الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة العصر
وَهِيَ مَكِّيَّةٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ. وَقَالَ قَتَادَةُ: هِيَ مَدَنِيَّةٌ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: نَزَلَتْ سُورَةُ الْعَصْرِ بِمَكَّةَ. وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ في الأوسط، والبيهقي في الشعب، عن ابن مُزَيْنَةَ الدَّارِمِيِّ، وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ قَالَ: كَانَ الرَّجُلَانِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِذَا الْتَقَيَا لَمْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى يَقْرَأَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ سُورَةَ الْعَصْرِ.
ثُمَّ يُسَلِّمَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ.
بسم الله الرحمن الرحيم
[سورة العصر (103) : الآيات 1 الى 3]
بسم الله الرحمن الرحيم
وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَاّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ (3)
أَقْسَمَ سُبْحَانَهُ بِالْعَصْرِ وَهُوَ الدَّهْرُ، لِمَا فِيهِ مِنَ الْعِبَرِ مِنْ جِهَةِ مُرُورِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ عَلَى تَقْدِيرِ الْأَدْوَارِ وَتَعَاقُبِ الظَّلَامِ وَالضِّيَاءِ، فَإِنَّ فِي ذَلِكَ دَلَالَةً بَيِّنَةً عَلَى الصَّانِعِ عز وجل وَعَلَى تَوْحِيدِهِ، وَيُقَالُ لِلَّيْلِ: عَصْرٌ وَلِلنَّهَارِ:
عَصْرٌ، وَمِنْهُ قَوْلُ حميد بن ثور:
ولم يلبث الْعَصْرَانِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ
…
إِذَا طَلَبَا أَنْ يُدْرِكَا ما تيمّما
وَيُقَالُ لِلْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ: عَصْرَانِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
وَأَمْطُلُهُ الْعَصْرَيْنِ حَتَّى يَمَلَّنِي
…
وَيَرْضَى بِنِصْفِ الدَّيْنِ وَالْأَنْفُ رَاغِمُ
وَقَالَ قَتَادَةُ وَالْحَسَنُ: الْمُرَادُ بِهِ فِي الْآيَةِ الْعَشِيُّ، وَهُوَ مَا بَيْنَ زَوَالِ الشمس وغروبها، ومنه قول الشاعر:
تروّح بنا يا عَمْرٌو وَقَدْ قَصَرَ الْعَصْرَ
…
وَفِي الرَّوْحَةِ الْأُولَى الْغَنِيمَةُ وَالْأَجْرُ
وَرُوِيَ عَنْ قَتَادَةَ أَيْضًا أَنَّهُ: آخِرُ سَاعَةٍ مِنْ سَاعَاتِ النَّهَارِ، وَقَالَ مُقَاتِلٌ: إِنَّ الْمُرَادَ بِهِ صَلَاةُ الْعَصْرِ وَهِيَ الصَّلَاةُ الْوُسْطَى الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا، وَقِيلَ: هُوَ قَسَمٌ بِعَصْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. قَالَ الزَّجَّاجُ: قَالَ بَعْضُهُمْ مَعْنَاهُ وَرَبِّ الْعَصْرِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ هَذَا جَوَابُ الْقَسَمِ. الْخُسْرُ وَالْخُسْرَانُ: النُّقْصَانُ وَذَهَابُ رَأْسِ الْمَالِ، وَالْمَعْنَى: أَنَّ كُلَّ إِنْسَانٍ فِي الْمَتَاجِرِ وَالْمَسَاعِي وَصَرْفِ الْأَعْمَارِ فِي أَعْمَالِ الدُّنْيَا لَفِي نَقْصٍ وَضَلَالٍ عَنِ الْحَقِّ حَتَّى يَمُوتَ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْإِنْسَانِ الْكَافِرُ، وَقِيلَ: جَمَاعَةٌ مِنَ الْكُفَّارِ، وَهُمُ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، وَالْعَاصُ بْنُ وَائِلٍ، وَالْأَسْوَدُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَسَدٍ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِمَا فِي لَفْظِ الْإِنْسَانِ مِنَ الْعُمُومِ وَلِدَلَالَةِ الِاسْتِثْنَاءِ عَلَيْهِ. قَالَ الْأَخْفَشُ: لَفِي خُسْرٍ فِي هَلَكَةٍ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ:
عُقُوبَةٌ، وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: لَفِي شَرٍّ. قَرَأَ الجمهور: «والعصر» بسكون الصاد. وقرءوا أَيْضًا: خُسْرٍ بِضَمِّ الْخَاءِ وَسُكُونِ السِّينِ. وَقَرَأَ يَحْيَى بْنُ سَلَامٍ وَالْعَصْرِ بِكَسْرِ الصَّادِ. وَقَرَأَ الْأَعْرَجُ وَطَلْحَةُ وَعِيسَى:
خُسْرٍ بِضَمِّ الْخَاءِ وَالسِّينِ، وَرُوِيَتْ هَذِهِ الْقِرَاءَةُ عَنْ عَاصِمٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أَيْ: جَمَعُوا بَيْنَ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ، فَإِنَّهُمْ فِي رِبْحٍ لَا فِي خُسْرٍ لِأَنَّهُمْ عَمِلُوا لِلْآخِرَةِ وَلَمْ تَشْغَلْهُمْ أَعْمَالُ الدُّنْيَا عَنْهَا، وَالِاسْتِثْنَاءُ مُتَّصِلٌ، وَمَنْ قَالَ: إِنَّ الْمُرَادَ بِالْإِنْسَانِ الْكَافِرُ فَقَطْ فَيَكُونُ مُنْقَطِعًا، وَيَدْخُلُ تَحْتَ هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ كُلُّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ، وَلَا وَجْهَ لِمَا قِيلَ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ الصَّحَابَةُ أَوْ بَعْضُهُمْ، فَإِنَّ اللَّفْظَ عَامٌّ لَا يَخْرُجُ عَنْهُ أَحَدٌ مِمَّنْ يَتَّصِفُ بِالْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ أَيْ: وَصَّى بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِالْحَقِّ الَّذِي يَحِقُّ الْقِيَامُ بِهِ، وَهُوَ الْإِيمَانُ بِاللَّهِ وَالتَّوْحِيدُ، وَالْقِيَامُ بِمَا شَرَعَهُ اللَّهُ، وَاجْتِنَابُ مَا نَهَى عَنْهُ. قَالَ قَتَادَةُ:
«بِالْحَقِّ» أَيْ: بِالْقُرْآنِ، وَقِيلَ: بِالتَّوْحِيدِ، وَالْحَمْلُ عَلَى الْعُمُومِ أَوْلَى وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ أَيْ: بِالصَّبْرِ عَنْ مَعَاصِي اللَّهِ سُبْحَانَهُ، وَالصَّبْرِ عَلَى فَرَائِضِهِ. وَفِي جَعْلِ التَّوَاصِي بِالصَّبْرِ قَرِينًا لِلتَّوَاصِي بِالْحَقِّ دَلِيلٌ عَلَى عَظِيمِ قَدْرِهِ وَفَخَامَةِ شَرَفِهِ، وَمَزِيدِ ثَوَابِ الصَّابِرِينَ عَلَى مَا يَحِقُّ الصَّبْرُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ «1» وَأَيْضًا التَّوَاصِي بِالصَّبْرِ مِمَّا يَنْدَرِجُ تَحْتَ التَّوَاصِي بِالْحَقِّ، فَإِفْرَادُهُ بِالذِّكْرِ وَتَخْصِيصُهُ بِالنَّصِّ عَلَيْهِ مِنْ أَعْظَمِ الْأَدِلَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى إِنَافَتِهِ عَلَى خِصَالِ الْحَقِّ، وَمَزِيدِ شَرَفِهِ عَلَيْهَا، وَارْتِفَاعِ طَبَقَتِهِ عَنْهَا.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَالْعَصْرِ قَالَ: الدَّهْرُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْهُ قَالَ:
هُوَ سَاعَةٌ مِنْ سَاعَاتِ النَّهَارِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْهُ أَيْضًا قَالَ: هُوَ مَا قَبْلَ مَغِيبِ الشَّمْسِ مِنَ الْعَشِيِّ. وَأَخْرَجَ الْفِرْيَابِيُّ، وَأَبُو عُبَيْدٍ فِي فَضَائِلِهِ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ الْأَنْبَارِيِّ فِي الْمَصَاحِفِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ:«وَالْعَصْرِ، وَنَوَائِبِ الدَّهْرِ، إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ، وَإِنَّهُ فِيهِ إِلَى آخِرِ الدَّهْرِ» . وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ: «وَالْعَصْرِ، إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ، وَإِنَّهُ لَفِيهِ إِلَى آخِرِ الدهر» .
(1) . البقرة: 153.