الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لا تنفقوا على من عند رسول الله حَتَّى يَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِهِ. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وغيرهما عن جابر ابن عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: «كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي غَزَاةٍ، قَالَ سُفْيَانُ: يَرَوْنَ أَنَّهَا غَزْوَةُ بَنِي الْمُصْطَلِقِ فَكَسَعَ «1» رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ الْمُهَاجِرِيُّ: يا للمهاجرين، وقال الأنصاريّ: يا للأنصار، فَسَمِعَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:«ما بال دعوى الْجَاهِلِيَّةِ» ؟ قَالُوا: رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ كَسَعَ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ» ، فَسَمِعَ ذَلِكَ عَبْدُ الله بن أبيّ فقال: وقد فَعَلُوهَا، وَاللَّهِ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لِيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَامَ عُمَرُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«دَعْهُ، لَا يَتَحَدَّثِ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ» زَادَ التِّرْمِذِيُّ:
«فَقَالَ لَهُ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ، وَاللَّهُ لَا تَنْفَلِتُ «2» حَتَّى تُقِرَّ أَنَّكَ الذَّلِيلُ، ورسول الله العزيز، ففعل» .
[سورة المنافقون (63) : الآيات 9 الى 11]
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (9) وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (10) وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذا جاءَ أَجَلُها وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (11)
لَمَّا ذَكَرَ سُبْحَانَهُ قَبَائِحَ الْمُنَافِقِينَ رَجَعَ إِلَى خِطَابِ الْمُؤْمِنِينَ مُرَغِّبًا لَهُمْ فِي ذِكْرِهِ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ فَحَذَّرَهُمْ عَنْ أَخْلَاقِ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ أَلْهَتْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ، وَمَعْنَى لَا تُلْهِكُمْ: لَا تَشْغَلْكُمْ، وَالْمُرَادُ بِالذِّكْرِ فَرَائِضُ الْإِسْلَامِ، قَالَهُ الْحَسَنُ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ:
الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ. وَقِيلَ: قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ، وَقِيلَ: هُوَ خِطَابٌ لِلْمُنَافِقِينَ، وَوَصْفُهُمْ بِالْإِيمَانِ لِكَوْنِهِمْ آمَنُوا ظَاهِرًا، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ أَيْ: يَلْتَهِي بِالدُّنْيَا عَنِ الدِّينِ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ أي:
الكاملون في الخسران وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ الْإِنْفَاقُ فِي الْخَيْرِ على عمومه، ومن لِلتَّبْعِيضِ، أَيْ: أَنْفِقُوا بَعْضَ مَا رَزَقْنَاكُمْ فِي سَبِيلِ الْخَيْرِ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ الزَّكَاةُ الْمَفْرُوضَةُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ بِأَنْ تَنْزِلَ بِهِ أَسْبَابُهُ وَيُشَاهِدَ حُضُورَ عَلَامَاتِهِ، وَقُدِّمَ الْمَفْعُولُ عَلَى الْفَاعِلِ لِلِاهْتِمَامِ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ أَيْ: يَقُولُ عِنْدَ نُزُولِ مَا نَزَلَ بِهِ مُنَادِيًا لِرَبِّهِ هَلَّا أَمْهَلْتَنِي وَأَخَّرْتَ مَوْتِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ، أَيْ: أَمَدٍ قَصِيرٍ فَأَصَّدَّقَ أَيْ: فَأَتَصَدَّقَ بِمَالِي وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ قَرَأَ الْجُمْهُورُ: «فَأَصَّدَّقَ» بِإِدْغَامِ التَّاءِ فِي الصَّادِ، وَانْتِصَابُهُ عَلَى أَنَّهُ جَوَابُ التَّمَنِّي، وَقِيلَ: إِنَّ «لَا» فِي لَوْلَا زَائِدَةٌ، وَالْأَصْلُ: لَوْ أَخَّرْتَنِي.
وَقَرَأَ أُبَيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ «فَأَتَصَدَّقَ» بِدُونِ إِدْغَامٍ عَلَى الْأَصْلِ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: «وَأَكُنْ» بِالْجَزْمِ عَلَى مَحَلِّ فَأَتَصَدَّقَ، كَأَنَّهُ قِيلَ: إِنْ أَخَّرْتَنِي أَتَصَدَّقْ وَأَكُنْ. قَالَ الزَّجَّاجُ: معناه هلا أخّرتني، وجزم
(1) . «كسع» : ضرب عجيزته ودبره، بيد أو رجل أو سيف، أو غيره.
(2)
. «تنفلت» : أي لا ترجع.
«أَكُنْ» عَلَى مَوْضِعِ فَأَصَّدَّقَ لِأَنَّهُ عَلَى مَعْنَى إن أخرتني أصدّق وأكن. وَكَذَا قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ وَابْنُ عَطِيَّةَ وَغَيْرُهُمْ. وَقَالَ سِيبَوَيْهِ حَاكِيًا عَنِ الْخَلِيلِ: إِنَّهُ جُزِمَ عَلَى تَوَهُّمِ الشَّرْطِ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ التَّمَنِّي، وَجَعَلَ سِيبَوَيْهِ هَذَا نَظِيرَ قَوْلِ زُهَيْرٍ:
بَدَا لِي أَنِّي لَسْتُ مُدْرِكَ مَا مَضَى
…
وَلَا سَابِقَ شَيْئًا «1» إِذَا كَانَ جَائِيًا
فَخَفَضَ «وَلَا سَابِقَ» عَطْفًا عَلَى «مُدْرِكَ» الَّذِي هُوَ خَبَرُ لَيْسَ عَلَى تَوَهُّمِ زِيَادَةِ الْبَاءِ فِيهِ. وَقَرَأَ أَبُو عَمْرٍو وَابْنُ مُحَيْصِنٍ وَمُجَاهِدٌ «وَأَكُونَ» بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى «فَأَصَّدَّقَّ» ، وَوَجْهُهَا وَاضِحٌ. وَلَكِنْ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ:
رَأَيْتُ فِي مُصْحَفِ عُثْمَانَ «وَأَكُنْ» بِغَيْرِ وَاوٍ، وَقَرَأَ عُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ:«وَأَكُونُ» بِالرَّفْعِ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ، أَيْ:
وَأَنَا أَكُونُ. قَالَ الضَّحَّاكُ: لَا يَنْزِلُ بِأَحَدٍ الْمَوْتُ لَمْ يَحُجَّ وَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاةً إِلَّا سَأَلَ الرَّجْعَةَ، وَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ ثُمَّ أَجَابَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَنْ هَذَا الْمُتَمَنِّي فَقَالَ: وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذا جاءَ أَجَلُها أَيْ: إِذَا حَضَرَ أَجَلُهَا وَانْقَضَى عُمُرُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْهُ، فَهُوَ مُجَازِيكُمْ بِأَعْمَالِكُمْ. قَرَأَ الْجُمْهُورُ:
«تَعْمَلُونَ» بِالْفَوْقِيَّةِ عَلَى الْخِطَابِ، وَقَرَأَ أَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ وَالسُّلَمِيِّ بِالتَّحْتِيَّةِ عَلَى الْخَبَرِ.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي قوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ الْآيَةَ قَالَ: هُمْ عِبَادٌ مِنْ أُمَّتِي الصَّالِحُونَ مِنْهُمْ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ، وَعَنِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ الْمَفْرُوضَةِ.
وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مِنِ كَانَ لَهُ مَالٌ يُبَلِّغُهُ حَجَّ بَيْتِ اللَّهِ، أَوْ تَجِبُ عَلَيْهِ فِيهِ الزَّكَاةُ، فَلَمْ يَفْعَلْ سَأَلَ الرَّجْعَةَ عِنْدَ الْمَوْتِ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ اتَّقِ اللَّهَ، فَإِنَّمَا يسأل الرجعة الكافر، فقال: سأتلوا عليكم بذلك قرآنا: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى آخِرِ السُّورَةِ» . وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ قال: أحجّ.
(1) . في الديوان ص (287) : ولا سابقي شيء.