المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة المجادلة (58) : الآيات 11 الى 13] - فتح القدير للشوكاني - جـ ٥

[الشوكاني]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الخامس

- ‌سورة الجاثية

- ‌[سورة الجاثية (45) : الآيات 1 الى 15]

- ‌[سورة الجاثية (45) : الآيات 16 الى 26]

- ‌[سورة الجاثية (45) : الآيات 27 الى 37]

- ‌سورة الأحقاف

- ‌[سورة الأحقاف (46) : الآيات 1 الى 9]

- ‌[سورة الأحقاف (46) : الآيات 10 الى 16]

- ‌[سورة الأحقاف (46) : الآيات 17 الى 20]

- ‌[سورة الأحقاف (46) : الآيات 21 الى 28]

- ‌[سورة الأحقاف (46) : الآيات 29 الى 35]

- ‌سورة محمّد

- ‌[سورة محمد (47) : الآيات 1 الى 12]

- ‌[سورة محمد (47) : الآيات 13 الى 19]

- ‌[سورة محمد (47) : الآيات 20 الى 31]

- ‌[سورة محمد (47) : الآيات 32 الى 38]

- ‌سورة الفتح

- ‌[سورة الفتح (48) : الآيات 1 الى 7]

- ‌[سورة الفتح (48) : الآيات 8 الى 15]

- ‌[سورة الفتح (48) : الآيات 16 الى 24]

- ‌[سورة الفتح (48) : الآيات 25 الى 29]

- ‌سورة الحجرات

- ‌[سورة الحجرات (49) : الآيات 1 الى 8]

- ‌[سورة الحجرات (49) : الآيات 9 الى 12]

- ‌[سورة الحجرات (49) : الآيات 13 الى 18]

- ‌سورة ق

- ‌[سورة ق (50) : الآيات 1 الى 15]

- ‌[سورة ق (50) : الآيات 16 الى 35]

- ‌[سورة ق (50) : الآيات 36 الى 45]

- ‌سورة الذّاريات

- ‌[سورة الذاريات (51) : الآيات 1 الى 23]

- ‌[سورة الذاريات (51) : الآيات 24 الى 37]

- ‌[سورة الذاريات (51) : الآيات 38 الى 60]

- ‌سورة الطّور

- ‌[سورة الطور (52) : الآيات 1 الى 20]

- ‌[سورة الطور (52) : الآيات 21 الى 34]

- ‌[سورة الطور (52) : الآيات 35 الى 49]

- ‌سورة النجم

- ‌[سورة النجم (53) : الآيات 1 الى 26]

- ‌[سورة النجم (53) : الآيات 27 الى 42]

- ‌[سورة النجم (53) : الآيات 43 الى 62]

- ‌سورة القمر

- ‌[سورة القمر (54) : الآيات 1 الى 17]

- ‌[سورة القمر (54) : الآيات 18 الى 40]

- ‌[سورة القمر (54) : الآيات 41 الى 55]

- ‌سورة الرّحمن

- ‌[سورة الرحمن (55) : الآيات 1 الى 25]

- ‌[سورة الرحمن (55) : الآيات 26 الى 45]

- ‌[سورة الرحمن (55) : الآيات 46 الى 78]

- ‌سورة الواقعة

- ‌[سورة الواقعة (56) : الآيات 1 الى 26]

- ‌[سورة الواقعة (56) : الآيات 27 الى 56]

- ‌[سورة الواقعة (56) : الآيات 57 الى 74]

- ‌[سورة الواقعة (56) : الآيات 75 الى 96]

- ‌سورة الحديد

- ‌[سورة الحديد (57) : الآيات 1 الى 6]

- ‌[سورة الحديد (57) : الآيات 7 الى 11]

- ‌[سورة الحديد (57) : الآيات 12 الى 15]

- ‌[سورة الحديد (57) : الآيات 16 الى 19]

- ‌[سورة الحديد (57) : الآيات 20 الى 24]

- ‌[سورة الحديد (57) : الآيات 25 الى 29]

- ‌سورة المجادلة

- ‌[سورة المجادلة (58) : الآيات 1 الى 4]

- ‌[سورة المجادلة (58) : الآيات 5 الى 10]

- ‌[سورة المجادلة (58) : الآيات 11 الى 13]

- ‌[سورة المجادلة (58) : الآيات 14 الى 22]

- ‌سورة الحشر

- ‌[سورة الحشر (59) : الآيات 1 الى 7]

- ‌[سورة الحشر (59) : الآيات 8 الى 10]

- ‌[سورة الحشر (59) : الآيات 11 الى 20]

- ‌[سورة الحشر (59) : الآيات 21 الى 24]

- ‌سورة الممتحنة

- ‌[سورة الممتحنة (60) : الآيات 1 الى 3]

- ‌[سورة الممتحنة (60) : الآيات 4 الى 9]

- ‌[سورة الممتحنة (60) : الآيات 10 الى 13]

- ‌سورة الصّفّ

- ‌[سورة الصف (61) : الآيات 1 الى 9]

- ‌[سورة الصف (61) : الآيات 10 الى 14]

- ‌سورة الجمعة

- ‌[سورة الجمعة (62) : الآيات 1 الى 8]

- ‌[سورة الجمعة (62) : الآيات 9 الى 11]

- ‌سورة المنافقون

- ‌[سورة المنافقون (63) : الآيات 1 الى 8]

- ‌[سورة المنافقون (63) : الآيات 9 الى 11]

- ‌سورة التغابن

- ‌[سورة التغابن (64) : الآيات 1 الى 6]

- ‌[سورة التغابن (64) : الآيات 7 الى 13]

- ‌[سورة التغابن (64) : الآيات 14 الى 18]

- ‌سورة الطّلاق

- ‌[سورة الطلاق (65) : الآيات 1 الى 5]

- ‌[سورة الطلاق (65) : الآيات 6 الى 7]

- ‌[سورة الطلاق (65) : الآيات 8 الى 12]

- ‌سورة التّحريم

- ‌[سورة التحريم (66) : الآيات 1 الى 5]

- ‌[سورة التحريم (66) : الآيات 6 الى 8]

- ‌[سورة التحريم (66) : الآيات 9 الى 12]

- ‌سورة الملك

- ‌[سورة الملك (67) : الآيات 1 الى 11]

- ‌[سورة الملك (67) : الآيات 12 الى 21]

- ‌[سورة الملك (67) : الآيات 22 الى 30]

- ‌سورة القلم

- ‌[سورة القلم (68) : الآيات 1 الى 16]

- ‌[سورة القلم (68) : الآيات 17 الى 33]

- ‌[سورة القلم (68) : الآيات 34 الى 52]

- ‌سورة الحاقّة

- ‌[سورة الحاقة (69) : الآيات 1 الى 18]

- ‌[سورة الحاقة (69) : الآيات 19 الى 52]

- ‌سورة المعارج

- ‌[سورة المعارج (70) : الآيات 1 الى 18]

- ‌[سورة المعارج (70) : الآيات 19 الى 39]

- ‌[سورة المعارج (70) : الآيات 40 الى 44]

- ‌سورة نوح

- ‌[سورة نوح (71) : الآيات 1 الى 20]

- ‌[سورة نوح (71) : الآيات 21 الى 28]

- ‌سورة الجنّ

- ‌[سورة الجن (72) : الآيات 1 الى 13]

- ‌[سورة الجن (72) : الآيات 14 الى 28]

- ‌سورة المزّمّل

- ‌[سورة المزمل (73) : الآيات 1 الى 18]

- ‌[سورة المزمل (73) : الآيات 19 الى 20]

- ‌سورة المدّثّر

- ‌[سورة المدثر (74) : الآيات 1 الى 30]

- ‌[سورة المدثر (74) : الآيات 31 الى 37]

- ‌[سورة المدثر (74) : الآيات 38 الى 56]

- ‌سورة القيمة

- ‌[سورة القيامة (75) : الآيات 1 الى 25]

- ‌[سورة القيامة (75) : الآيات 26 الى 40]

- ‌سورة الإنسان

- ‌[سورة الإنسان (76) : الآيات 1 الى 12]

- ‌[سورة الإنسان (76) : الآيات 13 الى 22]

- ‌[سورة الإنسان (76) : الآيات 23 الى 31]

- ‌سورة المرسلات

- ‌[سورة المرسلات (77) : الآيات 1 الى 28]

- ‌[سورة المرسلات (77) : الآيات 29 الى 50]

- ‌سورة النّبأ

- ‌[سورة النبإ (78) : الآيات 1 الى 30]

- ‌[سورة النبإ (78) : الآيات 31 الى 40]

- ‌سورة النّازعات

- ‌[سورة النازعات (79) : الآيات 1 الى 26]

- ‌[سورة النازعات (79) : الآيات 27 الى 46]

- ‌سورة عبس

- ‌[سورة عبس (80) : الآيات 1 الى 42]

- ‌سورة التّكوير

- ‌[سورة التكوير (81) : الآيات 1 الى 29]

- ‌سورة الانفطار

- ‌[سورة الانفطار (82) : الآيات 1 الى 19]

- ‌سورة المطفّفين

- ‌[سورة المطففين (83) : الآيات 1 الى 17]

- ‌[سورة المطففين (83) : الآيات 18 الى 36]

- ‌سورة الانشقاق

- ‌[سورة الانشقاق (84) : الآيات 1 الى 25]

- ‌سورة البروج

- ‌[سورة البروج (85) : الآيات 1 الى 22]

- ‌سورة الطّارق

- ‌[سورة الطارق (86) : الآيات 1 الى 17]

- ‌سورة الأعلى

- ‌[سورة الأعلى (87) : الآيات 1 الى 19]

- ‌سورة الغاشية

- ‌[سورة الغاشية (88) : الآيات 1 الى 26]

- ‌سورة الفجر

- ‌[سورة الفجر (89) : الآيات 1 الى 14]

- ‌[سورة الفجر (89) : الآيات 15 الى 30]

- ‌سورة البلد

- ‌[سورة البلد (90) : الآيات 1 الى 20]

- ‌سورة الشمس

- ‌[سورة الشمس (91) : الآيات 1 الى 15]

- ‌سورة الليل

- ‌[سورة الليل (92) : الآيات 1 الى 21]

- ‌سورة الضّحى

- ‌[سورة الضحى (93) : الآيات 1 الى 11]

- ‌سورة الشرح

- ‌[سورة الشرح (94) : الآيات 1 الى 8]

- ‌سورة التّين

- ‌[سورة التين (95) : الآيات 1 الى 8]

- ‌سورة العلق

- ‌[سورة العلق (96) : الآيات 1 الى 19]

- ‌سورة القدر

- ‌[سورة القدر (97) : الآيات 1 الى 5]

- ‌سورة البيّنة

- ‌[سورة البينة (98) : الآيات 1 الى 8]

- ‌سورة الزّلزلة

- ‌[سورة الزلزلة (99) : الآيات 1 الى 8]

- ‌سورة العاديات

- ‌[سورة العاديات (100) : الآيات 1 الى 11]

- ‌سورة القارعة

- ‌[سورة القارعة (101) : الآيات 1 الى 11]

- ‌سورة التّكاثر

- ‌[سورة التكاثر (102) : الآيات 1 الى 8]

- ‌سورة العصر

- ‌[سورة العصر (103) : الآيات 1 الى 3]

- ‌سورة الهمزة

- ‌[سورة الهمزة (104) : الآيات 1 الى 9]

- ‌سورة الفيل

- ‌[سورة الفيل (105) : الآيات 1 الى 5]

- ‌سورة قريش

- ‌[سورة قريش (106) : الآيات 1 الى 4]

- ‌سورة الماعون

- ‌[سورة الماعون (107) : الآيات 1 الى 7]

- ‌سورة الكوثر

- ‌[سورة الكوثر (108) : الآيات 1 الى 3]

- ‌سورة الكافرون

- ‌[سورة الكافرون (109) : الآيات 1 الى 6]

- ‌سورة النّصر

- ‌[سورة النصر (110) : الآيات 1 الى 3]

- ‌سورة المسد

- ‌[سورة المسد (111) : الآيات 1 الى 5]

- ‌سورة الإخلاص

- ‌[سورة الإخلاص (112) : الآيات 1 الى 4]

- ‌سورة الفلق

- ‌[سورة الفلق (113) : الآيات 1 الى 5]

- ‌سورة النّاس

- ‌[سورة الناس (114) : الآيات 1 الى 6]

- ‌فهرس الموضوعات

الفصل: ‌[سورة المجادلة (58) : الآيات 11 الى 13]

هَذَا؟ قَالُوا: اللَّهُ أَعْلَمُ، سَلَّمَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ، قَالَ: لَا، وَلَكِنَّهُ قَالَ كَذَا وَكَذَا، رُدُّوهُ عَلَيَّ، فَرَدُّوهُ، قَالَ:

قُلْتَ السَّامُ عَلَيْكُمْ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ ذَلِكَ: إِذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَقُولُوا: عَلَيْكَ، قَالَ: عَلَيْكَ ما قلت. قال: وَإِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ» . وَأَخْرَجَ البخاري ومسلم وغير هما عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَهُودُ، فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكَ يَا أَبَا الْقَاسِمِ؟ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: عَلَيْكُمُ السَّامُ وَاللَّعْنَةُ، فَقَالَ: يَا عَائِشَةُ إِنَّ اللَّهَ لا يحب الفحش ولا المفتحش، قُلْتُ: أَلَا تَسْمَعُهُمْ يَقُولُونَ السَّامَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أو ما سمعتني أقول وعليكم؟ فأنزل الله:

وَإِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ» . وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَالَ: كَانَ الْمُنَافِقُونَ يَقُولُونَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا حَيَّوْهُ: سَامٌ عَلَيْكَ، فَنَزَلَتْ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْهُ قَالَ:«كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا بَعَثَ سَرِيَّةً وَأَغْزَاهَا الْتَقَى الْمُنَافِقُونَ فَأَنْغَضُوا رُؤُوسَهُمْ إِلَى الْمُسْلِمِينَ وَيَقُولُونَ: قُتِلَ الْقَوْمُ، وَإِذَا رَأَوْا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَنَاجَوْا وَأَظْهَرُوا الْحُزْنَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَمِنَ المسلمين، فأنزل الله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَناجَيْتُمْ فَلا تَتَناجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ الْآيَةَ» . وَأَخْرَجَ البخاري ومسلم وغير هما عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا كُنْتُمْ ثَلَاثَةً فَلَا يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ الثَّالِثِ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُحْزِنُهُ» . وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: كُنَّا نَتَنَاوَبُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم، يطرقه أَمَرَ، أَوْ يَأْمُرُ بِشَيْءٍ، فَكَثُرَ أَهْلُ النُّوَبِ والمحتسبون ليلة حتى إذا كنا أندية نَتَحَدَّثُ، فَخَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ اللَّيْلِ فَقَالَ: مَا هَذِهِ النَّجْوَى؟ أَلَمْ تُنْهَوْا عَنِ النَّجْوَى؟ قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا فِي ذِكْرِ الْمَسِيحِ فَرَقًا مِنْهُ، فَقَالَ: أَلَا أُخْبِرُكُمْ مِمَّا هُوَ أَخْوَفُ عَلَيْكُمْ عِنْدِي مِنْهُ؟ قُلْنَا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ.

قَالَ: الشِّرْكُ الْخَفِيُّ أَنْ يَقُومَ الرَّجُلُ يَعْمَلُ لِمَكَانِ رَجُلٍ» . قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: هذا إسناد غريب، وفيه بعض الضعفاء.

[سورة المجادلة (58) : الآيات 11 الى 13]

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (11) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً ذلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (12) أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (13)

قوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجالِسِ يُقَالُ: فَسَحَ لَهُ يَفْسَحُ فَسْحًا، أَيْ:

وُسَّعَ لَهُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: بَلَدٌ فَسِيحٌ. أَمَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِحُسْنِ الْأَدَبِ مَعَ بَعْضِهِمْ بَعْضًا بِالتَّوْسِعَةِ فِي الْمَجْلِسِ وَعَدَمِ التَّضَايُقِ فِيهِ. قَالَ قَتَادَةُ وَمُجَاهِدٌ وَالضَّحَّاكُ: كَانُوا يَتَنَافَسُونَ فِي مَجْلِسِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَأُمِرُوا أَنْ يُفْسِحَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ. وَقَالَ الْحَسَنُ وَيَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ: هُوَ مَجْلِسُ الْقِتَالِ إِذَا اصْطَفُّوا لِلْحَرْبِ كَانُوا يَتَشَاحُّونَ عَلَى الصَّفِّ الْأَوَّلِ، فَلَا يُوَسِّعُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ رَغْبَةً فِي الْقِتَالِ لِتَحْصِيلِ الشَّهَادَةِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ أي: فوسّعوا

ص: 225

يُوَسِّعِ اللَّهُ لَكُمْ فِي الْجَنَّةِ، أَوْ فِي كُلِّ مَا تُرِيدُونَ التَّفَسُّحَ فِيهِ مِنَ الْمَكَانِ والرزق وغير هما، قَرَأَ الْجُمْهُورُ:«تَفَسَّحُوا فِي الْمَجْلِسِ» وَقَرَأَ السُّلَمِيُّ وَزِرُّ بْنُ حُبَيْشٍ وَعَاصِمٌ فِي الْمَجالِسِ عَلَى الْجَمْعِ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَجْلِسًا، وَقَرَأَ قَتَادَةُ وَالْحَسَنُ وَدَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدَ وَعِيسَى بْنُ عُمَرَ «تَفَاسَحُوا» . قَالَ الْوَاحِدِيُّ: وَالْوَجْهُ التَّوْحِيدُ فِي الْمَجْلِسِ، لِأَنَّهُ يَعْنِي بِهِ مَجْلِسَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: الصَّحِيحُ فِي الْآيَةِ أَنَّهَا عَامَّةٌ فِي كُلِّ مَجْلِسٍ اجْتَمَعَ فِيهِ الْمُسْلِمُونَ لِلْخَيْرِ وَالْأَجْرِ سَوَاءٌ كَانَ مَجْلِسَ حَرْبٍ، أَوْ ذِكْرٍ، أَوْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فإن كُلَّ وَاحِدٍ أَحَقُّ بِمَكَانِهِ الَّذِي سَبَقَ إِلَيْهِ، وَلَكِنْ يُوَسِّعُ لِأَخِيهِ مَا لَمْ يَتَأَذَّ بِذَلِكَ فَيُخْرِجُهُ الضِّيقُ عَنْ مَوْضِعِهِ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا: حَدِيثُ ابن عمر عند البخاري ومسلم وغير هما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قال: «لا يقيم الرَّجُلُ الرَّجُلَ مِنْ مَجْلِسِهِ ثُمَّ يَجْلِسْ فِيهِ» ، [وعنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ نهى أن يقام الرجل من مجلسه ويجلس فيه آخر]«1» وَلَكِنْ تَفَسَّحُوا وَتَوَسَّعُوا» .

وَإِذا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا قَرَأَ الْجُمْهُورُ بِكَسْرِ الشِّينِ فِيهَا، وَقَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ عَامِرٍ وَعَاصِمٌ بِضَمِّهَا فِيهِمَا، وَهُمَا لُغَتَانِ بِمَعْنَى وَاحِدٍ، يُقَالُ: نَشَزَ، أَيِ: ارْتَفَعَ، يَنْشُزُ وَيَنْشِزُ، كَعَكَفَ يَعْكُفُ وَيَعْكِفُ، وَالْمَعْنَى:

إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْهَضُوا فَانْهَضُوا. قَالَ جُمْهُورُ الْمُفَسِّرِينَ: أَيِ: انْهَضُوا إِلَى الصَّلَاةِ وَالْجِهَادِ وَعَمَلِ الْخَيْرِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَالضَّحَّاكُ وَعِكْرِمَةُ: كَانَ رِجَالٌ يَتَثَاقَلُونَ عَنِ الصَّلَاةِ، فَقِيلَ لَهُمْ: إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ فَانْهَضُوا. وَقَالَ الْحَسَنُ: انْهَضُوا إِلَى الْحَرْبِ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: هَذَا فِي بَيْتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، كَانَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ آخِرَ عَهْدِهِ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَإِذا قِيلَ انْشُزُوا عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَانْشُزُوا فَإِنَّ لَهُ حَوَائِجَ فَلَا تَمْكُثُوا. وَقَالَ قَتَادَةُ: الْمَعْنَى أَجِيبُوا إِذَا دُعِيتُمْ إِلَى أَمْرٍ بِمَعْرُوفٍ، وَالظَّاهِرُ حَمْلُ الْآيَةِ عَلَى الْعُمُومِ وَالْمَعْنَى:

إِذَا قِيلَ لَكُمُ: انْهَضُوا إِلَى أَمْرٍ مِنَ الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ فَانْهَضُوا وَلَا تَتَثَاقَلُوا وَلَا يَمْنَعُ مِنْ حَمْلِهَا عَلَى الْعُمُومِ كَوْنُ السَّبَبِ خَاصًّا، فَإِنَّ الِاعْتِبَارَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ كَمَا هُوَ الْحَقُّ، وَيَنْدَرِجُ مَا هُوَ سَبَبُ النُّزُولِ فِيهَا انْدِرَاجًا أَوَّلِيًّا، وَهَكَذَا يَنْدَرِجُ مَا فِيهِ السِّيَاقُ وَهُوَ التَّفْسِيحُ فِي الْمَجْلِسِ انْدِرَاجًا أوّليا، وقد قدّمنا أن معنى نشر ارْتَفَعَ، وَهَكَذَا يُقَالُ نَشَزَ يَنْشُزُ إِذَا تَنَحَّى عَنْ مَوْضِعِهِ، وَمِنْهُ امْرَأَةٌ نَاشِزٌ، أَيْ: مُتَنَحِّيَةٌ عَنْ زَوْجِهَا، وَأَصْلُهُ مَأْخُوذٌ مِنَ النَّشْزِ، وَهُوَ مَا ارْتَفَعَ مِنَ الْأَرْضِ وَتَنَحَّى، ذَكَرَ مَعْنَاهُ النَّحَّاسُ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ بِتَوْفِيرِ نَصِيبِهِمْ فِيهِمَا وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ أَيْ: وَيَرْفَعِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْكُمْ دَرَجَاتٍ عَالِيَةٍ فِي الْكَرَامَةِ فِي الدُّنْيَا وَالثَّوَابِ فِي الْآخِرَةِ، وَمَعْنَى الْآيَةِ أَنَّهُ يَرْفَعُ الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى مَنْ لَمْ يُؤْمِنْ دَرَجَاتٍ وَيَرْفَعُ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا دَرَجَاتٍ، فَمَنْ جَمَعَ بَيْنَ الْإِيمَانِ وَالْعِلْمِ رَفَعَهُ اللَّهُ بِإِيمَانِهِ دَرَجَاتٍ ثُمَّ رَفَعَهُ بِعِلْمِهِ دَرَجَاتٍ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الصَّحَابَةِ وَكَذَلِكَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالَّذِينَ أُوتُوا الْعَلَمَ الَّذِينَ قَرَءُوا الْقُرْآنَ. وَالْأَوْلَى حَمْلُ الْآيَةِ عَلَى الْعُمُومِ فِي كُلِّ مُؤْمِنٍ وَكُلِّ صَاحِبِ عِلْمٍ مِنْ عُلُومِ الدِّينِ مِنْ جَمِيعِ أَهْلِ هَذِهِ الْمِلَّةِ، وَلَا دَلِيلَ يَدُلُّ عَلَى تَخْصِيصِ الْآيَةِ بِالْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ، وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ فَضِيلَةٌ عَظِيمَةٌ لِلْعِلْمِ وَأَهْلِهِ، وَقَدْ دَلَّ عَلَى فَضْلِهِ وَفَضْلِهِمْ آيَاتٌ قُرْآنِيَّةٌ وَأَحَادِيثُ نَبَوِيَّةٌ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ

(1) . من تفسير القرطبي (17/ 298) .

ص: 226

لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ أَعْمَالِكُمْ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ، فَهُوَ مُجَازِيكُمْ بِالْخَيْرِ خَيْرًا وَبِالشَّرِّ شرّا يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً الْمُنَاجَاةُ: الْمُسَارَرَةُ، وَالْمَعْنَى: إِذَا أَرَدْتُمْ مُسَارَرَةَ الرَّسُولِ فِي أَمْرٍ مِنْ أُمُورِكُمْ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ مُسَارَرَتِكُمْ لَهُ صَدَقَةً. قَالَ الْحَسَنُ: نَزَلَتْ بِسَبَبِ أَنَّ قَوْمًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا يَسْتَخْلُونَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يُنَاجُونَهُ، فَظَنَّ بِهِمْ قَوْمٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُمْ يَنْتَقِصُونَهُمْ فِي النَّجْوَى، فَشَقَّ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ، فَأَمَرَهُمُ اللَّهُ بِالصَّدَقَةِ عِنْدَ النَّجْوَى لِتَقْطَعَهُمْ عَنِ اسْتِخْلَائِهِ. وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: نَزَلَتْ بِسَبَبِ أَنَّ الْمُنَافِقِينَ وَالْيَهُودَ كَانُوا يُنَاجُونَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَيَقُولُونَ: إِنَّهُ أُذُنٌ يَسْمَعُ كُلَّ مَا قِيلَ لَهُ، وَكَانَ لَا يَمْنَعُ أَحَدًا مِنْ مُنَاجَاتِهِ، وَكَانَ ذَلِكَ يَشُقُّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ يُلْقِي فِي أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ نَاجَوْهُ بِأَنَّ جُمُوعًا اجْتَمَعَتْ لِقِتَالِهِ، فأنزل الله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَناجَيْتُمْ فَلا تَتَناجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ «1» فَلَمْ يَنْتَهُوا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ فَانْتَهَى أَهْلُ الْبَاطِلِ عَنِ النَّجْوَى لِأَنَّهُمْ لَمْ يُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاهُمْ صَدَقَةً، وَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى أَهْلِ الْإِيمَانِ، وَامْتَنَعُوا عَنِ النَّجْوَى، لِضَعْفِ كَثِيرٍ مِنْهُمْ عَنِ الصَّدَقَةِ فَخَفَّفَ اللَّهُ عَنْهُمْ بِالْآيَةِ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ، وَالْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: ذلِكَ إِلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ تَقْدِيمِ الصَّدَقَةِ بَيْنَ يَدَيِ النَّجْوَى، وَهُوَ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ لِمَا فِيهِ من طاعة الله، وتقييد الأمر يكون امْتِثَالِهِ خَيْرًا لَهُمْ مِنْ عَدَمِ الِامْتِثَالِ وَأَطْهَرَ لِنُفُوسِهِمْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَمْرُ نَدْبٍ لَا أَمْرُ وُجُوبٍ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ يَعْنِي مَنْ كَانَ مِنْهُمْ لَا يَجِدُ تِلْكَ الصَّدَقَةَ الْمَأْمُورَ بِهَا بَيْنَ يَدَيِ النَّجْوَى، فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ فِي النَّجْوَى بِدُونِ صَدَقَةٍ أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ أَيْ: أَخِفْتُمُ الْفَقْرَ وَالْعَيْلَةَ لِأَنْ تُقَدِّمُوا ذَلِكَ، وَالْإِشْفَاقُ: الْخَوْفُ مِنَ الْمَكْرُوهِ وَالِاسْتِفْهَامُ لِلتَّقْرِيرِ. وَقِيلَ الْمَعْنَى: أَبَخِلْتُمْ، وَجَمَعَ الصَّدَقَاتِ هُنَا بِاعْتِبَارِ الْمُخَاطَبِينَ. قَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ: إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ عَشْرَ لَيَالٍ ثُمَّ نُسِخَ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: مَا كَانَ ذَلِكَ إِلَّا لَيْلَةً وَاحِدَةً. وَقَالَ قَتَادَةُ: مَا كَانَ إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا مَا أُمِرْتُمْ بِهِ مِنَ الصَّدَقَةِ بَيْنَ يَدَيِ النَّجْوَى، وَهَذَا خِطَابٌ لِمَنْ وَجَدَ مَا يَتَصَدَّقُ بِهِ وَلَمْ يَفْعَلْ، وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَجِدْ فَقَدْ تَقَدَّمَ التَّرْخِيصُ لَهُ بِقَوْلِهِ: فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ وَتابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ بِأَنْ رَخَّصَ لَكُمْ في الترك، «وإذ» عَلَى بَابِهَا فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْمُضِيِّ، وَقِيلَ: هي بِمَعْنَى إِنْ، وَتَابَ مَعْطُوفٌ عَلَى لَمْ تَفْعَلُوا، أَيْ: وَإِذَا لَمْ تَفْعَلُوا وَإِذْ تَابَ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَالْمَعْنَى: إِذَا وَقَعَ مِنْكُمُ التَّثَاقُلُ عَنِ امْتِثَالِ الْأَمْرِ بِتَقْدِيمِ الصَّدَقَةِ بَيْنَ يَدَيِ النَّجْوَى فَاثْبُتُوا عَلَى إِقَامَةِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَطَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فِيمَا تُؤْمَرُونَ بِهِ وَتُنْهَوْنَ عَنْهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ فَهُوَ مُجَازِيكُمْ، وَلَيْسَ فِي الْآيَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى تَقْصِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فِي امْتِثَالِ هَذَا الْأَمْرِ، أَمَّا الْفُقَرَاءُ مِنْهُمْ فَالْأَمْرُ وَاضِحٌ، وَأَمَّا مَنْ عَدَاهُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّهُمْ لَمْ يُكَلَّفُوا بِالْمُنَاجَاةِ حَتَّى تَجِبَ عَلَيْهِمُ الصَّدَقَةُ بَلْ أُمِرُوا بِالصَّدَقَةِ إِذَا أَرَادُوا الْمُنَاجَاةَ، فَمَنْ تَرَكَ الْمُنَاجَاةَ فَلَا يَكُونُ مُقَصِّرًا فِي امْتِثَالِ الْأَمْرِ بِالصَّدَقَةِ، عَلَى أَنَّ فِي الْآيَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ لِلنَّدْبِ كَمَا قَدَّمْنَا. وَقَدِ اسْتَدَلَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ مَنْ قَالَ بِأَنَّهُ يَجُوزُ النَّسْخُ قَبْلَ إِمْكَانِ الفعل، وليس هذا

(1) . المجادلة: 9.

ص: 227

الِاسْتِدْلَالُ بِصَحِيحٍ، فَإِنَّ النَّسْخَ لَمْ يَقَعْ إِلَّا بَعْدَ إِمْكَانِ الْفِعْلِ، وَأَيْضًا قَدْ فَعَلَ ذَلِكَ الْبَعْضُ، فَتَصَدَّقَ بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاهُ كَمَا سَيَأْتِي.

وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ قَالَ: أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجالِسِ يَوْمَ جُمُعَةٍ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَئِذٍ فِي الصُّفَّةِ، وَفِي الْمَكَانِ ضِيقٌ وَكَانَ يُكْرِمُ أَهْلَ بَدْرٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، فَجَاءَ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ وَقَدْ سُبِقُوا إِلَى الْمَجَالِسِ فَقَامُوا حِيَالَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، فَرَدَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَيْهِمْ، ثُمَّ سَلَّمُوا عَلَى الْقَوْمِ بَعْدَ ذَلِكَ فَرَدُّوا عَلَيْهِمْ، فَقَامُوا عَلَى أَرْجُلِهِمْ يَنْتَظِرُونَ أَنْ يُوَسَّعَ لَهُمْ، فَعَرَفَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَا يَحْمِلُهُمْ عَلَى الْقِيَامِ، فَلَمْ يُفْسَحْ لَهُمْ، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ، فَقَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ بَدْرٍ: قُمْ يَا فُلَانُ وَأَنْتَ يَا فُلَانُ، فَلَمْ يَزَلْ يُقِيمُهُمْ بِعِدَّةِ النَّفَرِ الَّذِينَ هُمْ قِيَامٌ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى مَنْ أُقِيمَ مِنْ مَجْلِسِهِ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْآيَةِ قَالَ: ذَلِكَ فِي مَجْلِسِ الْقِتَالِ وَإِذا قِيلَ انْشُزُوا قَالَ: إِلَى الْخَيْرِ وَالصَّلَاةِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَدْخَلِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ قَالَ: يَرْفَعُ اللَّهُ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الَّذِينَ لَمْ يُؤْمِنُوا دَرَجَاتٍ. وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الآية قال: يرفع اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَأُوتُوا الْعِلْمَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُؤْتَوُا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْهُ قَالَ: مَا خَصَّ اللَّهُ الْعُلَمَاءَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْقُرْآنِ مَا خَصَّهُمْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، فَضَّلَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَأُوتُوا الْعِلْمَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُؤْتَوُا الْعِلْمَ.

وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ الْآيَةَ قَالَ:

إِنَّ الْمُسْلِمِينَ أَكْثَرُوا الْمَسَائِلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى شَقُّوا عَلَيْهِ، فَأَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْ نَبِيِّهِ، فَلَمَّا قَالَ ذَلِكَ ضَنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَفُّوا عَنِ الْمَسْأَلَةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ بَعْدَ هَذَا أَأَشْفَقْتُمْ الْآيَةَ، فَوَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يُضَيِّقْ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَأَبُو يَعْلَى وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَالنَّحَّاسُ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: لَمَّا نزلت يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً قَالَ لِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَا تَرَى دِينَارًا؟ قُلْتُ: لَا يُطِيقُونَهُ. قَالَ: فَنِصْفَ دِينَارٍ؟ قُلْتُ لَا يُطِيقُونَهُ، قَالَ: فَكَمْ؟ قُلْتُ: شَعِيرَةٌ، قَالَ: إِنَّكَ لَزَهِيدٌ، قَالَ: فَنَزَلَتْ: أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ الْآيَةَ، فَبِي خَفَّفَ اللَّهُ عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ» وَالْمُرَادُ بِالشَّعِيرَةِ هُنَا وَزْنُ شَعِيرَةٍ مِنْ ذَهَبٍ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ وَاحِدَةً مِنْ حَبِّ الشَّعِيرِ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْهُ قَالَ: مَا عَمِلَ بِهَا أَحَدٌ غَيْرِي حَتَّى نُسِخَتْ، وَمَا كَانَتْ إِلَّا سَاعَةً: يَعْنِي آيَةَ النَّجْوَى. وَأَخْرَجَ سَعِيدُ ابن مَنْصُورٍ وَابْنُ رَاهَوَيْهِ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْهُ أَيْضًا قَالَ: إِنَّ فِي كِتَابِ اللَّهِ لَآيَةً مَا عَمِلَ بِهَا أَحَدٌ قَبْلِي وَلَا يَعْمَلُ بِهَا أَحَدٌ بعدي آية النجوى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً كَانَ عِنْدِي دِينَارٌ فَبِعْتُهُ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ، فَكُنْتُ كُلَّمَا نَاجَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدَّمْتُ بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَايَ دِرْهَمًا، ثُمَّ نُسِخَتْ فَلَمْ يَعْمَلْ بِهَا أَحَدٌ، فَنَزَلَتْ:

ص: 228