الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[سورة المدثر (74) : الآيات 38 الى 56]
كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38) إِلَاّ أَصْحابَ الْيَمِينِ (39) فِي جَنَّاتٍ يَتَساءَلُونَ (40) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (41) مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42)
قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ (45) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46) حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ (47)
فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ (48) فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (49) كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (50) فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ (51) بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً (52)
كَلَاّ بَلْ لَا يَخافُونَ الْآخِرَةَ (53) كَلَاّ إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ (54) فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ (55) وَما يَذْكُرُونَ إِلَاّ أَنْ يَشاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ (56)
قَوْلُهُ: كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ أَيْ: مَأْخُوذَةٌ بِعَمَلِهَا وَمُرْتَهِنَةٌ بِهِ، إِمَّا خَلَّصَهَا وَإِمَّا أَوْبَقَهَا، والرهينة: اسم بمعنى الرهن، كالشتيمة بمعنى الشتم، وَلَيْسَتْ صِفَةً، وَلَوْ كَانَتْ صِفَةً لَقِيلَ: رَهِينٌ لِأَنَّ فَعِيلًا يَسْتَوِي فِيهِ الْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ، وَالْمَعْنَى: كُلُّ نَفْسِ رَهْنٌ بِكَسْبِهَا غَيْرُ مَفْكُوكَةٍ إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ فَإِنَّهُمْ لَا يَرْتَهِنُونَ بِذُنُوبِهِمْ، بَلْ يَفُكُّونَ بِمَا أَحْسَنُوا مِنْ أَعْمَالِهِمْ.
وَاخْتُلِفَ فِي تَعْيِينِهِمْ، فَقِيلَ: هُمُ الْمَلَائِكَةُ، وَقِيلَ: الْمُؤْمِنُونَ، وَقِيلَ: أَوْلَادُ الْمُسْلِمِينَ، وَقِيلَ: الَّذِينَ كَانُوا عَنْ يَمِينِ آدَمَ، وَقِيلَ: أَصْحَابُ الْحَقِّ، وَقِيلَ: هُمُ الْمُعْتَمِدُونَ عَلَى الْفَضْلِ دُونَ الْعَمَلِ، وَقِيلَ: هُمُ الَّذِينَ اخْتَارَهُمُ اللَّهُ لِخِدْمَتِهِ، فِي جَنَّاتٍ هُوَ فِي مَحَلِّ رَفْعٍ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ محذوف، والجملة استئناف جوابا عن سُؤَالٍ نَشَأَ مِمَّا قَبْلَهُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي جَنَّاتٍ حَالًا مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ، وَأَنْ يَكُونَ حَالًا مِنْ فَاعِلِ يَتَسَاءَلُونَ، وَأَنْ يَكُونَ ظَرْفًا لَيَتَسَاءَلُونَ، وَقَوْلُهُ: يَتَساءَلُونَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَلَى بَابِهِ، أَيْ: يَسْأَلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى يَسْأَلُونَ، أَيْ: يَسْأَلُونَ غَيْرَهُمْ، نَحْوَ دَعِيَّتِهِ وَتَدَاعِيَتِهِ، فَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ يَكُونُ عَنِ الْمُجْرِمِينَ مُتَعَلِّقًا بِيَتَسَاءَلُونَ، أَيْ: يَسْأَلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا عَنْ أَحْوَالِ الْمُجْرِمِينَ، وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي تَكُونُ عَنْ زَائِدَةً، أَيْ: يَسْأَلُونَ الْمُجْرِمِينَ، وَقَوْلُهُ: مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ هُوَ عَلَى تَقْدِيرِ الْقَوْلِ، أَيْ: يَتَسَاءَلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ يَقُولُونَ لَهُمْ: مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ، أَوْ يَسْأَلُونَهُمْ قَائِلِينَ لَهُمْ: مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ، وَالْجُمْلَةُ عَلَى كِلَا التَّقْدِيرَيْنِ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ، وَالْمَعْنَى: مَا أَدْخَلَكُمْ فِي سَقَرَ، تَقُولُ: سَلَكْتُ الْخَيْطَ فِي كَذَا إِذَا دَخَّلْتَهُ فِيهِ. قَالَ الْكَلْبِيُّ: يَسْأَلُ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ الرَّجُلَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ بِاسْمِهِ، فَيَقُولُ لَهُ:
يَا فلان ما سلكك في النار؟ وقيل: إن المؤمنين يَسْأَلُونَ الْمَلَائِكَةَ عَنْ أَقْرِبَائِهِمْ، فَتَسْأَلُ الْمَلَائِكَةُ الْمُشْرِكِينَ يَقُولُونَ لَهُمْ: مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ؟ قَالَ الْفَرَّاءُ: فِي هَذَا مَا يُقَوِّي أَنَّ أَصْحَابَ الْيَمِينِ هُمُ الْوِلْدَانُ لِأَنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَ الذُّنُوبَ. ثم ذكر سبحانه ما أجاب به أهل النار عليهم فقال: قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ أَيْ: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يُصَلُّونَ لِلَّهِ فِي الدُّنْيَا وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ أَيْ: لَمْ نَتَصَدَّقْ عَلَى الْمَسَاكِينِ، قِيلَ: وَهَذَانَ مَحْمُولَانِ عَلَى الصَّلَاةِ الْوَاجِبَةِ وَالصَّدَقَةِ الْوَاجِبَةِ لِأَنَّهُ لَا تَعْذِيبَ عَلَى غَيْرِ الْوَاجِبِ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْكُفَّارَ مُخَاطَبُونَ بِالشَّرْعِيَّاتِ، وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ أَيْ: نُخَالِطُ أَهْلَ الْبَاطِلِ فِي بَاطِلِهِمْ. قَالَ قَتَادَةُ: كُلَّمَا غَوَى غَاوٍ غَوَيْنَا مَعَهُ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: كُنَّا نُكَذِّبُ مَعَ الْمُكَذِّبِينَ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: نَخُوضُ مع الخائصين فِي أَمْرِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ قَوْلُهُمْ: كَاذِبٌ، مَجْنُونٌ، سَاحِرٌ، شَاعِرٌ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ أَيْ: بِيَوْمِ الْجَزَاءِ وَالْحِسَابِ
حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ وَهُوَ الْمَوْتُ، كَمَا فِي قوله: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ «1» .
فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ أَيْ: شَفَاعَةُ الْمَلَائِكَةِ وَالنَّبِيِّينَ كَمَا تَنْفَعُ الصَّالِحِينَ فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ التَّذْكِرَةُ: التَّذْكِيرُ بِمَوَاعِظِ الْقُرْآنِ، وَالْفَاءُ لِتَرْتِيبِ إِنْكَارِ إِعْرَاضِهِمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ عَلَى مَا قَبْلَهُ مِنْ مُوجِبَاتِ الْإِقْبَالِ عَلَيْهَا، وَانْتِصَابُ مَعْرَضَيْنِ عَلَى الْحَالِ مِنَ الضَّمِيرِ فِي مُتَعَلِّقِ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ، أَيْ: أَيُّ شَيْءٍ حَصَلَ لَهُمْ حَالَ كَوْنِهِمْ مُعْرِضِينَ عَنِ الْقُرْآنِ الَّذِي هُوَ مُشْتَمِلٌ على التذكرة الكبرى والموعظة العظمى.
ثم شبّههم فِي نُفُورِهِمْ عَنِ الْقُرْآنِ بِالْحُمُرِ فَقَالَ: كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ وَالْجُمْلَةُ حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ فِي مُعْرِضِينِ عَلَى التَّدَاخُلِ، وَمَعْنَى مُسْتَنْفِرَةٌ: نَافِرَةٌ، يُقَالُ: نَفَرَ وَاسْتَنْفَرَ، مِثْلَ عَجِبَ وَاسْتَعْجَبَ، وَالْمُرَادُ:
الْحُمُرُ الْوَحْشِيَّةُ. قَرَأَ الْجُمْهُورُ: مُسْتَنْفِرَةٌ بِكَسْرِ الْفَاءِ، أَيْ: نَافِرَةٌ، وَقَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ عَامِرٍ بِفَتْحِهَا، أَيْ: مُنَفَّرَةٌ مَذْعُورَةٌ، وَاخْتَارَ الْقِرَاءَةَ الثَّانِيَةَ أَبُو حَاتِمٍ وَأَبُو عُبَيْدٍ. قَالَ فِي الْكَشَّافِ: الْمُسْتَنْفِرَةُ: الشَّدِيدَةُ النِّفَارِ كَأَنَّهَا تَطْلُبُ النِّفَارِ مِنْ نُفُوسِهَا فِي جَمْعِهَا لَهُ، وَحَمْلِهَا عَلَيْهِ فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ أَيْ: مِنْ رُمَاةٍ يَرْمُونَهَا، وَالْقَسْوَرُ: الرَّامِي، وَجَمْعُهُ قَسْوَرَةٌ قَالَهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَعِكْرِمَةُ وَمُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَابْنُ كَيْسَانَ، وَقِيلَ: هُوَ الْأَسَدُ، قَالَهُ عَطَاءٌ وَالْكَلْبِيُّ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ مِنَ الْقَسْرِ بِمَعْنَى الْقَهْرِ لِأَنَّهُ يَقْهَرُ السِّبَاعَ، وَقِيلَ:
الْقَسْوَرَةُ: أَصْوَاتُ النَّاسِ، وَقِيلَ: الْقَسْوَرَةُ بِلِسَانِ الْعَرَبِ: الْأَسَدُ، وَبِلِسَانِ الْحَبَشَةِ: الرُّمَاةُ. وَقَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: الْقَسْوَرَةُ: أَوَّلُ اللَّيْلِ، أَيْ: فَرَّتْ مِنْ ظُلْمَةِ اللَّيْلِ، وَبِهِ قَالَ عِكْرِمَةُ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، وَكُلُّ شَدِيدٍ عِنْدَ الْعَرَبِ فَهُوَ قَسْوَرَةٌ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
يا بنت كوني خيرة لخيّره
…
أخوالها الجنّ وَأَهْلُ الْقَسْوَرَةْ
وَمِنْهُ قَوْلُ لَبِيَدٍ:
إِذَا مَا هَتَفْنَا هَتْفَةً فِي نَدِيِّنَا
…
أَتَانَا الرِّجَالُ الْعَابِدُونَ الْقَسَاوِرُ
وَمِنْ إِطْلَاقِهِ عَلَى الْأَسَدِ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
مُضْمَرٌ تَحْذَرُهُ الْأَبْطَالُ
…
كَأَنَّهُ الْقَسْوَرُ الْرَّهَّالُ
بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً عَطْفٌ عَلَى مُقَدَّرٍ يَقْتَضِيهِ الْمَقَامُ، كَأَنَّهُ قِيلَ:
لَا يَكْتَفُونَ بِتِلْكَ التَّذْكِرَةِ بَلْ يُرِيدُ
…
قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: إِنَّ كُفَّارَ قُرَيْشٍ قَالُوا لِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم: لِيُصْبِحْ عِنْدَ رَأْسِ كُلِّ رَجُلٍ مِنَّا كِتَابٌ مَنْشُورٌ مِنَ اللَّهِ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ. وَالصُّحُفُ: الْكُتُبُ، وَاحِدَتُهَا صَحِيفَةٌ، وَالْمُنَشَّرَةُ:
الْمَنْشُورَةُ الْمَفْتُوحَةُ، وَمِثْلُ هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُهُ سبحانه: حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ «2» قَرَأَ الْجُمْهُورُ:
مُنَشَّرَةً بِالتَّشْدِيدِ. وَقَرَأَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ بِالتَّخْفِيفِ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: أَيْضًا بِضَمِّ الْحَاءِ مِنْ صُحُفٍ. وَقَرَأَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ بِإِسْكَانِهَا. ثُمَّ رَدَعَهُمُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَنْ هَذِهِ الْمَقَالَةِ وَزَجَرَهُمْ فَقَالَ: كَلَّا بَلْ لَا يَخافُونَ الْآخِرَةَ
(1) . الحجر: 99. [.....]
(2)
. الإسراء: 93.
يَعْنِي عَذَابَ الْآخِرَةِ لِأَنَّهُمْ لَوْ خَافُوا النَّارَ لَمَا اقْتَرَحُوا الْآيَاتِ، وَقِيلَ: كَلَّا بِمَعْنَى حَقًّا. ثُمَّ كَرَّرَ الرَّدْعَ وَالزَّجْرَ لَهُمْ فَقَالَ: كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ يَعْنِي الْقُرْآنَ أَوْ حَقًّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ، وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ يُتَذَكَّرُ بِهِ وَيُتَّعَظُ بِمَوَاعِظِهِ فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ أَيْ: فَمَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّعِظَ بِهِ اتَّعَظَ، ثُمَّ رَدَّ سُبْحَانَهُ الْمَشِيئَةَ إِلَى نَفْسِهِ فَقَالَ:
وَما يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ قَرَأَ الْجُمْهُورُ: يَذْكُرُونَ بِالْيَاءِ التَّحْتِيَّةِ. وَقَرَأَ نَافِعٌ وَيَعْقُوبُ بِالْفَوْقِيَّةِ، وَاتَّفَقُوا عَلَى التَّخْفِيفِ، وَقَوْلُهُ: إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مُفَرَّغٌ مِنْ أَعَمِّ الْأَحْوَالِ. قَالَ مُقَاتِلٌ: إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ لَهُمُ الْهُدَى هُوَ أَهْلُ التَّقْوى أَيْ: هُوَ الْحَقِيقُ بِأَنْ يَتَّقِيَهُ الْمُتَّقُونَ بِتَرْكِ مَعَاصِيهِ وَالْعَمَلِ بِطَاعَاتِهِ وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ أَيْ: هُوَ الْحَقِيقُ بِأَنْ يَغْفِرَ لِلْمُؤْمِنِينَ مَا فَرَطَ مِنْهُمْ مَنِ الذُّنُوبِ، وَالْحَقِيقُ بِأَنْ يَقْبَلَ تَوْبَةَ التَّائِبِينَ مِنَ الْعُصَاةِ فَيَغْفِرَ ذُنُوبَهُمْ.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ قَالَ: مَأْخُوذَةٌ بِعَمَلِهَا.
وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ: إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ قَالَ: هُمُ الْمُسْلِمُونَ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَالْفِرْيَابِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ قَالَ: هُمْ أَطْفَالُ الْمُسْلِمِينَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ قَالَ: الْمَوْتُ. وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ فِي قَوْلِهِ: فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ قَالَ: هُمُ الرُّمَاةُ رِجَالُ الْقِسِيِّ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الْقَسْوَرَةُ: الرِّجَالُ الرماة رجال الْقُنَّصُ.
وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِي حمزة قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ:
الْقَسْوَرَةُ الْأَسَدُ؟ فَقَالَ: مَا أَعْلَمُهُ بِلُغَةِ أَحَدٍ مِنَ الْعَرَبِ الْأَسَدُ! هم عصبة الرجال. وأخرج سفيان ابن عُيَيْنَةَ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ قَسْوَرَةٍ قَالَ: هُوَ رَكْزُ النَّاسِ، يَعْنِي أَصْوَاتَهَمْ.
وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالدَّارِمِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبَزَّارُ وَأَبُو يَعْلَى وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ عَدِيٍّ وَصَحَّحَهُ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: هُوَ أَهْلُ التَّقْوى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ فَقَالَ: قَالَ رَبُّكُمْ أَنَا أَهْلٌ أَنْ أُتَّقَى فَلَا يُجْعَلُ مَعِي إِلَهٌ، فَمَنِ اتَّقَانِي فَلَمْ يَجْعَلْ مَعِي إِلَهًا فَأَنَا أَهْلٌ أَنْ أَغْفِرَ لَهُ» . وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وابن عمر وابن عباس مرفوعا نحوه.