الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة القارعة
هي إحدى عشرة آية، وقيل: عشر آيات وَهِيَ مَكِّيَّةٌ بِلَا خِلَافٍ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: نَزَلَتْ سُورَةُ الْقَارِعَةِ بمكة.
بسم الله الرحمن الرحيم
[سورة القارعة (101) : الآيات 1 الى 11]
بسم الله الرحمن الرحيم
الْقارِعَةُ (1) مَا الْقارِعَةُ (2) وَما أَدْراكَ مَا الْقارِعَةُ (3) يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ (4)
وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ (5) فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ (6) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ (7) وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ (8) فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ (9)
وَما أَدْراكَ مَا هِيَهْ (10) نارٌ حامِيَةٌ (11)
الْقارِعَةُ مِنْ أَسْمَاءِ الْقِيَامَةِ لِأَنَّهَا تَقْرَعُ الْقُلُوبَ بِالْفَزَعِ، وَتَقْرَعُ أَعْدَاءَ اللَّهِ بِالْعَذَابِ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ:
قَرَّعَتْهُمُ الْقَارِعَةُ إِذَا وَقَعَ بِهِمْ أَمْرٌ فَظِيعٌ. قَالَ ابْنُ أَحْمَرَ:
وَقَارِعَةٌ مِنَ الْأَيَّامِ لَوْلَا
…
سَبِيلُهُمْ لَرَاحَتْ عنك حينا
وقال آخر:
متى تقرع بمروتكم «1» نسؤكم
…
ولم توقد لَنَا فِي الْقِدْرِ نَارُ
وَالْقَارِعَةَ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهَا قَوْلُهُ: مَا الْقارِعَةُ وَبِالرَّفْعِ قَرَأَ الْجُمْهُورُ، وَقَرَأَ عِيسَى بِنَصْبِهَا عَلَى تَقْدِيرِ:
احْذَرُوا الْقَارِعَةَ، وَالِاسْتِفْهَامُ لِلتَّعْظِيمِ وَالتَّفْخِيمِ لِشَأْنِهَا، كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي قَوْلِهِ: الْحَاقَّةُ- مَا الْحَاقَّةُ- وَما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ «2» وَقِيلَ: مَعْنَى الْكَلَامِ عَلَى التَّحْذِيرِ. قَالَ الزَّجَّاجُ: وَالْعَرَبُ تُحَذِّرُ وَتُغْرِي بِالرَّفْعِ كَالنَّصْبِ، وَأَنْشَدَ قَوْلَ الشَّاعِرِ:
لَجَدِيرُونَ بِالْوَفَاءِ إِذَا قَالَ
…
أَخُو النَّجْدَةِ السِّلَاحُ السِّلَاحُ
وَالْحَمْلُ عَلَى مَعْنَى التَّفْخِيمِ وَالتَّعْظِيمِ أَوْلَى، وَيُؤَيِّدُهُ وَضْعُ الظَّاهِرِ مَوْضِعَ الضَّمِيرِ، فَإِنَّهُ أَدَلُّ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى، وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا قَوْلُهُ: وَما أَدْراكَ مَا الْقارِعَةُ فَإِنَّهُ تَأْكِيدٌ لِشَدَّةِ هَوْلِهَا وَمَزِيدِ فَظَاعَتِهَا حَتَّى كَأَنَّهَا خَارِجَةٌ عَنْ دَائِرَةِ عُلُومِ الْخَلْقِ بِحَيْثُ لَا تَنَالُهَا دِرَايَةُ أَحَدٍ مِنْهُمْ، وَمَا الِاسْتِفْهَامِيَّةُ مُبْتَدَأٌ، وَأَدْرَاكَ خبرها وما القارعة مبتدأ
(1) . «المروة» : حجر يقدح منه النار.
(2)
. الحاقة: 1- 3.
وَخَبَرٌ، وَالْجُمْلَةُ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى أَنَّهَا الْمَفْعُولُ الثَّانِي وَالْمَعْنَى: وَأَيُّ شَيْءٍ أَعْلَمَكَ مَا شَأْنُ الْقَارِعَةِ؟ ثُمَّ بَيَّنَ سُبْحَانَهُ مَتَّى تَكُونُ الْقَارِعَةُ فَقَالَ: يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ وَانْتِصَابُ الظَّرْفِ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ تَدُلُّ عَلَيْهِ الْقَارِعَةُ، أَيْ: تُقَرِّعُهُمْ يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ
…
إِلَخْ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَنْصُوبًا بِتَقْدِيرِ اذْكُرْ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ وَمَكِّيٌّ وَأَبُو الْبَقَاءِ: هُوَ مَنْصُوبٌ بِنَفْسِ الْقَارِعَةِ، وَقِيلَ: هُوَ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، وَإِنَّمَا نصب لإضافته إلى الفعل، فالفتحة فتحة بناء لا فتحة إعراب، أي: هي يوم يكون
…
إلخ، وقيل التَّقْدِيرُ: سَتَأْتِيكُمُ الْقَارِعَةُ يَوْمُ يَكُونُ. وَقَرَأَ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ بِرَفْعِ يَوْمُ عَلَى الْخَبَرِيَّةِ لِلْمُبْتَدَأِ الْمُقَدَّرِ. وَالْفَرَاشُ: الطَّيْرُ الَّذِي تَرَاهُ يَتَسَاقَطُ فِي النَّارِ وَالسِّرَاجِ، وَالْوَاحِدَةُ: فَرَاشَةٌ، كَذَا قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَغَيْرُهُ. قَالَ الْفَرَّاءُ: الْفَرَاشُ: هُوَ الطَّائِرُ مِنْ بَعُوضٍ وَغَيْرِهِ. وَمِنْهُ الْجَرَادُ. قَالَ: وَبِهِ يُضْرَبُ الْمَثَلُ فِي الطَّيْشِ وَالْهَوَجِ، يُقَالُ: أَطْيَشُ مِنْ فَرَاشَةٍ، وَأَنْشَدَ:
فَرَاشَةُ الْحِلْمِ فِرْعَوْنُ الْعَذَابِ وَإِنْ
…
يُطْلَبْ نَدَاهُ فَكَلْبٌ دُونَهُ كَلْبُ
وَقَوْلٌ آخَرُ:
وَقَدْ كَانَ أَقْوَامٌ رُدِّدَتْ حُلُومُهُمْ
…
عَلَيْهِمْ وَكَانُوا كَالْفَرَاشِ مِنَ الْجَهْلِ
وَالْمُرَادُ بِالْمَبْثُوثِ الْمُتَفَرِّقُ الْمُنْتَشِرُ، يُقَالُ بَثَّهُ: إِذَا فَرَّقَهُ، وَمِثْلُ هَذَا قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ فِي آيَةٍ أُخْرَى: كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ «1» وَقَالَ الْمَبْثُوثِ وَلَمْ يَقُلِ الْمَبْثُوثَةِ، لِأَنَّ الْكُلَّ جَائِزٌ كَمَا فِي قَوْلِهِ: أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ «2» وأَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ «3» وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ وَجْهِ ذَلِكَ وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ أَيْ:
كَالصُّوفِ الْمُلَوَّنِ بِالْأَلْوَانِ الْمُخْتَلِفَةِ الَّذِي نُفِشَ بِالنَّدْفِ، وَالْعِهْنُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ: الصُّوفُ الْمَصْبُوغُ بِالْأَلْوَانِ الْمُخْتَلِفَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ هَذَا فِي سُورَةِ سَأَلَ سَائِلٌ، وَقَدْ وَرَدَ فِي الْكِتَابِ الْعَزِيزِ أَوْصَافٌ لِلْجِبَالِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا بَيَانَ الْجَمْعِ بَيْنَهَا. ثُمَّ ذَكَرَ سُبْحَانَهُ أَحْوَالَ النَّاسِ وَتَفَرُّقَهُمْ فَرِيقَيْنِ عَلَى جِهَةِ الْإِجْمَالِ فَقَالَ: فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ- فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ قَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي الْمِيزَانِ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ وَسُورَةِ الْكَهْفِ وَسُورَةِ الْأَنْبِيَاءِ.
وَقَدِ اخْتُلِفَ فِيهَا هُنَا، فَقِيلَ: هِيَ جَمْعٌ مَوْزُونٌ، وَهُوَ الْعَمَلُ الَّذِي لَهُ وَزْنٌ وَخَطَرٌ عِنْدَ اللَّهِ، وَبِهِ قَالَ الْفَرَّاءُ وَغَيْرُهُ، وَقِيلَ: هِيَ جَمْعُ مِيزَانٍ، وَهُوَ الْآلَةُ الَّتِي تُوضَعُ فِيهَا صَحَائِفُ الْأَعْمَالِ، وَعَبَّرَ عَنْهُ بِلَفْظِ الْجَمْعِ، كَمَا يُقَالُ لِكُلِّ حَادِثَةٍ مِيزَانٌ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْمَوَازِينِ الْحُجَجُ وَالدَّلَائِلُ، كَمَا فِي قَوْلُ الشَّاعِرِ:
قَدْ كُنْتُ قَبْلَ لِقَائِكُمْ ذَا مَرَّةٍ
…
عِنْدِي لِكُلِّ مُخَاصِمٍ مِيزَانُهُ
وَمَعْنَى عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ: مَرَضِيَّةٌ يَرْضَاهَا صاحبها. قال الزجاج: أي ذات رضى يَرْضَاهَا صَاحِبُهَا، وَقِيلَ:
«عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ» أَيْ: فَاعِلَةٍ للرضى، وَهُوَ اللِّينُ، وَالِانْقِيَادُ لِأَهْلِهَا. وَالْعِيشَةُ: كَلِمَةٌ تَجْمَعُ النِّعَمَ الَّتِي فِي الْجَنَّةِ وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ أَيْ: رَجَحَتْ سَيِّئَاتُهُ عَلَى حَسَنَاتِهِ أَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ يَعْتَدُّ بِهَا فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ
(1) . القمر: 7.
(2)
. القمر: 20.
(3)
. الحاقة: 7.
أَيْ: فَمَسْكَنُهُ جَهَنَّمُ، وَسَمَّاهَا أُمَّهُ لِأَنَّهُ يَأْوِي إِلَيْهَا كَمَا يَأْوِي إِلَى أُمِّهِ، وَالْهَاوِيَةُ مِنْ أَسْمَاءِ جَهَنَّمَ، وَسُمِّيَتْ هَاوِيَةً لِأَنَّهُ يَهْوِي فِيهَا مَعَ بُعْدِ قَعْرِهَا، وَمِنْهُ قَوْلُ أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ:
فَالْأَرْضُ مَعْقِلُنَا وَكَانَتْ أُمَّنَا
…
فِيهَا مَقَابِرُنَا وَفِيهَا نُولَدُ
وَقَوْلُ الْآخَرِ:
يَا عَمْرُو لَوْ نَالَتْكَ أَرْمَاحُنَا
…
كُنْتَ كَمَنْ تَهْوِي بِهِ الْهَاوِيَةْ
وَالْمَهْوَى وَالْمَهْوَاةُ: مَا بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ، وَتَهَاوَى الْقَوْمُ فِي الْمَهْوَاةِ إِذَا سَقَطَ بَعْضُهُمْ فِي إِثْرِ بَعْضٍ. قَالَ قَتَادَةُ:
مَعْنَى فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ فَمَصِيرُهُ إِلَى النَّارِ. قَالَ عِكْرِمَةُ: لِأَنَّهُ يَهْوِي فِيهَا عَلَى أُمِّ رَأْسِهِ. قَالَ الْأَخْفَشُ: أُمُّهُ مُسْتَقِرَّةٌ وَما أَدْراكَ مَا هِيَهْ هَذَا الِاسْتِفْهَامُ للتهويل والتفظيع ببيان أَنَّهَا خَارِجَةٌ عَنِ الْمَعْهُودِ بِحَيْثُ لَا تُحِيطُ بِهَا عُلُومُ الْبَشَرِ وَلَا تَدْرِي كُنْهَهَا. ثُمَّ بَيَّنَهَا سُبْحَانَهُ فَقَالَ: نارٌ حامِيَةٌ أَيْ: قَدِ انْتَهَى حَرُّهَا وَبَلَغَ فِي الشِّدَّةِ إِلَى الْغَايَةِ وَارْتِفَاعُ نَارٌ عَلَى أَنَّهَا خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ: هِيَ نَارٌ حَامِيَةٌ.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طُرُقٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الْقارِعَةُ مِنْ أَسْمَاءِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ: فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ قَالَ: كَقَوْلِهِ هَوَتْ أُمُّهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ عِكْرِمَةَ فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ قَالَ: أُمُّ رَأْسِهِ هَاوِيَةٌ فِي جَهَنَّمَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا مَاتَ الْمُؤْمِنُ تَلَقَّتْهُ أَرْوَاحُ الْمُؤْمِنِينَ يَسْأَلُونَهُ: مَا فَعَلَ فُلَانٌ؟ مَا فَعَلَتْ فُلَانَةُ؟ فَإِذَا كَانَ مَاتَ وَلَمْ يَأْتِهِمْ قَالُوا خُولِفَ بِهِ إِلَى أُمِّهِ الْهَاوِيَةِ، فَبِئْسَتِ الْأُمُّ وَبِئْسَتِ الْمُرَبِّيَةُ» . وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ الأنصاري ونحوه. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُبَارَكِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ نحوه أيضا.