المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة الواقعة (56) : الآيات 1 الى 26] - فتح القدير للشوكاني - جـ ٥

[الشوكاني]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الخامس

- ‌سورة الجاثية

- ‌[سورة الجاثية (45) : الآيات 1 الى 15]

- ‌[سورة الجاثية (45) : الآيات 16 الى 26]

- ‌[سورة الجاثية (45) : الآيات 27 الى 37]

- ‌سورة الأحقاف

- ‌[سورة الأحقاف (46) : الآيات 1 الى 9]

- ‌[سورة الأحقاف (46) : الآيات 10 الى 16]

- ‌[سورة الأحقاف (46) : الآيات 17 الى 20]

- ‌[سورة الأحقاف (46) : الآيات 21 الى 28]

- ‌[سورة الأحقاف (46) : الآيات 29 الى 35]

- ‌سورة محمّد

- ‌[سورة محمد (47) : الآيات 1 الى 12]

- ‌[سورة محمد (47) : الآيات 13 الى 19]

- ‌[سورة محمد (47) : الآيات 20 الى 31]

- ‌[سورة محمد (47) : الآيات 32 الى 38]

- ‌سورة الفتح

- ‌[سورة الفتح (48) : الآيات 1 الى 7]

- ‌[سورة الفتح (48) : الآيات 8 الى 15]

- ‌[سورة الفتح (48) : الآيات 16 الى 24]

- ‌[سورة الفتح (48) : الآيات 25 الى 29]

- ‌سورة الحجرات

- ‌[سورة الحجرات (49) : الآيات 1 الى 8]

- ‌[سورة الحجرات (49) : الآيات 9 الى 12]

- ‌[سورة الحجرات (49) : الآيات 13 الى 18]

- ‌سورة ق

- ‌[سورة ق (50) : الآيات 1 الى 15]

- ‌[سورة ق (50) : الآيات 16 الى 35]

- ‌[سورة ق (50) : الآيات 36 الى 45]

- ‌سورة الذّاريات

- ‌[سورة الذاريات (51) : الآيات 1 الى 23]

- ‌[سورة الذاريات (51) : الآيات 24 الى 37]

- ‌[سورة الذاريات (51) : الآيات 38 الى 60]

- ‌سورة الطّور

- ‌[سورة الطور (52) : الآيات 1 الى 20]

- ‌[سورة الطور (52) : الآيات 21 الى 34]

- ‌[سورة الطور (52) : الآيات 35 الى 49]

- ‌سورة النجم

- ‌[سورة النجم (53) : الآيات 1 الى 26]

- ‌[سورة النجم (53) : الآيات 27 الى 42]

- ‌[سورة النجم (53) : الآيات 43 الى 62]

- ‌سورة القمر

- ‌[سورة القمر (54) : الآيات 1 الى 17]

- ‌[سورة القمر (54) : الآيات 18 الى 40]

- ‌[سورة القمر (54) : الآيات 41 الى 55]

- ‌سورة الرّحمن

- ‌[سورة الرحمن (55) : الآيات 1 الى 25]

- ‌[سورة الرحمن (55) : الآيات 26 الى 45]

- ‌[سورة الرحمن (55) : الآيات 46 الى 78]

- ‌سورة الواقعة

- ‌[سورة الواقعة (56) : الآيات 1 الى 26]

- ‌[سورة الواقعة (56) : الآيات 27 الى 56]

- ‌[سورة الواقعة (56) : الآيات 57 الى 74]

- ‌[سورة الواقعة (56) : الآيات 75 الى 96]

- ‌سورة الحديد

- ‌[سورة الحديد (57) : الآيات 1 الى 6]

- ‌[سورة الحديد (57) : الآيات 7 الى 11]

- ‌[سورة الحديد (57) : الآيات 12 الى 15]

- ‌[سورة الحديد (57) : الآيات 16 الى 19]

- ‌[سورة الحديد (57) : الآيات 20 الى 24]

- ‌[سورة الحديد (57) : الآيات 25 الى 29]

- ‌سورة المجادلة

- ‌[سورة المجادلة (58) : الآيات 1 الى 4]

- ‌[سورة المجادلة (58) : الآيات 5 الى 10]

- ‌[سورة المجادلة (58) : الآيات 11 الى 13]

- ‌[سورة المجادلة (58) : الآيات 14 الى 22]

- ‌سورة الحشر

- ‌[سورة الحشر (59) : الآيات 1 الى 7]

- ‌[سورة الحشر (59) : الآيات 8 الى 10]

- ‌[سورة الحشر (59) : الآيات 11 الى 20]

- ‌[سورة الحشر (59) : الآيات 21 الى 24]

- ‌سورة الممتحنة

- ‌[سورة الممتحنة (60) : الآيات 1 الى 3]

- ‌[سورة الممتحنة (60) : الآيات 4 الى 9]

- ‌[سورة الممتحنة (60) : الآيات 10 الى 13]

- ‌سورة الصّفّ

- ‌[سورة الصف (61) : الآيات 1 الى 9]

- ‌[سورة الصف (61) : الآيات 10 الى 14]

- ‌سورة الجمعة

- ‌[سورة الجمعة (62) : الآيات 1 الى 8]

- ‌[سورة الجمعة (62) : الآيات 9 الى 11]

- ‌سورة المنافقون

- ‌[سورة المنافقون (63) : الآيات 1 الى 8]

- ‌[سورة المنافقون (63) : الآيات 9 الى 11]

- ‌سورة التغابن

- ‌[سورة التغابن (64) : الآيات 1 الى 6]

- ‌[سورة التغابن (64) : الآيات 7 الى 13]

- ‌[سورة التغابن (64) : الآيات 14 الى 18]

- ‌سورة الطّلاق

- ‌[سورة الطلاق (65) : الآيات 1 الى 5]

- ‌[سورة الطلاق (65) : الآيات 6 الى 7]

- ‌[سورة الطلاق (65) : الآيات 8 الى 12]

- ‌سورة التّحريم

- ‌[سورة التحريم (66) : الآيات 1 الى 5]

- ‌[سورة التحريم (66) : الآيات 6 الى 8]

- ‌[سورة التحريم (66) : الآيات 9 الى 12]

- ‌سورة الملك

- ‌[سورة الملك (67) : الآيات 1 الى 11]

- ‌[سورة الملك (67) : الآيات 12 الى 21]

- ‌[سورة الملك (67) : الآيات 22 الى 30]

- ‌سورة القلم

- ‌[سورة القلم (68) : الآيات 1 الى 16]

- ‌[سورة القلم (68) : الآيات 17 الى 33]

- ‌[سورة القلم (68) : الآيات 34 الى 52]

- ‌سورة الحاقّة

- ‌[سورة الحاقة (69) : الآيات 1 الى 18]

- ‌[سورة الحاقة (69) : الآيات 19 الى 52]

- ‌سورة المعارج

- ‌[سورة المعارج (70) : الآيات 1 الى 18]

- ‌[سورة المعارج (70) : الآيات 19 الى 39]

- ‌[سورة المعارج (70) : الآيات 40 الى 44]

- ‌سورة نوح

- ‌[سورة نوح (71) : الآيات 1 الى 20]

- ‌[سورة نوح (71) : الآيات 21 الى 28]

- ‌سورة الجنّ

- ‌[سورة الجن (72) : الآيات 1 الى 13]

- ‌[سورة الجن (72) : الآيات 14 الى 28]

- ‌سورة المزّمّل

- ‌[سورة المزمل (73) : الآيات 1 الى 18]

- ‌[سورة المزمل (73) : الآيات 19 الى 20]

- ‌سورة المدّثّر

- ‌[سورة المدثر (74) : الآيات 1 الى 30]

- ‌[سورة المدثر (74) : الآيات 31 الى 37]

- ‌[سورة المدثر (74) : الآيات 38 الى 56]

- ‌سورة القيمة

- ‌[سورة القيامة (75) : الآيات 1 الى 25]

- ‌[سورة القيامة (75) : الآيات 26 الى 40]

- ‌سورة الإنسان

- ‌[سورة الإنسان (76) : الآيات 1 الى 12]

- ‌[سورة الإنسان (76) : الآيات 13 الى 22]

- ‌[سورة الإنسان (76) : الآيات 23 الى 31]

- ‌سورة المرسلات

- ‌[سورة المرسلات (77) : الآيات 1 الى 28]

- ‌[سورة المرسلات (77) : الآيات 29 الى 50]

- ‌سورة النّبأ

- ‌[سورة النبإ (78) : الآيات 1 الى 30]

- ‌[سورة النبإ (78) : الآيات 31 الى 40]

- ‌سورة النّازعات

- ‌[سورة النازعات (79) : الآيات 1 الى 26]

- ‌[سورة النازعات (79) : الآيات 27 الى 46]

- ‌سورة عبس

- ‌[سورة عبس (80) : الآيات 1 الى 42]

- ‌سورة التّكوير

- ‌[سورة التكوير (81) : الآيات 1 الى 29]

- ‌سورة الانفطار

- ‌[سورة الانفطار (82) : الآيات 1 الى 19]

- ‌سورة المطفّفين

- ‌[سورة المطففين (83) : الآيات 1 الى 17]

- ‌[سورة المطففين (83) : الآيات 18 الى 36]

- ‌سورة الانشقاق

- ‌[سورة الانشقاق (84) : الآيات 1 الى 25]

- ‌سورة البروج

- ‌[سورة البروج (85) : الآيات 1 الى 22]

- ‌سورة الطّارق

- ‌[سورة الطارق (86) : الآيات 1 الى 17]

- ‌سورة الأعلى

- ‌[سورة الأعلى (87) : الآيات 1 الى 19]

- ‌سورة الغاشية

- ‌[سورة الغاشية (88) : الآيات 1 الى 26]

- ‌سورة الفجر

- ‌[سورة الفجر (89) : الآيات 1 الى 14]

- ‌[سورة الفجر (89) : الآيات 15 الى 30]

- ‌سورة البلد

- ‌[سورة البلد (90) : الآيات 1 الى 20]

- ‌سورة الشمس

- ‌[سورة الشمس (91) : الآيات 1 الى 15]

- ‌سورة الليل

- ‌[سورة الليل (92) : الآيات 1 الى 21]

- ‌سورة الضّحى

- ‌[سورة الضحى (93) : الآيات 1 الى 11]

- ‌سورة الشرح

- ‌[سورة الشرح (94) : الآيات 1 الى 8]

- ‌سورة التّين

- ‌[سورة التين (95) : الآيات 1 الى 8]

- ‌سورة العلق

- ‌[سورة العلق (96) : الآيات 1 الى 19]

- ‌سورة القدر

- ‌[سورة القدر (97) : الآيات 1 الى 5]

- ‌سورة البيّنة

- ‌[سورة البينة (98) : الآيات 1 الى 8]

- ‌سورة الزّلزلة

- ‌[سورة الزلزلة (99) : الآيات 1 الى 8]

- ‌سورة العاديات

- ‌[سورة العاديات (100) : الآيات 1 الى 11]

- ‌سورة القارعة

- ‌[سورة القارعة (101) : الآيات 1 الى 11]

- ‌سورة التّكاثر

- ‌[سورة التكاثر (102) : الآيات 1 الى 8]

- ‌سورة العصر

- ‌[سورة العصر (103) : الآيات 1 الى 3]

- ‌سورة الهمزة

- ‌[سورة الهمزة (104) : الآيات 1 الى 9]

- ‌سورة الفيل

- ‌[سورة الفيل (105) : الآيات 1 الى 5]

- ‌سورة قريش

- ‌[سورة قريش (106) : الآيات 1 الى 4]

- ‌سورة الماعون

- ‌[سورة الماعون (107) : الآيات 1 الى 7]

- ‌سورة الكوثر

- ‌[سورة الكوثر (108) : الآيات 1 الى 3]

- ‌سورة الكافرون

- ‌[سورة الكافرون (109) : الآيات 1 الى 6]

- ‌سورة النّصر

- ‌[سورة النصر (110) : الآيات 1 الى 3]

- ‌سورة المسد

- ‌[سورة المسد (111) : الآيات 1 الى 5]

- ‌سورة الإخلاص

- ‌[سورة الإخلاص (112) : الآيات 1 الى 4]

- ‌سورة الفلق

- ‌[سورة الفلق (113) : الآيات 1 الى 5]

- ‌سورة النّاس

- ‌[سورة الناس (114) : الآيات 1 الى 6]

- ‌فهرس الموضوعات

الفصل: ‌[سورة الواقعة (56) : الآيات 1 الى 26]

‌سورة الواقعة

هي سبع وتسعون، أو ست وتسعون آية وَهِيَ مَكِّيَّةٌ فِي قَوْلِ الْحَسَنِ وَعِكْرِمَةَ وَجَابِرِ وَعَطَاءٍ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ: إِلَّا آيَةً مِنْهَا نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ «1» وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: إِنَّهَا مَكِّيَّةٌ إِلَّا أَرْبَعَ آيَاتٍ مِنْهَا، وَهِيَ أَفَبِهذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ- وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ «2» وَقَوْلُهُ: ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ- وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ «3» . وَأَخْرَجَ ابْنُ الضُّرَيْسِ وَالنَّحَّاسُ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: نَزَلَتْ سُورَةُ الواقعة بمكة. وأخرج عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ مِثْلَهُ.

وَأَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي فَضَائِلِهِ، وَابْنُ الضُّرَيْسِ وَالْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ وَأَبُو يَعْلَى وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْوَاقِعَةِ كُلَّ لَيْلَةٍ لَمْ تُصِبْهُ فَاقَةٌ أَبَدًا» . وَأَخْرَجَ ابْنُ عَسَاكِرَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: «سورة الواقعة سورة الغنى، فاقرؤوها، وَعَلِّمُوهَا أَوْلَادَكُمْ» . وَأَخْرَجَ الدَّيْلَمِيُّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «علموا نساءكم سُورَةَ الْوَاقِعَةِ فَإِنَّهَا سُورَةُ الْغِنَى» وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: «شَيَّبَتْنِي هُودٌ والواقعة» اهـ.

بسم الله الرحمن الرحيم

[سورة الواقعة (56) : الآيات 1 الى 26]

بسم الله الرحمن الرحيم

إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ (1) لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ (2) خافِضَةٌ رافِعَةٌ (3) إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا (4)

وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا (5) فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا (6) وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً (7) فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ (8) وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ (9)

وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (12) ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (13) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ (14)

عَلى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ (15) مُتَّكِئِينَ عَلَيْها مُتَقابِلِينَ (16) يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ (17) بِأَكْوابٍ وَأَبارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (18) لَا يُصَدَّعُونَ عَنْها وَلا يُنْزِفُونَ (19)

وَفاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (20) وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (21) وَحُورٌ عِينٌ (22) كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (23) جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (24)

لَا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً (25) إِلَاّ قِيلاً سَلاماً سَلاماً (26)

قَوْلُهُ: إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ الْوَاقِعَةُ: اسْمٌ لِلْقِيَامَةِ كَالْآزِفَةِ وَغَيْرِهَا، وَسُمِّيَتْ وَاقِعَةً لِأَنَّهَا كَائِنَةٌ لَا مَحَالَةَ، أَوْ لِقُرْبِ وُقُوعِهَا، أَوْ لِكَثْرَةِ مَا يَقَعُ فِيهَا مِنَ الشَّدَائِدِ، وَانْتِصَابُ «إِذَا» بِمُضْمَرٍ، أَيِ: اذْكُرْ وَقْتَ وُقُوعِ الْوَاقِعَةِ، أَوْ بِالنَّفْيِ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِهِ: لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ أَيْ: لَا يَكُونُ عِنْدَ وُقُوعِهَا تَكْذِيبٌ، وَالْكَاذِبَةُ مَصْدَرٌ كَالْعَاقِبَةِ، أَيْ: لَيْسَ لِمَجِيئِهَا وَظُهُورِهَا كَذِبٌ أَصْلًا، وَقِيلَ:«إِذَا» شَرْطِيَّةٌ وَجَوَابُهَا مقدّر،

(1) . الواقعة: 82.

(2)

. الواقعة: 81- 82.

(3)

. الواقعة: 13- 14.

ص: 176

أَيْ: إِذَا وَقَعَتْ كَانَ كَيْتَ وَكَيْتَ، وَالْجَوَابُ هَذَا هُوَ الْعَامِلُ فِيهَا، وَقِيلَ: إِنَّهَا شَرْطِيَّةٌ، وَالْعَامِلُ فِيهَا الْفِعْلُ الَّذِي بَعْدَهَا، وَاخْتَارَ هَذَا أَبُو حَيَّانَ، وَقَدْ سَبَقَهُ إِلَى هَذَا مَكِّيٌّ فَقَالَ: وَالْعَامِلُ وَقَعَتْ. قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: وَالْوَاقِعَةُ هُنَا هِيَ النَّفْخَةُ الْآخِرَةُ، وَمَعْنَى الْآيَةِ: أَنَّهَا إِذَا وَقَعَتِ النَّفْخَةُ الْآخِرَةُ عِنْدَ الْبَعْثِ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ تَكْذِيبٌ بِهَا أَصْلًا، أَوْ لَا يَكُونُ هناك نفس تكذيب على الله وتكذيب بِمَا أَخْبَرَ عَنْهُ مِنْ أُمُورِ الْآخِرَةِ. قَالَ الزَّجَّاجُ:«لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ» أَيْ: لَا يَرُدُّهَا شيء، وبه قال الحسن وقتادة. وقال الثوري: لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا أَحَدٌ يُكَذِّبُ بِهَا.

وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: لَيْسَ لَهَا تَكْذِيبٌ، أَيْ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يُكَذِّبَ بِهَا أَحَدٌ خافِضَةٌ رافِعَةٌ قَرَأَ الْجُمْهُورُ بِرَفْعِهِمَا عَلَى إِضْمَارِ مُبْتَدَأٍ، أَيْ: هِيَ خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ وَعِيسَى الثَّقَفِيُّ بِنَصْبِهِمَا عَلَى الْحَالِ. قَالَ عِكْرِمَةُ وَالسُّدِّيُّ وَمُقَاتِلٌ: خَفَضَتِ الصَّوْتَ فَأَسْمَعَتْ مَنْ دَنَا، وَرَفَعَتِ الصَّوْتَ فَأَسْمَعَتْ مَنْ نَأَى، أَيْ: أَسْمَعَتِ الْقَرِيبَ وَالْبَعِيدَ. وَقَالَ قَتَادَةُ: خَفَضَتْ أَقْوَامًا فِي عَذَابِ اللَّهِ، وَرَفَعَتْ أَقْوَامًا إِلَى طَاعَةِ اللَّهِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: خَفَضَتْ أَقْوَامًا كَانُوا فِي الدُّنْيَا مَرْفُوعِينَ، وَرَفَعَتْ أَقْوَامًا كَانُوا فِي الدُّنْيَا مَخْفُوضِينَ. وَالْعَرَبُ تَسْتَعْمِلُ الْخَفْضَ وَالرَّفْعَ فِي الْمَكَانِ وَالْمَكَانَةِ وَالْعِزِّ وَالْإِهَانَةِ، وَنِسْبَةُ الْخَفْضِ وَالرَّفْعِ إِلَيْهَا عَلَى طَرِيقِ الْمَجَازِ، والخافض والرّافع فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ. إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا أَيْ: إِذَا حُرِّكَتْ حَرَكَةً شَدِيدَةً، يُقَالُ: رَجَّهُ يَرُجُّهُ رَجًّا إِذَا حَرَّكَهُ، وَالرَّجَّةُ: الِاضْطِرَابُ، وَارْتَجَّ الْبَحْرُ: اضْطَرَبَ. قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: تَرْتَجُّ كَمَا يَرْتَجُّ الصَّبِيُّ فِي الْمَهْدِ حَتَّى يَنْهَدِمَ كُلُّ مَا عَلَيْهَا، وَيَنْكَسِرَ كُلُّ شَيْءٍ مِنَ الْجِبَالِ وَغَيْرِهَا. قَالَ قَتَادَةُ وَمُقَاتِلٌ وَمُجَاهِدٌ: مَعْنَى رُجَّتْ:

زُلْزِلَتْ، وَالظَّرْفُ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: خافِضَةٌ رافِعَةٌ أَيْ: تَخْفِضُ وَتَرْفَعُ وَقْتَ رَجِّ الْأَرْضِ وَبَسِّ الْجِبَالِ لِأَنَّهُ عِنْدَ ذَلِكَ يَرْتَفِعُ مَا هُوَ مُنْخَفِضٌ وَيَنْخَفِضُ مَا هُوَ مُرْتَفِعٌ. وَقِيلَ: إِنَّهُ بدل من الظرف الأوّل ذَكَرَهُ الزَّجَّاجُ، فَيَكُونُ مَعْنَى وُقُوعِ الْوَاقِعَةِ هُوَ رَجُّ الْأَرْضِ، وَبَسُّ الْجِبَالِ. وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا الْبَسُّ: الْفَتُّ، يُقَالُ: بَسَّ الشَّيْءَ إِذَا فَتَّهُ حتى يصير فتاتا، ويقال: بسّ السويق: إذابته بِالسَّمْنِ أَوْ بِالزَّيْتِ. قَالَ مُجَاهِدٌ وَمُقَاتِلٌ: الْمَعْنَى أن الجبال فتت فَتًّا. وَقَالَ السُّدِّيُّ: كُسِرَتْ كَسْرًا. وَقَالَ الْحَسَنُ: قُلِعَتْ مِنْ أَصْلِهَا. وَقَالَ مُجَاهِدٌ أَيْضًا.

بُسَّتْ كَمَا يُبَسُّ الدَّقِيقُ بِالسَّمْنِ أَوْ بِالزَّيْتِ، وَالْمَعْنَى: أَنَّهَا خُلِطَتْ فَصَارَتْ كَالدَّقِيقِ الْمَلْتُوتِ. وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ:

الْبَسُّ السَّوْقُ، وَالْمَعْنَى عَلَى هَذَا: سِيقَتِ الْجِبَالُ سَوْقًا. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: بَسَّ الْإِبِلَ وَأَبَسَّهَا لُغَتَانِ إِذَا زَجَرَهَا.

وَقَالَ عِكْرِمَةُ: الْمَعْنَى هُدَّتْ هَدًّا فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا أَيْ: غُبَارًا مُتَفَرِّقًا مُنْتَشِرًا. قَالَ مُجَاهِدٌ: الْهَبَاءُ الشُّعَاعُ الَّذِي يَكُونُ فِي الْكُوَّةِ كَهَيْئَةِ الْغُبَارِ، وَقِيلَ: هُوَ الرَّهَجُ الَّذِي يَسْطَعُ مِنْ حَوَافِرِ الدَّوَابِّ ثُمَّ يَذْهَبُ، وَقِيلَ:

مَا تَطَايَرَ مِنَ النَّارِ إِذَا اضْطَرَمَتْ عَلَى سَوْرَةِ الشَّرَرِ، فَإِذَا وَقَعَ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي الْفُرْقَانِ عند تفسير قوله: فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً «1» قَرَأَ الْجُمْهُورُ مُنْبَثًّا بِالْمُثَلَّثَةِ. وَقَرَأَ مَسْرُوقٌ وَالنَّخَعِيُّ وَأَبُو حَيْوَةَ بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقُ. أَيْ: مُنْقَطِعًا، مِنْ قَوْلِهِمْ: بَتَّهُ اللَّهُ، أَيْ: قَطَعَهُ. ثُمَّ ذَكَرَ سُبْحَانَهُ أَحْوَالَ النَّاسِ وَاخْتِلَافَهُمْ فَقَالَ: وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً وَالْخِطَابُ لِجَمِيعِ النَّاسِ أَوْ لِلْأُمَّةِ الْحَاضِرَةِ، وَالْأَزْوَاجُ:

الْأَصْنَافُ، وَالْمَعْنَى: وَكُنْتُمْ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أَصْنَافًا ثَلَاثَةً. ثُمَّ فَسَّرَ سُبْحَانَهُ هذه الأصناف فقال:

(1) . الفرقان: 23.

ص: 177

فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ أَيْ: أَصْحَابُ الْيَمِينِ، وَهُمُ الَّذِينَ يَأْخُذُونَ كُتُبَهُمْ بِأَيْمَانِهِمْ، أَوِ الَّذِينَ يُؤْخَذُ بِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ إِلَى الْجَنَّةِ، وأصحاب الْمَيْمَنَةِ مُبْتَدَأٌ، وَخَبَرُهُ: مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ، أَيْ: أَيُّ شَيْءٍ هُمْ فِي حَالِهِمْ وَصِفَتِهِمْ، وَالِاسْتِفْهَامُ لِلتَّعْظِيمِ وَالتَّفْخِيمِ، وَتَكْرِيرُ الْمُبْتَدَأِ هُنَا بِلَفْظِهِ مُغْنٍ عَنِ الضَّمِيرِ الرَّابِطِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ:

الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ «1» والْقارِعَةُ مَا الْقارِعَةُ «2» وَلَا يَجُوزُ مِثْلُ هَذَا إِلَّا فِي مواضع التفخيم والتعظيم، والكلام في أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ كَالْكَلَامِ فِي أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ، وَالْمُرَادُ الَّذِي يُؤْخَذُ بِهِمْ ذَاتَ الشِّمَالِ إِلَى النَّارِ، أَوْ يَأْخُذُونَ صَحَائِفَ أَعْمَالِهِمْ بِشِمَالِهِمْ، وَالْمُرَادُ تَعْجِيبُ السَّامِعِ مِنْ حَالِ الْفَرِيقَيْنِ فِي الْفَخَامَةِ وَالْفَظَاعَةِ، كَأَنَّهُ قِيلَ: فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ فِي نِهَايَةِ السَّعَادَةِ وَحُسْنِ الْحَالِ، وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ فِي نِهَايَةِ الشَّقَاوَةِ وَسُوءِ الْحَالِ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ هُمُ الَّذِينَ كَانُوا عَنْ يَمِينِ آدَمَ حِينَ أُخْرِجَتِ الذَّرِّيَّةُ مِنْ صُلْبِهِ، وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ هُمُ الَّذِينَ كَانُوا عَنْ شِمَالِهِ. وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ هُمُ الَّذِينَ أُخِذُوا مِنْ شِقِّ آدَمَ الْأَيْمَنِ، وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ هُمُ الَّذِينَ أُخِذُوا مَنْ شِقِّهِ الْأَيْسَرِ. وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ:

أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ هُمْ أَهْلُ الْحَسَنَاتِ، وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ هُمْ أَهْلُ السَّيِّئَاتِ. وَقَالَ الْحَسَنُ وَالرَّبِيعُ: أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ هُمُ الْمَيَامِينُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ هُمُ الْمَشَائِيمُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْأَعْمَالِ الْقَبِيحَةِ. وَقَالَ الْمُبَرِّدُ: أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ أَصْحَابُ التَّقَدُّمِ، وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ أَصْحَابُ التَّأَخُّرِ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ:

اجْعَلْنِي فِي يَمِينِكَ وَلَا تَجْعَلْنِي فِي شِمَالِكَ، أَيِ: اجْعَلْنِي مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ وَلَا تَجْعَلْنِي مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَمِنْهُ قَوْلُ ابْنِ الدُّمَيْنَةِ:

أَبُنَيَّتِي أَفِي يُمْنَى يَدَيْكِ جَعَلْتِنِي

فَأَفْرَحُ أَمْ صَيَّرْتِنِي فِي شِمَالِكِ

ثُمَّ ذَكَرَ سُبْحَانَهُ الصِّنْفَ الثَّالِثَ فَقَالَ: وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ وَالتَّكْرِيرُ فِيهِ لِلتَّفْخِيمِ وَالتَّعْظِيمِ كَمَا مَرَّ فِي الْقِسْمَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ، كَمَا تَقُولُ أَنْتَ أَنْتَ وَزَيْدٌ زَيْدٌ، وَالسَّابِقُونَ مُبْتَدَأٌ، وَخَبَرُهُ السَّابِقُونَ. وَفِيهِ تأويلان:

أحد هما أَنَّهُ بِمَعْنَى السَّابِقُونَ هُمُ الَّذِينَ اشْتُهِرَتْ حَالُهُمْ بِذَلِكَ. وَالثَّانِي: أَنَّ مُتَعَلَّقَ السَّابِقِينَ مُخْتَلِفٌ، وَالتَّقْدِيرُ:

وَالسَّابِقُونَ إِلَى الْإِيمَانِ السَّابِقُونَ إِلَى الْجَنَّةِ. وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِمَا فِيهِ مِنَ الدَّلَالَةِ عَلَى التَّفْخِيمِ وَالتَّعْظِيمِ. قَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ: هُمُ السَّابِقُونَ إِلَى الإيمان من كل أمة. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: إِنَّهُمُ الْأَنْبِيَاءُ. وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ:

هُمُ الَّذِينَ صَلَّوْا إِلَى الْقِبْلَتَيْنِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هُمُ الَّذِينَ سَبَقُوا إِلَى الْجِهَادِ، وَبِهِ قَالَ الضَّحَّاكُ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: هُمُ السَّابِقُونَ إِلَى التَّوْبَةِ وَأَعْمَالِ الْبِرِّ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: الْمَعْنَى وَالسَّابِقُونَ إِلَى طَاعَةِ اللَّهِ هُمُ السابقون إلى رحمة الله. وقيل: وَوَجْهُ تَأْخِيرِ هَذَا الصِّنْفِ الثَّالِثِ مَعَ كَوْنِهِ أَشْرَفَ مِنَ الصِّنْفَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ هُوَ أَنْ يَقْتَرِنَ بِهِ مَا بَعْدَهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ: أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ فَالْإِشَارَةُ هِيَ إِلَيْهِمْ، أَيِ: الْمُقَرَّبُونَ إِلَى جَزِيلِ ثَوَابِ اللَّهِ وَعَظِيمِ كَرَامَتِهِ، أَوِ الَّذِينَ قَرُبَتْ دَرَجَاتُهُمْ وَأُعْلِيَتْ مَرَاتِبُهُمْ عِنْدَ الله. وقوله: فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ متعلق بالمقربون، أَيْ مُقَرَّبُونَ عِنْدَ اللَّهِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا ثَانِيًا لِأُولَئِكَ، وَأَنْ يكون حالا من

(1) . الحاقة: 1- 2.

(2)

. القارعة: 1- 2.

ص: 178

الضَّمِيرِ فِي الْمُقَرَّبُونَ، أَيْ: كَائِنِينَ فِيهَا. قَرَأَ الْجُمْهُورُ: فِي جَنَّاتِ بِالْجَمْعِ، وَقَرَأَ طَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ «فِي جَنَّةِ» بِالْإِفْرَادِ، وَإِضَافَةُ الْجَنَّاتِ إِلَى النَّعِيمِ مِنْ إِضَافَةِ الْمَكَانِ إِلَى مَا يَكُونُ فِيهِ كَمَا يُقَالُ: دَارُ الضِّيَافَةِ وَدَارُ الدَّعْوَةِ وَدَارُ الْعَدْلِ، وَارْتِفَاعُ ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ: هُمْ ثُلَّةٌ، وَالثُّلَّةُ الْجَمَاعَةُ الَّتِي لَا يُحْصَرُ عَدَدُهَا. قَالَ الزَّجَّاجُ: مَعْنَى ثُلَّةٍ مَعْنَى فِرْقَةٍ، مِنْ ثَلَلْتُ الشَّيْءَ إِذَا قَطَعْتَهُ، وَالْمُرَادُ بِالْأَوَّلِينَ هُمُ الْأُمَمُ السَّابِقَةُ مِنْ لَدُنْ آدَمَ إِلَى نَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ أَيْ: مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَسُمُّوا قَلِيلًا بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَنْ كَانَ قَبْلَهُمْ، وَهُمْ كَثِيرُونَ لِكَثْرَةِ الْأَنْبِيَاءِ فيهم وكثرة من أجابهم. قال الحسن: سابقوا مَنْ مَضَى أَكْثَرُ مِنْ سَابِقِينَا. قَالَ الزَّجَّاجُ: الَّذِينَ عَايَنُوا جَمِيعَ الْأَنْبِيَاءِ وَصَدَّقُوا بِهِمْ أَكْثَرُ مِمَّنْ عَايَنَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، وَلَا يُخَالِفُ هَذَا مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«إِنِّي لِأَرْجُوَ أَنْ تَكُونُوا رُبُعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ. ثُمَّ قَالَ: ثُلُثَ أَهْلِ الْجَنَّةِ، ثُمَّ قَالَ: نِصْفَ أَهْلِ الْجَنَّةِ» لِأَنَّ قَوْلَهُ: ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ إنما هو تفصيل لِلسَّابِقِينَ فَقَطْ كَمَا سَيَأْتِي فِي ذِكْرِ أَصْحَابِ الْيَمِينِ أَنَّهُمْ ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ، فَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ فِي أَصْحَابِ الْيَمِينِ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ مَنْ هُوَ أَكْثَرُ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ مِنْ غَيْرِهِمْ، فَيَجْتَمِعُ مِنْ قَلِيلِ سَابِقِي هَذِهِ الْأُمَّةِ وَمِنْ ثُلَّةِ أَصْحَابِ الْيَمِينِ مِنْهَا مَنْ يَكُونُ نِصْفَ أَهْلِ الْجَنَّةِ، والمقابلة بين الثلثين فِي أَصْحَابِ الْيَمِينِ لَا تَسْتَلْزِمُ اسْتِوَاءَهُمَا لِجَوَازِ أَنْ يُقَالَ: هَذِهِ الثُّلَّةُ أَكْثَرُ مِنْ هَذِهِ الثُّلَّةِ، كَمَا يُقَالُ: هَذِهِ الْجَمَاعَةُ أَكْثَرُ مِنْ هَذِهِ الْجَمَاعَةِ وَهَذِهِ الْفِرْقَةُ أَكْثَرُ مِنْ هَذِهِ الْفِرْقَةِ، وَهَذِهِ الْقِطْعَةُ أَكْثَرُ مِنْ هَذِهِ الْقِطْعَةِ. وَبِهَذَا تَعْرِفُ أَنَّهُ لَمْ يُصِبْ مَنْ قَالَ إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ. ثُمَّ ذَكَرَ سُبْحَانَهُ حَالَةً أُخْرَى لِلسَّابِقِينَ الْمُقَرَّبِينَ فَقَالَ: عَلى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ قَرَأَ الْجُمْهُورُ سُرُرٍ بِضَمِّ السين والراء الأولى، وقرأ أبو السّمّال وَزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ بِفَتْحِ الرَّاءِ، وَهِيَ لُغَةٌ كَمَا تَقَدَّمَ، وَالْمَوْضُونَةُ: الْمَنْسُوجَةُ: وَالْوَضْنُ: النَّسْجُ الْمُضَاعَفُ. قَالَ الْوَاحِدِيُّ: قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: مَنْسُوجَةٌ بِقُضْبَانِ الذَّهَبِ، وَقِيلَ: مُشَبَّكَةٌ بِالدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ وَالزَّبَرْجَدِ، وَقِيلَ: إِنَّ الْمَوْضُونَةَ: الْمَصْفُوفَةَ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ:

الْمَوْضُونَةُ: الْمَرْمُولَةُ «1» بِالذَّهَبِ، وَانْتِصَابُ مُتَّكِئِينَ عَلَيْها عَلَى الْحَالِ، وَكَذَا انْتِصَابُ مُتَقابِلِينَ وَالْمَعْنَى: مُسْتَقِرِّينَ عَلَى سُرُرٍ مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ لَا يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ قَفَا بَعْضٍ يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ الْجُمْلَةُ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ، أَوْ مُسْتَأْنَفَةٌ لِبَيَانِ بَعْضِ مَا أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مِنَ النَّعِيمِ، وَالْمَعْنَى يَدُورُ حَوْلَهُمْ لِلْخِدْمَةِ غِلْمَانٌ لَا يَهْرَمُونَ وَلَا يَتَغَيَّرُونَ، بَلْ شَكْلُهُمْ شَكْلُ الْوِلْدَانِ دَائِمًا. قَالَ مُجَاهِدٌ: الْمَعْنَى لَا يَمُوتُونَ.

وَقَالَ الْحَسَنُ وَالْكَلْبِيُّ: لَا يَهْرَمُونَ وَلَا يَتَغَيَّرُونَ. قَالَ الْفَرَّاءُ: والعرب تقول للرجل إذا كبر ولم يشمط إِنَّهُ لَمُخَلَّدٌ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: مُخَلَّدُونَ مُقَرَّطُونَ. قَالَ الْفَرَّاءُ: وَيُقَالُ مُخَلَّدُونَ: مُقَرَّطُونَ، يُقَالُ: خلد جاريته إذا حلاها بالخلدة، وهي القرط. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: مُخَلَّدُونَ: مُنَعَّمُونَ، وَمِنْهُ قَوْلُ امْرِئِ الْقَيْسِ:

وَهَلْ يَنْعَمْنَ إِلَّا سَعِيدٌ مُخَلَّدٌ

قَلِيلُ الْهُمُومِ مَا يَبِيتُ بِأَوْجَالِ

وَقِيلَ: مَسْتُورُونَ بِالْحِلْيَةِ، وَرُوِيَ نَحْوَهُ عَنِ الْفَرَّاءِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

(1) . «مرمولة» : منسوجة.

ص: 179

وَمُخَلَّدَاتٌ بِاللُّجَيْنِ كَأَنَّمَا

أَعْجَازُهُنَّ أَقَاوِزُ «1» الْكُثْبَانِ

وَقِيلَ: مخلدون: منطقون، قِيلَ: وَهُمْ وِلْدَانُ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ صِغَارًا وَلَا حَسَنَةَ لَهُمْ وَلَا سَيِّئَةَ، وَقِيلَ: هُمْ أَطْفَالُ الْمُشْرِكِينَ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونُوا مَخْلُوقِينَ فِي الْجَنَّةِ لِلْقِيَامِ بِهَذِهِ الْخِدْمَةِ، وَالْأَكْوَابُ: هِيَ الْأَقْدَاحُ الْمُسْتَدِيرَةُ الْأَفْوَاهِ الَّتِي لَا آذَانَ لَهَا وَلَا عُرًى، وَقَدْ مَضَى بَيَانُ مَعْنَاهَا فِي سورة الزخرف، والأباريق: هي ذات العرا وَالْخَرَاطِيمِ، وَاحِدُهَا إِبْرِيقٌ، وَهُوَ الَّذِي يَبْرُقُ لَوْنُهُ مِنْ صَفَائِهِ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ أَيْ: مِنْ خمر جارية أو من مَاءٍ جَارٍ، وَالْمُرَادُ بِهِ هَاهُنَا الْخَمْرُ الْجَارِيَةُ مِنَ الْعُيُونِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ مَعْنَى الْكَأْسِ فِي سُورَةِ الصَّافَّاتِ لَا يُصَدَّعُونَ عَنْها أَيْ: لَا تَتَصَدَّعُ رُؤُوسُهُمْ مِنْ شُرْبِهَا كَمَا تَتَصَدَّعُ مِنْ شُرْبِ خَمْرِ الدُّنْيَا. وَالصُّدَاعُ:

هُوَ الدَّاءُ الْمَعْرُوفُ الَّذِي يَلْحَقُ الْإِنْسَانَ فِي رَأْسِهِ، وَقِيلَ: لَا يُصَدَّعُونَ لَا يَتَفَرَّقُونَ كَمَا يَتَفَرَّقُ الشُّرَّابُ، وَيُقَوِّي هَذَا الْمَعْنَى قِرَاءَةُ مُجَاهِدٍ يَصَّدَّعُونَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَتَشْدِيدِ الصَّادِ، وَالْأَصْلُ يَتَصَدَّعُونَ، أَيْ: يَتَفَرَّقُونَ، وَالْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ لِبَيَانِ مَا أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مِنَ النَّعِيمِ، أَوْ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ، وَجُمْلَةُ وَلا يُنْزِفُونَ مَعْطُوفَةٌ عَلَى الْجُمْلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ اخْتِلَافُ الْقُرَّاءِ فِي هذا الحرف في سُورَةِ الصَّافَّاتِ، وَكَذَلِكَ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ، أَيْ: لَا يَسْكَرُونَ فَتَذْهَبُ عُقُولُهُمْ، مِنْ أَنْزَفَ الشَّارِبُ إِذَا نفذ عَقْلُهُ أَوْ شَرَابُهُ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ «2» :

لَعَمْرِي لَئِنْ أَنَزَفْتُمُ أَوْ صَحَوْتُمْ

لَبِئْسَ النَّدَامَى كُنْتُمُ آلَ أَبْجَرَا

وَفاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ أَيْ: يَخْتَارُونَهُ، يُقَالُ: تَخَيَّرْتُ الشَّيْءَ: إِذَا أَخَذْتَ خَيْرَهُ. قَرَأَ الجمهور وَفاكِهَةٍ بالجر وَكذا لَحْمِ عَطْفًا عَلَى أَكْوَابٍ، أَيْ: يَطُوفُونَ عَلَيْهِمْ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ وَالْمُتَفَكَّهِ بِهِ. وَقَرَأَ زيد بن علي وأبو عبد الرّحمن برفعهما عَلَى الِابْتِدَاءِ، وَالْخَبَرُ مُقَدَّرٌ، أَيْ: وَلَهُمْ فَاكِهَةٌ وَلَحْمٌ، وَمَعْنَى مِمَّا يَشْتَهُونَ مِمَّا يَتَمَنَّوْنَهُ وَتَشْتَهِيهِ أَنْفُسُهُمْ وَحُورٌ عِينٌ- كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ قَرَأَ الجمهور: وَحُورٌ عِينٌ بِرَفْعِهِمَا عَطْفًا عَلَى وِلْدَانٌ، أَوْ عَلَى تَقْدِيرِ مُبْتَدَأٍ، أَيْ: نِسَاؤُهُمْ حُورٌ عِينٌ، أَوْ عَلَى تَقْدِيرِ خَبَرٍ، أَيْ: وَلَهُمْ حُورٌ عِينٌ، وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ بِجَرِّهِمَا عَطْفًا عَلَى أَكْوَابٍ. قَالَ الزَّجَّاجُ: وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَى جَنَّاتٍ، أَيْ: هُمْ فِي جَنَّاتٍ وَفِي حُورٍ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ: وَفِي مُعَاشَرَةِ حُورٍ. قَالَ الْفَرَّاءُ: فِي تَوْجِيهِ الْعَطْفِ عَلَى أَكْوَابٍ إِنَّهُ يَجُوزُ الْجَرُّ عَلَى الْإِتْبَاعِ فِي اللَّفْظِ وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي الْمَعْنَى لِأَنَّ الْحُورَ لَا يُطَافُ بِهِنَّ، كَمَا فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ:

إِذَا مَا الْغَانِيَاتُ بَرَزْنَ يَوْمًا

وَزَجَّجْنَ الْحَوَاجِبَ وَالْعُيُونَا

وَالْعَيْنُ لَا تُزَجَّجُ وَإِنَّمَا تُكَحَّلُ. وَمِنْ هَذَا قَوْلُ الشَّاعِرِ:

عَلَفْتُهَا تِبْنًا وَمَاءً بَارِدًا

(1) . «الأقاوز» : جمع قوز: وهو كثيب من الرمل صغير شبه به أرداف النساء.

(2)

. هو الحطيئة.

ص: 180

وَقَوْلُ الْآخَرِ:

مُتَقَلِّدًا سَيْفًا وَرُمْحًا «1»

قَالَ قُطْرُبٌ: هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى الْأَكْوَابِ وَالْأَبَارِيقِ مِنْ غَيْرِ حَمْلٍ عَلَى الْمَعْنَى. قَالَ: وَلَا يُنْكَرُ أَنْ يُطَافَ عَلَيْهِمْ بِالْحُورِ، وَيَكُونُ لَهُمْ فِي ذَلِكَ لَذَّةٌ. وَقَرَأَ الْأَشْهَبُ الْعُقَيْلِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَعِيسَى بْنُ عُمَرَ بِنَصْبِهِمَا عَلَى تَقْدِيرِ إِضْمَارِ فِعْلٍ، كَأَنَّهُ قِيلَ: وَيُزَوَّجُونَ حُورًا عِينًا، أَوْ وَيُعْطَوْنَ، وَرَجَّحَ أَبُو عُبَيْدٍ وَأَبُو حَاتِمٍ قِرَاءَةَ الْجُمْهُورِ.

ثُمَّ شَبَّهَهُنَّ سُبْحَانَهُ بِاللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ، وَهُوَ الَّذِي لَمْ تَمَسَّهُ الْأَيْدِي وَلَا وَقَعَ عَلَيْهِ الْغُبَارُ، فَهُوَ أَشَدُّ مَا يَكُونُ صَفَاءً، وَانْتِصَابُ جَزَاءً فِي قَوْلِهِ: جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ لَهُ، أَيْ: يَفْعَلُ بِهِمْ ذَلِكَ كُلَّهُ لِلْجَزَاءِ بِأَعْمَالِهِمْ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَصْدَرًا مُؤَكِّدًا لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ: يُجْزَوْنَ جَزَاءً، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ الْحُورِ الْعِينِ فِي سُورَةِ الطُّورِ وَغَيْرِهَا لَا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً اللَّغْوُ: الْبَاطِلُ مِنَ الْكَلَامِ، وَالتَّأْثِيمُ النِّسْبَةُ إِلَى الْإِثْمِ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: لَا يُؤَثِّمُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: لَا يَسْمَعُونَ شَتْمًا وَلَا مأثما، والمعنى:

أنه لا يقول بعضهم لبعض أَثِمْتَ لِأَنَّهُمْ لَا يَتَكَلَّمُونَ بِمَا فِيهِ إِثْمٌ إِلَّا قِيلًا سَلاماً سَلاماً الْقِيلُ: الْقَوْلُ، وَالِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعٌ، أَيْ: لَكِنْ يَقُولُونَ قِيلًا، أَوْ يَسْمَعُونَ قِيلًا، وَانْتِصَابُ سَلَامًا سَلَامًا عَلَى أَنَّهُ بَدَلٌ مِنْ «قِيلًا» ، أَوْ صِفَةٌ لَهُ، أَوْ هُوَ مَفْعُولٌ بِهِ لِقِيلًا، أَيْ: إِلَّا أَنْ يَقُولُوا سَلَامًا سَلَامًا، وَاخْتَارَ هَذَا الزَّجَّاجُ، أَوْ عَلَى أَنَّهُ مَنْصُوبٌ بِفِعْلٍ هُوَ مَحْكِيٌّ بِقِيلًا، أَيْ: إِلَّا قِيلًا سَلِّمُوا سَلَامًا سَلَامًا، وَالْمَعْنَى فِي الْآيَةِ: أَنَّهُمْ لَا يَسْمَعُونَ إِلَّا تَحِيَّةَ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ. قَالَ عَطَاءٌ: يُحَيِّي بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِالسَّلَامِ، وَقِيلَ: إِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مُتَّصِلٌ وَهُوَ بَعِيدٌ، لِأَنَّ التَّحِيَّةَ لَيْسَتْ مِمَّا يَنْدَرِجُ تَحْتَ اللَّغْوِ وَالتَّأْثِيمِ، وقرئ سَلَامٌ سَلَامٌ بِالرَّفْعِ. قَالَ مَكِّيٌّ: وَيَجُوزُ الرَّفْعُ عَلَى مَعْنَى سَلَامٌ عَلَيْكُمْ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ.

وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ قَالَ: يَوْمُ الْقِيَامَةِ لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ قَالَ: لَيْسَ لَهَا مَرَدٌّ يَرُدُّ خافِضَةٌ رافِعَةٌ قَالَ: تَخْفِضُ نَاسًا وَتَرْفَعُ آخَرِينَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْهُ خافِضَةٌ رافِعَةٌ قَالَ: أَسْمَعَتِ الْقَرِيبَ وَالْبَعِيدَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ خافِضَةٌ رافِعَةٌ قَالَ: السَّاعَةُ خَفَضَتْ أَعْدَاءَ اللَّهِ إِلَى النَّارِ، وَرَفَعَتْ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ إِلَى الْجَنَّةِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا قَالَ: زُلْزِلَتْ وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا قَالَ: فُتِّتَتْ فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا قَالَ: شُعَاعُ الشَّمْسِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا قَالَ: الْهَبَاءُ الَّذِي يَطِيرُ مِنَ النَّارِ إِذَا أُضْرِمَتْ يَطِيرُ مِنْهَا الشَّرَرُ، فَإِذَا وَقَعَ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْهُ أَيْضًا قَالَ: الْهَبَاءُ: مَا يَثُورُ مَعَ شُعَاعِ الشَّمْسِ، وَانْبِثَاثُهُ تَفَرُّقُهُ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: الْهَبَاءُ الْمُنْبَثُّ: رَهَجُ الدَّوَابِّ، وَالْهَبَاءُ الْمَنْثُورُ: غُبَارُ الشَّمْسِ الَّذِي تَرَاهُ فِي شُعَاعِ الْكُوَّةَ. وَأَخْرَجَ ابن

(1) . وصدره: ورأيت زوجك في الوغى.

ص: 181