الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة النجم
هي إحدى وستون آية، وقيل ثنتان وستون آية وَهِيَ مَكِّيَّةٌ جَمِيعُهَا فِي قَوْلِ الْجُمْهُورِ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةَ أَنَّهَا مَكِّيَّةٌ إِلَّا آيَةً مِنْهَا. وَهِيَ قَوْلُهُ: الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ الْآيَةَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: نَزَلَتْ سُورَةُ النَّجْمِ بِمَكَّةَ. وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ مِثْلَهُ. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وغير هما عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: أَوَّلُ سُورَةٍ أُنْزِلَتْ فِيهَا سَجْدَةٌ وَالنَّجْمِ، فَسَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَسَجَدَ النَّاسُ كُلُّهُمْ، إِلَّا رَجُلًا رَأَيْتُهُ أَخَذَ كَفًّا مِنْ تُرَابٍ فَسَجَدَ عَلَيْهِ، فَرَأَيْتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ قُتِلَ كَافِرًا، وَهُوَ أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: أوّل سورة استعان بها النبيّ صلى الله عليه وسلم يقرؤها وَالنَّجْمِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ:«صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَرَأَ النَّجْمَ، فَسَجَدَ بِنَا فَأَطَالَ السُّجُودَ» . وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ عَائِشَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَرَأَ النَّجْمَ، فَلَمَّا بَلَغَ السَّجْدَةَ سَجَدَ فِيهَا» . وَأَخْرَجَ الطَّيَالِسِيُّ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: قَرَأْتُ النَّجْمَ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يَسْجُدْ فِيهَا. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْجُدُ فِي النَّجْمِ بِمَكَّةَ، فَلَمَّا هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ تَرَكَهَا. وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَسْجُدْ فِي شَيْءٍ مِنَ الْمُفَصَّلِ مُنْذُ تَحَوَّلَ إِلَى الْمَدِينَةِ.
بسم الله الرحمن الرحيم
[سورة النجم (53) : الآيات 1 الى 26]
بسم الله الرحمن الرحيم
وَالنَّجْمِ إِذا هَوى (1) مَا ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى (2) وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى (3) إِنْ هُوَ إِلَاّ وَحْيٌ يُوحى (4)
عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى (6) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى (7) ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى (8) فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى (9)
فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ مَا أَوْحى (10) مَا كَذَبَ الْفُؤادُ مَا رَأى (11) أَفَتُمارُونَهُ عَلى مَا يَرى (12) وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى (14)
عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى (15) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشى (16) مَا زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى (17) لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى (18) أَفَرَأَيْتُمُ اللَاّتَ وَالْعُزَّى (19)
وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى (20) أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى (21) تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى (22) إِنْ هِيَ إِلَاّ أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَاّ الظَّنَّ وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى (23) أَمْ لِلْإِنْسانِ مَا تَمَنَّى (24)
فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولى (25) وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لَا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَاّ مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشاءُ وَيَرْضى (26)
قَوْلُهُ: وَالنَّجْمِ إِذا هَوى التَّعْرِيفُ للجنس، والمراد به جِنْسُ النُّجُومِ، وَبِهِ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ،
وَمِنْهُ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ:
أَحْسَنُ النَّجْمِ فِي السَّمَاءِ الثُّرَيَّا
…
وَالثُّرَيَّا فِي الْأَرْضِ زَيْنُ النِّسَاءِ
وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ الثُّرَيَّا، وَهُوَ اسْمٌ غَلَبَ فِيهَا، تَقُولُ الْعَرَبُ: النَّجْمُ وَتُرِيدُ بِهِ الثُّرَيَّا، وَبِهِ قَالَ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: النَّجْمُ هُنَا هُوَ الزُّهَرَةُ لِأَنَّ قَوْمًا مِنَ الْعَرَبِ كَانُوا يَعْبُدُونَهَا، وَقِيلَ: النَّجْمُ هُنَا النَّبْتُ الَّذِي لَا سَاقَ لَهُ، كَمَا فِي قوله: وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ «1» قَالَهُ الْأَخْفَشُ. وَقِيلَ: النَّجْمُ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم، وَقِيلَ:
النَّجْمُ الْقُرْآنُ، وَسُمِّيَ نَجْمًا لِكَوْنِهِ نَزَلَ مُنَجَّمًا مُفَرَّقًا، وَالْعَرَبُ تُسَمِّي التَّفْرِيقَ تَنْجِيمًا، وَالْمُفَرِّقَ: الْمُنَجِّمَ، وَبِهِ قَالَ مُجَاهِدٌ وَالْفَرَّاءُ وغير هما، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى. قَالَ الْحَسَنُ: الْمُرَادُ بِالنَّجْمِ النُّجُومُ إِذَا سَقَطَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهَا النُّجُومُ الَّتِي تُرْجَمُ بِهَا الشَّيَاطِينُ، وَمَعْنَى هُوِيِّهِ: سُقُوطُهُ مِنْ عُلْوٍ، يُقَالُ: هَوَى النَّجْمُ يَهْوِي هُوِيًّا إِذَا سَقَطَ مِنْ عُلْوٍ إِلَى سُفْلٍ، وَقِيلَ: غُرُوبُهُ، وَقِيلَ: طُلُوعُهُ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، وَبِهِ قال الأصمعي وغيره، ومنه قال زهير:
فشجّ بها الأماعز وَهِيَ تَهْوِي
…
هُوِيَّ الدَّلْوِ أَسْلَمَهَا الرِّشَاءُ
وَيُقَالُ: هَوَى فِي السَّيْرِ إِذَا مَضَى وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
بَيْنَمَا نَحْنُ بِالْبَلَاكِثِ فَالْقَا
…
عِ سِرَاعًا وَالْعِيسُ تَهْوِي هُوِيًّا
خَطَرَتْ خَطْرَةٌ عَلَى الْقَلْبِ مِنْ ذِكْ
…
رَاكِ وَهْنًا فَمَا اسْتَطَعْتُ مُضِيَّا
وَمَعْنَى الْهُوِيِّ عَلَى قَوْلِ مَنْ فَسَّرَ النَّجْمَ بِالْقُرْآنِ أَنَّهُ نَزَلَ مِنْ أَعْلَى إِلَى أَسْفَلَ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ إِنَّهُ الشَّجَرُ الَّذِي لَا سَاقَ لَهُ، أَوْ أَنَّهُ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم، فَلَا يَظْهَرُ لِلْهُوِيِّ مَعْنًى صَحِيحٌ، وَالْعَامِلُ فِي الظَّرْفِ فِعْلُ الْقَسَمِ المقدّر، وجواب القسم قوله: مَا ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى أَيْ: مَا ضَلَّ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْحَقِّ وَالْهُدَى وَلَا عَدَلَ عَنْهُ، وَالْغَيُّ: ضِدُّ الرُّشْدِ، أَيْ: مَا صَارَ غَاوِيًا، وَلَا تَكَلَّمَ بِالْبَاطِلِ، وَقِيلَ: مَا خَابَ فِيمَا طَلَبَ، وَالْغَيُّ: الْخَيْبَةُ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
فَمَنْ يَلْقَ خَيْرًا يَحْمَدِ النَّاسُ أَمْرَهُ
…
وَمَنْ يَغْوِ لَا يَعْدَمْ عَلَى الْغَيِّ لَائِمًا
وَفِي قَوْلِهِ: صاحِبُكُمْ إِشَارَةٌ بِأَنَّهُمُ الْمُطَّلِعُونَ عَلَى حَقِيقَةِ حَالِهِ، وَالْخِطَابُ لِقُرَيْشٍ وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى أَيْ: مَا يَصْدُرُ نُطْقُهُ عَنِ الْهَوَى لَا بِالْقُرْآنِ وَلَا بِغَيْرِهِ، فَعَنْ عَلَى بَابِهَا. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: إِنَّ عَنْ بِمَعْنَى الْبَاءِ، أَيْ: بِالْهَوَى. قَالَ قَتَادَةُ: أَيْ: مَا يَنْطِقُ بِالْقِرَاءَةِ عَنْ هَوَاهُ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى أَيْ:
مَا هُوَ الَّذِي يَنْطِقُ بِهِ إِلَّا وَحْيٌ مِنَ اللَّهِ يوحيه إليه. وقوله: يُوحى صفة لوحي تُفِيدُ الِاسْتِمْرَارَ التَّجَدُّدِيَّ، وَتُفِيدُ نَفْيَ الْمَجَازِ، أَيْ: هُوَ وَحْيُ حَقِيقَةٍ لَا لِمُجَرَّدِ التَّسْمِيَةِ عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى الْقُوَى: جَمْعُ قُوَّةٍ، وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ عَلَّمَهُ جِبْرِيلُ الَّذِي هُوَ شَدِيدٌ قُوَاهُ، هَكَذَا قَالَ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ إِنَّ الْمُرَادَ جِبْرِيلُ. وَقَالَ الحسن:
(1) . الرّحمن: 6.
هُوَ اللَّهُ عز وجل، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، وَهُوَ مِنْ بَابِ إِضَافَةِ الصِّفَةِ إِلَى الْمَوْصُوفِ. ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى الْمِرَّةُ:
الْقُوَّةُ وَالشِّدَّةُ فِي الْخَلْقِ، وَقِيلَ: ذُو صِحَّةِ جِسْمٍ وَسَلَامَةٍ مِنَ الْآفَاتِ، وَمِنْهُ قَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ، وَلَا لِذِي مِرَّةٍ سَوِيٍّ «1» » . وَقِيلَ: ذُو حَصَافَةِ عَقْلٍ وَمَتَانَةِ رَأْيٍ. قَالَ قُطْرُبٌ: الْعَرَبُ تَقُولُ لِكُلِّ مَنْ هُوَ جَزِلُ الرَّأْيِ حَصِيفُ الْعَقْلِ: ذُو مِرَّةٍ، وَمِنْهُ قول الشاعر:
قد كنت قبل لقاكم ذَا مِرَّةٍ
…
عِنْدِي لِكُلِّ مُخَاصِمٍ مِيزَانُهُ
وَالتَّفْسِيرُ لِلْمِرَّةِ بِهَذَا أَوْلَى لِأَنَّ الْقُوَّةَ وَالشِّدَّةَ قَدْ أَفَادَهَا قَوْلُهُ: شَدِيدُ الْقُوى قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الْمِرَّةُ:
إِحْدَى الطَّبَائِعِ الْأَرْبَعِ، وَالْمِرَّةُ: الْقُوَّةُ وَشِدَّةُ الْعَقْلِ، وَالْفَاءُ فِي قَوْلِهِ: فَاسْتَوى لِلْعَطْفِ عَلَى عَلَّمَهُ، يعني جبريل، أي: ارتفع وعلا إِلَى مَكَانِهِ فِي السَّمَاءِ بَعْدَ أَنْ عَلَّمَ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم، قَالَهُ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ. وَقِيلَ: مَعْنَى اسْتَوَى قَامَ فِي صُورَتِهِ الَّتِي خَلَقَهُ اللَّهُ عَلَيْهَا لِأَنَّهُ كَانَ يَأْتِي النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي صُورَةِ الْآدَمِيِّينَ، وَقِيلَ: الْمَعْنَى: فَاسْتَوَى الْقُرْآنُ فِي صَدْرِهِ صلى الله عليه وسلم. وَقَالَ الْحَسَنُ: فَاسْتَوَى: يَعْنِي اللَّهَ عز وجل عَلَى الْعَرْشِ وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى هَذِهِ الْجُمْلَةُ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ، أَيْ: فَاسْتَوَى جِبْرِيلُ حَالَ كَوْنِهِ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى، وَالْمُرَادُ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى: جَانِبُ الْمَشْرِقِ، وَهُوَ فَوْقَ جَانِبِ الْمَغْرِبِ، وَقِيلَ: الْمَعْنَى: فَاسْتَوَى عَالِيًا، وَالْأُفُقُ:
نَاحِيَةُ السَّمَاءِ، وَجَمْعُهُ آفَاقٌ. قَالَ قَتَادَةُ وَمُجَاهِدٌ: هُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي تَطْلُعُ مِنْهُ الشَّمْسُ، وَقِيلَ: هُوَ يَعْنِي جِبْرِيلَ وَالنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ. ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى أَيْ: دَنَا جِبْرِيلُ بَعْدَ اسْتِوَائِهِ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى، أَيْ: قَرُبَ مِنَ الْأَرْضِ، فَتَدَلَّى، فَنَزَلَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِالْوَحْيِ، وَقِيلَ:
فِي الكلام تقديم وتأخير، والتقدير: ثم تدلّى فدنا، قاله ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ وَغَيْرُهُ، قَالَ الزَّجَّاجُ: مَعْنَى دَنَا فَتَدَلَّى وَاحِدٌ، أَيْ: قَرُبَ وَزَادَ فِي الْقُرْبِ، كَمَا تَقُولُ: فَدَنَا مِنِّي فُلَانٌ وَقَرُبَ، وَلَوْ قُلْتَ: قَرُبَ مِنِّي وَدَنَا جَازَ.
قَالَ الْفَرَّاءُ: الْفَاءُ فِي «فَتَدَلَّى» بِمَعْنَى الْوَاوِ، وَالتَّقْدِيرُ: ثُمَّ تَدَلَّى جِبْرِيلُ وَدَنَا، وَلَكِنَّهُ جَائِزٌ إِذَا كَانَ مَعْنَى الْفِعْلَيْنِ وَاحِدًا أَنْ تُقَدِّمَ أَيَّهُمَا شِئْتَ. قَالَ الْجُمْهُورُ: وَالَّذِي دَنَا فَتَدَلَّى هُوَ جِبْرِيلُ وَقِيلَ: هُوَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، والمعنى:
دنا منه أمره وحكمه، والأوّل أولى، وقيل: وَمَنْ قَالَ: إِنَّ الَّذِي اسْتَوَى هُوَ جِبْرِيلُ وَمُحَمَّدٌ، فَالْمَعْنَى عِنْدَهُ:
ثُمَّ دَنَا مُحَمَّدٌ مِنْ رَبِّهِ دُنُوَّ كَرَامَةٍ فَتَدَلَّى، أَيْ: هَوَى لِلسُّجُودِ، وَبِهِ قَالَ الضَّحَّاكُ. فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى أَيْ: فَكَانَ مِقْدَارُ مَا بَيْنَ جِبْرِيلَ وَمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، أَوْ مَا بَيْنَ مُحَمَّدٍ وَرَبِّهِ قَابَ قَوْسَيْنِ، أَيْ: قَدْرَ قَوْسَيْنِ عَرَبِيَّيْنِ. وَالْقَابُ وَالْقِيبُ، وَالْقَادُ وَالْقِيدُ: الْمِقْدَارُ، ذُكِرَ مَعْنَاهُ فِي الصِّحَاحِ. قَالَ الزَّجَّاجُ: أَيْ: فِيمَا تُقَدِّرُونَ أَنْتُمْ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ عَالِمٌ بِمَقَادِيرِ الْأَشْيَاءِ، وَلَكِنَّهُ يُخَاطِبُنَا عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ الْمُخَاطَبَةِ فِيمَا بَيْنَنَا. وَقِيلَ «أَوْ» بِمَعْنَى الْوَاوِ، أَيْ: وَأَدْنَى، وَقِيلَ: بِمَعْنَى بَلْ، أَيْ: بَلْ أَدْنَى. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَعَطَاءُ وَأَبُو إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيُّ وَأَبُو وَائِلٍ شَقِيقُ بْنُ سَلَمَةَ فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ قَدْرَ ذِرَاعَيْنِ، وَالْقَوْسُ: الذِّرَاعُ يُقَاسُ بِهَا كُلُّ شَيْءٍ، وَهِيَ لُغَةُ بَعْضِ الْحِجَازِيِّينَ، وَقِيلَ: هِيَ لُغَةُ أَزْدِ شَنُوءَةَ. وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: «فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ» أَرَادَ قَوْسًا
(1) . «السوي» : صحيح الأعضاء.
وَاحِدَةً فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ مَا أَوْحى
أَيْ: فَأَوْحَى جِبْرِيلُ إِلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم مَا أَوْحَى، وَفِيهِ تَفْخِيمٌ لِلْوَحْيِ الَّذِي أُوحِيَ إِلَيْهِ، وَالْوَحْيُ: إِلْقَاءُ الشَّيْءِ بِسُرْعَةٍ، وَمِنْهُ الوحاء وَهُوَ السُّرْعَةُ، وَالضَّمِيرُ فِي عَبْدِهِ يَرْجِعُ إِلَى اللَّهِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ: مَا تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ «1» وَقِيلَ: الْمَعْنَى: فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى عَبْدِهِ جِبْرِيلَ مَا أَوْحَى، وَبِالْأَوَّلِ قَالَ الرَّبِيعُ وَالْحَسَنُ وَابْنُ زَيْدٍ وَقَتَادَةُ. وَقِيلَ: فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى عَبْدِهِ مُحَمَّدٍ. قِيلَ: وَقَدْ أَبْهَمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مَا أَوْحَاهُ جِبْرِيلُ إِلَى مُحَمَّدٍ، أَوْ مَا أَوْحَاهُ اللَّهُ إِلَى عَبْدِهِ جِبْرِيلَ، أَوْ إِلَى مُحَمَّدٍ، وَلَمْ يُبَيِّنْهُ لَنَا، فَلَيْسَ لَنَا أَنْ نَتَعَرَّضَ لِتَفْسِيرِهِ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: الَّذِي أَوْحَى إليه هو أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ إلخ «2» ، وأَ لَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى إِلَخْ «3» . وَقِيلَ: أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ إِنَّ الْجَنَّةَ حرام على الأنبياء حتى تدخلها [يا محمد]«4» ، وَعَلَى الْأُمَمِ حَتَّى تَدَخُلَهَا أُمَّتُكَ. وَقِيلَ: إِنَّ «مَا» لِلْعُمُومِ لَا لِلْإِبْهَامِ، وَالْمُرَادُ كُلُّ مَا أَوْحَى بِهِ إِلَيْهِ، وَالْحَمْلُ عَلَى الْإِبْهَامِ أَوْلَى لِمَا فِيهِ مِنَ التَّعْظِيمِ مَا كَذَبَ الْفُؤادُ مَا رَأى أَيْ: مَا كَذَبَ فُؤَادُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم مَا رَآهُ بَصَرُهُ لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ، يُقَالُ: كَذَبَهُ إِذَا قَالَ لَهُ الْكَذِبَ وَلَمْ يَصْدُقْهُ. قَالَ الْمُبَرِّدُ: مَعْنَى الْآيَةِ أنه رأى شيئا فصدق فيه. قال الْجُمْهُورُ مَا كَذَبَ مُخَفَّفًا، وَقَرَأَ هِشَامٌ وَأَبُو جَعْفَرٍ بِالتَّشْدِيدِ وَ «مَا» فِي مَا رَأى مَوْصُولَةٌ أَوْ مَصْدَرِيَّةٌ، فِي مَحَلِّ نَصْبٍ بِكَذَبَ، مُخَفَّفًا وَمُشَدَّدًا أَفَتُمارُونَهُ عَلى مَا يَرى. قَرَأَ الْجُمْهُورُ: أَفَتُمارُونَهُ بِالْأَلِفِ مِنَ الْمُمَارَاةِ، وَهِيَ الْمُجَادَلَةُ وَالْمُلَاحَاةُ، وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ:«أَفَتَمْرُونَهُ» بِفَتْحِ التَّاءِ وسكون الميم، أي:
أفتجحدونه، وَاخْتَارَ أَبُو عُبَيْدٍ الْقِرَاءَةَ الثَّانِيَةَ: قَالَ: لِأَنَّهُمْ لَمْ يُمَارُوهُ وَإِنَّمَا جَحَدُوهُ، يُقَالُ: مَرَاهُ حَقَّهُ، أَيْ:
جَحَدَهُ، وَمَرَيْتُهُ أَنَا: جَحَدْتُهُ. قَالَ: وَمِنْهُ قول الشاعر:
لئن هَجَوْتَ أَخَا صِدْقٍ وَمَكْرُمَةٍ
…
لَقَدْ مَرَيْتَ أَخًا مَا كَانَ يُمْرِيكَا
أَيْ: جَحَدْتَهُ. قَالَ الْمُبَرِّدُ: يقال مراه عَنْ حَقِّهِ وَعَلَى حَقِّهِ: إِذَا مَنَعَهُ مِنْهُ ودفعه عنه «5» . وَقِيلَ: عَلَى بِمَعْنَى عَنْ. وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَالشَّعْبِيُّ وَمُجَاهِدٌ وَالْأَعْرَجُ «أَفَتُمْرُونَهُ» بِضَمِّ التَّاءِ مَنْ أَمْرَيْتُ، أَيْ: أَتُرِيبُونَهُ وَتَشُكُّونَ فِيهِ. قَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ: الْمَعْنَى عَلَى قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ: أَفَتُجَادِلُونَهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ جَادَلُوهُ حِينَ أُسْرِيَ بِهِ، فَقَالُوا: صِفْ لَنَا مَسْجِدَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، أَيْ: أَفَتُجَادِلُونَهُ جدالا ترمون بِهِ دَفْعَهُ عَمَّا شَاهَدَهُ وَعَلِمَهُ، وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ: وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى هِيَ الْمُوطِّئَةُ لِلْقَسَمِ، أَيْ: وَاللَّهِ لَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى، وَالنَّزْلَةُ: الْمَرَّةُ مِنَ النُّزُولِ، فَانْتِصَابُهَا عَلَى الظَّرْفِيَّةِ، أَوْ مُنْتَصِبَةٌ عَلَى الْمَصْدَرِ الْوَاقِعِ مَوْقِعَ الْحَالِ، أَيْ: رَأَى جِبْرِيلُ نَازِلًا نَزْلَةً أُخْرَى أَوْ عَلَى أَنَّهُ صِفَةُ مَصْدَرٍ مُؤَكَّدٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ: رَآهُ رُؤْيَةً أُخْرَى. قَالَ جُمْهُورُ الْمُفَسِّرِينَ:
الْمَعْنَى أَنَّهُ رَأَى مُحَمَّدٌ جِبْرِيلَ مَرَّةً أُخْرَى، وَقِيلَ: رَأَى مُحَمَّدٌ رَبَّهُ مَرَّةً أُخْرَى بِفُؤَادِهِ عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى الظَّرْفُ مُنْتَصِبٌ بَرَآهُ، وَالسِّدْرُ: هُوَ شَجَرُ النَّبْقِ، وَهَذِهِ السِّدْرَةُ هِيَ فِي السَّمَاءِ السادسة كما في الصحيح،
(1) . فاطر: 45.
(2)
. الشرح: 1- 8.
(3)
. الضحى: آية 6 إلى آخر السورة.
(4)
. من تفسير القرطبي (17/ 92) .
(5)
. من تفسير القرطبي (17/ 93) .
وروي أنها في السماء السابعة. و «الْمُنْتَهى» : مَكَانُ الِانْتِهَاءِ، أَوْ هُوَ مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ، وَالْمُرَادُ به الانتهاء نفسه، وَقِيلَ: تَنْتَهِي إِلَيْهَا أَرْوَاحُ الشُّهَدَاءِ، وَقِيلَ: غَيْرُ ذَلِكَ. وَإِضَافَةُ الشَّجَرَةِ إِلَى الْمُنْتَهَى مِنْ إِضَافَةِ الشَّيْءِ إِلَى مَكَانِهِ.
عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى أَيْ: عِنْدَ تِلْكَ السِّدْرَةِ جَنَّةٌ تُعْرَفُ بِجَنَّةِ الْمَأْوَى، وَسُمِّيَتْ جَنَّةَ الْمَأْوَى لِأَنَّهُ أَوَى إِلَيْهَا آدَمُ، وقيل: إن أَرْوَاحُ الْمُؤْمِنِينَ تَأْوِي إِلَيْهَا. قَرَأَ الْجُمْهُورُ جَنَّةُ بِرَفْعِ جَنَّةٍ عَلَى أَنَّهَا مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهَا الظَّرْفُ الْمُتَقَدِّمُ. وَقَرَأَ عَلِيٌّ وَأَبُو الدَّرْدَاءِ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَابْنُ الزُّبَيْرِ وَأَنَسٌ وَزِرُّ بْنُ حُبَيْشٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ وَمُجَاهِدٌ وَأَبُو سَبْرَةَ الْجُهَنِيُّ «جَنَّهُ» فِعْلًا مَاضِيًا مِنْ جَنَّ يَجِنُّ، أَيْ: ضَمَّهُ الْمَبِيتُ، أَوْ سَتَرَهُ إِيوَاءُ اللَّهِ لَهُ. قَالَ الْأَخْفَشُ:
أَدْرَكَهُ كَمَا تَقُولُ جَنَّهُ اللَّيْلُ، أَيْ: سَتَرَهُ وَأَدْرَكَهُ، وَالْجُمْلَةُ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشى الْعَامِلُ فِي الظَّرْفِ رَآهُ أَيْضًا، وَهُوَ ظَرْفُ زَمَانٍ، وَالَّذِي قَبْلَهُ ظَرْفُ مَكَانٍ، وَالْغَشَيَانُ بِمَعْنَى التَّغْطِيَةِ والسرّ، وَبِمَعْنَى الْإِتْيَانِ، يُقَالُ: فُلَانٌ يَغْشَانِي كُلَّ حِينٍ، أَيْ: يَأْتِينِي، وَفِي الْإِبْهَامِ فِي قَوْلِهِ: مَا يَغْشى.
مِنَ التَّفْخِيمِ مَا لَا يَخْفَى، وَقِيلَ: يغشاها جراد من ذهب، وقيل: طوائف الْمَلَائِكَةِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: رَفْرَفٌ أَخْضَرُ، وَقِيلَ: رَفْرَفٌ مِنْ طُيُورٍ خُضْرٍ، وَقِيلَ: غَشِيَهَا أَمْرُ اللَّهِ، وَالْمَجِيءُ بِالْمُضَارِعِ لِحِكَايَةِ الْحَالِ الْمَاضِيَةِ اسْتِحْضَارًا لِلصُّورَةِ الْبَدِيعَةِ، أَوْ لِلدَّلَالَةِ عَلَى الِاسْتِمْرَارِ التَّجَدُّدِيِّ مَا زاغَ الْبَصَرُ أَيْ: مَا مَالَ بَصَرُ النَّبِيِّ عَمَّا رَآهُ وَما طَغى أَيْ: مَا جَاوَزَ مَا رَأَى، وَفِي هَذَا وَصْفُ أَدَبِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي ذَلِكَ الْمَقَامِ حَيْثُ لَمْ يَلْتَفِتْ، وَلَمْ يَمِلْ بَصَرُهُ، وَلَمْ يَمُدَّهُ إِلَى غَيْرِ مَا رَأَى، وَقِيلَ: مَا جَاوَزَ مَا أُمِرَ بِهِ لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى أَيْ: وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَى تِلْكَ اللَّيْلَةَ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْعِظَامِ مَا لا يحيط به الوصف، وقيل: رَأَى رَفْرَفًا سَدَّ الْأُفُقَ، وَقِيلَ: رَأَى جِبْرِيلَ فِي حُلَّةٍ خَضْرَاءَ، قَدْ مَلَأَ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، لَهُ سِتُّمِائَةِ جَنَاحٍ، كَذَا فِي صَحِيح مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ، وَقَالَ الضَّحَّاكُ: رَأَى سِدْرَةَ الْمُنْتَهَى، وَقِيلَ: هُوَ كُلُّ مَا رَآهُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ فِي مَسْرَاهُ وَعَوْدِهِ، وَ «مِنْ» لِلتَّبْعِيضِ، وَمَفْعُولُ «رَأَى» :«الْكُبْرَى» ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَفْعُولُ مَحْذُوفًا، أَيْ رَأَى شَيْئًا عَظِيمًا مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ «مِنْ» زَائِدَةً أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى- وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى لَمَّا قَصَّ اللَّهُ سُبْحَانَهُ هَذِهِ الْأَقَاصِيصَ قَالَ لِلْمُشْرِكِينَ مُوَبِّخًا وَمُقَرِّعًا: أَفَرَأَيْتُمُ أَيْ: أَخْبِرُونِي عَنِ الْآلِهَةِ الَّتِي تَعْبُدُونَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ لَهَا قُدْرَةٌ تُوصَفُ بِهَا؟ وَهَلْ أَوْحَتْ إِلَيْكُمْ شَيْئًا كَمَا أَوْحَى اللَّهُ إِلَى مُحَمَّدٍ؟ أَمْ هِيَ جَمَادَاتٌ لَا تَعْقِلُ وَلَا تَنْفَعُ؟ ثُمَّ ذَكَرَ هَذِهِ الْأَصْنَامَ الثَّلَاثَةَ الَّتِي اشْتُهِرَتْ فِي الْعَرَبِ وَعَظُمَ اعْتِقَادُهُمْ فِيهَا. قَالَ الْوَاحِدِيُّ وَغَيْرُهُ: وَكَانُوا يَشْتَقُّونَ لها اسما مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، فَقَالُوا مِنَ اللَّهِ اللَّاتَ، وَمِنَ الْعَزِيزِ الْعُزَّى، وَهِيَ تَأْنِيثُ الْأَعَزِّ بِمَعْنَى الْعَزِيزَةِ، وَمَنَاةَ مِنْ مَنَى اللَّهُ الشَّيْءَ إِذَا قَدَّرَهُ. قَرَأَ الْجُمْهُورُ: اللَّاتَ بِتَخْفِيفِ التَّاءِ، فَقِيلَ:
هُوَ مَأْخُوذٌ مِنِ اسْمِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَقِيلَ: أَصْلُهُ لَاتَ يَلِيتُ، فَالتَّاءُ أَصْلِيَّةٌ، وَقِيلَ: هِيَ زَائِدَةٌ، وَأَصْلُهُ لَوَى يَلْوِي لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَلْوُونَ أَعْنَاقَهُمْ إِلَيْهَا، أَوْ يَلْتَوُونَ عَلَيْهَا، وَيَطُوفُونَ بِهَا. وَاخْتَلَفَ الْقُرَّاءُ هَلْ يُوقَفُ عَلَيْهَا بِالتَّاءِ أَوْ بِالْهَاءِ؟ فَوَقَفَ عَلَيْهَا الْجُمْهُورُ بِالتَّاءِ وَوَقَفَ عَلَيْهَا الْكِسَائِيُّ بِالْهَاءِ، وَاخْتَارَ الزَّجَّاجُ وَالْفَرَّاءُ الْوَقْفَ بِالتَّاءِ لِاتِّبَاعِ رَسْمِ الْمُصْحَفِ فَإِنَّهَا تُكْتَبُ بِالتَّاءِ، وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ الزُّبَيْرِ وَمُجَاهِدٌ وَمَنْصُورُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ وَأَبُو الْجَوْزَاءِ وَأَبُو صالح وحميد اللَّاتَ بتشديد التاء، ورويت الْقِرَاءَةُ عَنِ ابْنِ كَثِيرٍ، فَقِيلَ: هُوَ اسْمُ رجل كان
يَلِتُّ السَّوِيقَ وَيُطْعِمُهُ الْحَاجَّ، فَلَمَّا مَاتَ عَكَفُوا عَلَى قَبْرِهِ يَعْبُدُونَهُ، فَهُوَ اسْمُ فَاعِلٍ فِي الْأَصْلِ غَلَبَ عَلَى هَذَا الرَّجُلِ. قَالَ مُجَاهِدٌ: كان رجلا في رأس جبل [له غنيمة يسلي «1» منها السمن، و]«2» يَتَّخِذُ مِنْ لَبَنِهَا وَسَمْنِهَا حَيْسًا «3» ، وَيُطَعِمُ الْحَاجَّ، وَكَانَ بِبَطْنِ نَخْلَةَ، فَلَمَّا مَاتَ عَبَدُوهُ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: كَانَ رَجُلًا مِنْ ثَقِيفٍ لَهُ صِرْمَةُ غَنَمٍ، وَقِيلَ: إِنَّهُ عَامِرُ بْنُ الظَّرَبِ الْعُدْوَانِيُّ، وَكَانَ هَذَا الصَّنَمُ لِثَقِيفٍ، وَفِيهِ يَقُولُ الشَّاعِرُ «4» :
لَا تَنْصُرُوا اللَّاتَ إِنَّ اللَّهَ مُهْلِكُهَا
…
وَكَيْفَ يَنْصُرُكُمْ مَنْ لَيْسَ يَنْتَصِرُ
قَالَ فِي الصِّحَاحِ: وَاللَّاتُ اسْمُ صَنَمٍ لِثَقِيفٍ، وَكَانَ بِالطَّائِفِ، وَبَعْضُ الْعَرَبِ يَقِفُ عَلَيْهَا بِالتَّاءِ، وَبَعْضُهُمْ بِالْهَاءِ. وَالْعُزَّى صَنَمُ قُرَيْشٍ وَبَنِي كِنَانَةَ. قَالَ مُجَاهِدٌ: هِيَ شَجَرَةٌ كَانَتْ بِغَطَفَانَ، وَكَانُوا يَعْبُدُونَهَا، فَبَعَثَ إِلَيْهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ فَقَطَعَهَا، وَقِيلَ: كَانَتْ شَيْطَانَةٌ تَأْتِي ثَلَاثَ سَمُرَاتٍ بِبَطْنِ نَخْلَةَ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: الْعُزَّى: حَجَرٌ أَبْيَضٌ كَانُوا يَعْبُدُونَهُ. وَقَالَ قَتَادَةُ: هِيَ بَيْتٌ كَانَ بِبَطْنِ نَخْلَةَ وَمَناةَ صَنَمُ بَنِي هِلَالٍ. وَقَالَ ابْنُ هِشَامٍ: صَنَمُ هُذَيْلٍ وَخُزَاعَةَ. وَقَالَ قَتَادَةُ: كَانَتْ لِلْأَنْصَارِ. قَرَأَ الْجُمْهُورُ مَناةَ بِأَلِفٍ مِنْ دُونِ هَمْزَةٍ، وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَابْنُ مُحَيْصِنٍ وَحُمَيْدٌ وَمُجَاهِدٌ وَالسُّلَمِيُّ بِالْمَدِّ وَالْهَمْزِ «5» . فَأَمَّا قِرَاءَةُ الْجُمْهُورِ فَاشْتِقَاقُهَا مِنْ مَنَى يَمْنَى، أَيْ صَبَّ لِأَنَّ دِمَاءَ النَّسَائِكِ كَانَتْ تُصَبُّ عِنْدَهَا يَتَقَرَّبُونَ بِذَلِكَ إِلَيْهَا.
وَأَمَّا عَلَى الْقِرَاءَةِ الثَّانِيَةِ فَاشْتِقَاقُهَا مِنَ النَّوْءِ، وَهُوَ الْمَطَرُ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَسْتَمْطِرُونَ عِنْدَهَا الْأَنْوَاءَ، وَقِيلَ: هُمَا لُغَتَانِ لِلْعَرَبِ، وَمِمَّا جَاءَ عَلَى الْقِرَاءَةِ الْأُولَى قَوْلُ جَرِيرٍ:
أَزَيْدَ مَنَاةَ تُوعِدُ يَا ابْنَ تَيْمٍ
…
تَأَمَّلْ أَيْنَ تَاهَ بِكَ الْوَعِيدُ
وَمِمَّا جاء على القراءة الأخرى قول الحارئي:
أَلَا هَلْ أَتَى التَّيْمُ بْنُ عَبْدِ مُنَاءَةٍ
…
على الشّنء فِيمَا بَيْنَنَا ابْنُ تَمِيمِ
وَقَفَ جُمْهُورُ الْقُرَّاءِ عَلَيْهَا بِالتَّاءِ اتَّبَاعًا لِرَسْمِ الْمُصْحَفِ، وَوَقَفَ ابْنُ كَثِيرٍ وَابْنُ مُحَيْصِنٍ عَلَيْهَا بِالْهَاءِ. قَالَ فِي الصِّحَاحِ: وَمَنَاةُ اسْمُ صَنَمٍ كَانَ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ، وَالْهَاءُ لِلتَّأْنِيثِ وَيُسْكَتُ عَلَيْهَا بِالتَّاءِ، وَهِيَ لُغَةٌ. قَوْلُهُ:
الثَّالِثَةَ الْأُخْرى هَذَا وَصْفٌ لِمَنَاةَ، وَصَفَهَا بِأَنَّهَا ثَالِثَةٌ وَبِأَنَّهَا أُخْرَى، وَالثَّالِثَةُ لَا تَكُونُ إِلَّا أُخْرَى. قَالَ أَبُو الْبَقَاءِ: فَالْوَصْفُ بِالْأُخْرَى لِلتَّأْكِيدِ، وَقَدِ اسْتَشْكَلَ وَصْفُ الثَّالِثَةِ بِالْأُخْرَى، وَالْعَرَبُ إِنَّمَا تَصِفُ بِهِ الثَّانِيَةَ، فَقَالَ الْخَلِيلُ: إنما قال ذلك لوفاق رؤوس الآي كقوله: مَآرِبُ أُخْرى «6» وقال الحسين بن الفضل:
(1) . «يسلي» : يجمع.
(2)
. من تفسير القرطبي (17/ 100) .
(3)
. «الحيس» : الطعام المتّخذ من التمر والأقط والسمن. [.....]
(4)
. هو شداد بن عارض الجشمي.
(5)
. أي: مناءة.
(6)
. طه: 18.
فِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، وَالتَّقْدِيرُ: أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى الْأُخْرَى وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ. وَقِيلَ: إِنَّ وَصْفَهَا بِالْأُخْرَى لِقَصْدِ التَّعْظِيمِ لِأَنَّهَا كَانَتْ عِنْدَ الْمُشْرِكِينَ عَظِيمَةٌ، وَقِيلَ: إِنَّ ذَلِكَ لِلتَّحْقِيرِ وَالذَّمِّ، وَإِنَّ الْمُرَادَ الْمُتَأَخِّرَةُ الْوَضِيعَةُ كَمَا فِي قَوْلِهِ: قالَتْ أُخْراهُمْ لِأُولاهُمْ «1» أَيْ: وُضَعَاؤُهُمْ لِرُؤَسَائِهِمْ. ثُمَّ كَرَّرَ سُبْحَانَهُ تَوْبِيخَهُمْ وَتَقْرِيعَهُمْ بِمَقَالَةٍ شَنْعَاءَ قَالُوهَا فَقَالَ: أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى أَيْ: كَيْفَ تَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا تَكْرَهُونَ مِنَ الْإِنَاثِ، وَتَجْعَلُونَ لِأَنْفُسِكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنَ الذُّكُورِ، قِيلَ: وَذَلِكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْمَلَائِكَةَ بَنَاتُ اللَّهِ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ كَيْفَ تَجْعَلُونَ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ، وَهِيَ إِنَاثٌ، فِي زَعْمِكُمْ شُرَكَاءَ لِلَّهِ، وَمِنْ شَأْنِهِمْ أَنْ يَحْتَقِرُوا الْإِنَاثَ. ثُمَّ ذَكَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّ هَذِهِ التَّسْمِيَةَ وَالْقِسْمَةَ الْمَفْهُومَةَ مِنَ الِاسْتِفْهَامِ قِسْمَةٌ جَائِرَةٌ، فَقَالَ: تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى قَرَأَ الْجُمْهُورُ:
ضِيزى بِيَاءٍ سَاكِنَةٍ بِغَيْرِ هَمْزَةٍ، وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ بِهَمْزَةٍ سَاكِنَةٍ، وَالْمَعْنَى: أَنَّهَا قِسْمَةٌ خَارِجَةٌ عَنِ الصَّوَابِ جَائِرَةٌ عَنِ الْعَدْلِ مَائِلَةٌ عَنِ الْحَقِّ. قَالَ الْأَخْفَشُ: يقال: ضاز في الحكم، أي: جار، وضاز حَقَّهُ يَضِيزُهُ ضَيْزًا، أَيْ: نَقَصَهُ وَبَخَسَهُ، قَالَ: وَقَدْ يُهْمَزُ، وَأَنْشَدَ:
فَإِنْ تَنْأَ عَنَّا نَنْتَقِصْكَ وَإِنْ تَغِبْ «2»
…
فَحَقُّكَ «3» مَضْئُوزٌ وَأَنْفُكَ رَاغِمُ
وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: ضَازَ يَضِيزُ ضَيْزًا، وَضَازَ يَضُوزُ ضَوْزًا إِذَا تَعَدَّى وَظَلَمَ وَبَخَسَ وَانْتَقَصَ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ «4» :
ضَازَتْ بَنُو أَسَدٍ بِحُكْمِهِمُ
…
إِذْ يَجْعَلُونَ الرَّأْسَ كَالذَّنَبِ
قَالَ الْفَرَّاءُ: وَبَعْضُ الْعَرَبِ يَقُولُ: ضِئْزَى بِالْهَمْزِ، وَحَكَى أَبُو حَاتِمٍ عَنْ أَبِي زَيْدٍ أَنَّهُ سَمِعَ الْعَرَبَ تَهْمِزُ «ضِيزَى» . قَالَ الْبَغَوِيُّ: لَيْسَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ فِعْلَى بِكَسْرِ الْفَاءِ فِي النُّعُوتِ، إِنَّمَا تَكُونُ فِي الْأَسْمَاءِ مِثْلَ ذِكْرَى.
قَالَ الْمُؤَرِّجُ: كَرِهُوا ضَمَّ الضَّادِ فِي ضِيزَى، وَخَافُوا انْقِلَابَ الْيَاءِ وَاوًا، وَهِيَ مِنْ بَنَاتِ الْوَاوِ، فَكَسَرُوا الضَّادَ لِهَذِهِ الْعِلَّةِ، كَمَا قَالُوا فِي جَمْعِ أَبْيَضَ بِيضٌ، وَكَذَا قَالَ الزَّجَّاجُ: وَقِيلَ: هِيَ مَصْدَرٌ كَذِكْرَى، فَيَكُونُ الْمَعْنَى:
قِسْمَةٌ ذَاتُ جَوْرٍ وَظُلْمٍ. ثُمَّ رَدَّ سُبْحَانَهُ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ: إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ أَيْ:
مَا الْأَوْثَانُ أَوِ الْأَصْنَامُ بِاعْتِبَارِ مَا تَدَّعُونَهُ مِنْ كَوْنِهَا آلِهَةً إِلَّا أَسْمَاءٌ مَحْضَةٌ، لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ مَعْنَى الْأُلُوهِيَّةِ الَّتِي تَدَّعُونَهَا لِأَنَّهَا لَا تُبْصِرُ وَلَا تَسْمَعُ، وَلَا تَعْقِلُ وَلَا تَفْهَمُ، وَلَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ، فَلَيْسَتْ إِلَّا مُجَرَّدَ أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ، قَلَّدَ الْآخِرُ فِيهَا الْأَوَّلَ، وَتَبِعَ فِي ذَلِكَ الْأَبْنَاءُ الْآبَاءَ. وَفِي هَذَا مِنَ التَّحْقِيرِ لِشَأْنِهَا مَا لَا يَخْفَى، كَمَا تَقُولُ فِي تَحْقِيرِ رَجُلٍ: مَا هُوَ إِلَّا اسْمٌ، إِذَا لَمْ يَكُنْ مُشْتَمِلًا عَلَى صِفَةٍ مُعْتَبَرَةٍ، وَمِثْلُ هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى:
مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْماءً سَمَّيْتُمُوها «5» يُقَالُ: سَمَّيْتُهُ زَيْدًا وَسَمَّيْتُهُ بِزَيْدٍ، فَقَوْلُهُ «سَمَّيْتُمُوهَا» صفة
(1) . الأعراف: 38.
(2)
. في تفسير القرطبي: تقم.
(3)
. في تفسير القرطبي: فقسمك.
(4)
. هو امرؤ القيس.
(5)
. يوسف: 40.
لِأَصْنَامٍ، وَالضَّمِيرُ يَرْجِعُ إِلَى الْأَسْمَاءِ لَا إِلَى الْأَصْنَامِ، أَيْ: جَعَلْتُمُوهَا أَسْمَاءً لَا جَعَلْتُمْ لَهَا اسما. وَقِيلَ: إِنَّ قَوْلَهُ:
هِيَ رَاجِعٌ إِلَى الْأَسْمَاءِ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى. مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ أَيْ: مَا أَنْزَلَ بِهَا مِنْ حُجَّةٍ وَلَا بُرْهَانٍ. قَالَ مُقَاتِلٌ: لَمْ يُنْزِلْ لَنَا كِتَابًا لَكُمْ فِيهِ حُجَّةٌ كَمَا تَقُولُونَ إِنَّهَا آلِهَةٌ، ثُمَّ أَخْبَرَ عَنْهُمْ بِقَوْلِهِ:
إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ أَيْ: مَا يَتَّبِعُونَ فِيمَا ذُكِرَ مِنَ التَّسْمِيَةِ وَالْعَمَلِ بِمُوجَبِهَا إِلَّا الظَّنَّ الَّذِي لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا، وَالْتَفَتَ مِنَ الْخِطَابِ إِلَى الْغَيْبَةِ إِعْرَاضًا عَنْهُمْ وَتَحْقِيرًا لِشَأْنِهِمْ، فَقَالَ: وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ أَيْ: تَمِيلُ إِلَيْهِ وَتَشْتَهِيهِ مِنْ غَيْرِ الْتِفَاتٍ إِلَى مَا هُوَ الْحَقُّ الَّذِي يَجِبُ الِاتِّبَاعُ لَهُ. قَرَأَ الْجُمْهُورُ: يَتَّبِعُونَ بِالتَّحْتِيَّةِ عَلَى الْغَيْبَةِ، وَقَرَأَ عيسى بن عمر وأيوب وابن السّميقع بِالْفَوْقِيَّةِ عَلَى الْخِطَابِ، وَرُوِيَتْ هَذِهِ الْقِرَاءَةُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَطَلْحَةَ وَابْنِ وَثَّابٍ. وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى أَيِ: الْبَيَانُ الْوَاضِحُ الظَّاهِرُ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِآلِهَةٍ، وَالْجُمْلَةُ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ مِنْ فَاعِلِ يَتَّبِعُونَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اعْتِرَاضًا، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى. وَالْمَعْنَى: كَيْفَ يَتَّبِعُونَ ذَلِكَ وَالْحَالُ أَنْ قَدْ جَاءَهُمْ مَا فِيهِ هُدًى لَهُمْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ الَّذِي بَعَثَهُ اللَّهُ بَيْنَ ظَهْرَانِيهِمْ، وَجَعَلَهُ مِنْ أَنْفُسِهِمْ أَمْ لِلْإِنْسانِ مَا تَمَنَّى «أَمْ» هِيَ الْمُنْقَطِعَةُ الْمُقَدَّرَةُ بِبَلْ وَالْهَمْزَةِ الَّتِي لِلْإِنْكَارِ، فَأَضْرَبَ عَنِ اتِّبَاعِهِمُ الظَّنَّ الَّذِي هُوَ مُجَرَّدُ التَّوَهُّمِ، وَعَنِ اتِّبَاعِهِمْ هَوَى الْأَنْفُسِ وَمَا تَمِيلُ إِلَيْهِ، وَانْتَقَلَ إِلَى إِنْكَارِ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ مَا يَتَمَنَّوْنَ مِنْ كَوْنِ الْأَصْنَامِ تَنْفَعُهُمْ وَتَشْفَعُ لَهُمْ. ثُمَّ عَلَّلَ انْتِفَاءَ أَنْ يَكُونَ لِلْإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى بِقَوْلِهِ: فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولى أَيْ: إِنَّ أُمُورَ الْآخِرَةِ وَالدُّنْيَا بِأَسْرِهَا لِلَّهِ عز وجل، فَلَيْسَ لَهُمْ مَعَهُ أَمْرٌ مِنَ الْأُمُورِ، وَمِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ أُمْنِيَاتُهُمُ الْبَاطِلَةُ وَأَطْمَاعُهُمُ الْفَارِغَةُ، ثُمَّ أَكَّدَ ذَلِكَ وَزَادَ فِي إِبْطَالِ مَا يَتَمَنَّوْنَهُ فَقَالَ: وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لَا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً و «كم» هُنَا هِيَ الْخَبَرِيَّةُ الْمُفِيدَةُ لِلتَّكْثِيرِ، وَمَحَلُّهَا الرَّفْعُ عَلَى الِابْتِدَاءِ، وَالْجُمْلَةُ بَعْدَهَا خَبَرُهَا، وَلِمَا فِي كَمْ مِنْ مَعْنَى التَّكْثِيرِ جَمَعَ الضَّمِيرَ فِي شَفَاعَتُهُمْ مَعَ إِفْرَادِ الْمَلَكِ، وَالْمَعْنَى: التَّوْبِيخُ لَهُمْ بِمَا يَتَمَنَّوْنَ وَيَطْمَعُونَ فِيهِ مِنْ شَفَاعَةِ الْأَصْنَامِ مَعَ كَوْنِ الْمَلَائِكَةِ مَعَ كَثْرَةِ عِبَادَتِهَا وَكَرَامَتِهَا عَلَى اللَّهِ لَا تَشْفَعُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ أن يشفع له، فكيف هذه الْجَمَادَاتِ الْفَاقِدَةِ لِلْعَقْلِ وَالْفَهْمِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ: إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لَهُمْ بِالشَّفَاعَةِ لِمَنْ يَشاءُ أَنْ يَشْفَعُوا لَهُ وَيَرْضى بِالشَّفَاعَةِ لَهُ لِكَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ التَّوْحِيدِ، وَلَيْسَ لِلْمُشْرِكِينَ فِي ذَلِكَ حَظٌّ، وَلَا يَأْذَنُ اللَّهُ بِالشَّفَاعَةِ لَهُمْ، وَلَا يَرْضَاهَا لِكَوْنِهِمْ لَيْسُوا مِنَ المستحقّين لها.
وقد أخرج ابن جرير وعن ابْنِ عَبَّاسٍ وَالنَّجْمِ إِذا هَوى قَالَ: إِذَا انْصَبَّ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْهُ قَالَ: هُوَ الثُّرَيَّا إِذَا تَدَلَّتْ. وَأَخْرَجَ عَنْهُ أَيْضًا قَالَ: أقسم الله أنه مَا ضَلَّ مُحَمَّدٌ وَلَا غَوَى. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ: ذُو مِرَّةٍ قَالَ: ذُو خَلْقٍ حَسَنٍ. وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالطَّبَرَانِيُّ، وَأَبُو الشَّيْخِ فِي الْعَظَمَةِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَرَ جِبْرِيلَ فِي صُورَتِهِ إِلَّا مَرَّتَيْنِ، أَمَّا وَاحِدَةٌ فَإِنَّهُ سَأَلَهُ أن يراه في صورته فأراه صوته فَسَدَّ الْأُفُقَ، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَإِنَّهُ كَانَ مَعَهُ حَيْثُ صَعِدَ فَذَلِكَ قَوْلُهُ: وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى - لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى قَالَ: خَلْقَ جِبْرِيلَ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «رَأَيْتُ جِبْرِيلَ عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى لَهُ ستّمائة جناح»
وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْهُ أَيْضًا. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى قَالَ: مطلع الشمس.
وأخرج البخاري ومسلم وغير هما عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي قَوْلِهِ: فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى قَالَ: «رَأَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم جِبْرِيلَ لَهُ سِتُّمِائَةِ جَنَاحٍ» . وَأَخْرَجَ الْفِرْيَابِيُّ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَالطَّبَرَانِيُّ، وَأَبُو الشَّيْخِ فِي الْعَظَمَةِ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَأَبُو نُعَيْمٍ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي قَوْلِهِ:
مَا كَذَبَ الْفُؤادُ مَا رَأى قَالَ: «رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جِبْرِيلَ عَلَيْهِ حُلَّتَا رَفْرَفٍ أَخْضَرَ، قَدْ مَلَأَ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ» . وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْهُ قَالَ: دَنَا رَبُّهُ فَتَدَلَّى. وأخرج قَالَ: هُوَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم دَنَا فَتَدَلَّى إِلَى رَبِّهِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْهُ قَالَ: دَنَا رَبُّهُ فَتَدَلَّى. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي قَوْلِهِ: فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ قَالَ: دَنَا جِبْرِيلُ مِنْهُ حَتَّى كَانَ قَدْرَ ذِرَاعٍ أَوْ ذِرَاعَيْنِ. وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالضِّيَاءُ فِي الْمُخْتَارَةِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الْقَابُ: الْقِيدُ، وَالْقَوْسَيْنِ: الذِّرَاعَيْنِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: لَمَّا أُسْرِيَ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم اقْتَرَبَ مِنْ رَبِّهِ، فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى، أَلَمْ تَرَ إِلَى الْقَوْسِ مَا أَقْرَبَهَا مِنَ الْوَتَرِ. وَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ مَا أَوْحى
قَالَ: عَبْدِهِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم.
وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ وَالطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ، عَنْهُ فِي قَوْلِهِ: مَا كَذَبَ الْفُؤادُ مَا رَأى - وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى قَالَ: رَأَى مُحَمَّدٌ رَبَّهُ بِقَلْبِهِ مَرَّتَيْنِ. وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ عَنْهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَالطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: رَأَى مُحَمَّدٌ رَبَّهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَأَى رَبَّهُ بِعَيْنِهِ. وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْهُ قَالَ: رَأَى مُحَمَّدٌ رَبَّهُ مَرَّتَيْنِ، مَرَّةً بِبَصَرِهِ وَمَرَّةً بِفُؤَادِهِ. وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَالطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْهُ أَيْضًا قَالَ: لَقَدْ رَأَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَبَّهُ عز وجل. وَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْهُ أَيْضًا قَالَ: أَتَعْجَبُونَ أَنْ تَكُونَ الْخُلَّةُ لِإِبْرَاهِيمَ، وَالْكَلَامُ لِمُوسَى، وَالرُّؤْيَةُ لِمُحَمَّدٍ؟ وَقَدْ رُوِيَ نَحْوُ هَذَا عَنْهُ مِنْ طُرُقٍ. وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ:«سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: هَلْ رَأَيْتَ رَبَّكَ؟» قَالَ: نُورٌ أَنَّى أَرَاهُ؟» . وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْهُ «أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: هل رَأَيْتَ رَبَّكَ؟ قَالَ: رَأَيْتُ نُورًا» . وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ أَيْضًا قَالَ: رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَبَّهُ بِقَلْبِهِ وَلَمْ يَرَهُ بِبَصَرِهِ. وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي قَوْلِهِ: وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى قَالَ جِبْرِيلَ. وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ مسعود:
«لَمَّا أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم انْتَهَى إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، وَهِيَ فِي السماء السادسة، إليها ينتهي ما يصعد مِنَ الْأَرْوَاحِ فَيُقْبَضُ مِنْهَا، وَإِلَيْهَا يَنْتَهِي مَا يُهْبَطُ بِهِ مِنْ فَوْقِهَا فَيُقْبَضُ مِنْهَا» إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشى قَالَ: فَرَاشٌ مِنْ ذَهَبَ. وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ فِي الْعَظَمَةِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ:«الْجَنَّةُ فِي السَّمَاءِ السَّابِعَةِ الْعُلْيَا، وَالنَّارُ فِي الْأَرْضِ السَّابِعَةِ السُّفْلَى» . وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ اللات رجالا يَلِتُّ السَّوِيقَ لِلْحَاجِّ. وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْهُ: أَنَّ الْعُزَّى كَانَتْ بِبَطْنِ نَخْلَةَ، وَأَنَّ اللات كانت بالطائف، وأن