الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جرير عنه أيضا، وقالَ قَرِينُهُ قَالَ: شَيْطَانُهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي قَوْلِهِ:
لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ قَالَ: إِنَّهُمُ اعْتَذَرُوا بِغَيْرِ عُذْرٍ فَأَبْطَلَ اللَّهُ حُجَّتَهُمْ وَرَدَّ عَلَيْهِمْ قَوْلَهُمْ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ: وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ قَالَ: مَا أَنَا بِمُعَذِّبٍ مَنْ لَمْ يَجْتَرِمْ «1» . وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ أَيْضًا، فِي قَوْلِهِ: يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ قَالَ: وَهَلْ فِيَّ مِنْ مَكَانٍ يُزَادُ فِيَّ؟ وأخرج البخاري ومسلم وغير هما عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا تَزَالُ جَهَنَّمُ يُلْقَى فِيهَا وَتَقُولُ: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ، حَتَّى يَضَعَ رَبُّ الْعِزَّةِ فِيهَا قَدَمَهُ، فَيَنْزَوِي بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ وَتَقُولُ: قَطْ قَطْ، وَعِزَّتِكَ وَكَرَمِكَ. وَلَا يَزَالُ فِي الْجَنَّةِ فَضْلٌ حَتَّى يُنْشِئَ اللَّهُ لَهَا خَلْقًا آخَرَ فَيُسْكِنَهُمْ فِي فُضُولِ الْجَنَّةِ» . وَأَخْرَجَا أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ نَحْوَهُ، وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ قَالَ: حَفِظَ ذُنُوبَهُ حَتَّى رَجَعَ عَنْهَا. وَأَخْرَجَ الْبَزَّارُ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْبَعْثِ وَالنُّشُورِ، عَنْ أَنَسٍ، فِي قَوْلِهِ: وَلَدَيْنا مَزِيدٌ قَالَ: يَتَجَلَّى لَهُمُ الرَّبُّ تبارك وتعالى فِي كُلِّ جُمُعَةٍ. وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الرُّؤْيَةِ، وَالدَّيْلَمِيُّ عَنْ عَلِيٍّ فِي الْآيَةِ قَالَ: يَتَجَلَّى لَهُمُ الرَّبُّ عز وجل. وفي الباب أحاديث.
[سورة ق (50) : الآيات 36 الى 45]
وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ (36) إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (37) وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ (38) فَاصْبِرْ عَلى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ (39) وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبارَ السُّجُودِ (40)
وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ (41) يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ (42) إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ (43) يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِراعاً ذلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنا يَسِيرٌ (44) نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ (45)
خَوَّفَ سُبْحَانَهُ أَهْلَ مَكَّةَ بِمَا اتَّفَقَ لِلْقُرُونِ الْمَاضِيَةِ قَبْلَهُمْ أَيْ: قَبْلَ قُرَيْشٍ وَمَنْ وَافَقَهُمْ مِنْ قَرْنٍ أَيْ: مِنْ أُمَّةٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً أَيْ: قُوَّةً كعاد وثمود وغير هما فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ أَيْ: سَارُوا وَتَقَلَّبُوا فِيهَا وَطَافُوا بِقَاعِهَا. وَأَصْلُهُ مِنَ النَّقْبِ، وَهُوَ الطَّرِيقُ. قَالَ مُجَاهِدٌ: ضَرَبُوا وَطَافُوا. وَقَالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ: دَوَّرُوا. وَقَالَ الْمُؤَرِّجُ: تَبَاعَدُوا. وَالْأَوَّلُ أَوْلَى. وَمِنْهُ قَوْلُ امْرِئِ الْقَيْسِ:
وَقَدْ نَقَّبْتُ فِي الْآفَاقِ حَتَّى
…
رَضِيتُ مِنَ الْغَنِيمَةِ بِالْإِيَابِ
وَمِثْلُهُ قَوْلُ الْحَارِثِ بْنِ حِلِّزَةَ:
نَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ مِنْ حَذَرِ الْمَوْ
…
تِ وَجَالُوا فِي الْأَرْضِ كلّ مجال
(1) . «يجترم» : يرتكب الذّنب.
وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ وَأَبُو الْعَالِيَةِ وَأَبُو عَمْرٍو فِي رِوَايَةٍ: نَقَبُوا بِفَتْحِ الْقَافِ مُخَفَّفَةً، وَالنَّقْبُ: هُوَ الْخَرْقُ وَالطَّرِيقُ فِي الْجَبَلِ وَكَذَا الْمَنْقَبُ وَالْمَنْقَبَةُ، كَذَا قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ، وَجَمْعُ النَّقْبِ نُقُوبٌ. وَقَرَأَ السُّلَمِيُّ وَيَحْيَى بْنُ يَعْمَرَ بِكَسْرِ الْقَافِ مُشَدَّدَةً عَلَى الْأَمْرِ لِلتَّهْدِيدِ، أَيْ: طُوفُوا فِيهَا وَسِيرُوا فِي جَوَانِبِهَا. وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِفَتْحِ الْقَافِ مُشَدَّدَةً عَلَى الْمَاضِي. هَلْ مِنْ مَحِيصٍ أَيْ: هَلْ لَهُمْ مِنْ مَهْرَبٍ يَهْرُبُونَ إِلَيْهِ، أَوْ مَخْلَصٍ يَتَخَلَّصُونَ بِهِ مِنَ الْعَذَابِ. قَالَ الزَّجَّاجُ: لَمْ يَرَوْا مَحِيصًا مِنَ الْمَوْتِ، وَالْمَحِيصُ مَصْدَرُ حَاصَ عَنْهُ يَحِيصُ حَيْصًا وَحُيُوصًا وَمَحِيصًا وَمَحَاصًا وَحَيَصَانًا، أَيْ: عَدَلَ وَحَادَ، وَالْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ لِبَيَانِ أَنَّهُ لَا مَهْرَبَ لَهُمْ، وَفِي هَذَا إِنْذَارٌ لِأَهْلِ مَكَّةَ أَنَّهُمْ مِثْلُ مَنْ قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ لَا يَجِدُونَ مِنَ الْمَوْتِ وَالْعَذَابِ مَفَرًّا إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى أَيْ:
فِيمَا ذُكِرَ مِنْ قِصَّتِهِمْ تَذْكِرَةٌ وَمَوْعِظَةٌ لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَيْ: عَقْلٌ. قَالَ الْفَرَّاءُ: وَهَذَا جَائِزٌ فِي الْعَرَبِيَّةِ، تَقُولُ: مَا لَكَ قَلْبٌ، وَمَا قَلْبُكَ مَعَكَ، أَيْ: مَا لَكَ عَقْلٌ، وَمَا عَقْلُكَ مَعَكَ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ الْقَلْبُ نَفْسُهُ، لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ سَلِيمًا أَدْرَكَ الْحَقَائِقَ وَتَفَكَّرَ كَمَا يَنْبَغِي. وَقِيلَ: لِمَنْ كَانَ لَهُ حَيَاةٌ وَنَفْسٌ مُمَيِّزَةٌ، فَعَبَّرَ عَنْ ذَلِكَ بِالْقَلْبِ لِأَنَّهُ وَطَنُهَا وَمَعْدِنُ حَيَاتِهَا، وَمِنْهُ قَوْلُ امْرِئِ الْقَيْسِ:
أَغَرَّكِ مِنِّي أَنَّ حُبَّكِ قَاتِلِي
…
وَأَنَّكِ مَهْمَا تَأْمُرِي النَّفْسَ «1» تَفْعَلِ
أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ أَيِ: اسْتَمَعَ مَا يُقَالُ لَهُ، يُقَالُ: أَلْقِ سَمْعَكَ إِلَيَّ، أَيِ: اسْتَمِعْ مِنِّي، وَالْمَعْنَى:
أَنَّهُ أَلْقَى السَّمْعَ إِلَى مَا يُتْلَى عَلَيْهِ مِنَ الْوَحْيِ الْحَاكِي لِمَا جَرَى عَلَى تِلْكَ الْأُمَمِ. قَرَأَ الْجُمْهُورُ: أَلْقَى مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ. وَقَرَأَ السُّلَمِيُّ وَطَلْحَةُ وَالسُّدِّيُّ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَرَفْعِ السَّمْعِ وَهُوَ شَهِيدٌ أَيْ: حَاضِرُ الْفَهْمِ أَوْ حَاضِرُ الْقَلْبِ لِأَنَّ مَنْ لَا يَفْهَمُ فِي حُكْمِ الْغَائِبِ وَإِنْ حَضَرَ بِجِسْمِهِ فَهُوَ لَمْ يَحْضُرْ بِفَهْمِهِ. قَالَ الزَّجَّاجُ:
أَيْ: وَقَلْبُهُ حَاضِرٌ فِيمَا يَسْمَعُ. قَالَ سُفْيَانُ: أَيْ لَا يَكُونُ حَاضِرًا وَقَلْبُهُ غَائِبٌ. قَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ: هَذِهِ الْآيَةُ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ، وَكَذَا قَالَ الْحَسَنُ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ وَأَبُو صَالِحٍ: إِنَّهَا فِي أَهْلِ الْقُرْآنِ خَاصَّةً وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ قَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ وَغَيْرِهَا وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ اللُّغُوبُ: التَّعَبُ وَالْإِعْيَاءُ، تَقُولُ: لَغَبَ يَلْغُبُ بِالضَّمِّ لُغُوبًا. قَالَ الْوَاحِدِيُّ: قَالَ جَمَاعَةُ الْمُفَسِّرِينَ: إِنَّ الْيَهُودَ قَالُوا: خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ، أَوَّلُهَا الْأَحَدُ وَآخِرُهَا الْجُمُعَةُ، وَاسْتَرَاحَ يَوْمَ السبت، فكذّبهم اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ: وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ- فَاصْبِرْ عَلى مَا يَقُولُونَ هذه تسلية للنبيّ صلى الله عليه وسلم وأمر لهم بِالصَّبْرِ عَلَى مَا يَقُولُهُ الْمُشْرِكُونَ، أَيْ: هَوِّنْ عَلَيْكَ، وَلَا تَحْزَنْ لِقَوْلِهِمْ وَتَلَقَّ مَا يَرِدُ عَلَيْكَ مِنْهُ بِالصَّبْرِ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ أَيْ: نَزِّهِ اللَّهَ عمّا لا يليق بجنابه العالي متلبسا بِحَمْدِهِ وَقْتَ الْفَجْرِ وَوَقْتَ الْعَصْرِ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ صَلَاةُ الْفَجْرِ وَصَلَاةُ الْعَصْرِ، وَقِيلَ: الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَقِيلَ: صَلِّ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ غُرُوبِهَا، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ: أَيْ سَبِّحْهُ بَعْضَ اللَّيْلِ، وَقِيلَ: هِيَ صَلَاةُ اللَّيْلِ، وَقِيلَ: رَكْعَتَا الْفَجْرِ، وَقِيلَ: صلاة العشاء،
(1) . وفي رواية: القلب.
وَالْأَوَّلُ أَوْلَى وَأَدْبارَ السُّجُودِ أَيْ: وَسَبِّحْهُ أَعْقَابَ الصَّلَوَاتِ. قَرَأَ الْجُمْهُورُ: أَدْبارَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ جَمْعَ دُبُرٍ. وَقَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ كَثِيرٍ وَحَمْزَةُ بِكَسْرِهَا عَلَى الْمَصْدَرِ، مِنْ أَدْبَرَ الشَّيْءُ إِدْبَارًا إِذَا وَلَّى. وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ: إِدْبَارُ السُّجُودِ الرَّكْعَتَانِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ، وَإِدْبَارُ النُّجُومِ: الرَّكْعَتَانِ قَبْلَ الْفَجْرِ. وَقَدِ اتَّفَقَ الْقُرَّاءُ السَّبْعَةُ فِي إدبار النُّجُومِ أَنَّهُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ كَمَا سَيَأْتِي وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ أَيِ: اسْتَمِعْ مَا يُوحَى إليك من أحوال القيامة يوم ينادي المناد، وَهُوَ إِسْرَافِيلُ أَوْ جِبْرِيلُ، وَقِيلَ: اسْتَمِعِ النِّدَاءَ أَوِ الصَّوْتَ أَوِ الصَّيْحَةَ، وَهِيَ صَيْحَةُ الْقِيَامَةِ، أَعْنِي النَّفْخَةَ الثَّانِيَةَ فِي الصُّورِ مِنْ إِسْرَافِيلَ، وَقِيلَ: إِسْرَافِيلُ يَنْفُخُ، وَجِبْرِيلُ يُنَادِي أَهْلَ الْمَحْشَرِ، وَيَقُولُ: هَلُمُّوا لِلْحِسَابِ، فَالنِّدَاءُ عَلَى هَذَا فِي الْمَحْشَرِ. قَالَ مُقَاتِلٌ: هُوَ إِسْرَافِيلُ يُنَادِي بِالْحَشْرِ فَيَقُولُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ هَلُمُّوا لِلْحِسَابِ مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ بِحَيْثُ يَصِلُ النِّدَاءُ إِلَى كُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ أَهْلِ الْمَحْشَرِ. قَالَ قَتَادَةُ: كُنَّا نُحَدِّثُ أَنَّهُ يُنَادِي مِنْ صَخْرَةِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ. قَالَ الْكَلْبِيُّ: وَهِيَ أَقْرَبُ الْأَرْضِ إِلَى السَّمَاءِ بِاثْنَيْ عَشَرَ مِيلًا. وَقَالَ كَعْبٌ: بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ مِيلًا يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ هُوَ بَدَلٌ مِنْ يَوْمَ يُنَادِي، يَعْنِي صَيْحَةَ الْبَعْثِ، وَ «بِالْحَقِّ» مُتَعَلِّقٌ بِالصَّيْحَةِ ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ أَيْ:
يَوْمُ الْخُرُوجِ مِنَ الْقُبُورِ. قَالَ الْكَلْبِيُّ: معنى بالحق: بالبعث. وقال مُقَاتِلٌ: يَعْنِي أَنَّهَا كَائِنَةٌ حَقًّا إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ أَيْ: نُحْيِي فِي الْآخِرَةِ وَنُمِيتُ فِي الدُّنْيَا، لَا يُشَارِكُنَا فِي ذَلِكَ مُشَارِكٌ، وَالْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ لِتَقْرِيرِ أَمْرِ الْبَعْثِ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ فَنُجَازِي كُلَّ عَامِلٍ بِعَمَلِهِ يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ قَرَأَ الْجُمْهُورُ بِإِدْغَامِ التَّاءِ فِي الشِّينِ. وَقَرَأَ الْكُوفِيُّونَ بِتَخْفِيفِ الشِّينِ عَلَى حَذْفِ إِحْدَى التاءين تخفيفا. وقرأ زيد بن عليّ: تشقق بِإِثْبَاتِ التَّاءَيْنِ عَلَى الْأَصْلِ، وَقُرِئَ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ، وَانْتِصَابُ سِراعاً عَلَى أَنَّهُ حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ فِي عَنْهُمْ، وَالْعَامِلُ فِي الْحَالِ تَشَقَّقُ، وَقِيلَ: الْعَامِلُ فِي الْحَالِ هُوَ الْعَامِلُ فِي يَوْمَ، أَيْ: مُسْرِعِينَ إِلَى الْمُنَادِي الَّذِي نَادَاهُمْ ذلِكَ حَشْرٌ أَيْ: بَعْثٌ وَجَمْعٌ عَلَيْنا يَسِيرٌ هَيِّنٌ. ثُمَّ عَزَّى اللَّهُ سُبْحَانَهُ نَبِيَّهُ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:
نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ يَعْنِي مِنْ تَكْذِيبِكَ فِيمَا جِئْتَ بِهِ وَمِنْ إِنْكَارِ الْبَعْثِ وَالتَّوْحِيدِ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ أَيْ: بِمُسَلَّطٍ يُجْبِرُهُمْ وَيَقْهَرُهُمْ عَلَى الْإِيمَانِ، وَالْآيَةُ مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ السَّيْفِ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ أَيْ: مَنْ يَخَافُ وَعِيدِي لِعُصَاتِي بِالْعَذَابِ، وَأَمَّا مَنْ عَدَاهُمْ فَلَا تَشْتَغِلْ بِهِمْ. ثُمَّ أَمَرَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالْقِتَالِ.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ قَالَ: مِنْ نَصَبٍ. وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ وَابْنُ عَسَاكِرَ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي قَوْلِهِ: وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ «صَلَاةِ الصُّبْحِ» وَقَبْلَ الْغُرُوبِ «صَلَاةِ الْعَصْرِ» . وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:«بِتُّ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ فَقَالَ: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ رَكْعَتَانِ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ إِدْبَارَ النُّجُومِ وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ إِدْبَارَ السُّجُودِ» . وَأَخْرَجَ مُسَدَّدٌ فِي مُسْنَدِهِ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: «سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ إِدْبَارِ النُّجُومِ وَإِدْبَارِ السُّجُودِ، فَقَالَ: إِدْبَارُ السُّجُودِ رَكْعَتَانِ
بعد المغرب، وإدبار النجوم ركعتان قَبْلَ الْغَدَاةِ» . وَأَخْرَجَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ فِي الصلاة، وابن المنذر عن عمر ابن الْخَطَّابِ: إِدْبَارُ السُّجُودِ رَكْعَتَانِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ، وَإِدْبَارُ النُّجُومِ رَكْعَتَانِ قَبْلَ الْفَجْرِ. وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ نَصْرٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ مِثْلَهُ.
وَأَخْرَجَ ابن أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ نَصْرٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِثْلَهُ. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَمَرَهُ أَنْ يُسَبِّحَ فِي أَدْبَارِ الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْهُ وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ قَالَ: هِيَ الصَّيْحَةُ. وَأَخْرَجَ الْوَاسِطِيُّ عَنْهُ أَيْضًا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ قَالَ:
مِنْ صَخْرَةِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْهُ أَيْضًا ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ قَالَ: يَوْمُ يَخْرُجُونَ إِلَى الْبَعْثِ مِنَ الْقُبُورِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْهُ أَيْضًا قَالَ: قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ خَوَّفْتَنَا، فَنَزَلَتْ:
فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ.