أَمْوَالِكُمْ إِنْفَاقًا حَسَنًا. وَقَدْ مَضَى تَفْسِيرُهُ فِي سُورَةِ الْحَدِيدِ.
قَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: الْقَرْضُ الْحَسَنُ: النَّفَقَةُ عَلَى الْأَهْلِ، وَقِيلَ: النَّفَقَةُ فِي الجهاد، وقيل: هو إخراج الزكاة
(1) . الإسراء: 78.
(2)
. الإسراء: 79.
(3)
. الإسراء: 79.
الْمُفْتَرَضَةِ عَلَى وَجْهٍ حَسَنٍ، فَيَكُونُ تَفْسِيرًا لِقَوْلِهِ: وَآتُوا الزَّكاةَ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِقَوْلِهِ: وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنَّ ظَاهِرَهُ الْعُمُومَ، أَيْ: أَيُّ خَيْرٍ كَانَ مِمَّا ذُكِرَ وَمِمَّا لَمْ يُذْكَرْ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً مِمَّا تُؤَخِّرُونَهُ إِلَى عِنْدِ الْمَوْتِ، أَوْ تُوصُونَ بِهِ لِيَخْرُجَ بَعْدَ مَوْتِكُمْ، وَانْتِصَابُ خَيْرًا عَلَى أَنَّهُ ثَانِي مَفْعُولَيْ تَجِدُوهُ، وَضَمِيرُ هُوَ ضَمِيرُ فَصْلٍ، وَبِالنَّصْبِ قَرَأَ الْجُمْهُورُ، وَقَرَأَ أَبُو السّمّال وابن السّميقع بالرفع على أن يكون هو مبتدأ، وخير خَبَرَهُ، وَالْجُمْلَةُ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى أَنَّهَا ثَانِي مَفْعُولَيْ تَجِدُوهُ، قَالَ أَبُو زَيْدٍ: وَهِيَ لُغَةُ تَمِيمٍ يَرْفَعُونَ مَا بَعْدَ ضَمِيرِ الْفَصْلِ، وَأَنْشَدَ سِيبَوَيْهِ:
تَحِنُّ إِلَى لَيْلَى وَأَنْتَ تَرَكْتَهَا
…
وَكُنْتَ عَلَيْهَا بِالْمُلَاءِ أَنْتَ أَقْدَرُ
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ أَيْضًا: وَأَعْظَمَ بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى خَيْرًا: وَقَرَأَ أبو السّمّال وابن السّميقع بِالرَّفْعِ، كَمَا قَرَأَ بِرَفْعِ خَيْرٍ وَانْتِصَابِ أَجْراً عَلَى التَّمْيِيزِ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ أَيِ: اطْلُبُوا مِنْهُ الْمَغْفِرَةَ لِذُنُوبِكُمْ فَإِنَّكُمْ لَا تَخْلُونَ مِنْ ذُنُوبٍ تَقْتَرِفُونَهَا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ أَيْ: كَثِيرُ الْمَغْفِرَةِ لِمَنِ اسْتَغْفَرَهُ، كَثِيرُ الرَّحْمَةِ لِمَنِ اسْتَرْحَمَهُ.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَالطَّبَرَانِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَاقْرَؤُا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ قَالَ: مِائَةَ آيَةٍ. وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ، وَحَسَّنَاهُ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ قَالَ:«صَلَّيْتُ خَلْفَ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقَرَأَ فِي أَوَّلِ رَكْعَةٍ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَوَّلِ آيَةٍ مِنَ الْبَقَرَةِ ثُمَّ رَكَعَ، فَلَمَّا انْصَرَفْنَا أَقْبَلَ عَلَيْنَا فَقَالَ: إِنَّ الله يقول: فَاقْرَؤُا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ» قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ جِدًّا، لَمْ أَرَهُ إِلَّا فِي مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ. وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ:«أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِنَّ نَقْرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَمَا تَيَسَّرَ» . وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي الْبَحْثِ الْأَوَّلِ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ مَا رُوِيَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَاتِ الْمَذْكُورَةَ هُنَا هِيَ النَّاسِخَةُ لِوُجُوبِ قيام الليل، فارجع إليه.