الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة الضّحى
وَهِيَ مَكِّيَّةٌ بِلَا خِلَافٍ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الضُّرَيْسِ وَالنَّحَّاسُ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: نَزَلَتْ وَالضُّحى بِمَكَّةَ. وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ، مِنْ طَرِيقٍ أَبِي الْحَسَنِ الْمُقْرِي قَالَ: سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ بْنَ سُلَيْمَانَ يقول: «قرأت على إسماعيل بن قسطنطين، فَلَمَّا بَلَغْتُ وَالضُّحَى قَالَ: كَبِّرْ حَتَّى تَخْتِمَ، وَأَخْبَرَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَثِيرٍ أَنَّهُ قَرَأَ عَلَى مُجَاهِدٍ فَأَمَرَهُ بِذَلِكَ. وَأَخْبَرَهُ مُجَاهِدٌ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَمْرَهُ بِذَلِكَ. وَأَخْبَرَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ أَمْرَهُ بِذَلِكَ. وَأَخْبَرَهُ أُبَيٌّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَهُ بِذَلِكَ» .
وَأَبُو الْحَسَنِ الْمُقْرِي الْمَذْكُورُ هُوَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ الْمُقْرِي. قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: فَهَذِهِ سُنَّةٌ تَفَرَّدَ بِهَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَزِّيُّ مِنْ وَلَدِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ، وَكَانَ إِمَامًا فِي الْقِرَاءَاتِ. وَأَمَّا فِي الْحَدِيثِ فَقَدْ ضَعَّفَهُ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ وَقَالَ: لَا أَخَذْتُ عَنْهُ، وَكَذَلِكَ أَبُو جَعْفَرٍ الْعُقَيْلِيُّ قَالَ: هُوَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ. قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: ثُمَّ اخْتَلَفَ الْقُرَّاءُ فِي مَوْضِعِ هَذَا التَّكْبِيرِ وَكَيْفِيَّتِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُكَبَّرُ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى، وَقَالَ آخَرُونَ: مِنْ آخِرِ الضُّحَى. وَكَيْفِيَّةُ التَّكْبِيرِ عِنْدَ بَعْضِهِمْ أَنْ يَقُولَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، وَيَقْتَصِرَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، اللَّهُ أَكْبَرُ. وَذَكَرُوا فِي مُنَاسَبَةِ التَّكْبِيرِ مِنْ أَوَّلِ الضُّحَى أَنَّهُ لَمَّا تَأَخَّرَ الْوَحْيُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَفَتَرَ تِلْكَ الْمُدَّةَ، ثُمَّ جَاءَ الْمَلَكُ، فَأَوْحَى إِلَيْهِ: وَالضُّحى - وَاللَّيْلِ إِذا سَجى السُّورَةَ كَبَّرَ فَرَحًا وَسُرُورًا، وَلَمْ يَرْوُوا ذَلِكَ بِإِسْنَادٍ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِصِحَّةٍ وَلَا ضَعْفٍ. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا عَنْ جُنْدَبٍ الْبَجَلِيِّ قَالَ: اشْتَكَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يَقُمْ لَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، فَأَتَتْهُ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: يَا مُحَمَّدُ مَا أَرَى شَيْطَانَكَ إِلَّا قَدْ تَرَكَكَ لَمْ يَقْرَبْكَ لَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: وَالضُّحى - وَاللَّيْلِ إِذا سَجى - مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى» . وَأَخْرَجَ الْفِرْيَابِيُّ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَالطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ جُنْدَبٍ قَالَ: أَبْطَأَ جِبْرِيلُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: قَدْ وُدِّعَ مُحَمَّدٌ، فَنَزَلَتْ: مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى. وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ جُنْدَبٍ قَالَ: احْتَبَسَ جِبْرِيلُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ بَعْضُ بَنَاتِ عَمِّهِ: مَا أَرَى صَاحِبَكَ إِلَّا قَدْ قَلَاكَ، فَنَزَلَتْ: وَالضُّحَى. وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ جُنْدَبٍ، وَفِيهِ: فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَةٌ: مَا أَرَى شَيْطَانَكَ إِلَّا قَدْ تَرَكَكَ، فَنَزَلَتْ: وَالضُّحَى.
بسم الله الرحمن الرحيم
[سورة الضحى (93) : الآيات 1 الى 11]
بسم الله الرحمن الرحيم
وَالضُّحى (1) وَاللَّيْلِ إِذا سَجى (2) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى (3) وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى (4)
وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى (5) أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى (6) وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدى (7) وَوَجَدَكَ عائِلاً فَأَغْنى (8) فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ (9)
وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ (10) وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (11)
وَالْمُرَادُ بِالضُّحَى هُنَا النَّهَارُ كُلُّهُ، لِقَوْلِهِ: وَاللَّيْلِ إِذا سَجى فَلَمَّا قَابَلَ الضُّحَى بِاللَّيْلِ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ النَّهَارُ كُلُّهُ لَا بَعْضُهُ. وَهُوَ فِي الْأَصْلِ اسْمٌ لِوَقْتِ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: وَالشَّمْسِ وَضُحاها «1» وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الضُّحَى مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ. وَقَالَ قَتَادَةُ وَمُقَاتِلٌ وَجَعْفَرٌ الصَّادِقُ: إِنَّ المراد الضُّحَى الَّذِي كَلَّمَ اللَّهُ فِيهِ مُوسَى، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: وَاللَّيْلِ إِذا سَجى لَيْلَةُ الْمِعْرَاجِ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالضُّحَى هُوَ السَّاعَةُ الَّتِي خَرَّ فِيهَا السَّحَرَةُ سُجَّدًا، كَمَا فِي قَوْلِهِ: وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى «2» وَقِيلَ: الْمُقْسَمُ بِهِ مُضَافٌ مُقَدَّرٌ كَمَا تَقَدَّمَ فِي نَظَائِرِهِ، أَيْ: وَرَبِّ الضُّحَى، وَقِيلَ: تَقْدِيرُهُ: وَضَحَاوَةِ الضُّحَى، وَلَا وَجْهَ لِهَذَا، فَلِلَّهِ سُبْحَانَهُ أَنْ يُقْسِمَ بِمَا شَاءَ مِنْ خَلْقِهِ، وَقِيلَ: الضُّحَى: نُورُ الْجَنَّةِ، وَاللَّيْلُ: ظُلْمَةُ النَّارِ، وَقِيلَ: الضُّحَى:
نُورُ قُلُوبِ الْعَارِفِينَ، وَاللَّيْلُ: سَوَادُ قُلُوبِ الْكَافِرِينَ، وَاللَّيْلِ إِذا سَجى أَيْ: سَكَنَ، كَذَا قَالَ قَتَادَةُ وَمُجَاهِدٌ وَابْنُ زَيْدٍ وَعِكْرِمَةُ وَغَيْرُهُمْ. يُقَالُ: لَيْلَةٌ سَاجِيَةٌ: أَيْ سَاكِنَةٌ، وَيُقَالُ لِلْعَيْنِ إِذَا سَكَنَ طَرْفُهَا: سَاجِيَةٌ، يُقَالُ: سَجَا الشَّيْءُ يَسْجُو سُجُوًّا إِذَا سَكَنَ. قَالَ عَطَاءٌ: سَجَا: إذا غطّى بالظلمة. وَرَوَى ثَعْلَبٌ عَنِ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ: سَجَا: امْتَدَّ ظَلَامُهُ. وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ: سُجُوُّ اللَّيْلِ: تَغْطِيَتُهُ النَّهَارَ، مِثْلَ مَا يُسْجَى الرَّجُلُ بِالثَّوْبِ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: غَشَّى بِظَلَامِهِ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: أَقْبَلَ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ أَيْضًا: اسْتَوَى، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْمُفَسِّرِينَ وَأَهْلُ اللُّغَةِ. وَمَعْنَى سُكُونِهِ: اسْتِقْرَارُ ظَلَامِهِ وَاسْتِوَاؤُهُ، فَلَا يُزَادُ بَعْدَ ذَلِكَ. مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ هَذَا جَوَابُ الْقَسَمِ، أَيْ: مَا قَطَعَكَ قَطْعَ الْمُوَدِّعِ. قَرَأَ الْجُمْهُورُ: «مَا وَدَّعَكَ» بِتَشْدِيدِ الدَّالِ مِنَ التَّوْدِيعِ، وَهُوَ تَوْدِيعُ الْمُفَارِقِ، وقرأ ابن عباس وعروة بن الزبير وابنه هَاشِمٍ وَابْنُ أَبِي عَبْلَةَ وَأَبُو حَيْوَةَ بِتَخْفِيفِهَا، مِنْ قَوْلِهِمْ وَدَعَهُ، أَيْ: تَرَكَهُ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
سَلْ أَمِيرِي مَا الَّذِي غَيَّرَهُ
…
عَنْ وِصَالِي الْيَوْمَ حَتَّى وَدَّعَهُ
وَالتَّوْدِيعُ أَبْلَغُ فِي الوداع لِأَنَّ مَنْ وَدَّعَكَ مُفَارِقًا فَقَدْ بَالَغَ فِي تَرْكِكَ. قَالَ الْمُبَرِّدُ: لَا يَكَادُونَ يَقُولُونَ وَدَعَ وَلَا وَذَرَ، لِضَعْفِ الْوَاوِ إِذَا قُدِّمَتْ، وَاسْتَغْنَوْا عنها بترك. قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: وَدَّعَكَ: مِنَ التَّوْدِيعِ كَمَا يُوَدِّعُ الْمُفَارِقُ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: لَمْ يَقْطَعِ الْوَحْيَ، وَقَدْ قَدَّمْنَا سَبَبَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ فِي فَاتِحَةِ هَذِهِ السُّورَةِ وَما قَلى الْقِلَى: الْبُغْضُ، يُقَالُ: قَلَاهُ يَقْلِيهِ قِلَاءً. قَالَ الزَّجَّاجُ: وَمَا أَبْغَضَكَ، وَقَالَ: وَمَا قَلَى، وَلَمْ يَقُلْ وَمَا قَلَاكَ لِمُوَافَقَةِ رُؤُوسِ الْآيِ، وَالْمَعْنَى: وَمَا أَبْغَضَكَ، وَمِنْهُ قَوْلُ امْرِئِ الْقَيْسِ:
وَلَسْتُ بِمُقْلِي الْخِلَالِ ولا قال «3»
وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى اللَّامُ جَوَابُ قَسَمٍ مَحْذُوفٍ، أَيِ: الْجَنَّةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الدُّنْيَا، مَعَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَدْ أُوتِيَ فِي الدُّنْيَا مِنْ شَرَفِ النُّبُوَّةِ مَا يَصْغُرُ عِنْدَهُ كُلُّ شَرَفٍ، وَيَتَضَاءَلُ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ كُلُّ مَكْرُمَةٍ فِي الدُّنْيَا، وَلَكِنَّهَا لَمَّا كَانَتِ الدُّنْيَا بِأَسْرِهَا مَشُوبَةً بِالْأَكْدَارِ، مُنَغَّصَةً بِالْعَوَارِضِ البشرية، وكانت الحياة فيها
(1) . الشمس: 1.
(2)
. طه: 59.
(3)
. وصدر البيت: صرفت الهوى عنهن من خشية الردى.
كَأَحْلَامِ نَائِمٍ، أَوْ كَظِلٍّ زَائِلٍ، لَمْ تَكُنْ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْآخِرَةِ شَيْئًا وَلَمَّا كَانَتْ طَرِيقًا إِلَى الْآخِرَةِ وَسَبَبًا لِنَيْلِ مَا أَعَدَّهُ اللَّهُ لِعِبَادِهِ الصَّالِحِينَ مِنَ الْخَيْرِ الْعَظِيمِ بِمَا يَفْعَلُونَهُ فِيهَا مِنَ الْأَعْمَالِ الْمُوجِبَةِ لِلْفَوْزِ بِالْجَنَّةِ كَانَ فِيهَا خَيْرٌ فِي الْجُمْلَةِ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ. وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى هَذِهِ اللَّامُ قِيلَ: هِيَ لَامُ الِابْتِدَاءِ دَخَلَتْ عَلَى الْخَبَرِ لِتَأْكِيدِ مَضْمُونِ الْجُمْلَةِ، وَالْمُبْتَدَأُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: وَلَأَنْتَ سَوْفَ يُعْطِيكَ إِلَخْ، وَلَيْسَتْ لِلْقَسَمِ لِأَنَّهَا لَا تَدْخُلُ عَلَى الْمُضَارِعِ إِلَّا مَعَ النُّونِ الْمُؤَكِّدَةِ، وَقِيلَ: هِيَ لِلْقَسَمِ. قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ: لَيْسَتْ هَذِهِ اللَّامُ هِيَ الَّتِي فِي قَوْلِكَ: إِنَّ زَيْدًا لَقَائِمٌ، بَلْ هِيَ الَّتِي فِي قَوْلِكَ: لَأَقُومَنَّ، وَنَابَتْ سَوْفَ عَنْ إِحْدَى نُونَيِ التَّأْكِيدِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: وَلَيُعْطِيَنَّكَ. قِيلَ: الْمَعْنَى: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ الْفَتْحَ فِي الدُّنْيَا وَالثَّوَابَ فِي الْآخِرَةِ فَتَرْضَى.
وَقِيلَ: الْحَوْضُ وَالشَّفَاعَةُ، وَقِيلَ: أَلْفُ قَصْرٍ مِنْ لُؤْلُؤٍ أَبْيَضَ تُرَابُهُ الْمِسْكُ، وَقِيلَ: غَيْرُ ذَلِكَ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ يُعْطِيهِ مَا يَرْضَى بِهِ مِنْ خَيْرَيِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمِنْ أَهَمِّ ذَلِكَ عِنْدَهُ وَأَقْدَمِهِ لَدَيْهِ قَبُولُ شَفَاعَتِهِ لِأُمَّتِهِ.
أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى هذا شروع فِي تِعْدَادِ مَا أَفَاضَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَلَيْهِ مِنَ النِّعَمِ، أَيْ: وَجَدَكَ يَتِيمًا لَا أَبَ لَكَ فَآوَى، أَيْ: جَعَلَ لَكَ مَأْوًى تَأْوِي إِلَيْهِ، قَرَأَ الْجُمْهُورُ:«فَآوَى» بِأَلِفٍ بَعْدَ الْهَمْزَةِ رُبَاعِيًّا، مِنْ آوَاهُ يُؤْوِيهِ، وَقَرَأَ أَبُو الْأَشْهَبِ:«فَأَوَى» ثُلَاثِيًّا، وَهُوَ إِمَّا بِمَعْنَى الرُّبَاعِيِّ، أَوْ هُوَ مِنْ أَوَى لَهُ إِذَا رَحِمَهُ.
وَعَنْ مُجَاهِدٍ مَعْنَى الْآيَةِ: أَلَمْ يَجِدْكَ وَاحِدًا فِي شَرَفِكَ لَا نَظِيرَ لَكَ فَآوَاكَ اللَّهُ بِأَصْحَابٍ يَحْفَظُونَكَ وَيَحُوطُونَكَ، فَجَعَلَ يَتِيمًا مِنْ قَوْلِهِمْ: دُرَّةٌ يَتِيمَةٌ، وَهُوَ بِعِيدٌ جِدًّا، وَالْهَمْزَةُ لِإِنْكَارِ النَّفْيِ وَتَقْرِيرِ الْمَنْفِيِّ عَلَى أَبْلَغِ وَجْهٍ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: قَدْ وَجَدَكَ يَتِيمًا فَآوَى، وَالْوُجُودُ بِمَعْنَى الْعِلْمِ، وَيَتِيمًا مَفْعُولُهُ الثَّانِي، وَقِيلَ: بِمَعْنَى الْمُصَادَفَةِ، وَيَتِيمًا حَالٌ مِنْ مَفْعُولِهِ وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى مَعْطُوفٌ عَلَى الْمُضَارِعِ الْمَنْفِيِّ، وَقِيلَ: هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ الْكَلَامُ الَّذِي قَبْلَهُ كَمَا ذَكَرْنَا، أَيْ: قَدْ وَجَدَكَ يَتِيمًا فَآوَى وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى، وَالضَّلَالُ هُنَا بِمَعْنَى الْغَفْلَةِ، كَمَا فِي قوله: لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى «1» وَكَمَا فِي قَوْلِهِ: وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ «2» وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ وَجَدَكَ غَافِلًا عَمَّا يُرَادُ بِكَ مِنْ أَمْرِ النُّبُوَّةِ، وَاخْتَارَ هَذَا الزَّجَّاجُ. وَقِيلَ: مَعْنَى ضَالًّا: لَمْ تَكُنْ تَدْرِي الْقُرْآنَ وَلَا الشَّرَائِعَ فَهَدَاكَ لِذَلِكَ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ وَالسُّدِّيُّ وَالْفَرَّاءُ: وَجَدَكَ فِي قَوْمِ ضَلَالٍ فَهَدَاهُمُ اللَّهُ لَكَ. وَقِيلَ: وَجَدَكَ طَالِبًا لِلْقِبْلَةِ فَهَدَاكَ إِلَيْهَا كَمَا فِي قَوْلِهِ: قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها «3» وَيَكُونُ الضَّلَالُ بِمَعْنَى الطَّلَبِ. وَقِيلَ: وَجَدَكَ ضَائِعًا فِي قَوْمِكَ فَهَدَاكَ إِلَيْهِ، وَيَكُونُ الضَّلَالُ بِمَعْنَى الضَّيَاعِ. وَقِيلَ: وَجَدَكَ مُحِبًّا لِلْهِدَايَةِ فَهَدَاكَ إِلَيْهَا، وَيَكُونُ الضَّلَالُ بِمَعْنَى الْمَحَبَّةِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
عَجَبًا لِعَزَّةَ فِي اخْتِيَارِ قَطِيعَتِي
…
بَعْدَ الضَّلَالِ فَحَبْلُهَا قَدْ أَخْلَقَا
وَقِيلَ: وَجَدَكَ ضَالًّا فِي شِعَابِ مَكَّةَ فَهَدَاكَ، أَيْ: رَدَّكَ إِلَى جَدِّكَ عبد المطلب وَوَجَدَكَ عائِلًا فَأَغْنى
(1) . طه: 52.
(2)
. يوسف: 3.
(3)
. البقرة: 144.
أَيْ: وَجَدَكَ فَقِيرًا لَا مَالَ لَكَ فَأَغْنَاكَ، يُقَالُ: عَالَ الرَّجُلُ يَعِيلُ عَيْلَةً إِذَا افْتَقَرَ، وَمِنْهُ قَوْلُ أُحَيْحَةَ بْنِ الْجُلَاحِ:
فَمَا يَدْرِي الْفَقِيرُ مَتَى غِنَاهُ
…
وَمَا يَدْرِي الْغَنِيُّ مَتَى يَعِيلُ
أَيْ: يَفْتَقِرُ. قَالَ الْكَلْبِيُّ: فَأَغْنى أَيْ: رَضَّاكَ بِمَا أَعْطَاكَ مِنَ الرِّزْقِ، وَاخْتَارَ هَذَا الْفَرَّاءُ، قَالَ:
لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ غَنِيًّا مِنْ كَثْرَةٍ، وَلَكِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ رَضَّاهُ بِمَا آتَاهُ، وَذَلِكَ حَقِيقَةُ الْغِنَى. وَقَالَ الْأَخْفَشُ:
عائِلًا ذَا عِيَالٍ، وَمِنْهُ قَوْلُ جَرِيرٍ:
اللَّهُ أَنْزَلَ فِي الْكِتَابِ فَرِيضَةً
…
لِابْنِ السَّبِيلِ وَلِلْفَقِيرِ الْعَائِلِ
وَقِيلَ: فَأَغْنَى بِمَا فَتَحَ لَكَ مِنَ الْفُتُوحِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ السُّورَةَ مَكِّيَّةٌ، وَقِيلَ: بِمَالِ خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ، وَقِيلَ: وَجَدَكَ فَقِيرًا مِنَ الْحُجَجِ وَالْبَرَاهِينِ فَأَغْنَاكَ بِهَا. قَرَأَ الْجُمْهُورُ: «عَائِلًا» وَقَرَأَ محمد بن السّميقع وَالْيَمَانِيُّ «عَيِّلًا» بِكَسْرِ الْيَاءِ الْمُشَدَّدَةِ كَسَيِّدٍ.
ثُمَّ أَوْصَاهُ سُبْحَانَهُ بِالْيَتَامَى وَالْفُقَرَاءِ فَقَالَ: فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ أَيْ: لَا تَقْهَرْهُ بِوَجْهٍ مِنْ وجوه القهر كائنا ما كَانَ. قَالَ مُجَاهِدٌ: لَا تُحَقِّرِ الْيَتِيمَ فَقَدْ كُنْتَ يَتِيمًا. قَالَ الْأَخْفَشُ: لَا تَسَلَّطْ عَلَيْهِ بِالظُّلْمِ، ادْفَعْ إِلَيْهِ حَقَّهُ، وَاذْكُرْ يُتْمَكَ. قَالَ الْفَرَّاءُ وَالزَّجَّاجُ: لَا تَقْهَرُهْ عَلَى مَالِهِ فَتَذْهَبَ بِحَقِّهِ لِضَعْفِهِ، وَكَذَا كَانَتِ الْعَرَبُ تَفْعَلُ فِي حَقِّ الْيَتَامَى تَأْخُذُ أَمْوَالَهُمْ وَتَظْلِمُهُمْ حُقُوقَهُمْ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُحْسِنُ إِلَى الْيَتِيمِ وَيَبَرُّهُ وَيُوصِي بِالْيَتَامَى. قَرَأَ الْجُمْهُورُ:«فَلَا تَقْهَرْ» بِالْقَافِ، وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَالنَّخَعِيُّ وَالشَّعْبِيُّ وَالْأَشْهَبُ الْعُقَيْلِيُّ:
«تَكْهَرُ» بِالْكَافِ، وَالْعَرَبُ تُعَاقِبُ بَيْنَ الْقَافِ وَالْكَافِ. قَالَ النَّحَّاسُ: إِنَّمَا يُقَالُ كَهَرَهُ إِذَا اشْتَدَّ عَلَيْهِ وَغَلُظَ. وَقِيلَ: الْقَهْرُ: الْغَلَبَةُ، وَالْكَهْرُ: الزَّجْرُ. قَالَ أَبُو حَيَّانَ: هِيَ لُغَةٌ، يَعْنِي قِرَاءَةَ الْكَافِ مِثْلُ قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ، واليتيم مَنْصُوبٌ بِتَقْهَرَ. وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ يُقَالُ: نَهَرَهُ وَانْتَهَرَهُ إِذَا اسْتَقْبَلَهُ بِكَلَامٍ يَزْجُرُهُ، فَهُوَ نَهْيٌ عَنْ زَجْرِ السَّائِلِ وَالْإِغْلَاظِ لَهُ، وَلَكِنْ يبذل الْيَسِيرَ أَوْ يَرُدُّهُ بِالْجَمِيلِ. قَالَ الْوَاحِدِيُّ: قَالَ الْمُفَسِّرُونَ:
يُرِيدُ السَّائِلَ عَلَى الْبَابِ، يَقُولُ: لَا تَنْهَرْهُ إِذَا سَأَلَكَ فَقَدْ كُنْتَ فَقِيرًا، فَإِمَّا أن تُطْعِمُهُ، وَإِمَّا أَنْ تَرُدَّهُ رَدًّا لَيِّنًا.
قَالَ قَتَادَةُ: مَعْنَاه رُدَّ السَّائِلَ بِرَحْمَةٍ وَلِينٍ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالسَّائِلِ الَّذِي يَسْأَلُ عَنِ الدِّينِ، فَلَا تَنْهَرْهُ بِالْغِلْظَةِ وَالْجَفْوَةِ، وَأَجِبْهُ بِرِفْقٍ وَلِينٍ، كَذَا قَالَ سُفْيَانُ، وَالسَّائِلَ مَنْصُوبٌ بِتَنْهَرَ، وَالتَّقْدِيرُ: مَهْمَا يَكُنْ مِنْ شَيْءٍ فَلَا تَقْهَرِ الْيَتِيمَ وَلَا تَنْهَرِ السَّائِلَ وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ أَمَرَهُ سُبْحَانَهُ بِالتَّحَدُّثِ بِنِعَمِ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِظْهَارِهَا لِلنَّاسِ وَإِشْهَارِهَا بَيْنَهُمْ، وَالظَّاهِرُ النِّعْمَةُ عَلَى الْعُمُومِ مِنْ غَيْرِ تَخْصِيصٍ بِفَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِهَا أَوْ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِهَا. وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَالْكَلْبِيُّ: الْمُرَادُ بِالنِّعْمَةِ هُنَا الْقُرْآنُ. قَالَ الْكَلْبِيُّ: وَكَانَ الْقُرْآنُ أَعْظَمَ ما أنعم الله بن عَلَيْهِ فَأَمَرَهُ أَنْ يَقْرَأَهُ.
قَالَ الْفَرَّاءُ: وَكَانَ يَقْرَؤُهُ وَيُحَدِّثُ بِهِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ أَيْضًا: الْمُرَادُ بِالنِّعْمَةِ النُّبُوَّةُ الَّتِي أَعْطَاهُ اللَّهُ، وَاخْتَارَ هَذَا الزَّجَّاجُ فَقَالَ: أَيْ بَلِّغْ مَا أُرْسِلْتَ بِهِ وَحَدِّثْ بِالنُّبُوَّةِ الَّتِي آتَاكَ اللَّهُ، وَهِيَ أَجَلُّ النِّعَمِ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: يَعْنِي اشْكُرْ مَا ذُكِرَ مِنَ النِّعْمَةِ عَلَيْكَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ مِنَ الْهُدَى بَعْدَ الضَّلَالَةِ وَجَبْرِ الْيُتْمِ، وَالْإِغْنَاءِ بَعْدَ الْعَيْلَةِ فَاشْكُرْ هَذِهِ النِّعَمَ. وَالتَّحَدُّثُ بِنِعْمَةِ اللَّهِ شُكْرٌ، وَالْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ مُتَعَلِّقٌ بِحَدِّثْ، وَالْفَاءُ غَيْرُ مَانِعَةٍ مِنْ تَعَلُّقِهِ بِهِ، وَهَذِهِ
النَّوَاهِي لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هِيَ نَوَاهٍ لَهُ وَلِأُمَّتِهِ لِأَنَّهُمْ أُسْوَتُهُ، فَكُلُّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ هَذِهِ الْأُمَّةِ مَنْهِيٌّ بِكُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ هَذِهِ النَّوَاهِي.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَاللَّيْلِ إِذا سَجى قَالَ: إِذَا أَقْبَلَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْهُ إِذا سَجى قَالَ: إِذَا ذَهَبَ مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ قَالَ: مَا تَرَكَكَ وَما قَلى قَالَ: مَا أَبْغَضَكَ. وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ، عَنْهُ أَيْضًا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «عُرِضَ عَلَيَّ مَا هُوَ مَفْتُوحٌ لِأُمَّتِي بَعْدِي، فَأَنْزَلَ اللَّهُ وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى» .
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالطَّبَرَانِيُّ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَالْبَيْهَقِيُّ وَأَبُو نُعَيْمٍ عَنْهُ أَيْضًا قَالَ:«عُرِضَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا هُوَ مَفْتُوحٌ عَلَى أُمَّتِهِ مِنْ بَعْدِهِ فَسُرَّ بِذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى فَأَعْطَاهُ فِي الْجَنَّةِ أَلْفَ قَصْرٍ مِنْ لُؤْلُؤٍ تُرَابُهُ الْمِسْكُ، فِي كُلِّ قَصْرٍ مَا يَنْبَغِي لَهُ مِنَ الْأَزْوَاجِ وَالْخَدَمِ» . وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى قَالَ: رِضَاهُ أَنْ يَدْخُلَ أُمَّتُهُ كُلُّهُمُ الْجَنَّةِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْهُ أَيْضًا فِي الْآيَةِ قَالَ: من رضا محمد صلى الله عليه وسلم أَنْ لَا يَدْخُلَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ النَّارَ. وَأَخْرَجَ الْخَطِيبُ فِي التَّلْخِيصِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْهُ أَيْضًا فِي الْآيَةِ قَالَ:
لَا يرضى محمد صلى الله عليه وسلم وَأَحَدٌ مِنْ أُمَّتِهِ فِي النَّارِ، وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنِ ابْنِ عَمْرٍو «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَلَا قَوْلَ اللَّهِ فِي إِبْرَاهِيمَ: فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي «1» وَقَوْلَ عِيسَى إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ «2» الْآيَةَ، فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ: اللَّهُمَّ أُمَّتِي أُمَّتِي، وَبَكَى، فَقَالَ اللَّهُ: يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ فَقُلْ لَهُ: إِنَّا سَنُرْضِيكَ فِي أُمَّتِكَ ولا نسوءك» . وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ، مِنْ طَرِيقِ حَرْبِ بْنِ شُرَيْحٍ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ: أَرَأَيْتَ هَذِهِ الشَّفَاعَةَ الَّتِي يَتَحَدَّثُ بِهَا أَهْلُ الْعِرَاقِ أَحَقٌّ هِيَ؟
قَالَ: إِي والله، حدثني محمد بن الْحَنَفِيَّةِ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَشْفَعُ لِأُمَّتِي حَتَّى يُنَادِيَنِي رَبِّي:
أَرْضِيتَ يَا مُحَمَّدُ؟ فَأَقُولُ: نَعَمْ يَا رَبِّ رَضِيتُ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلِيٌّ فَقَالَ: إِنَّكُمْ تَقُولُونَ يَا مَعْشَرَ أَهْلِ الْعِرَاقِ إِنَّ أرجى آية في كتاب الله: يَا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً «3» قُلْتُ إِنَّا لَنَقُولُ ذَلِكَ، قَالَ: فَكُنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ نَقُولُ: إِنَّ أَرْجَى آيَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى وَهِيَ الشَّفَاعَةُ» . وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ اخْتَارَ اللَّهُ لَنَا الْآخِرَةَ عَلَى الدُّنْيَا، وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى» . وَأَخْرَجَ الْعَسْكَرِيُّ فِي الْمَوَاعِظِ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَابْنُ النَّجَّارِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:«دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى فَاطِمَةَ وَهِيَ تَطْحَنُ بِالرَّحَى، وَعَلَيْهَا كِسَاءٌ مِنْ جِلْدِ الْإِبِلِ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهَا قَالَ: يَا فَاطِمَةُ تَعَجَّلِي مَرَارَةَ الدُّنْيَا بِنَعِيمِ الْآخِرَةِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى» . وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالطَّبَرَانِيُّ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَالْبَيْهَقِيُّ وَأَبُو نُعَيْمٍ وَابْنُ عَسَاكِرَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «سألت
(1) . إبراهيم: 36.
(2)
. المائدة: 118.
(3)
. الزمر: 53.
رَبِّي مَسْأَلَةً وَدِدْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ سَأَلْتُهُ، قُلْتُ: قَدْ كَانَتْ قَبْلِي أَنْبِيَاءُ مِنْهُمْ مَنْ سَخَّرْتَ لَهُ الرِّيحَ، وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يُحْيِي الْمَوْتَى، فَقَالَ تَعَالَى: يَا مُحَمَّدُ أَلَمْ أَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَيْتُكَ؟ أَلَمْ أَجِدْكَ ضَالًّا فَهَدَيْتُكَ؟ أَلَمْ أَجِدْكَ عَائِلًا فَأَغْنَيْتُكَ؟ أَلَمْ أَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ؟ أَلَمْ أَضَعْ عَنْكَ وِزْرَكَ؟ أَلَمْ أَرْفَعْ لَكَ ذِكْرَكَ؟ قُلْتُ: بَلَى يَا رَبِّ» .
وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «لَمَّا نَزَلَتْ وَالضُّحى عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
«يَمُنُّ عَلَيَّ رَبِّي، وَأَهْلٌ أَنْ يَمُنَّ رَبِّي» . وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ: وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى قَالَ:
وَجَدَكَ بَيْنَ الضَّالِّينَ فَاسْتَنْقَذَكَ مِنْ ضَلَالَتِهِمْ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ فِي قَوْلِهِ: وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ قَالَ: مَا عَلِمْتَ مِنَ الْخَيْرِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ فِي الْآيَةِ قَالَ: إِذَا أَصَبْتَ خَيْرًا فَحَدِّثْ إِخْوَانَكَ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي زَوَائِدِ الْمُسْنَدِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ، وَالْخَطِيبُ فِي الْمُتَّفَقِ- قَالَ السُّيُوطِيُّ: بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ- عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْمِنْبَرِ: «مَنْ لَمْ يَشْكُرِ الْقَلِيلَ لَمْ يَشْكُرِ الْكَثِيرَ، وَمَنْ لَمْ يَشْكُرِ النَّاسَ لَمْ يَشْكُرِ اللَّهَ، وَالتَّحَدُّثُ بِنِعْمَةِ اللَّهِ شُكْرٌ، وَتَرْكُهَا كُفْرٌ، وَالْجَمَاعَةُ رَحْمَةٌ» . وَأَخْرَجَ أَبُو داود، والترمذي وحسّنه، وأبو يَعْلَى وَابْنُ حِبَّانَ وَالْبَيْهَقِيُّ وَالضِّيَاءُ عَنْ جَابِرِ ابن عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَنْ أَبْلَى بَلَاءً فَذَكَرَهُ فَقَدْ شَكَرَهُ، وَإِنْ كَتَمَهُ فَقَدْ كَفَرَهُ» . وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ، وَأَبُو دَاوُدَ وَالضِّيَاءُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أُعْطِيَ عَطَاءً فَوَجَدَ فَلْيَجُزْ بِهِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيُثْنِ بِهِ، فَمَنْ أَثْنَى بِهِ فَقَدْ شَكَرَهُ، وَمَنْ كَتَمَهُ فَقَدْ كَفَرَهُ، وَمَنْ تَحَلَّى بِمَا لَمْ يُعْطَ فَإِنَّهُ كَلَابِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ» . وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ، وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أُولِيَ مَعْرُوفًا فَلْيُكَافِئْ بِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَلْيَذْكُرْهُ، فَإِنَّ مَنْ ذكره فقد شكره» .