المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة الفتح (48) : الآيات 25 الى 29] - فتح القدير للشوكاني - جـ ٥

[الشوكاني]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الخامس

- ‌سورة الجاثية

- ‌[سورة الجاثية (45) : الآيات 1 الى 15]

- ‌[سورة الجاثية (45) : الآيات 16 الى 26]

- ‌[سورة الجاثية (45) : الآيات 27 الى 37]

- ‌سورة الأحقاف

- ‌[سورة الأحقاف (46) : الآيات 1 الى 9]

- ‌[سورة الأحقاف (46) : الآيات 10 الى 16]

- ‌[سورة الأحقاف (46) : الآيات 17 الى 20]

- ‌[سورة الأحقاف (46) : الآيات 21 الى 28]

- ‌[سورة الأحقاف (46) : الآيات 29 الى 35]

- ‌سورة محمّد

- ‌[سورة محمد (47) : الآيات 1 الى 12]

- ‌[سورة محمد (47) : الآيات 13 الى 19]

- ‌[سورة محمد (47) : الآيات 20 الى 31]

- ‌[سورة محمد (47) : الآيات 32 الى 38]

- ‌سورة الفتح

- ‌[سورة الفتح (48) : الآيات 1 الى 7]

- ‌[سورة الفتح (48) : الآيات 8 الى 15]

- ‌[سورة الفتح (48) : الآيات 16 الى 24]

- ‌[سورة الفتح (48) : الآيات 25 الى 29]

- ‌سورة الحجرات

- ‌[سورة الحجرات (49) : الآيات 1 الى 8]

- ‌[سورة الحجرات (49) : الآيات 9 الى 12]

- ‌[سورة الحجرات (49) : الآيات 13 الى 18]

- ‌سورة ق

- ‌[سورة ق (50) : الآيات 1 الى 15]

- ‌[سورة ق (50) : الآيات 16 الى 35]

- ‌[سورة ق (50) : الآيات 36 الى 45]

- ‌سورة الذّاريات

- ‌[سورة الذاريات (51) : الآيات 1 الى 23]

- ‌[سورة الذاريات (51) : الآيات 24 الى 37]

- ‌[سورة الذاريات (51) : الآيات 38 الى 60]

- ‌سورة الطّور

- ‌[سورة الطور (52) : الآيات 1 الى 20]

- ‌[سورة الطور (52) : الآيات 21 الى 34]

- ‌[سورة الطور (52) : الآيات 35 الى 49]

- ‌سورة النجم

- ‌[سورة النجم (53) : الآيات 1 الى 26]

- ‌[سورة النجم (53) : الآيات 27 الى 42]

- ‌[سورة النجم (53) : الآيات 43 الى 62]

- ‌سورة القمر

- ‌[سورة القمر (54) : الآيات 1 الى 17]

- ‌[سورة القمر (54) : الآيات 18 الى 40]

- ‌[سورة القمر (54) : الآيات 41 الى 55]

- ‌سورة الرّحمن

- ‌[سورة الرحمن (55) : الآيات 1 الى 25]

- ‌[سورة الرحمن (55) : الآيات 26 الى 45]

- ‌[سورة الرحمن (55) : الآيات 46 الى 78]

- ‌سورة الواقعة

- ‌[سورة الواقعة (56) : الآيات 1 الى 26]

- ‌[سورة الواقعة (56) : الآيات 27 الى 56]

- ‌[سورة الواقعة (56) : الآيات 57 الى 74]

- ‌[سورة الواقعة (56) : الآيات 75 الى 96]

- ‌سورة الحديد

- ‌[سورة الحديد (57) : الآيات 1 الى 6]

- ‌[سورة الحديد (57) : الآيات 7 الى 11]

- ‌[سورة الحديد (57) : الآيات 12 الى 15]

- ‌[سورة الحديد (57) : الآيات 16 الى 19]

- ‌[سورة الحديد (57) : الآيات 20 الى 24]

- ‌[سورة الحديد (57) : الآيات 25 الى 29]

- ‌سورة المجادلة

- ‌[سورة المجادلة (58) : الآيات 1 الى 4]

- ‌[سورة المجادلة (58) : الآيات 5 الى 10]

- ‌[سورة المجادلة (58) : الآيات 11 الى 13]

- ‌[سورة المجادلة (58) : الآيات 14 الى 22]

- ‌سورة الحشر

- ‌[سورة الحشر (59) : الآيات 1 الى 7]

- ‌[سورة الحشر (59) : الآيات 8 الى 10]

- ‌[سورة الحشر (59) : الآيات 11 الى 20]

- ‌[سورة الحشر (59) : الآيات 21 الى 24]

- ‌سورة الممتحنة

- ‌[سورة الممتحنة (60) : الآيات 1 الى 3]

- ‌[سورة الممتحنة (60) : الآيات 4 الى 9]

- ‌[سورة الممتحنة (60) : الآيات 10 الى 13]

- ‌سورة الصّفّ

- ‌[سورة الصف (61) : الآيات 1 الى 9]

- ‌[سورة الصف (61) : الآيات 10 الى 14]

- ‌سورة الجمعة

- ‌[سورة الجمعة (62) : الآيات 1 الى 8]

- ‌[سورة الجمعة (62) : الآيات 9 الى 11]

- ‌سورة المنافقون

- ‌[سورة المنافقون (63) : الآيات 1 الى 8]

- ‌[سورة المنافقون (63) : الآيات 9 الى 11]

- ‌سورة التغابن

- ‌[سورة التغابن (64) : الآيات 1 الى 6]

- ‌[سورة التغابن (64) : الآيات 7 الى 13]

- ‌[سورة التغابن (64) : الآيات 14 الى 18]

- ‌سورة الطّلاق

- ‌[سورة الطلاق (65) : الآيات 1 الى 5]

- ‌[سورة الطلاق (65) : الآيات 6 الى 7]

- ‌[سورة الطلاق (65) : الآيات 8 الى 12]

- ‌سورة التّحريم

- ‌[سورة التحريم (66) : الآيات 1 الى 5]

- ‌[سورة التحريم (66) : الآيات 6 الى 8]

- ‌[سورة التحريم (66) : الآيات 9 الى 12]

- ‌سورة الملك

- ‌[سورة الملك (67) : الآيات 1 الى 11]

- ‌[سورة الملك (67) : الآيات 12 الى 21]

- ‌[سورة الملك (67) : الآيات 22 الى 30]

- ‌سورة القلم

- ‌[سورة القلم (68) : الآيات 1 الى 16]

- ‌[سورة القلم (68) : الآيات 17 الى 33]

- ‌[سورة القلم (68) : الآيات 34 الى 52]

- ‌سورة الحاقّة

- ‌[سورة الحاقة (69) : الآيات 1 الى 18]

- ‌[سورة الحاقة (69) : الآيات 19 الى 52]

- ‌سورة المعارج

- ‌[سورة المعارج (70) : الآيات 1 الى 18]

- ‌[سورة المعارج (70) : الآيات 19 الى 39]

- ‌[سورة المعارج (70) : الآيات 40 الى 44]

- ‌سورة نوح

- ‌[سورة نوح (71) : الآيات 1 الى 20]

- ‌[سورة نوح (71) : الآيات 21 الى 28]

- ‌سورة الجنّ

- ‌[سورة الجن (72) : الآيات 1 الى 13]

- ‌[سورة الجن (72) : الآيات 14 الى 28]

- ‌سورة المزّمّل

- ‌[سورة المزمل (73) : الآيات 1 الى 18]

- ‌[سورة المزمل (73) : الآيات 19 الى 20]

- ‌سورة المدّثّر

- ‌[سورة المدثر (74) : الآيات 1 الى 30]

- ‌[سورة المدثر (74) : الآيات 31 الى 37]

- ‌[سورة المدثر (74) : الآيات 38 الى 56]

- ‌سورة القيمة

- ‌[سورة القيامة (75) : الآيات 1 الى 25]

- ‌[سورة القيامة (75) : الآيات 26 الى 40]

- ‌سورة الإنسان

- ‌[سورة الإنسان (76) : الآيات 1 الى 12]

- ‌[سورة الإنسان (76) : الآيات 13 الى 22]

- ‌[سورة الإنسان (76) : الآيات 23 الى 31]

- ‌سورة المرسلات

- ‌[سورة المرسلات (77) : الآيات 1 الى 28]

- ‌[سورة المرسلات (77) : الآيات 29 الى 50]

- ‌سورة النّبأ

- ‌[سورة النبإ (78) : الآيات 1 الى 30]

- ‌[سورة النبإ (78) : الآيات 31 الى 40]

- ‌سورة النّازعات

- ‌[سورة النازعات (79) : الآيات 1 الى 26]

- ‌[سورة النازعات (79) : الآيات 27 الى 46]

- ‌سورة عبس

- ‌[سورة عبس (80) : الآيات 1 الى 42]

- ‌سورة التّكوير

- ‌[سورة التكوير (81) : الآيات 1 الى 29]

- ‌سورة الانفطار

- ‌[سورة الانفطار (82) : الآيات 1 الى 19]

- ‌سورة المطفّفين

- ‌[سورة المطففين (83) : الآيات 1 الى 17]

- ‌[سورة المطففين (83) : الآيات 18 الى 36]

- ‌سورة الانشقاق

- ‌[سورة الانشقاق (84) : الآيات 1 الى 25]

- ‌سورة البروج

- ‌[سورة البروج (85) : الآيات 1 الى 22]

- ‌سورة الطّارق

- ‌[سورة الطارق (86) : الآيات 1 الى 17]

- ‌سورة الأعلى

- ‌[سورة الأعلى (87) : الآيات 1 الى 19]

- ‌سورة الغاشية

- ‌[سورة الغاشية (88) : الآيات 1 الى 26]

- ‌سورة الفجر

- ‌[سورة الفجر (89) : الآيات 1 الى 14]

- ‌[سورة الفجر (89) : الآيات 15 الى 30]

- ‌سورة البلد

- ‌[سورة البلد (90) : الآيات 1 الى 20]

- ‌سورة الشمس

- ‌[سورة الشمس (91) : الآيات 1 الى 15]

- ‌سورة الليل

- ‌[سورة الليل (92) : الآيات 1 الى 21]

- ‌سورة الضّحى

- ‌[سورة الضحى (93) : الآيات 1 الى 11]

- ‌سورة الشرح

- ‌[سورة الشرح (94) : الآيات 1 الى 8]

- ‌سورة التّين

- ‌[سورة التين (95) : الآيات 1 الى 8]

- ‌سورة العلق

- ‌[سورة العلق (96) : الآيات 1 الى 19]

- ‌سورة القدر

- ‌[سورة القدر (97) : الآيات 1 الى 5]

- ‌سورة البيّنة

- ‌[سورة البينة (98) : الآيات 1 الى 8]

- ‌سورة الزّلزلة

- ‌[سورة الزلزلة (99) : الآيات 1 الى 8]

- ‌سورة العاديات

- ‌[سورة العاديات (100) : الآيات 1 الى 11]

- ‌سورة القارعة

- ‌[سورة القارعة (101) : الآيات 1 الى 11]

- ‌سورة التّكاثر

- ‌[سورة التكاثر (102) : الآيات 1 الى 8]

- ‌سورة العصر

- ‌[سورة العصر (103) : الآيات 1 الى 3]

- ‌سورة الهمزة

- ‌[سورة الهمزة (104) : الآيات 1 الى 9]

- ‌سورة الفيل

- ‌[سورة الفيل (105) : الآيات 1 الى 5]

- ‌سورة قريش

- ‌[سورة قريش (106) : الآيات 1 الى 4]

- ‌سورة الماعون

- ‌[سورة الماعون (107) : الآيات 1 الى 7]

- ‌سورة الكوثر

- ‌[سورة الكوثر (108) : الآيات 1 الى 3]

- ‌سورة الكافرون

- ‌[سورة الكافرون (109) : الآيات 1 الى 6]

- ‌سورة النّصر

- ‌[سورة النصر (110) : الآيات 1 الى 3]

- ‌سورة المسد

- ‌[سورة المسد (111) : الآيات 1 الى 5]

- ‌سورة الإخلاص

- ‌[سورة الإخلاص (112) : الآيات 1 الى 4]

- ‌سورة الفلق

- ‌[سورة الفلق (113) : الآيات 1 الى 5]

- ‌سورة النّاس

- ‌[سورة الناس (114) : الآيات 1 الى 6]

- ‌فهرس الموضوعات

الفصل: ‌[سورة الفتح (48) : الآيات 25 الى 29]

[سورة الفتح (48) : الآيات 25 الى 29]

هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً (25) إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى وَكانُوا أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (26) لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً (27) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً (28) مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (29)

قَوْلُهُ: هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ يَعْنِي كُفَّارَ مَكَّةَ، وَمَعْنَى صَدِّهِمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ: أَنَّهُمْ مَنَعُوهُمْ أَنْ يَطُوفُوا بِهِ وَيَحِلُّوا عَنْ عُمْرَتِهِمْ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً قَرَأَ الْجُمْهُورُ بِنَصْبِ «الْهَدْيَ» عَطْفًا عَلَى الضَّمِيرِ الْمَنْصُوبِ فِي «صَدُّوكُمْ» ، وَقَرَأَ أَبُو عَمْرٍو فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى «الْمَسْجِدِ» ، وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ مُضَافٍ، أَيْ: عَنْ نَحْرِ الْهَدْيِ. وَقُرِئَ بِالرَّفْعِ عَلَى تَقْدِيرِ: وَصُدَّ الْهَدْيُ، وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ بِفَتْحِ الْهَاءِ مِنَ الْهَدْيِ وَسُكُونِ الدَّالِ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي عَمْرٍو وَعَاصِمٍ بِكَسْرِ الدَّالِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ. وَانْتِصَابُ مَعْكُوفًا عَلَى الْحَالِ مِنَ الْهَدْيِ، أَيْ: مَحْبُوسًا. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: عَكَفَهُ، أَيْ: حَبَسَهُ وَوَقَفَهُ، وَمِنْهُ: وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً وَمِنْهُ الِاعْتِكَافُ فِي الْمَسْجِدِ، وَهُوَ الِاحْتِبَاسُ. وَقَالَ أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ: مَعْكُوفًا: مَجْمُوعًا، وَقَوْلُهُ: أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ أَيْ: عَنْ أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ، أَوْ هُوَ مَفْعُولٌ لِأَجْلِهِ، وَالْمَعْنَى: صَدُّوا الْهَدْيَ كَرَاهَةَ أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ، أَوْ هو بدل من الهدي بدل اشتمال، ومحلّه: مَنْحَرَهُ، وَهُوَ حَيْثُ يَحِلُّ نَحْرُهُ مِنَ الْحَرَمِ، وَكَانَ الْهَدْيُ سَبْعِينَ بَدَنَةً، وَرَخَّصَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لَهُمْ بِجَعْلِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ الَّذِي وَصَلُوا إِلَيْهِ وَهُوَ الْحُدَيْبِيَةُ مَحِلًّا لِلنَّحْرِ.

وَلِلْعُلَمَاءِ فِي هَذَا كَلَامٌ مَعْرُوفٌ فِي كُتُبِ الْفُرُوعِ. وَلَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ يَعْنِي الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَكَّةَ، وَمَعْنَى:«لَمْ تَعْلَمُوهُمْ» لَمْ تَعْرِفُوهُمْ، وَقِيلَ: لَمْ تَعْلَمُوا أَنَّهُمْ مُؤْمِنُونَ أَنْ تَطَؤُهُمْ يجوز أن يكون بدلا من رجال ونساء، وَلَكِنَّهُ غَلَّبَ الذُّكُورَ، وَأَنْ يَكُونَ بَدَلًا مِنْ مَفْعُولِ «تَعْلَمُوهُمْ» ، وَالْمَعْنَى أَنْ تَطَئُوهُمْ بِالْقَتْلِ وَالْإِيقَاعِ بِهِمْ، يُقَالُ: وَطِئْتُ الْقَوْمَ، أَيْ: أَوْقَعْتُ بِهِمْ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ لَوْ كَسَبُوا مَكَّةَ وَأَخَذُوهَا عَنْوَةً بِالسَّيْفِ لَمْ يَتَمَيَّزِ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِيهَا مِنَ الْكُفَّارِ، وَعِنْدَ ذَلِكَ لَا يَأْمَنُوا أَنْ يَقْتُلُوا الْمُؤْمِنِينَ فَتَلْزَمَهُمُ الْكَفَّارَةُ وَتَلْحَقَهُمْ سُبَّةٌ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ: فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ أَيْ: مِنْ جِهَتِهِمْ مَعَرَّةٌ أَيْ: مَشَقَّةٌ بِمَا يَلْزَمُهُمْ فِي قَتْلِهِمْ مِنْ كَفَّارَةٍ وَعَيْبٍ، وَأَصْلُ الْمَعَرَّةِ: الْعَيْبُ، مَأْخُوذَةٌ من العرّ

ص: 63

وَهُوَ الْجَرَبُ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ سَيَقُولُونَ: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ قَدْ قَتَلُوا أَهْلَ دِينِهِمْ. قَالَ الزَّجَّاجُ: لَوْلَا أَنْ تَقْتُلُوا رِجَالًا مُؤْمِنِينَ وَنِسَاءً مُؤْمِنَاتٍ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ، أَيْ: إِثْمٌ، وَكَذَا قَالَ الْجَوْهَرِيُّ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ ومقاتل وغير هما: الْمَعَرَّةُ: كَفَارَّةُ قَتْلِ الْخَطَأِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ: فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ «1» وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: الْمَعَرَّةُ: غُرْمُ الدِّيَةِ. وَقَالَ قطرب: المعرّة: الشدّة، وقيل: الغمّ، وبِغَيْرِ عِلْمٍ متعلّق بأن تَطَئُوهُمْ، أَيْ: غَيْرَ عَالِمِينَ، وَجَوَابُ لَوْلَا مَحْذُوفٌ، وَالتَّقْدِيرُ: لَأَذِنَ اللَّهُ لَكُمْ أَوْ لَمَا كَفَّ أَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ، وَاللَّامُ فِي لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْجَوَابُ الْمُقَدَّرُ، أَيْ: وَلَكِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ، أَوْ كَفَّ أَيْدِيَكُمْ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ بِذَلِكَ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ الَّذِينَ كَانُوا فِي مَكَّةَ، فَيُتَمِّمَ لَهُمْ أُجُورَهُمْ بِإِخْرَاجِهِمْ مِنْ بَيْنِ ظَهْرَانَيِ الْكُفَّارِ وَيَفُكَّ أَسْرَهُمْ، وَيَرْفَعَ مَا كَانَ يَنْزِلُ بِهِمْ مِنَ الْعَذَابِ. وَقِيلَ: اللَّامُ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَحْذُوفٍ غَيْرِ مَا ذُكِرَ، وَتَقْدِيرُهُ: لَوْ قَتَلْتُمُوهُمْ لَأَدْخَلَهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى. وَقِيلَ: إِنَّ «مَنْ يَشَاءُ» عِبَادُهُ مِمَّنْ رَغِبَ فِي الْإِسْلَامِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً التَّزَيُّلُ: التَّمَيُّزُ، أَيْ: لَوْ تَمَيَّزَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا، وَقِيلَ: التَّزَيُّلُ: التَّفَرُّقُ، أَيْ: لَوْ تَفَرَّقَ هَؤُلَاءِ مِنْ هَؤُلَاءِ، وَقِيلَ: لَوْ زَالَ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِهِمْ، وَالْمَعَانِي مُتَقَارِبَةٌ، وَالْعَذَابُ الْأَلِيمُ هُوَ الْقَتْلُ وَالْأَسْرُ وَالْقَهْرُ، وَالظَّرْفُ فِي قَوْلِهِ: إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَنْصُوبٌ بِفِعْلٍ مُقَدَّرٍ، أَيِ: اذْكُرْ وَقْتَ جَعْلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ وقيل:

متعلّق بعذبنا، وَالْحَمِيَّةُ: الْأَنَفَةُ، يُقَالُ: فُلَانٌ ذُو حَمِيَّةٍ، أَيْ: ذُو أَنَفَةٍ وَغَضَبٍ، أَيْ: جَعَلُوهَا ثَابِتَةً رَاسِخَةً فِي قُلُوبِهِمْ، وَالْجَعْلُ بِمَعْنَى الْإِلْقَاءِ، وَحَمِيَّةُ الْجَاهِلِيَّةِ بَدَلٌ مِنَ الْحَمِيَّةِ. قَالَ مُقَاتِلُ بْنُ سُلَيْمَانَ وَمُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ:

قَالَ أَهْلُ مَكَّةَ: قَدْ قَتَلُوا أَبْنَاءَنَا وَإِخْوَانَنَا وَيَدْخُلُونَ عَلَيْنَا فِي مَنَازِلِنَا، فَتَتَحَدَّثُ الْعَرَبُ أَنَّهُمْ قَدْ دَخَلُوا عَلَيْنَا عَلَى رَغْمِ أَنْفِنَا، وَاللَّاتِ وَالْعُزَّى لَا يَدْخُلُونَهَا عَلَيْنَا. فَهَذِهِ الْحَمِيَّةُ هِيَ حَمِيَّةُ الْجَاهِلِيَّةِ الَّتِي دَخَلَتْ قُلُوبَهُمْ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: حَمِيَّتُهُمْ: أَنَفَتُهُمْ مِنَ الْإِقْرَارِ للنبي صلى الله عليه وسلم بِالرِّسَالَةِ. قَرَأَ الْجُمْهُورُ: «لَوْ تَزَيَّلُوا» وَقَرَأَ ابْنُ أَبِي عَبْلَةَ وَأَبُو حَيْوَةَ وَابْنُ عَوْنٍ لَوْ تَزَايَلُوا وَالتَّزَايُلُ: التَّبَايُنُ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَيْ: أَنْزَلَ الطُّمَأْنِينَةَ وَالْوَقَارَ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَيْثُ لَمْ يَدْخُلْهُمْ مَا دَخَلَ أَهْلَ الْكُفْرِ مِنَ الْحَمِيَّةِ، وقيل: ثبّتهم على الرضى وَالتَّسْلِيمِ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى وَهِيَ «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» كَذَا قَالَ الْجُمْهُورُ، وَزَادَ بَعْضُهُمْ «محمد رسول الله» صلى الله عليه وسلم وَزَادَ بَعْضُهُمْ «وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ» . وَقَالَ الزُّهْرِيُّ هِيَ:«بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ» وَذَلِكَ أَنَّ الْكُفَّارَ لَمْ يُقِرُّوا بِهَا، وَامْتَنَعُوا مِنْ كِتَابَتِهَا فِي كِتَابِ الصُّلْحِ الَّذِي كَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ وَالسِّيَرِ، فَخَصَّ اللَّهُ بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ بِهَا، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِأَنَّ كَلِمَةَ التَّوْحِيدِ هِيَ الَّتِي يُتَّقَى بِهَا الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَقِيلَ: كَلِمَةُ التَّقْوَى هِيَ الْوَفَاءُ بِالْعَهْدِ وَالثَّبَاتُ عَلَيْهِ وَكانُوا أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها أَيْ: وَكَانَ الْمُؤْمِنُونَ أَحَقَّ بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ مِنَ الْكُفَّارِ وَالْمُسْتَأْهِلِينَ لَهَا دُونَهُمْ لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَهَّلَهُمْ لِدِينِهِ وَصُحْبَةِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ قَالَ الواحدي: قال

(1) . النساء: 92.

ص: 64

الْمُفَسِّرُونَ: إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَرَى نَبِيَّهُ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَدِينَةِ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى الْحُدَيْبِيَةِ كَأَنَّهُ هُوَ وَأَصْحَابُهُ حَلَقُوا وَقَصَّرُوا، فَأَخْبَرَ بِذَلِكَ أَصْحَابَهُ فَفَرِحُوا وَحَسِبُوا أَنَّهُمْ سَيَدْخُلُونَ مَكَّةَ عَامَهُمْ ذَلِكَ، فَلَمَّا رَجَعُوا مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ وَلَمْ يَدْخُلُوا مَكَّةَ قَالَ الْمُنَافِقُونَ: وَاللَّهِ مَا حَلَقْنَا وَلَا قَصَّرْنَا وَلَا دَخَلْنَا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ، وَقِيلَ: إِنَّ الرُّؤْيَا كَانَتْ بِالْحُدَيْبِيَةِ. وَقَوْلُهُ: بِالْحَقِّ صِفَةٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ: صدقا متلبسا بِالْحَقِّ، وَجَوَابُ الْقَسَمِ الْمَحْذُوفُ الْمَدْلُولُ عَلَيْهِ بِاللَّامِ الْمُوَطِّئَةِ هُوَ قَوْلُهُ: لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ أَيْ: فِي الْعَامِ الْقَابِلِ، وَقَوْلُهُ:

إِنْ شاءَ اللَّهُ تعليق للعدة بالمشيئة لتعليم العباد لما يَجِبُ أَنْ يَقُولُوهُ كَمَا فِي قَوْلِهِ: وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ «1» قَالَ ثَعْلَبٌ: إِنَّ اللَّهَ اسْتَثْنَى فِيمَا يَعْلَمُ لِيَسْتَثْنِيَ الْخَلْقُ فِيمَا لَا يَعْلَمُونَ. وَقِيلَ:

كَانَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَلِمَ أَنَّهُ يَمُوتُ بَعْضُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ فِي الْحُدَيْبِيَةِ، فَوَقَعَ الِاسْتِثْنَاءُ لهذا المعنى، قاله الحسن ابن الْفَضْلِ. وَقِيلَ: مَعْنَى إِنْ شَاءَ اللَّهُ: كَمَا شَاءَ اللَّهُ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: «إِنْ» بِمَعْنَى إِذْ، يَعْنِي إِذْ شَاءَ اللَّهُ حَيْثُ أَرَى رَسُولَهُ ذَلِكَ، وَانْتِصَابُ آمِنِينَ عَلَى الْحَالِ مِنْ فاعل لتدخلنّ، وكذا مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ أَيْ: آمِنِينَ مِنَ الْعَدُوِّ، وَمُحَلِّقًا بَعْضُكُمْ وَمُقَصِّرًا بَعْضُكُمْ، وَالْحَلْقُ وَالتَّقْصِيرُ خَاصٌّ بِالرِّجَالِ، وَالْحَلْقُ أَفْضَلُ مِنَ التَّقْصِيرِ كَمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ فِي اسْتِغْفَارِهِ صلى الله عليه وسلم لِلْمُحَلِّقِينَ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ، وَالْقَائِلُ يَقُولُ لَهُ: وَلِلْمُقَصِّرِينَ؟ فَقَالَ فِي الثَّالِثَةِ: وَلِلْمُقَصِّرِينَ، وَقَوْلُهُ: لَا تَخافُونَ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ أَوْ مُسْتَأْنَفٌ، وَفِيهِ زِيَادَةُ تَأْكِيدٍ لِمَا قَدْ فُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ: آمِنِينَ. فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَيْ: مَا لَمْ تَعْلَمُوا مِنَ الْمَصْلَحَةِ فِي الصُّلْحِ لِمَا فِي دُخُولِكُمْ فِي عَامِ الْحُدَيْبِيَةِ مِنَ الضَّرَرِ عَلَى الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى «صَدَقَ» ، أَيْ: صَدَقَ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا، فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا بِهِ فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً أَيْ: فَجَعَلَ مِنْ دُونِ دُخُولِكُمْ مَكَّةَ، كَمَا أَرَى رَسُولَهُ، فَتْحًا قَرِيبًا. قَالَ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ:

هُوَ صُلْحُ الْحُدَيْبِيَةِ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ وَالضَّحَّاكُ: فَتْحُ خَيْبَرَ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: لَا فَتْحَ فِي الْإِسْلَامِ كَانَ أَعْظَمَ مِنْ صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ، وَلَقَدْ دَخَلَ فِي تِلْكَ السَّنَتَيْنِ فِي الْإِسْلَامِ مِثْلُ مَنْ كَانَ قَدْ دَخَلَ فِيهِ قَبْلَ ذَلِكَ بَلْ أَكْثَرُ، فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا فِي سَنَةِ سِتٍّ، وَهِيَ سَنَةُ الْحُدَيْبِيَةِ أَلْفًا وَأَرْبَعَمِائَةٍ، وَكَانُوا فِي سَنَةِ ثَمَانٍ عَشَرَةَ آلَافٍ. هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى أي: إرسالا متلبسا بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ وَهُوَ الْإِسْلَامُ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ أَيْ: يُعْلِيَهُ عَلَى كُلِّ الْأَدْيَانِ كَمَا يُفِيدُهُ تَأْكِيدُ الْجِنْسِ، وَقِيلَ: لِيُظْهِرَ رَسُولَهُ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى. وَقَدْ كَانَ ذَلِكَ بِحَمْدِ اللَّهِ، فَإِنَّ دِينَ الْإِسْلَامِ قَدْ ظَهَرَ عَلَى جَمِيعِ الْأَدْيَانِ وَانْقَهَرَ لَهُ كُلُّ أَهْلِ الْمِلَلِ وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً الْبَاءُ زَائِدَةٌ كَمَا تَقَدَّمَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، أَيْ: كَفَى اللَّهُ شَهِيدًا عَلَى هَذَا الْإِظْهَارِ الَّذِي وَعَدَ الْمُسْلِمِينَ بِهِ وَعَلَى صحة نبوّة نبيه صلى الله عليه وسلم مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ مُحَمَّدٌ مُبْتَدَأٌ، وَرَسُولُ اللَّهِ خَبَرُهُ، أَوْ هُوَ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، ورَسُولُ اللَّهِ بَدَلٌ مِنْهُ، وَقِيلَ: مُحَمَّدٌ مُبْتَدَأٌ وَرَسُولُ اللَّهِ نَعْتٌ لَهُ. وَالَّذِينَ مَعَهُ مَعْطُوفٌ عَلَى الْمُبْتَدَأِ وَمَا بَعْدَهُ الْخَبَرُ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، وَالْجُمْلَةُ مُبَيِّنَةٌ لِمَا هُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْمَشْهُودِ بِهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ قِيلَ: هُمْ أَصْحَابُ الْحُدَيْبِيَةِ، والأولى

(1) . الكهف: 23 و 24.

ص: 65

الْحَمْلُ عَلَى الْعُمُومِ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ أَيْ: غِلَاظٌ عَلَيْهِمْ كَمَا يَغْلُظُ الْأَسَدُ عَلَى فَرِيسَتِهِ، وَهُوَ جَمْعُ شَدِيدٍ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ أَيْ: مُتَوَادُّونَ مُتَعَاطِفُونَ، وَهُوَ جَمْعُ رَحِيمٍ، وَالْمَعْنَى: أَنَّهُمْ يُظْهِرُونَ لِمَنْ خَالَفَ دِينَهُمُ الشِّدَّةَ وَالصَّلَابَةَ، وَلِمَنْ وَافَقَهُ الرحمة والرأفة. قرأ الجمهور برفع أَشِدَّاءُ ورُحَماءُ عَلَى أَنَّهُ خَبَرٌ لِلْمَوْصُولِ، أَوْ خَبَرٌ لِمُحَمَّدٍ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ بِنَصْبِهِمَا عَلَى الْحَالِ أَوِ الْمَدْحِ، وَيَكُونُ الْخَبَرُ عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً أَيْ: تُشَاهِدُهُمْ حَالَ كَوْنِهِمْ رَاكِعِينَ سَاجِدِينَ، وَعَلَى قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ هُوَ خَبَرٌ آخَرُ أَوِ اسْتِئْنَافٌ، أَعْنِي قَوْلَهُ «تَرَاهُمْ» . يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً أَيْ: يَطْلُبُونَ ثَوَابَ اللَّهِ لَهُمْ وَرِضَاهُ عَنْهُمْ، وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ خَبَرٌ ثَالِثٌ عَلَى قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ، أَوْ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ مِنْ ضَمِيرِ «تَرَاهُمْ» ، وَهَكَذَا سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ السِّيمَا: الْعَلَامَةُ، وَفِيهَا لُغَتَانِ الْمَدُّ والقصر، أي: تظهر علامتهم في جباههم مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ فِي الصَّلَاةِ وَكَثْرَةِ التَّعَبُّدِ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: إِذَا سَهِرَ الرَّجُلُ أَصْبَحَ مُصْفَرًّا، فَجَعَلَ هَذَا هُوَ السِّيمَا. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: مَوَاضِعُ السُّجُودِ أَشَدُّ وُجُوهِهِمْ بَيَاضًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هُوَ الْخُشُوعُ وَالتَّوَاضُعُ، وَبِالْأَوَّلِ: أَعْنِي كَوْنَهُ مَا يَظْهَرُ فِي الْجِبَاهِ مِنْ كَثْرَةِ السُّجُودِ، قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَمَالِكٌ. وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: هُوَ الْوَقَارُ. وَقَالَ الْحَسَنُ: إِذَا رَأَيْتَهُمْ مَرْضَى وَمَا هُمْ بِمَرْضَى، وَقِيلَ: هُوَ الْبَهَاءُ فِي الْوَجْهِ وَظُهُورُ الْأَنْوَارِ عَلَيْهِ، وَبِهِ قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ. وَالْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: ذلِكَ إِلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ هَذِهِ الصِّفَاتِ الْجَلِيلَةِ، وَهُوَ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ قَوْلُهُ: مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ أَيْ: وَصْفُهُمُ الَّذِي وُصِفُوا بِهِ فِي التَّوْرَاةِ وَوَصْفُهُمُ الَّذِي وُصِفُوا بِهِ فِي الْإِنْجِيلِ وَتَكْرِيرُ ذِكْرِ الْمَثَلِ لِزِيَادَةِ تَقْرِيرِهِ وَلِلتَّنْبِيهِ عَلَى غَرَابَتِهِ وَأَنَّهُ جَارٍ مَجْرَى الْأَمْثَالِ فِي الْغَرَابَةِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ إِلَخْ كَلَامٌ مُسْتَأْنَفٌ، أَيْ: هُمْ كَزَرْعٍ إِلَخْ، وَقِيلَ:

هُوَ تَفْسِيرٌ لِذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ إِشَارَةٌ مُبْهَمَةٌ لَمْ يُرِدْ بِهِ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْأَوْصَافِ، وَقِيلَ: هُوَ خَبَرٌ، لِقَوْلِهِ: وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ أَيْ: وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ، قَالَ الْفَرَّاءُ: فِيهِ وَجْهَانِ: إِنْ شِئْتَ قُلْتَ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ، يَعْنِي كَمَثَلِهِمْ فِي الْقُرْآنِ، فَيَكُونُ الْوَقْفُ عَلَى الْإِنْجِيلِ، وَإِنْ شِئْتَ قُلْتَ: ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ، ثُمَّ تَبْتَدِئُ: وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ، قَرَأَ الْجُمْهُورُ شَطْأَهُ بِسُكُونِ الطَّاءِ، وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَابْنُ ذَكْوَانَ بِفَتْحِهَا، وَقَرَأَ أَنَسٌ وَنَصْرُ بْنُ عَاصِمٍ وَيَحْيَى بْنُ وَثَّابٍ «شَطَاهُ» كَعَصَاهُ. وَقَرَأَهُ الْجَحْدَرِيُّ وَابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ شَطَّهُ بِغَيْرِ هَمْزَةِ، وَكُلُّهَا لُغَاتٌ. قَالَ الْأَخْفَشُ وَالْكِسَائِيُّ: شطأه: أي طرفه. قال الفراء:

أشطأ الزَّرْعُ فَهُوَ مُشْطِئٌ إِذَا خَرَجَ. قَالَ الزَّجَّاجُ: أَخْرَجَ شَطْأَهُ أي: نباته. وقال قطرب: الشطء:

شوك السُّنْبُلِ. وَرُوِيَ عَنِ الْفَرَّاءِ أَيْضًا أَنَّهُ قَالَ: هو السنبل. وقال الجوهري: شطء الزرع والنبات:

[فراخه]«1» ، وَالْجَمْعُ أَشْطَاءٍ. وَقَدْ أَشْطَأَ الزَّرْعُ خَرَجَ شَطْؤُهُ. فَآزَرَهُ أي: قواه وأعانه وشدّه، وقيل: الْمَعْنَى: إِنَّ الشَّطْءَ قَوَّى الزَّرْعَ، وَقِيلَ: إِنَّ الزَّرْعَ قَوَّى الشَّطْءَ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الشَّطْءَ خُرُوجُ النَّبَاتِ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

أَخْرَجَ الشَّطْءَ عَلَى وَجْهِ الثَّرَى

وَمِنَ الْأَشْجَارِ أَفْنَانُ الثَّمَرْ

(1) . من تفسير القرطبي (16/ 294) .

ص: 66

قَرَأَ الْجُمْهُورُ فَآزَرَهُ بِالْمَدِّ. وَقَرَأَ ابْنُ ذَكْوَانَ وَأَبُو حَيْوَةَ وَحُمَيْدُ بْنُ قَيْسٍ بِالْقَصْرِ، وَعَلَى قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ قَوْلُ امْرِئِ الْقَيْسِ:

بِمَحْنِيَّةٍ «1» قَدْ آزَرَ الضَّالُّ «2» نَبْتَهَا

مَجِرَّ جُيُوشٍ غَانِمِينَ وَخُيَّبِ

قال الفراء: آزرت فلانا آزره أَزْرًا إِذَا قَوَّيْتُهُ فَاسْتَغْلَظَ أَيْ: صَارَ ذَلِكَ الزَّرْعُ غَلِيظًا بَعْدَ أَنْ كَانَ دَقِيقًا فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ أَيْ: فَاسْتَقَامَ عَلَى أَعْوَادِهِ، وَالسُّوقُ: جَمْعُ سَاقٍ. وَقَرَأَ قُنْبُلٌ: سُؤْقِهِ بِالْهَمْزَةِ السَّاكِنَةِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ أَيْ: يُعْجِبُ هَذَا الزَّرْعُ زَارِعَهُ لِقُوَّتِهِ وَحُسْنِ مَنْظَرِهِ، وَهَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ سبحانه لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وَأَنَّهُمْ يَكُونُونَ فِي الِابْتِدَاءِ قَلِيلًا، ثُمَّ يَزْدَادُونَ وَيَكْثُرُونَ وَيَقْوَوْنَ كَالزَّرْعِ، فَإِنَّهُ يَكُونُ فِي الِابْتِدَاءِ ضَعِيفًا، ثُمَّ يَقْوَى حَالًا بَعْدَ حَالٍ حَتَّى يَغْلُظَ سَاقُهُ. قَالَ قَتَادَةُ: مَثَلُ أَصْحَابِ محمد صلى الله عليه وسلم فِي الْإِنْجِيلِ أَنَّهُ سَيَخْرُجُ مِنْ قَوْمٍ يَنْبُتُونَ نَبَاتَ الزَّرْعِ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ. ثُمَّ ذَكَرَ سُبْحَانَهُ عِلَّةَ تَكْثِيرِهِ لِأَصْحَابِ نبيه صلى الله عليه وسلم وَتَقْوِيَتِهِ لَهُمْ، فَقَالَ: لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ أَيْ: كَثَّرَهُمْ وَقَوَّاهُمْ لِيَكُونُوا غَيْظًا لِلْكَافِرِينَ، وَاللَّامُ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَحْذُوفٍ، أَيْ: فَعَلَ ذَلِكَ لِيَغِيظَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً أَيْ: وَعَدَ سُبْحَانَهُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ مع محمد صلى الله عليه وسلم أَنْ يَغْفِرَ ذُنُوبَهُمْ، وَيُجْزِلَ أَجْرَهُمْ بِإِدْخَالِهِمُ الْجَنَّةَ الَّتِي هِيَ أَكْبَرُ نِعْمَةٍ وَأَعْظَمُ مِنَّةٍ.

وَقَدْ أَخْرَجَ أَحْمَدُ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: نَحَرُوا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ سَبْعِينَ بَدَنَةً، فَلَمَّا صُدَّتْ عَنِ الْبَيْتِ حَنَّتْ كَمَا تَحِنُّ إِلَى أَوْلَادِهَا. وَأَخْرَجَ الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ وَأَبُو يَعْلَى وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وابن قانع والباوردي وَالطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، قَالَ السُّيُوطِيُّ: بِسَنَدٍ جَيِّدٍ، عَنْ أبي جميعة جنيد بْنِ سَبُعٍ قَالَ:«قَابَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَوَّلَ النَّهَارِ كَافِرًا، وَقَابَلْتُ مَعَهُ آخِرَ النَّهَارِ مُسْلِمًا، وَفِينَا نَزَلَتْ وَلَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ وَكُنَّا تِسْعَةَ نَفَرٍ سَبْعَةُ رِجَالٍ وَامْرَأَتَانِ» وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَ ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ: «كُنَّا ثَلَاثَةَ رِجَالٍ وَتِسْعَ نِسْوَةٍ» . وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ لَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ قَالَ: حِينَ رَدُّوا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَنْ تَطَؤُهُمْ بِقَتْلِكُمْ إِيَّاهُمْ لَوْ تَزَيَّلُوا يَقُولُ: لَوْ تَزَيَّلَ الْكُفَّارُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَعَذَّبَهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا بقتلكم إياهم. وأخرج البخاري ومسلم وغير هما عَنْ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ أَنَّهُ قَالَ: يَوْمَ صفّين: [أيها الناس]«3» اتَّهِمُوا أَنْفُسَكُمْ، فَلَقَدْ رَأَيْتُنَا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، يَعْنِي الصُّلْحَ الَّذِي كَانَ بَيْنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ، وَلَوْ نَرَى قِتَالًا لَقَاتَلْنَا، فَجَاءَ عُمَرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَسْنَا عَلَى الْحَقِّ وَهُمْ عَلَى الْبَاطِلِ؟ أَلَيْسَ قَتْلَانَا فِي الْجَنَّةِ وَقَتْلَاهُمْ فِي النَّارِ؟ قَالَ: بَلَى. قَالَ: فَفِيمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا وَنَرْجِعُ وَلَمَّا يحكم الله بيننا وبينهم؟ قال: «يا بن الْخَطَّابِ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ وَلَنْ يُضَيِّعَنِي اللَّهُ

(1) . «المحنية» : معاطف الأودية.

(2)

. «الضال» : شجرة السدر.

(3)

. من صحيح مسلم (1785) .

ص: 67

أَبَدًا» . فَرَجَعَ مُتَغَيِّظًا، فَلَمْ يَصْبِرْ حَتَّى جَاءَ أبو بَكْرٍ فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ أَلَسْنَا عَلَى الْحَقِّ وَهُمْ عَلَى الْبَاطِلِ؟

قَالَ: بَلَى، قَالَ: أَلَيْسَ قَتْلَانَا فِي الْجَنَّةِ وَقَتْلَاهُمْ فِي النَّارِ؟ قَالَ: بَلَى. قَالَ: فَفِيمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي ديننا؟ قال:

يا بن الْخَطَّابِ إِنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ وَلَنْ يُضَيِّعَهُ اللَّهُ أَبَدًا، فَنَزَلَتْ سُورَةُ الْفَتْحِ، فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى عُمَرَ فَأَقْرَأَهُ إِيَّاهَا، قَالَ: يَا رسول الله أفتح هو؟ قال: «نعم» . وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي زَوَائِدِ الْمُسْنَدِ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْإِفْرَادِ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى قَالَ:«لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» وَفِي إِسْنَادِهِ الْحَسَنُ بْنُ قَزَعَةَ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ إِخْرَاجِهِ: حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِهِ، وَكَذَا قَالَ أَبُو زرعة. وأخرج ابن مردويه عن سلمة ابن الْأَكْوَعِ مَرْفُوعًا مِثْلَهُ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَالْفِرْيَابِيُّ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ، عَنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ مثله في قوله. وأخرج أحمد وابن حبان والحاكم من قول عمر بن الخطاب نَحْوَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ نَحْوَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْأَفْرَادِ، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَمَرْوَانَ نَحْوَهُ. وَرُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ نَحْوُ ذَلِكَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ قَالَ: هُوَ دُخُولُ مُحَمَّدٍ الْبَيْتَ وَالْمُؤْمِنِينَ مُحَلِّقِينَ وَمُقَصِّرِينَ، وَقَدْ وَرَدَ فِي الدُّعَاءِ لِلْمُحَلِّقِينَ وَالْمُقَصِّرِينَ فِي الصحيحين وغير هما أَحَادِيثُ مِنْهَا مَا قَدَّمْنَا الْإِشَارَةَ إِلَيْهِ، وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَفِيهِمَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ قَالَ: أَمَا إِنَّهُ لَيْسَ الَّذِي يَرَوْنَهُ، وَلَكِنَّهُ سِيمَا الْإِسْلَامِ وَسَمْتُهُ وَخُشُوعُهُ. وَأَخْرَجَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ فِي كِتَابِ «الصَّلَاةِ» وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْآيَةِ قَالَ:

هُوَ السَّمْتُ الْحَسَنُ. وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ وَالصَّغِيرِ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، قَالَ السُّيُوطِيُّ: بِسَنَدٍ حَسَنٍ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي قَوْلِهِ: سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ قَالَ:

«النُّورُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ، وَابْنُ نَصْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْآيَةِ قَالَ: بَيَاضٌ يَغْشَى وُجُوهَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ:

يَعْنِي نَعْتُهُمْ مَكْتُوبٌ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَنَسٍ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ قال: نباته: فروخه.

ص: 68