المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة القمر (54) : الآيات 1 الى 17] - فتح القدير للشوكاني - جـ ٥

[الشوكاني]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الخامس

- ‌سورة الجاثية

- ‌[سورة الجاثية (45) : الآيات 1 الى 15]

- ‌[سورة الجاثية (45) : الآيات 16 الى 26]

- ‌[سورة الجاثية (45) : الآيات 27 الى 37]

- ‌سورة الأحقاف

- ‌[سورة الأحقاف (46) : الآيات 1 الى 9]

- ‌[سورة الأحقاف (46) : الآيات 10 الى 16]

- ‌[سورة الأحقاف (46) : الآيات 17 الى 20]

- ‌[سورة الأحقاف (46) : الآيات 21 الى 28]

- ‌[سورة الأحقاف (46) : الآيات 29 الى 35]

- ‌سورة محمّد

- ‌[سورة محمد (47) : الآيات 1 الى 12]

- ‌[سورة محمد (47) : الآيات 13 الى 19]

- ‌[سورة محمد (47) : الآيات 20 الى 31]

- ‌[سورة محمد (47) : الآيات 32 الى 38]

- ‌سورة الفتح

- ‌[سورة الفتح (48) : الآيات 1 الى 7]

- ‌[سورة الفتح (48) : الآيات 8 الى 15]

- ‌[سورة الفتح (48) : الآيات 16 الى 24]

- ‌[سورة الفتح (48) : الآيات 25 الى 29]

- ‌سورة الحجرات

- ‌[سورة الحجرات (49) : الآيات 1 الى 8]

- ‌[سورة الحجرات (49) : الآيات 9 الى 12]

- ‌[سورة الحجرات (49) : الآيات 13 الى 18]

- ‌سورة ق

- ‌[سورة ق (50) : الآيات 1 الى 15]

- ‌[سورة ق (50) : الآيات 16 الى 35]

- ‌[سورة ق (50) : الآيات 36 الى 45]

- ‌سورة الذّاريات

- ‌[سورة الذاريات (51) : الآيات 1 الى 23]

- ‌[سورة الذاريات (51) : الآيات 24 الى 37]

- ‌[سورة الذاريات (51) : الآيات 38 الى 60]

- ‌سورة الطّور

- ‌[سورة الطور (52) : الآيات 1 الى 20]

- ‌[سورة الطور (52) : الآيات 21 الى 34]

- ‌[سورة الطور (52) : الآيات 35 الى 49]

- ‌سورة النجم

- ‌[سورة النجم (53) : الآيات 1 الى 26]

- ‌[سورة النجم (53) : الآيات 27 الى 42]

- ‌[سورة النجم (53) : الآيات 43 الى 62]

- ‌سورة القمر

- ‌[سورة القمر (54) : الآيات 1 الى 17]

- ‌[سورة القمر (54) : الآيات 18 الى 40]

- ‌[سورة القمر (54) : الآيات 41 الى 55]

- ‌سورة الرّحمن

- ‌[سورة الرحمن (55) : الآيات 1 الى 25]

- ‌[سورة الرحمن (55) : الآيات 26 الى 45]

- ‌[سورة الرحمن (55) : الآيات 46 الى 78]

- ‌سورة الواقعة

- ‌[سورة الواقعة (56) : الآيات 1 الى 26]

- ‌[سورة الواقعة (56) : الآيات 27 الى 56]

- ‌[سورة الواقعة (56) : الآيات 57 الى 74]

- ‌[سورة الواقعة (56) : الآيات 75 الى 96]

- ‌سورة الحديد

- ‌[سورة الحديد (57) : الآيات 1 الى 6]

- ‌[سورة الحديد (57) : الآيات 7 الى 11]

- ‌[سورة الحديد (57) : الآيات 12 الى 15]

- ‌[سورة الحديد (57) : الآيات 16 الى 19]

- ‌[سورة الحديد (57) : الآيات 20 الى 24]

- ‌[سورة الحديد (57) : الآيات 25 الى 29]

- ‌سورة المجادلة

- ‌[سورة المجادلة (58) : الآيات 1 الى 4]

- ‌[سورة المجادلة (58) : الآيات 5 الى 10]

- ‌[سورة المجادلة (58) : الآيات 11 الى 13]

- ‌[سورة المجادلة (58) : الآيات 14 الى 22]

- ‌سورة الحشر

- ‌[سورة الحشر (59) : الآيات 1 الى 7]

- ‌[سورة الحشر (59) : الآيات 8 الى 10]

- ‌[سورة الحشر (59) : الآيات 11 الى 20]

- ‌[سورة الحشر (59) : الآيات 21 الى 24]

- ‌سورة الممتحنة

- ‌[سورة الممتحنة (60) : الآيات 1 الى 3]

- ‌[سورة الممتحنة (60) : الآيات 4 الى 9]

- ‌[سورة الممتحنة (60) : الآيات 10 الى 13]

- ‌سورة الصّفّ

- ‌[سورة الصف (61) : الآيات 1 الى 9]

- ‌[سورة الصف (61) : الآيات 10 الى 14]

- ‌سورة الجمعة

- ‌[سورة الجمعة (62) : الآيات 1 الى 8]

- ‌[سورة الجمعة (62) : الآيات 9 الى 11]

- ‌سورة المنافقون

- ‌[سورة المنافقون (63) : الآيات 1 الى 8]

- ‌[سورة المنافقون (63) : الآيات 9 الى 11]

- ‌سورة التغابن

- ‌[سورة التغابن (64) : الآيات 1 الى 6]

- ‌[سورة التغابن (64) : الآيات 7 الى 13]

- ‌[سورة التغابن (64) : الآيات 14 الى 18]

- ‌سورة الطّلاق

- ‌[سورة الطلاق (65) : الآيات 1 الى 5]

- ‌[سورة الطلاق (65) : الآيات 6 الى 7]

- ‌[سورة الطلاق (65) : الآيات 8 الى 12]

- ‌سورة التّحريم

- ‌[سورة التحريم (66) : الآيات 1 الى 5]

- ‌[سورة التحريم (66) : الآيات 6 الى 8]

- ‌[سورة التحريم (66) : الآيات 9 الى 12]

- ‌سورة الملك

- ‌[سورة الملك (67) : الآيات 1 الى 11]

- ‌[سورة الملك (67) : الآيات 12 الى 21]

- ‌[سورة الملك (67) : الآيات 22 الى 30]

- ‌سورة القلم

- ‌[سورة القلم (68) : الآيات 1 الى 16]

- ‌[سورة القلم (68) : الآيات 17 الى 33]

- ‌[سورة القلم (68) : الآيات 34 الى 52]

- ‌سورة الحاقّة

- ‌[سورة الحاقة (69) : الآيات 1 الى 18]

- ‌[سورة الحاقة (69) : الآيات 19 الى 52]

- ‌سورة المعارج

- ‌[سورة المعارج (70) : الآيات 1 الى 18]

- ‌[سورة المعارج (70) : الآيات 19 الى 39]

- ‌[سورة المعارج (70) : الآيات 40 الى 44]

- ‌سورة نوح

- ‌[سورة نوح (71) : الآيات 1 الى 20]

- ‌[سورة نوح (71) : الآيات 21 الى 28]

- ‌سورة الجنّ

- ‌[سورة الجن (72) : الآيات 1 الى 13]

- ‌[سورة الجن (72) : الآيات 14 الى 28]

- ‌سورة المزّمّل

- ‌[سورة المزمل (73) : الآيات 1 الى 18]

- ‌[سورة المزمل (73) : الآيات 19 الى 20]

- ‌سورة المدّثّر

- ‌[سورة المدثر (74) : الآيات 1 الى 30]

- ‌[سورة المدثر (74) : الآيات 31 الى 37]

- ‌[سورة المدثر (74) : الآيات 38 الى 56]

- ‌سورة القيمة

- ‌[سورة القيامة (75) : الآيات 1 الى 25]

- ‌[سورة القيامة (75) : الآيات 26 الى 40]

- ‌سورة الإنسان

- ‌[سورة الإنسان (76) : الآيات 1 الى 12]

- ‌[سورة الإنسان (76) : الآيات 13 الى 22]

- ‌[سورة الإنسان (76) : الآيات 23 الى 31]

- ‌سورة المرسلات

- ‌[سورة المرسلات (77) : الآيات 1 الى 28]

- ‌[سورة المرسلات (77) : الآيات 29 الى 50]

- ‌سورة النّبأ

- ‌[سورة النبإ (78) : الآيات 1 الى 30]

- ‌[سورة النبإ (78) : الآيات 31 الى 40]

- ‌سورة النّازعات

- ‌[سورة النازعات (79) : الآيات 1 الى 26]

- ‌[سورة النازعات (79) : الآيات 27 الى 46]

- ‌سورة عبس

- ‌[سورة عبس (80) : الآيات 1 الى 42]

- ‌سورة التّكوير

- ‌[سورة التكوير (81) : الآيات 1 الى 29]

- ‌سورة الانفطار

- ‌[سورة الانفطار (82) : الآيات 1 الى 19]

- ‌سورة المطفّفين

- ‌[سورة المطففين (83) : الآيات 1 الى 17]

- ‌[سورة المطففين (83) : الآيات 18 الى 36]

- ‌سورة الانشقاق

- ‌[سورة الانشقاق (84) : الآيات 1 الى 25]

- ‌سورة البروج

- ‌[سورة البروج (85) : الآيات 1 الى 22]

- ‌سورة الطّارق

- ‌[سورة الطارق (86) : الآيات 1 الى 17]

- ‌سورة الأعلى

- ‌[سورة الأعلى (87) : الآيات 1 الى 19]

- ‌سورة الغاشية

- ‌[سورة الغاشية (88) : الآيات 1 الى 26]

- ‌سورة الفجر

- ‌[سورة الفجر (89) : الآيات 1 الى 14]

- ‌[سورة الفجر (89) : الآيات 15 الى 30]

- ‌سورة البلد

- ‌[سورة البلد (90) : الآيات 1 الى 20]

- ‌سورة الشمس

- ‌[سورة الشمس (91) : الآيات 1 الى 15]

- ‌سورة الليل

- ‌[سورة الليل (92) : الآيات 1 الى 21]

- ‌سورة الضّحى

- ‌[سورة الضحى (93) : الآيات 1 الى 11]

- ‌سورة الشرح

- ‌[سورة الشرح (94) : الآيات 1 الى 8]

- ‌سورة التّين

- ‌[سورة التين (95) : الآيات 1 الى 8]

- ‌سورة العلق

- ‌[سورة العلق (96) : الآيات 1 الى 19]

- ‌سورة القدر

- ‌[سورة القدر (97) : الآيات 1 الى 5]

- ‌سورة البيّنة

- ‌[سورة البينة (98) : الآيات 1 الى 8]

- ‌سورة الزّلزلة

- ‌[سورة الزلزلة (99) : الآيات 1 الى 8]

- ‌سورة العاديات

- ‌[سورة العاديات (100) : الآيات 1 الى 11]

- ‌سورة القارعة

- ‌[سورة القارعة (101) : الآيات 1 الى 11]

- ‌سورة التّكاثر

- ‌[سورة التكاثر (102) : الآيات 1 الى 8]

- ‌سورة العصر

- ‌[سورة العصر (103) : الآيات 1 الى 3]

- ‌سورة الهمزة

- ‌[سورة الهمزة (104) : الآيات 1 الى 9]

- ‌سورة الفيل

- ‌[سورة الفيل (105) : الآيات 1 الى 5]

- ‌سورة قريش

- ‌[سورة قريش (106) : الآيات 1 الى 4]

- ‌سورة الماعون

- ‌[سورة الماعون (107) : الآيات 1 الى 7]

- ‌سورة الكوثر

- ‌[سورة الكوثر (108) : الآيات 1 الى 3]

- ‌سورة الكافرون

- ‌[سورة الكافرون (109) : الآيات 1 الى 6]

- ‌سورة النّصر

- ‌[سورة النصر (110) : الآيات 1 الى 3]

- ‌سورة المسد

- ‌[سورة المسد (111) : الآيات 1 الى 5]

- ‌سورة الإخلاص

- ‌[سورة الإخلاص (112) : الآيات 1 الى 4]

- ‌سورة الفلق

- ‌[سورة الفلق (113) : الآيات 1 الى 5]

- ‌سورة النّاس

- ‌[سورة الناس (114) : الآيات 1 الى 6]

- ‌فهرس الموضوعات

الفصل: ‌[سورة القمر (54) : الآيات 1 الى 17]

‌سورة القمر

ويقال سورة اقتربت، وهي خمس وخمسون آية وَهِيَ مَكِّيَّةٌ كُلُّهَا فِي قَوْلِ الْجُمْهُورِ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: هِيَ مَكِّيَّةٌ إِلَّا ثَلَاثَ آيَاتٍ مِنْ قَوْلِهِ: أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ إِلَى قَوْلِهِ: وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَلَا يَصِحُّ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الضُّرَيْسِ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَالنَّحَّاسُ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:

أَنَّهَا نَزَلَتْ بِمَكَّةَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ مِثْلَهُ. وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:

«اقْتَرَبَتْ» تُدْعَى فِي التَّوْرَاةِ الْمُبَيِّضَةَ تُبَيِّضُ وَجْهَ صَاحِبِهَا يَوْمَ تَبْيَضُّ الْوُجُوهُ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: مُنْكَرٌ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الضُّرَيْسِ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ، رَفَعَهُ:«مَنْ قَرَأَ اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ فِي كُلِّ لَيْلَتَيْنِ بَعَثَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَوَجْهُهُ كَالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ» . وَأَخْرَجَ ابْنُ الضُّرَيْسِ نَحْوَهُ عَنْ لَيْثِ بْنِ مَعْنٍ عَنْ شَيْخٍ مِنْ هَمْدَانَ رَفَعَهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقْرَأُ بِقَافٍ وَاقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ فِي الْأَضْحَى وَالْفِطْرِ.

بسم الله الرحمن الرحيم

[سورة القمر (54) : الآيات 1 الى 17]

بسم الله الرحمن الرحيم

اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (1) وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ (2) وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ (3) وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنَ الْأَنْباءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ (4)

حِكْمَةٌ بالِغَةٌ فَما تُغْنِ النُّذُرُ (5) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ (6) خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ (7) مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ (8) كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنا وَقالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ (9)

فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (10) فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ (11) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (12) وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ (13) تَجْرِي بِأَعْيُنِنا جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ (14)

وَلَقَدْ تَرَكْناها آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (15) فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (16) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (17)

قَوْلُهُ: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ أَيْ: قَرُبَتْ وَلَا شك أنها قد صارت، فاعتبار نِسْبَةِ مَا بَقِيَ بَعْدَ قِيَامِ النُّبُوَّةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ إِلَى مَا مَضَى مِنَ الدُّنْيَا قَرِيبَةً. وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهَا لَمَّا كَانَتْ مُتَحَقِّقَةَ الْوُقُوعِ لَا مَحَالَةَ كَانَتْ قَرِيبَةً، فَكُلُّ آتٍ قَرِيبٌ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ أَيْ: وَقَدِ انْشَقَّ الْقَمَرُ، وَكَذَا قَرَأَ حُذَيْفَةُ بِزِيَادَةِ قَدْ، وَالْمُرَادُ:

الِانْشِقَاقُ الْوَاقِعُ فِي أَيَّامِ النُّبُوَّةِ مُعْجِزَةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْجُمْهُورُ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ. قَالَ الْوَاحِدِيُّ: وَجَمَاعَةُ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى هَذَا إِلَّا مَا رَوَى عُثْمَانُ بْنُ عَطَاءٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ: الْمَعْنَى سَيَنْشَقُّ الْقَمَرُ، وَالْعُلَمَاءُ كُلُّهُمْ عَلَى خِلَافِهِ. قَالَ: وَإِنَّمَا ذَكَرَ اقْتِرَابَ السَّاعَةِ مَعَ انْشِقَاقِ الْقَمَرِ لِأَنَّ انْشِقَاقَهُ مِنْ عَلَامَاتِ نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ

ص: 144

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنُبُوَّتُهُ وَزَمَانُهُ مَنْ أَشْرَاطِ اقْتِرَابِ السَّاعَةِ. قَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: فِي الْكَلَامِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، أَيِ: انْشَقَّ الْقَمَرُ وَاقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ. وَحَكَى الْقُرْطُبِيُّ عَنْ الْحَسَنِ مِثْلَ قَوْلِ عَطَاءٍ: أَنَّهُ الِانْشِقَاقُ الْكَائِنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَقِيلَ: مَعْنَى وَانْشَقَّ الْقَمَرُ: وَضَحَ الْأَمْرُ وَظَهَرَ، وَالْعَرَبُ تَضْرِبُ بِالْقَمَرِ الْمَثَلَ فِيمَا وَضَحَ. وَقِيلَ: انْشِقَاقُ الْقَمَرِ هُوَ انْشِقَاقُ الظُّلْمَةِ عَنْهُ، وَطُلُوعُهُ فِي أَثْنَائِهَا، كَمَا يُسَمَّى الصُّبْحُ فَلَقًا لِانْفِلَاقِ الظُّلْمَةِ عَنْهُ. قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: قَدْ كَانَ الِانْشِقَاقُ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الْأَحَادِيثِ الْمُتَوَاتِرَةِ بِالْأَسَانِيدِ الصَّحِيحَةِ. قَالَ: وَهَذَا أَمْرٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ انْشِقَاقَ الْقَمَرِ قَدْ وَقَعَ فِي زَمَانِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَأَنَّهُ كَانَ إِحْدَى الْمُعْجِزَاتِ الْبَاهِرَاتِ. قَالَ الزَّجَّاجُ، زَعَمَ قَوْمٌ عَنَدُوا عَنِ الْقَصْدِ وَمَا عَلَيْهِ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنَّ تَأْوِيلَهُ: أَنَّ الْقَمَرَ يَنْشَقُّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَالْأَمْرُ بَيِّنٌ فِي اللَّفْظِ وَإِجْمَاعِ أَهْلِ الْعِلْمِ، لِأَنَّ قَوْلَهُ: وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا كَانَ فِي الدُّنْيَا لَا فِي الْقِيَامَةِ. انْتَهَى. وَلَمْ يَأْتِ مَنْ خَالَفَ الْجُمْهُورَ وَقَالَ: إِنَّ الِانْشِقَاقَ سَيَكُونُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا بِمُجَرَّدِ اسْتِبْعَادٍ، فَقَالَ: لِأَنَّهُ لَوِ انْشَقَّ فِي زَمَنِ النُّبُوَّةِ لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ إِلَّا رَآهُ لِأَنَّهُ آيَةٌ، وَالنَّاسُ فِي الْآيَاتِ سَوَاءٌ. وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَرَاهُ كُلُّ أَحَدٍ لَا عَقْلًا وَلَا شَرْعًا وَلَا عَادَةً، وَمَعَ هَذَا فَقَدْ نُقِلَ إِلَيْنَا بِطْرِيقِ التَّوَاتُرِ، وَهَذَا بِمُجَرَّدِهِ يَدْفَعُ الِاسْتِبْعَادَ وَيَضْرِبُ بِهِ فِي وَجْهِ قَائِلِهِ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّا إِذَا نَظَرْنَا إِلَى كِتَابِ اللَّهِ، فَقَدْ أَخْبَرَنَا بِأَنَّهُ انْشَقَّ، وَلَمْ يُخْبِرْنَا بِأَنَّهُ سَيَنْشَقُّ، وَإِنْ نَظَرْنَا إِلَى سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ وَغَيْرِهِ مِنْ طُرُقٍ مُتَوَاتِرَةٍ أَنَّهُ قَدْ كَانَ ذَلِكَ فِي أَيَّامِ النُّبُوَّةِ، وَإِنْ نَظَرْنَا إِلَى أَقْوَالِ أَهْلِ الْعِلْمِ فَقَدِ اتَّفَقُوا عَلَى هَذَا، وَلَا يُلْتَفَتُ إِلَى شُذُوذِ مَنْ شَذَّ، وَاسْتِبْعَادِ مَنِ اسْتَبْعَدَ، وَسَيَأْتِي ذِكْرُ بَعْضِ مَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ قَالَ الْوَاحِدِيُّ: قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: لَمَّا انْشَقَّ الْقَمَرُ قَالَ الْمُشْرِكُونَ: سَحَرَنَا مُحَمَّدٌ، فَقَالَ اللَّهُ: وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يَعْنِي انْشِقَاقَ الْقَمَرِ يُعْرِضُوا عَنِ التَّصْدِيقِ وَالْإِيمَانِ بِهَا، وَيَقُولُوا: سِحْرٌ قَوِيٌّ شَدِيدٌ يَعْلُو كُلَّ سِحْرٍ، مِنْ قَوْلِهِمُ: اسْتَمَرَّ الشَّيْءُ إِذَا قَوِيَ وَاسْتَحْكَمَ، وَقَدْ قَالَ بِأَنَّ مَعْنَى مُسْتَمِرٍّ: قَوِيٌّ شَدِيدٌ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ. قَالَ الْأَخْفَشُ: هُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ إِمْرَارِ الْحَبْلِ، وَهُوَ شِدَّةُ فَتْلِهِ، وَبِهِ قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ وَالضَّحَّاكُ، وَاخْتَارَهُ النَّحَّاسُ، وَمِنْهُ قَوْلُ لَقِيطٍ:

حَتَّى استمرّت على شزر مريرته

صدق العزيمة لا رتّا وَلَا ضَرَعًا «1»

وَقَالَ الْفَرَّاءُ وَالْكِسَائِيُّ وَأَبُو عُبَيْدَةَ سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ أَيْ: ذَاهِبٌ، مِنْ قَوْلِهِمْ: مَرَّ الشَّيْءُ وَاسْتَمَرَّ إِذَا ذَهَبَ، وَبِهِ قَالَ قَتَادَةُ ومجاهد وغير هما، وَاخْتَارَهُ النَّحَّاسُ. وَقِيلَ: مَعْنَى مُسْتَمِرٌّ: دَائِمٌ مُطَّرِدٌ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ «2» :

أَلَا إِنَّمَا الدُّنْيَا لَيَالٍ وأعصر

وليس على شيء قويم بمستمر

(1) . «الرتة» : ردّة قبيحة في اللسان من العيب. «الضّرع» اللين الذليل. [.....]

(2)

. هو امرؤ القيس.

ص: 145

أَيْ: بِدَائِمٍ بَاقٍ، وَقِيلَ: مُسْتَمِرٌّ: بَاطِلٌ، رُوِيَ هَذَا عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ أَيْضًا. وَقِيلَ: يُشْبِهُ بَعْضُهُ بَعْضًا، وَقِيلَ: قَدْ مَرَّ مِنَ الْأَرْضِ إِلَى السَّمَاءِ، وَقِيلَ: هُوَ مِنَ الْمَرَارَةِ، يُقَالُ: مَرَّ الشَّيْءُ صَارَ مُرًّا، أَيْ: مُسْتَبْشَعٌ عِنْدَهُمْ. وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ أَعْظَمُ دَلِيلٍ عَلَى أَنَّ الانشقاق قد كان كما قرّرناه سَابِقًا. ثُمَّ ذَكَرَ سُبْحَانَهُ تَكْذِيبَهُمْ فَقَالَ:

وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ أَيْ: وَكَذَّبُوا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا عَايَنُوا مِنْ قُدْرَةِ اللَّهِ، وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَمَا زَيَّنَهُ لَهُمُ الشَّيْطَانُ الرَّجِيمُ، وَجُمْلَةُ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ مُسْتَأْنَفَةٌ لِتَقْرِيرِ بُطْلَانِ مَا قَالُوهُ مِنَ التَّكْذِيبِ وَاتِّبَاعِ الْأَهْوَاءِ، أَيْ: وَكُلُّ أَمْرٍ مِنَ الْأُمُورِ مُنْتَهٍ إِلَى غَايَةٍ، فَالْخَيْرُ يَسْتَقِرُّ بِأَهْلِ الْخَيْرِ، وَالشَّرُّ يَسْتَقِرُّ بِأَهْلِ الشَّرِّ. قَالَ الْفَرَّاءُ: يَقُولُ: يَسْتَقِرُّ قَرَارُ تَكْذِيبِهِمْ وَقَرَارُ قَوْلِ الْمُصَدِّقِينَ حَتَّى يَعْرِفُوا حَقِيقَتَهُ بِالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ. قَالَ الْكَلْبِيُّ:

الْمَعْنَى لِكُلِّ أَمْرٍ حَقِيقَةٌ مَا كَانَ مِنْهُ فِي الدُّنْيَا فَسَيَظْهَرُ، وَمَا كَانَ مِنْهُ فِي الْآخِرَةِ فَسَيُعْرَفُ. قَرَأَ الْجُمْهُورُ:

مُسْتَقِرٌّ بِكَسْرِ الْقَافِ، وَهُوَ مُرْتَفِعٌ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ وَهُوَ «كُلُّ» . وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ بِجَرِّ مُسْتَقِرٍّ عَلَى أَنَّهُ صِفَةٌ لِأَمْرٍ، وَقَرَأَ شَيْبَةُ بِفَتْحِ الْقَافِ، وَرُوِيَتْ هَذِهِ الْقِرَاءَةُ عَنْ نَافِعٍ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ:

وَلَا وَجْهَ لَهَا، وَقِيلَ: لَهَا وَجْهٌ بِتَقْدِيرِ مُضَافٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ: وَكُلُّ أَمْرٍ ذُو اسْتِقْرَارٍ، أَوْ زَمَانُ اسْتِقْرَارٍ، أَوْ مَكَانُ اسْتِقْرَارٍ، عَلَى أَنَّهُ مَصْدَرٌ، أَوْ ظَرْفُ زَمَانٍ، أَوْ ظَرْفُ مَكَانٍ وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنَ الْأَنْباءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ أَيْ: وَلَقَدْ جَاءَ كَفَارَ مَكَّةَ، أَوِ الْكُفَّارَ عَلَى الْعُمُومِ مِنَ الْأَنْبَاءِ، وَهِيَ أَخْبَارُ الْأُمَمِ الْمُكَذِّبَةِ الْمَقْصُوصَةُ عَلَيْنَا فِي الْقُرْآنِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ أَيِ: ازْدِجَارٌ عَلَى أَنَّهُ مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ، يُقَالُ: زَجَرْتُهُ إِذَا نَهَيْتُهُ عَنِ السُّوءِ وَوَعَظْتُهُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اسْمَ مَكَانٍ، وَالْمَعْنَى: جَاءَهُمْ مَا فِيهِ مَوْضِعُ ازْدِجَارٍ، أَيْ: أَنَّهُ فِي نَفْسِهِ مَوْضِعٌ لِذَلِكَ، وَأَصْلُهُ مُزْتَجَرٌ، وَتَاءُ الِافْتِعَالِ تُقْلَبُ دَالًا مَعَ الزَّايِ وَالدَّالِ وَالذَّالِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي مَوْضِعِهِ، وَقَرَأَ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ مُزَّجَرٌ بِقَلْبِ تَاءِ الِافْتِعَالِ زَايًا وَإِدْغَامِ الزَّايِ فِي الزَّايِ، وَ «مِنْ» فِي قَوْلِهِ: مِنَ الْأَنْباءِ لِلتَّبْعِيضِ، وَهِيَ وَمَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ، وَارْتِفَاعُ حِكْمَةٌ بالِغَةٌ عَلَى أَنَّهَا خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، أَوْ بَدَلٌ مِنْ «مَا» ، بَدَلَ كُلٍّ مِنْ كُلٍّ، أَوْ بَدَلَ اشْتِمَالٍ، وَالْمَعْنَى: أَنَّ الْقُرْآنَ حِكْمَةٌ قَدْ بَلَغَتِ الْغَايَةَ، لَيْسَ فِيهَا نَقْصٌ وَلَا خَلَلٌ، وَقُرِئَ بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهَا حَالٌ مِنْ «مَا» ، أَيْ: حَالَ كَوْنِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ حِكْمَةً بَالِغَةً فَما تُغْنِ النُّذُرُ «مَا» يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ اسْتِفْهَامِيَّةً وَأَنْ تَكُونَ نَافِيَةً، أَيْ: أَيُّ شَيْءٍ تُغْنِي النُّذُرُ؟ أَوْ: لَمْ تُغَنِ النُّذُرُ شَيْئًا، وَالْفَاءُ لِتَرْتِيبِ عَدَمِ الْإِغْنَاءِ عَلَى مَجِيءِ الْحِكْمَةِ الْبَالِغَةِ، وَالنُّذُرُ جَمْعُ نَذِيرٍ بِمَعْنَى الْمُنْذِرِ، أَوْ بِمَعْنَى الإنذار على أنه مصدر. ثم أمره الله سُبْحَانَهُ بِالْإِعْرَاضِ عَنْهُمْ فَقَالَ: فَتَوَلَّ عَنْهُمْ أَيْ: أَعْرِضْ عَنْهُمْ حَيْثُ لَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِمُ الْإِنْذَارُ، وهي منسوخة بآية السيف يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ انتصاب الظَّرْفُ إِمَّا بِفِعْلٍ مُقَدَّرٍ، أَيِ: اذْكُرْ، وَإِمَّا بيخرجون الْمَذْكُورُ بَعْدَهُ، وَإِمَّا بِقَوْلِهِ: فَما تُغْنِ وَيَكُونُ قَوْلُهُ: فَتَوَلَّ عَنْهُمْ اعْتِرَاضٌ، أَوْ بِقَوْلِهِ: يَقُولُ الْكافِرُونَ أَوْ بِقَوْلِهِ: خُشَّعاً وَسَقَطَتِ الْوَاوُ مِنْ يَدْعُ اتِّبَاعًا لِلَّفْظِ، وَقَدْ وَقَعَتْ فِي الرَّسْمِ هَكَذَا وَحُذِفَتِ الْيَاءُ مِنَ الدَّاعِ لِلتَّخْفِيفِ وَاكْتِفَاءً بالكسرة، والداع هُوَ إِسْرَافِيلُ، وَالشَّيْءُ النُّكُرُ: الْأَمْرُ الْفَظِيعُ الَّذِي يُنْكِرُونَهُ اسْتِعْظَامًا لَهُ لِعَدَمِ تَقَدُّمِ الْعَهْدِ لَهُمْ بِمِثْلِهِ. قَرَأَ الْجُمْهُورُ بِضَمِّ الْكَافِ.

وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ بِسُكُونِهَا تَخْفِيفًا. وَقَرَأَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ بِكَسْرِ الْكَافِ وَفَتْحِ الرَّاءِ عَلَى صِيغَةِ الْفِعْلِ الْمَجْهُولِ

ص: 146

خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ قَرَأَ الْجُمْهُورُ: خُشَّعاً جَمْعُ خَاشِعٍ. وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَأَبُو عَمْرٍو خَاشِعًا عَلَى الْإِفْرَادِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ «1» :

وَشَبَابٌ حَسَنٌ أَوْجُهُهُمْ مِنْ

إِيَادِ بْنِ نِزَارِ بْنِ مَعَدْ

وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ خَاشِعَةً قَالَ الْفَرَّاءُ: الصِّفَةُ إِذَا تَقَدَّمَتْ عَلَى الْجَمَاعَةِ جَازَ فِيهَا التَّذْكِيرُ وَالتَّأْنِيثُ وَالْجَمْعُ، يَعْنِي جَمْعَ التَّكْسِيرِ لَا جَمْعَ السَّلَامَةِ لِأَنَّهُ يَكُونُ مِنَ الْجَمْعِ بَيْنَ فَاعِلَيْنِ، وَمِثْلُ قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ قَوْلُ امْرِئِ الْقَيْسِ «2» :

وُقُوفًا بِهَا صَحْبِي عَلَيَّ مَطِيُّهُمْ

يَقُولُونَ لَا تَهْلِكْ أَسًى وَتَجَلَّدِ

وَانْتِصَابُ «خُشَّعًا» عَلَى الْحَالِ مِنْ فَاعِلِ «يَخْرُجُونَ» ، أَوْ مِنَ الضَّمِيرِ فِي «عَنْهُمْ» ، وَالْخُشُوعُ فِي الْبَصَرِ الْخُضُوعُ وَالذِّلَّةُ، وَأَضَافَ الْخُشُوعَ إِلَى الْأَبْصَارِ لِأَنَّ الْعِزَّ وَالذُّلَّ يَتَبَيَّنُ فِيهَا يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ أَيْ: يَخْرُجُونَ مِنَ الْقُبُورِ، وَوَاحِدُ الْأَجْدَاثِ: جَدَثٌ، وَهُوَ الْقَبْرُ، كَأَنَّهُمْ لِكَثْرَتِهِمْ وَاخْتِلَاطِ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ، أَيْ: مُنْبَثٌّ فِي الْأَقْطَارِ، مُخْتَلِطٌ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ الْإِهْطَاعُ:

الْإِسْرَاعُ، أَيْ: قَالَ كَوْنُهُمْ مُسْرِعِينَ إِلَى الدَّاعِي، وَهُوَ إِسْرَافِيلُ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

بِدَجْلَةَ دَارُهُمْ وَلَقَدْ أَرَاهُمْ

بِدَجْلَةَ مُهْطِعِينَ إِلَى السَّمَاعِ

أَيْ: مُسْرِعِينَ إِلَيْهِ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: مُقْبِلِينَ. وَقَالَ قَتَادَةُ: عَامِدِينَ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: فَاتِحِينَ آذَانَهُمْ إِلَى الصَّوْتِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، وَبِهِ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَغَيْرُهُ، وَجُمْلَةُ يَقُولُ الْكافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ مِنْ ضَمِيرِ «مُهْطِعِينَ» ، وَالرَّابِطُ مُقَدَّرٌ أَوْ مُسْتَأْنَفَةٌ جَوَابُ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ، كَأَنَّهُ قِيلَ: فَمَاذَا يَكُونُ حِينَئِذٍ؟ وَالْعَسِرُ: الصَّعْبُ الشَّدِيدُ، وَفِي إِسْنَادِ هَذَا الْقَوْلِ إِلَى الْكُفَّارِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْيَوْمَ لَيْسَ بِشَدِيدٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ. ثُمَّ ذَكَرَ سُبْحَانَهُ تَفْصِيلَ بَعْضِ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْأَنْبَاءِ الْمُجْمَلَةِ فَقَالَ: كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ أَيْ:

كَذَّبُوا نَبِيَّهُمْ، وَفِي هَذَا تَسْلِيَةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَوْلُهُ: فَكَذَّبُوا عَبْدَنا تَفْسِيرٌ لِمَا قَبْلَهُ مِنَ التَّكْذِيبِ الْمُبْهَمِ، وَفِيهِ مَزِيدُ تَقْرِيرٍ وَتَأْكِيدٍ، أَيْ: فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا نُوحًا، وَقِيلَ: الْمَعْنَى: كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الرُّسُلَ، فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا نُوحًا بِتَكْذِيبِهِمْ لِلرُّسُلِ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ. ثُمَّ بَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُمْ لَمْ يَقْتَصِرُوا عَلَى مُجَرَّدِ التَّكْذِيبِ فَقَالَ: وَقالُوا مَجْنُونٌ أَيْ: نَسَبُوا نُوحًا إِلَى الْجُنُونِ، وَقَوْلُهُ: وَازْدُجِرَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَالُوا، أَيْ: وَزُجِرَ عَنْ دَعْوَى النُّبُوَّةِ وَعَنْ تَبْلِيغِ مَا أُرْسِلَ بِهِ بِأَنْوَاعِ الزَّجْرِ، وَالدَّالُ بَدَلٌ مِنْ تَاءِ الِافْتِعَالِ كَمَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا، وَقِيلَ: إِنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى مجنون، أي: وقالوا إنه ازدجر، أَيِ: ازْدَجَرَتْهُ الْجِنُّ وَذَهَبَتْ بِلُبِّهِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى. قَالَ مُجَاهِدٌ: هُوَ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ أخبر عنه بأنه انتهر وزجر بالسبّ وأنواع الْأَذَى. قَالَ الرَّازِيُّ: وَهَذَا أَصَحُّ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ

(1) . هو الحرث بن دوس الإيادي، ويروى لأبي دؤاد الإيادي.

(2)

. البيت لطرفة بن العبد. انظر: شرح المعلقات السبع للزوزني ص (88) .

ص: 147

تَقْوِيَةُ قَلْبِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِذِكْرِ مَنْ تَقَدَّمَهُ فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ أي: دعا نوح رَبَّهُ عَلَى قَوْمِهِ بِأَنِّي مَغْلُوبٌ مِنْ جِهَةِ قَوْمِي لِتَمَرُّدِهِمْ عَنِ الطَّاعَةِ وَزَجْرِهِمْ لِي عَنْ تَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ، فَانْتَصِرْ لِي، أَيِ: انْتَقِمْ لِي مِنْهُمْ.

طَلَبَ مِنْ رَبِّهِ سُبْحَانَهُ النُّصْرَةَ عَلَيْهِمْ لَمَّا أَيِسَ مِنْ إِجَابَتِهِمْ، وَعَلِمَ تَمَرُّدَهُمْ وَعُتُوَّهُمْ وَإِصْرَارَهُمْ عَلَى ضَلَالَتِهِمْ.

قَرَأَ الْجُمْهُورُ أَنِّي بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ، أَيْ: بِأَنِّي. وَقَرَأَ ابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ وَالْأَعْمَشُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ، وَرُوِيَتْ هَذِهِ الْقِرَاءَةُ عَنْ عَاصِمٍ عَلَى تَقْدِيرِ إِضْمَارِ الْقَوْلِ، أَيْ: فَقَالَ. ثُمَّ ذَكَرَ سُبْحَانَهُ مَا عَاقَبَهُمْ بِهِ فَقَالَ: فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ أَيْ: مَنْصَبٍّ انْصِبَابًا شَدِيدًا، وَالْهَمْرُ: الصَّبُّ بِكَثْرَةٍ يُقَالُ: هَمَرَ الْمَاءَ وَالدَّمْعَ يَهْمِرُ هَمْرًا وَهُمُورًا إِذَا كَثُرَ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

أَعَيْنَيَّ جُودَا بِالدُّمُوعِ الْهَوَامِرِ

عَلَى خَيْرِ بَادٍ مِنْ مَعَدٍّ وَحَاضِرِ

وَمِنْهُ قول امرئ القيس يصف غيثا:

راح تمريه الصّبا ثم انتحى

فيه شؤبوب جنوب منهمر «1»

قرأ الجمهور: فَفَتَحْنا مُخَفَّفًا. وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَيَعْقُوبُ بِالتَّشْدِيدِ وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً أَيْ:

جَعَلْنَا الْأَرْضَ كُلَّهَا عُيُونًا مُتَفَجِّرَةً، وَالْأَصْلُ: فَجَّرْنَا عُيُونَ الْأَرْضِ. قَرَأَ الْجُمْهُورُ: فَجَّرْنَا بِالتَّشْدِيدِ، وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَأَبُو حَيْوَةَ وَعَاصِمٌ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ بِالتَّخْفِيفِ. قَالَ عُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ: أَوْحَى اللَّهُ إِلَى الْأَرْضِ أَنْ تُخْرِجَ مَاءَهَا فَتَفَجَّرَتْ بِالْعُيُونِ فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ أَيِ: الْتَقَى مَاءُ السَّمَاءِ وَمَاءُ الْأَرْضِ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُضِيَ عَلَيْهِمْ، أَيْ: كَائِنًا عَلَى حَالٍ قَدَّرَهَا اللَّهُ وَقَضَى بِهَا. وَحَكَى ابْنُ قُتَيْبَةَ أَنَّ الْمَعْنَى عَلَى مِقْدَارٍ لَمْ يَزِدْ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ، بَلْ كَانَ مَاءُ السَّمَاءِ وَمَاءُ الْأَرْضِ عَلَى سَوَاءٍ. قَالَ قَتَادَةُ: قُدِّرَ لَهُمْ إِذْ كَفَرُوا أَنْ يغرقوا.

وقرأ الجحدري: فالتقى الماءان وَقَرَأَ الْحَسَنُ فَالْتَقَى الْمَاوَانِ وَرُوِيَتْ هَذِهِ الْقِرَاءَةُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ. وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ أَيْ: وَحَمَلْنَا نُوحًا عَلَى سَفِينَةٍ ذَاتِ أَلْوَاحٍ، وَهِيَ الْأَخْشَابُ الْعَرِيضَةُ وَدُسُرٍ قَالَ الزَّجَّاجُ: هِيَ الْمَسَامِيرُ الَّتِي تُشَدُّ بِهَا الْأَلْوَاحُ، وَاحِدُهَا دِسَارٌ، وَكُلُّ شَيْءٍ أُدْخِلَ فِي شَيْءٍ يَشُدُّهُ فَهُوَ الدُّسُرُ، وَكَذَا قَالَ قَتَادَةُ وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ وَابْنُ زَيْدٍ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَغَيْرُهُمْ.

وَقَالَ الْحَسَنُ وَشَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ وَعِكْرِمَةُ: الدَّسُرُ: ظَهْرُ السَّفِينَةِ الَّتِي يَضْرِبُهَا الْمَوْجُ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تَدْسُرُ الْمَاءَ، أَيْ: تَدْفَعُهُ، وَالدَّسْرُ: الدَّفْعُ، وَقَالَ اللَّيْثُ: الدِّسَارُ: خَيْطٌ تُشَدُّ بِهِ أَلْوَاحُ السَّفِينَةِ. قَالَ فِي الصِّحَاحِ:

الدِّسَارُ وَاحِدُ الدَّسُرِ، وَهِيَ خُيُوطٌ تُشَدُّ بِهَا أَلْوَاحُ السَّفِينَةِ، وَيُقَالُ: هِيَ الْمَسَامِيرُ تَجْرِي بِأَعْيُنِنا أَيْ:

بِمَنْظَرٍ وَمَرْأًى مِنَّا وَحِفْظٍ لَهَا، كَمَا فِي قَوْلِهِ: وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا «2» وَقِيلَ: بِأَمْرِنَا، وَقِيلَ: بِوَحْيِنَا، وَقِيلَ:

بِالْأَعْيُنِ النَّابِعَةِ مِنَ الْأَرْضِ، وَقِيلَ: بِأَعْيُنِ أَوْلِيَائِنَا مِنَ الْمَلَائِكَةِ الْمُوَكَّلِينَ بِحِفْظِهَا جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ قَالَ الْفَرَّاءُ: فَعَلْنَا بِهِ وَبِهِمْ مَا فَعَلْنَا مِنْ إِنْجَائِهِ وَإِغْرَاقِهِمْ ثَوَابًا لِمَنْ كَفَرَ بِهِ وَجَحَدَ أمره، وهو نوح عليه السلام،

(1) . «راح» عاد في الرواح. «تمريه» : تستدرّه. «الشؤبوب» الدفعة من المطر.

(2)

. هود: 37.

ص: 148

فَإِنَّهُ كَانَ لَهُمْ نِعْمَةٌ كَفَرُوهَا، فَانْتِصَابُ «جَزَاءً» عَلَى الْعِلَّةِ، وَقِيلَ: عَلَى الْمَصْدَرِيَّةِ بِفِعْلٍ مُقَدَّرٍ، أَيْ: جَازَيْنَاهُمْ جَزَاءً. قَرَأَ الْجُمْهُورُ: كُفِرَ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ، وَالْمُرَادُ بِهِ نُوحٌ. وَقِيلَ: هُوَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ، فَإِنَّهُمْ كَفَرُوا بِهِ وَجَحَدُوا نِعْمَتَهُ. وَقَرَأَ يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ وَقَتَادَةُ وَمُجَاهِدٌ وَحُمَيْدٌ وَعِيسَى «كَفَرَ» بِفَتْحِ الْكَافِ وَالْفَاءِ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ، أَيْ: جَزَاءً وَعِقَابًا لِمَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ وَلَقَدْ تَرَكْناها آيَةً أَيِ: السَّفِينَةَ تَرْكَهَا اللَّهُ عِبْرَةً لِلْمُعْتَبِرِينَ، وَقِيلَ: الْمَعْنَى: وَلَقَدْ تَرَكْنَا هَذِهِ الْفِعْلَةَ الَّتِي فَعَلْنَاهَا بِهِمْ عِبْرَةً وَمَوْعِظَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ أَصْلُهُ مُذْتَكِرٍ، فَأُبْدِلَتِ التَّاءُ دَالًا مُهْمَلَةً، ثُمَّ أُبْدِلَتِ الْمُعْجَمَةُ مُهْمَلَةً لِتَقَارُبِهِمَا، وَأُدْغِمَتِ الدَّالُ فِي الذَّالِ وَالْمَعْنَى: هَلْ مِنْ مُتَّعِظٍ وَمُعْتَبِرٍ يَتَّعِظُ بِهَذِهِ الْآيَةِ وَيَعْتَبِرُ بِهَا فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ أَيْ: إِنْذَارِي. قَالَ الْفَرَّاءُ: الْإِنْذَارُ وَالنُّذُرُ مَصْدَرَانِ، وَالِاسْتِفْهَامُ لِلتَّهْوِيلِ وَالتَّعْجِيبِ، أَيْ: كَانَا عَلَى كَيْفِيَّةٍ هَائِلَةٍ عَجِيبَةٍ لَا يُحِيطُ بِهَا الْوَصْفُ، وَقِيلَ:

نُذُرٌ جَمْعُ نَذِيرٍ، وَنَذِيرٌ بِمَعْنَى الْإِنْذَارِ، كَنَكِيرٍ بِمَعْنَى الْإِنْكَارِ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ أَيْ: سَهَّلْنَاهُ لِلْحِفْظِ، وَأَعَنَّا عَلَيْهِ مَنْ أَرَادَ حِفْظَهُ، وَقِيلَ: هَيَّأْنَاهُ لِلتَّذَكُّرِ وَالِاتِّعَاظِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ أَيْ: مُتَّعِظٍ بِمَوَاعِظِهِ وَمُعْتَبِرٍ بِعِبَرِهِ. وَفِي الْآيَةِ الْحَثُّ عَلَى دَرْسِ الْقُرْآنِ، وَالِاسْتِكْثَارِ مِنْ تِلَاوَتِهِ، وَالْمُسَارَعَةِ فِي تَعَلُّمِهِ. وَمُدَّكِرٌ أَصْلُهُ مُذْتَكِرٌ كَمَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا.

وَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وغير هما عَنْ أَنَسٍ: «إِنَّ أَهْلَ مَكَّةَ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِنَّ يُرِيَهُمْ آيَةً، فَأَرَاهُمُ الْقَمَرَ شِقَّتَيْنِ حَتَّى رَأَوْا حِرَاءً بَيْنَهُمَا» . وَرُوِيَ عَنْهُ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عِنْدَ مُسْلِمٍ وَالتِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِمْ قَالَ:

فَنَزَلَتِ اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ وأخرج البخاري ومسلم وغير هما عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: «انْشَقَّ الْقَمَرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِرْقَتَيْنِ، فِرْقَةٌ فَوْقَ الْجَبَلِ، وَفِرْقَةٌ دُونَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: اشْهَدُوا» وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَالْحَاكِمُ، وَصَحَّحَهُ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ، عَنْهُ قَالَ: رَأَيْتُ الْقَمَرَ مُنْشَقًا شِقَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ، مَرَّةً بِمَكَّةَ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم شِقَّةٌ عَلَى أَبِي قُبَيْسٍ، وَشِقَّةٌ عَلَى السُّوَيْدَاءِ

وَذَكَرَ أَنَّ هَذَا سَبَبُ نُزُولِ الْآيَةِ. وَأَخْرَجَ أحمد وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَأَبُو نُعَيْمٍ عَنْهُ أَيْضًا قَالَ: رَأَيْتُ الْقَمَرَ وَقَدِ انْشَقَّ، وَأَبْصَرْتُ الْجَبَلَ بَيْنَ فُرْجَتَيِ الْقَمَرِ. وَلَهُ طَرُقٌ عَنْهُ. وأخرج البخاري ومسلم وغير هما عن ابن عباس قال: انشقّ القمر فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وله طرق عنه. وأخرج مسلم والترمذي وغير هما عن ابن عمر في قوله: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ قَالَ: كَانَ ذَلِكَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم انْشَقَّ فِرْقَتَيْنِ: فِرْقَةٌ مِنْ دُونِ الْجَبَلِ، وَفِرْقَةٌ خَلْفَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، اللهم أشد، وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ جَرِيرٍ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَأَبُو نُعَيْمٍ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِيهِ فِي قَوْلِهِ:

وَانْشَقَّ الْقَمَرُ قَالَ: انْشَقَّ الْقَمَرُ وَنَحْنُ بِمَكَّةَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى صَارَ فِرْقَةً عَلَى هَذَا الْجَبَلِ وَفِرْقَةً عَلَى هَذَا الْجَبَلِ، فَقَالَ النَّاسُ: سَحَرَنَا مُحَمَّدٌ، فَقَالَ رَجُلٌ: إِنْ كَانَ سَحَرَكُمْ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْحَرَ النَّاسَ كُلَّهُمْ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي زَوَائِدِ الزُّهْدِ، وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَأَبُو نُعَيْمٍ عن أبي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ قَالَ: «خَطَبَنَا حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ بِالْمَدَائِنِ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ، أَلَا وَإِنَّ السَّاعَةَ قَدِ اقْتَرَبَتْ، أَلَا وَإِنَّ الْقَمَرَ قَدِ انْشَقَّ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ

ص: 149