المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة الرحمن (55) : الآيات 26 الى 45] - فتح القدير للشوكاني - جـ ٥

[الشوكاني]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الخامس

- ‌سورة الجاثية

- ‌[سورة الجاثية (45) : الآيات 1 الى 15]

- ‌[سورة الجاثية (45) : الآيات 16 الى 26]

- ‌[سورة الجاثية (45) : الآيات 27 الى 37]

- ‌سورة الأحقاف

- ‌[سورة الأحقاف (46) : الآيات 1 الى 9]

- ‌[سورة الأحقاف (46) : الآيات 10 الى 16]

- ‌[سورة الأحقاف (46) : الآيات 17 الى 20]

- ‌[سورة الأحقاف (46) : الآيات 21 الى 28]

- ‌[سورة الأحقاف (46) : الآيات 29 الى 35]

- ‌سورة محمّد

- ‌[سورة محمد (47) : الآيات 1 الى 12]

- ‌[سورة محمد (47) : الآيات 13 الى 19]

- ‌[سورة محمد (47) : الآيات 20 الى 31]

- ‌[سورة محمد (47) : الآيات 32 الى 38]

- ‌سورة الفتح

- ‌[سورة الفتح (48) : الآيات 1 الى 7]

- ‌[سورة الفتح (48) : الآيات 8 الى 15]

- ‌[سورة الفتح (48) : الآيات 16 الى 24]

- ‌[سورة الفتح (48) : الآيات 25 الى 29]

- ‌سورة الحجرات

- ‌[سورة الحجرات (49) : الآيات 1 الى 8]

- ‌[سورة الحجرات (49) : الآيات 9 الى 12]

- ‌[سورة الحجرات (49) : الآيات 13 الى 18]

- ‌سورة ق

- ‌[سورة ق (50) : الآيات 1 الى 15]

- ‌[سورة ق (50) : الآيات 16 الى 35]

- ‌[سورة ق (50) : الآيات 36 الى 45]

- ‌سورة الذّاريات

- ‌[سورة الذاريات (51) : الآيات 1 الى 23]

- ‌[سورة الذاريات (51) : الآيات 24 الى 37]

- ‌[سورة الذاريات (51) : الآيات 38 الى 60]

- ‌سورة الطّور

- ‌[سورة الطور (52) : الآيات 1 الى 20]

- ‌[سورة الطور (52) : الآيات 21 الى 34]

- ‌[سورة الطور (52) : الآيات 35 الى 49]

- ‌سورة النجم

- ‌[سورة النجم (53) : الآيات 1 الى 26]

- ‌[سورة النجم (53) : الآيات 27 الى 42]

- ‌[سورة النجم (53) : الآيات 43 الى 62]

- ‌سورة القمر

- ‌[سورة القمر (54) : الآيات 1 الى 17]

- ‌[سورة القمر (54) : الآيات 18 الى 40]

- ‌[سورة القمر (54) : الآيات 41 الى 55]

- ‌سورة الرّحمن

- ‌[سورة الرحمن (55) : الآيات 1 الى 25]

- ‌[سورة الرحمن (55) : الآيات 26 الى 45]

- ‌[سورة الرحمن (55) : الآيات 46 الى 78]

- ‌سورة الواقعة

- ‌[سورة الواقعة (56) : الآيات 1 الى 26]

- ‌[سورة الواقعة (56) : الآيات 27 الى 56]

- ‌[سورة الواقعة (56) : الآيات 57 الى 74]

- ‌[سورة الواقعة (56) : الآيات 75 الى 96]

- ‌سورة الحديد

- ‌[سورة الحديد (57) : الآيات 1 الى 6]

- ‌[سورة الحديد (57) : الآيات 7 الى 11]

- ‌[سورة الحديد (57) : الآيات 12 الى 15]

- ‌[سورة الحديد (57) : الآيات 16 الى 19]

- ‌[سورة الحديد (57) : الآيات 20 الى 24]

- ‌[سورة الحديد (57) : الآيات 25 الى 29]

- ‌سورة المجادلة

- ‌[سورة المجادلة (58) : الآيات 1 الى 4]

- ‌[سورة المجادلة (58) : الآيات 5 الى 10]

- ‌[سورة المجادلة (58) : الآيات 11 الى 13]

- ‌[سورة المجادلة (58) : الآيات 14 الى 22]

- ‌سورة الحشر

- ‌[سورة الحشر (59) : الآيات 1 الى 7]

- ‌[سورة الحشر (59) : الآيات 8 الى 10]

- ‌[سورة الحشر (59) : الآيات 11 الى 20]

- ‌[سورة الحشر (59) : الآيات 21 الى 24]

- ‌سورة الممتحنة

- ‌[سورة الممتحنة (60) : الآيات 1 الى 3]

- ‌[سورة الممتحنة (60) : الآيات 4 الى 9]

- ‌[سورة الممتحنة (60) : الآيات 10 الى 13]

- ‌سورة الصّفّ

- ‌[سورة الصف (61) : الآيات 1 الى 9]

- ‌[سورة الصف (61) : الآيات 10 الى 14]

- ‌سورة الجمعة

- ‌[سورة الجمعة (62) : الآيات 1 الى 8]

- ‌[سورة الجمعة (62) : الآيات 9 الى 11]

- ‌سورة المنافقون

- ‌[سورة المنافقون (63) : الآيات 1 الى 8]

- ‌[سورة المنافقون (63) : الآيات 9 الى 11]

- ‌سورة التغابن

- ‌[سورة التغابن (64) : الآيات 1 الى 6]

- ‌[سورة التغابن (64) : الآيات 7 الى 13]

- ‌[سورة التغابن (64) : الآيات 14 الى 18]

- ‌سورة الطّلاق

- ‌[سورة الطلاق (65) : الآيات 1 الى 5]

- ‌[سورة الطلاق (65) : الآيات 6 الى 7]

- ‌[سورة الطلاق (65) : الآيات 8 الى 12]

- ‌سورة التّحريم

- ‌[سورة التحريم (66) : الآيات 1 الى 5]

- ‌[سورة التحريم (66) : الآيات 6 الى 8]

- ‌[سورة التحريم (66) : الآيات 9 الى 12]

- ‌سورة الملك

- ‌[سورة الملك (67) : الآيات 1 الى 11]

- ‌[سورة الملك (67) : الآيات 12 الى 21]

- ‌[سورة الملك (67) : الآيات 22 الى 30]

- ‌سورة القلم

- ‌[سورة القلم (68) : الآيات 1 الى 16]

- ‌[سورة القلم (68) : الآيات 17 الى 33]

- ‌[سورة القلم (68) : الآيات 34 الى 52]

- ‌سورة الحاقّة

- ‌[سورة الحاقة (69) : الآيات 1 الى 18]

- ‌[سورة الحاقة (69) : الآيات 19 الى 52]

- ‌سورة المعارج

- ‌[سورة المعارج (70) : الآيات 1 الى 18]

- ‌[سورة المعارج (70) : الآيات 19 الى 39]

- ‌[سورة المعارج (70) : الآيات 40 الى 44]

- ‌سورة نوح

- ‌[سورة نوح (71) : الآيات 1 الى 20]

- ‌[سورة نوح (71) : الآيات 21 الى 28]

- ‌سورة الجنّ

- ‌[سورة الجن (72) : الآيات 1 الى 13]

- ‌[سورة الجن (72) : الآيات 14 الى 28]

- ‌سورة المزّمّل

- ‌[سورة المزمل (73) : الآيات 1 الى 18]

- ‌[سورة المزمل (73) : الآيات 19 الى 20]

- ‌سورة المدّثّر

- ‌[سورة المدثر (74) : الآيات 1 الى 30]

- ‌[سورة المدثر (74) : الآيات 31 الى 37]

- ‌[سورة المدثر (74) : الآيات 38 الى 56]

- ‌سورة القيمة

- ‌[سورة القيامة (75) : الآيات 1 الى 25]

- ‌[سورة القيامة (75) : الآيات 26 الى 40]

- ‌سورة الإنسان

- ‌[سورة الإنسان (76) : الآيات 1 الى 12]

- ‌[سورة الإنسان (76) : الآيات 13 الى 22]

- ‌[سورة الإنسان (76) : الآيات 23 الى 31]

- ‌سورة المرسلات

- ‌[سورة المرسلات (77) : الآيات 1 الى 28]

- ‌[سورة المرسلات (77) : الآيات 29 الى 50]

- ‌سورة النّبأ

- ‌[سورة النبإ (78) : الآيات 1 الى 30]

- ‌[سورة النبإ (78) : الآيات 31 الى 40]

- ‌سورة النّازعات

- ‌[سورة النازعات (79) : الآيات 1 الى 26]

- ‌[سورة النازعات (79) : الآيات 27 الى 46]

- ‌سورة عبس

- ‌[سورة عبس (80) : الآيات 1 الى 42]

- ‌سورة التّكوير

- ‌[سورة التكوير (81) : الآيات 1 الى 29]

- ‌سورة الانفطار

- ‌[سورة الانفطار (82) : الآيات 1 الى 19]

- ‌سورة المطفّفين

- ‌[سورة المطففين (83) : الآيات 1 الى 17]

- ‌[سورة المطففين (83) : الآيات 18 الى 36]

- ‌سورة الانشقاق

- ‌[سورة الانشقاق (84) : الآيات 1 الى 25]

- ‌سورة البروج

- ‌[سورة البروج (85) : الآيات 1 الى 22]

- ‌سورة الطّارق

- ‌[سورة الطارق (86) : الآيات 1 الى 17]

- ‌سورة الأعلى

- ‌[سورة الأعلى (87) : الآيات 1 الى 19]

- ‌سورة الغاشية

- ‌[سورة الغاشية (88) : الآيات 1 الى 26]

- ‌سورة الفجر

- ‌[سورة الفجر (89) : الآيات 1 الى 14]

- ‌[سورة الفجر (89) : الآيات 15 الى 30]

- ‌سورة البلد

- ‌[سورة البلد (90) : الآيات 1 الى 20]

- ‌سورة الشمس

- ‌[سورة الشمس (91) : الآيات 1 الى 15]

- ‌سورة الليل

- ‌[سورة الليل (92) : الآيات 1 الى 21]

- ‌سورة الضّحى

- ‌[سورة الضحى (93) : الآيات 1 الى 11]

- ‌سورة الشرح

- ‌[سورة الشرح (94) : الآيات 1 الى 8]

- ‌سورة التّين

- ‌[سورة التين (95) : الآيات 1 الى 8]

- ‌سورة العلق

- ‌[سورة العلق (96) : الآيات 1 الى 19]

- ‌سورة القدر

- ‌[سورة القدر (97) : الآيات 1 الى 5]

- ‌سورة البيّنة

- ‌[سورة البينة (98) : الآيات 1 الى 8]

- ‌سورة الزّلزلة

- ‌[سورة الزلزلة (99) : الآيات 1 الى 8]

- ‌سورة العاديات

- ‌[سورة العاديات (100) : الآيات 1 الى 11]

- ‌سورة القارعة

- ‌[سورة القارعة (101) : الآيات 1 الى 11]

- ‌سورة التّكاثر

- ‌[سورة التكاثر (102) : الآيات 1 الى 8]

- ‌سورة العصر

- ‌[سورة العصر (103) : الآيات 1 الى 3]

- ‌سورة الهمزة

- ‌[سورة الهمزة (104) : الآيات 1 الى 9]

- ‌سورة الفيل

- ‌[سورة الفيل (105) : الآيات 1 الى 5]

- ‌سورة قريش

- ‌[سورة قريش (106) : الآيات 1 الى 4]

- ‌سورة الماعون

- ‌[سورة الماعون (107) : الآيات 1 الى 7]

- ‌سورة الكوثر

- ‌[سورة الكوثر (108) : الآيات 1 الى 3]

- ‌سورة الكافرون

- ‌[سورة الكافرون (109) : الآيات 1 الى 6]

- ‌سورة النّصر

- ‌[سورة النصر (110) : الآيات 1 الى 3]

- ‌سورة المسد

- ‌[سورة المسد (111) : الآيات 1 الى 5]

- ‌سورة الإخلاص

- ‌[سورة الإخلاص (112) : الآيات 1 الى 4]

- ‌سورة الفلق

- ‌[سورة الفلق (113) : الآيات 1 الى 5]

- ‌سورة النّاس

- ‌[سورة الناس (114) : الآيات 1 الى 6]

- ‌فهرس الموضوعات

الفصل: ‌[سورة الرحمن (55) : الآيات 26 الى 45]

كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ: يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ قَالَ: إِذَا مَطَرَتِ السَّمَاءُ فَتَحَتِ الْأَصْدَافُ فِي الْبَحْرِ أَفْوَاهَهَا، فَمَا وَقَعَ فِيهَا مِنْ قَطْرِ السَّمَاءِ فَهُوَ اللُّؤْلُؤُ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبً قَالَ: الْمَرْجَانُ: عِظَامُ اللُّؤْلُؤِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: اللُّؤْلُؤُ: مَا عَظُمَ مِنْهُ، وَالْمَرْجَانُ: اللُّؤْلُؤُ الصِّغَارُ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَالْفِرْيَابِيُّ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَالطَّبَرَانِيُّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: الْمَرْجَانُ: الخرز الأحمر.

[سورة الرحمن (55) : الآيات 26 الى 45]

كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ (26) وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ (27) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (28) يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ (29) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (30)

سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ (31) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (32) يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَاّ بِسُلْطانٍ (33) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (34) يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ وَنُحاسٌ فَلا تَنْتَصِرانِ (35)

فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (36) فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ (37) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (38) فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ (39) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (40)

يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ (41) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (42) هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ (43) يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ (44) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (45)

قَوْلُهُ: كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ أَيْ: كُلُّ مَنْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْحَيَوَانَاتِ هَالِكٌ، وَغَلَّبَ الْعُقَلَاءَ عَلَى غَيْرِهِمْ، فَعَبَّرَ عَنِ الْجَمِيعِ بِلَفْظِ مَنْ، وَقِيلَ: أَرَادَ مَنْ عَلَيْهَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ الْوَجْهُ عِبَارَةٌ عَنْ ذَاتِهِ سُبْحَانَهُ وَوُجُودِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ بَيَانُ مَعْنَى هَذَا، وَقِيلَ: مَعْنَى يَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ تَبْقَى حُجَّتُهُ الَّتِي يُتَقَرَّبُ بِهَا إِلَيْهِ، وَالْجَلَالُ: الْعَظَمَةُ وَالْكِبْرِيَاءُ، وَاسْتِحْقَاقُ صِفَاتِ الْمَدْحِ، يُقَالُ: جَلَّ الشَّيْءُ، أَيْ: عَظُمَ، وَأَجْلَلْتُهُ، أَيْ: أَعْظَمْتُهُ، وَهُوَ اسْمٌ مِنْ جَلَّ. وَمَعْنَى ذُو الْإِكْرَامِ:

أَنَّهُ يُكَرَّمُ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ لَا يَلِيقُ بِهِ، وَقِيلَ: إِنَّهُ ذُو الْإِكْرَامِ لِأَوْلِيَائِهِ، وَالْخِطَابُ فِي قَوْلِهِ: رَبِّكَ، لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أَوْ لِكُلِّ مَنْ يَصْلُحُ لَهُ. قَرَأَ الْجُمْهُورُ: ذُو الْجَلالِ عَلَى أَنَّهُ صِفَةٌ لِوَجْهٍ، وَقَرَأَ أُبَيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ:«ذِي الْجَلَالِ» عَلَى أَنَّهُ صِفَةٌ لِرَبِّ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ وَجْهُ النِّعْمَةِ فِي فَنَاءِ الْخَلْقِ أَنَّ الْمَوْتَ سَبَبُ النُّقْلَةِ إِلَى دَارِ الْجَزَاءِ وَالثَّوَابِ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: وَجْهُ النِّعْمَةِ فِي فَنَاءِ الْخَلْقِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمْ فِي الْمَوْتِ، وَمَعَ الموت تستوي الأقدام يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَيْ: يَسْأَلُونَهُ جَمِيعًا لِأَنَّهُمْ مُحْتَاجُونَ إِلَيْهِ لَا يَسْتَغْنِي عَنْهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ. قَالَ أَبُو صَالِحٍ: يَسْأَلُهُ أَهْلُ السَّمَاوَاتِ الْمَغْفِرَةَ وَلَا يَسْأَلُونَهُ الرِّزْقَ، وَأَهْلُ الْأَرْضِ يَسْأَلُونَهُ الْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا.

وَقَالَ مُقَاتِلٌ: يُسْأَلُهُ أَهْلُ الْأَرْضِ الرِّزْقَ وَالْمَغْفِرَةَ، وَتَسْأَلُ لَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَيْضًا الرِّزْقَ وَالْمَغْفِرَةَ، وَكَذَا قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ. وَقِيلَ: يَسْأَلُونَهُ الرَّحْمَةَ. قَالَ قَتَادَةُ: لَا يَسْتَغْنِي عَنْهُ أَهْلُ السَّمَاءِ وَلَا أَهْلُ الْأَرْضِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَسْأَلُهُ كُلُّ مَخْلُوقٍ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ بِلِسَانِ الْمَقَالِ أَوْ لسان الحال، مِنْ خَيْرَيِ الدَّارَيْنِ أَوْ مِنْ خَيْرَيْ إِحْدَاهُمَا

ص: 163

كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ انْتِصَابُ «كُلَّ» بِالِاسْتِقْرَارِ الَّذِي تَضَمَّنَهُ الْخَبَرُ، وَالتَّقْدِيرُ: اسْتَقَرَّ سُبْحَانَهُ في شأنه كُلَّ وَقْتٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ، وَالْيَوْمُ عِبَارَةٌ عَنِ الْوَقْتِ، وَالشَّأْنُ هُوَ الْأَمْرُ، وَمِنْ جُمْلَةِ شُؤُونِهِ سُبْحَانَهُ إِعْطَاءُ أَهْلِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَا يَطْلُبُونَهُ مِنْهُ عَلَى اخْتِلَافِ حَاجَاتِهِمْ وَتَبَايُنِ أَغْرَاضِهِمْ. قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: مِنْ شَأْنِهِ أَنَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ، وَيَرْزُقُ وَيُفْقِرُ، وَيَعِزُّ وَيُذِلُّ، وَيُمْرِضُ وَيَشْفِي، وَيُعْطِي وَيَمْنَعُ، وَيَغْفِرُ وَيُعَاقِبُ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُحْصَى.

وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْيَوْمِ الْمَذْكُورِ هُوَ يَوْمُ الدُّنْيَا وَيَوْمُ الْآخِرَةِ. قَالَ ابْنُ بَحْرٍ: الدَّهْرُ كُلُّهُ يَوْمَانِ: أَحَدُهُمَا مُدَّةُ أَيَّامِ الدُّنْيَا، وَالْآخَرُ يَوْمُ الْقِيَامَةِ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ كُلُّ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ الدُّنْيَا فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ فَإِنَّ اخْتِلَافَ شُؤُونِهِ سُبْحَانَهُ فِي تَدْبِيرِ عِبَادِهِ نِعْمَةٌ لَا يُمْكِنُ جَحْدُهَا، وَلَا يَتَيَسَّرُ لِمُكَذِّبٍ تَكْذِيبُهَا سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ هَذَا وَعِيدٌ شَدِيدٌ مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ لِلْجِنِّ وَالْإِنْسِ. قَالَ الزَّجَّاجُ وَالْكِسَائِيُّ وَابْنُ الْأَعْرَابِيِّ وَأَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ:

إِنَّ الْفَرَاغَ هَاهُنَا لَيْسَ هُوَ الْفَرَاغُ مِنْ شُغُلٍ، وَلَكِنَّ تَأْوِيلَهُ الْقَصْدُ، أَيْ: سَنَقْصِدُ لِحِسَابِكُمْ. قَالَ الْوَاحِدِيُّ حَاكِيًا عَنِ الْمُفَسِّرِينَ: إِنَّ هَذَا تَهْدِيدٌ مِنْهُ سُبْحَانَهُ لِعِبَادِهِ، وَمِنْ هَذَا قَوْلُ الْقَائِلِ لِمَنْ يُرِيدُ تَهْدِيدَهُ: إِذَنْ أَتَفَرَّغُ لَكَ، أَيْ: أَقْصِدُ قَصْدَكَ، وَفَرَغَ يَجِيءُ بِمَعْنَى قَصَدَ، وَأَنْشَدَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ قَوْلَ الشَّاعِرِ «1» :

الْآنَ وَقَدْ فَرَغْتَ إِلَى نُمَيْرٍ

فَهَذَا حين كنت لها عَذَابًا

يُرِيدُ: وَقَدْ قَصَدْتَ، وَأَنْشَدَ النَّحَّاسُ قَوْلَ الشاعر «2» :

فرغت إلى القين الْمُقَيَّدِ فِي الْحَجَلِ «3»

أَيْ: قَصَدَتْ. وَقِيلَ: إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَعَدَ عَلَى التَّقْوَى وَأَوْعَدَ عَلَى الْمَعْصِيَةِ، ثُمَّ قَالَ: سَنَفْرُغُ لَكُمْ مِمَّا وَعَدْنَاكُمْ وَنُوصِلُ كُلًّا إِلَى مَا وَعَدْنَاهُ، وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ وَمُقَاتِلٌ وَابْنُ زَيْدٍ، وَيَكُونُ الْكَلَامُ عَلَى طَرِيقِ التَّمْثِيلِ.

قَرَأَ الْجُمْهُورُ: سَنَفْرُغُ بِالنُّونِ وَضَمِّ الرَّاءَ، وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ بِالتَّحْتِيَّةِ مَفْتُوحَةً مَعَ ضَمِّ الرَّاءِ، أَيْ:

سَيَفْرُغُ اللَّهُ، وَقَرَأَ الْأَعْرَجُ بِالنُّونِ مَعَ فَتْحِ الرَّاءِ. قَالَ الْكِسَائِيُّ: هِيَ لُغَةُ تَمِيمٍ، وَقَرَأَ عِيسَى الثَّقَفِيُّ بِكَسْرِ النُّونِ وَفَتْحِ الرَّاءِ، وَقَرَأَ الْأَعْمَشُ وَإِبْرَاهِيمُ بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الرَّاءِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ. وَسُمِّيَ الْجِنُّ والإنس ثقلين لعظم شأنهما بالنسبة إلى غير هما مِنْ حَيَوَانَاتِ الْأَرْضِ، وَقِيلَ: سُمُّوا بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ ثِقْلٌ عَلَى الْأَرْضِ أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا، كَمَا فِي قوله: وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها «4» وقال جعفر الصادق: سيما ثَقَلَيْنِ لِأَنَّهُمَا مُثْقَلَانِ بِالذُّنُوبِ، وَجَمَعَ فِي قَوْلِهِ: لَكُمْ ثم قال: أَيُّهَ الثَّقَلانِ لِأَنَّهُمَا فَرِيقَانِ، وَكُلُّ فَرِيقٍ جَمْعٌ. قَرَأَ الجمهور: بِفَتْحِ الْهَاءِ، وَقَرَأَ أَهْلُ الشَّامِ بِضَمِّهَا فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ فَإِنَّ مِنْ جُمْلَتِهَا مَا فِي هَذَا التَّهْدِيدِ مِنَ النِّعَمِ، فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ يَنْزَجِرُ بِهِ الْمُسِيءُ عَنْ إِسَاءَتِهِ، وَيَزْدَادُ بِهِ الْمُحْسِنُ إِحْسَانًا فَيَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا لِلْفَوْزِ بنعيم الدار الآخرة الّذي

(1) . هو جرير.

(2)

. هو جرير أيضا. [.....]

(3)

. وصدره: ولمّا اتّقى القين العراقي باسته.

(4)

. الزلزلة: 2.

ص: 164

هو النعيم في الحقيقة يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ قَدَّمَ الْجِنَّ هُنَا لِكَوْنِ خَلْقِ أَبِيهِمْ مُتَقَدِّمًا عَلَى خَلْقِ آدَمَ، وَلِوُجُودِ جِنْسِهِمْ قَبْلَ جِنْسِ الْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَيْ: إِنْ قَدَرْتُمْ أَنْ تَخْرُجُوا مِنْ جَوَانِبِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَنَوَاحِيهِمَا هَرَبًا مِنْ قَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهُ فَانْفُذُوا مِنْهَا وَخَلِّصُوا أَنْفُسَكُمْ، يُقَالُ: نَفَذَ الشَّيْءُ مِنَ الشَّيْءِ إِذَا خَلَصَ مِنْهُ كَمَا يَخْلُصُ السَّهْمُ لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطانٍ أَيْ: لَا تَقْدِرُونَ عَلَى النُّفُوذِ إِلَّا بِقُوَّةٍ وَقَهْرٍ، وَلَا قُوَّةَ لَكُمْ عَلَى ذَلِكَ وَلَا قُدْرَةَ، وَالسُّلْطَانُ: الْقُوَّةُ الَّتِي يَتَسَلَّطُ بِهَا صَاحِبُهَا عَلَى الْأَمْرِ، وَالْأَمْرُ بِالنُّفُوذِ أَمْرُ تَعْجِيزٍ. قَالَ الضَّحَّاكُ: بَيْنَمَا النَّاسُ فِي أَسْوَاقِهِمْ إِذِ انْفَتَحَتِ السَّمَاءُ وَنَزَلَتِ الْمَلَائِكَةُ فَهَرَبَ الْجِنُّ وَالْإِنْسُ فَتُحْدِقُ بِهِمُ الْمَلَائِكَةُ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطانٍ. قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ:

إِنَّ ذَلِكَ يَكُونُ فِي الْآخِرَةِ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ أَيْضًا: مَعْنَى الْآيَةِ: إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَهْرُبُوا مِنَ الْمَوْتِ فَاهْرُبُوا.

وَقِيلَ: إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَعْلَمُوا مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَاعْلَمُوهُ، وَلَنْ تَعْلَمُوهُ إِلَّا بِسُلْطَانٍ، أَيْ: بِبَيِّنَةٍ مِنَ اللَّهِ. وَقَالَ قَتَادَةُ: مَعْنَاهَا لَا تَنْفُذُوا إِلَّا بِمُلْكٍ وَلَيْسَ لَكُمْ مُلْكٌ. وَقِيلَ الْبَاءُ بِمَعْنَى إِلَى، أَيْ: لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا إِلَى سُلْطَانٍ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ وَمِنْ جُمْلَتِهَا هَذِهِ النِّعْمَةُ الْحَاصِلَةُ بِالتَّحْذِيرِ وَالتَّهْدِيدِ، فَإِنَّهَا تَزِيدُ الْمُحْسِنَ إِحْسَانًا، وَتَكُفُّ الْمُسِيءَ عَنْ إِسَاءَتِهِ، مَعَ أَنَّ مَنْ حَذَّرَكُمْ وَأَنْذَرَكُمْ قَادِرٌ عَلَى الْإِيقَاعِ بِكُمْ مِنْ دُونِ مُهْلَةٍ يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ قَرَأَ الْجُمْهُورُ: يُرْسَلُ بِالتَّحْتِيَّةِ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ، وَقَرَأَ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ بِالنُّونِ وَنَصْبِ شُواظٌ. وَالشُّوَاظُ: اللَّهَبُ الَّذِي لَا دُخَانَ مَعَهُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الشُّوَاظُ اللَّهَبُ الْأَخْضَرُ الْمُتَقَطِّعُ مِنَ النَّارِ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: هُوَ الدُّخَانُ الَّذِي يَخْرُجُ مِنَ اللَّهَبِ لَيْسَ بِدُخَانِ الْحَطَبِ. وَقَالَ الْأَخْفَشُ وَأَبُو عَمْرٍو: هُوَ النَّارُ وَالدُّخَانُ جَمِيعًا. قَرَأَ الْجُمْهُورُ: شُواظٌ بِضَمِّ الشِّينِ، وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ بِكَسْرِهَا وَهُمَا لُغَتَانِ، وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ وَنُحاسٌ بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى شُوَاظٍ، وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَابْنُ مُحَيْصِنٍ وَمُجَاهِدٌ وَأَبُو عَمْرٍو بِخَفْضِهِ عَطْفًا عَلَى نَارٍ، وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: نُحاسٌ بِضَمِّ النُّونِ، وَقَرَأَ مُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ وَحُمَيْدٌ وَأَبُو الْعَالِيَةِ بِكَسْرِهَا. وَقَرَأَ مُسْلِمُ بْنُ جُنْدَبٍ وَالْحَسَنُ

«وَنُحُسٌ»

. وَالنَّحَّاسُ: الصُّفْرُ الْمُذَابُ يُصَبُّ على رؤوسهم، قاله مجاهد وقتادة وغير هما. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: هُوَ الدُّخَانُ الَّذِي لَا لَهَبَ لَهُ، وَبِهِ قَالَ الْخَلِيلُ.

وَقَالَ الضَّحَّاكُ: هُوَ دُرْدِيُّ الزَّيْتِ الْمَغْلِيِّ. وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: هُوَ النَّارُ الَّتِي لَهَا رِيحٌ شَدِيدَةٌ، وَقِيلَ: هُوَ الْمُهْلُ فَلا تَنْتَصِرانِ أَيْ: لَا تَقْدِرَانِ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ فَإِنَّ مِنْ جُمْلَتِهَا هَذَا الْوَعِيدَ الَّذِي يَكُونُ بِهِ الِانْزِجَارُ عَنِ الشَّرِّ وَالرُّغُوبُ فِي الْخَيْرِ فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ أَيِ: انْصَدَعَتْ بِنُزُولِ الْمَلَائِكَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ أَيْ: كَوَرْدَةٍ حَمْرَاءَ. قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَقَتَادَةُ:

الْمَعْنَى: فَكَانَتْ حَمْرَاءَ، وَقِيلَ: فَكَانَتْ كَلَوْنِ الْفَرَسِ الْوَرْدِ، وَهُوَ الْأَبْيَضُ الَّذِي يَضْرِبُ إِلَى الْحُمْرَةِ أَوِ الصُّفْرَةِ.

قَالَ الْفَرَّاءُ وَأَبُو عُبَيْدَةَ: تَصِيرُ السَّمَاءُ كَالْأَدِيمِ لِشِدَّةِ حَرِّ النَّارِ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ أَيْضًا: شَبَّهَ تَلَوُّنَ السَّمَاءِ بِتَلَوُّنِ الْوَرْدِ مِنَ الْخَيْلِ، وَشَبَّهَ الْوَرْدَ فِي أَلْوَانِهَا بِالدُّهْنِ وَاخْتِلَافِ أَلْوَانِهِ. وَالدِّهَانُ: جَمْعُ دُهْنٍ، وَقِيلَ: الْمَعْنَى تَصِيرُ السَّمَاءُ فِي حُمْرَةِ الْوَرْدِ، وَجَرَيَانِ الدُّهْنِ، أَيْ: تَذُوبُ مَعَ الِانْشِقَاقِ حَتَّى تَصِيرَ حَمْرَاءَ مِنْ حَرَارَةِ نَارِ جَهَنَّمَ، وَتَصِيرَ مِثْلَ الدُّهْنِ لِذَوَبَانِهَا، وَقِيلَ: الدِّهَانُ: الْجِلْدُ الْأَحْمَرُ. وَقَالَ الْحَسَنُ: «كَالدِّهانِ» أَيْ: كَصَبِيبِ

ص: 165

الدُّهْنِ، فَإِنَّكَ إِذَا صَبَبْتَهُ تَرَى فِيهِ أَلْوَانًا. وقال زيد بن أسلم: إنها تصير كعكر الزَّيْتِ. قَالَ الزَّجَّاجُ: إِنَّهَا الْيَوْمَ خَضْرَاءُ وَسَيَكُونُ لَهَا لَوْنٌ أَحْمَرُ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَزَعَمَ «1» الْمُتَقَدِّمُونَ أَنَّ أَصْلَ لَوْنِ السَّمَاءِ الْحُمْرَةُ، وَأَنَّهَا لِكَثْرَةِ الْحَوَائِلِ وَبُعْدِ الْمَسَافَةِ تُرَى بِهَذَا اللَّوْنِ الْأَزْرَقِ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ فَإِنَّ مِنْ جُمْلَتِهَا مَا فِي هَذَا التَّهْدِيدِ وَالتَّخْوِيفِ مِنْ حُسْنِ الْعَاقِبَةِ بِالْإِقْبَالِ عَلَى الْخَيْرِ وَالْإِعْرَاضِ عَنِ الشَّرِّ فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ أَيْ: يَوْمَ تَنْشَقُّ السَّمَاءُ لَا يُسْأَلُ أَحَدٌ مِنَ الْإِنْسِ وَلَا مِنَ الْجِنِّ عَنْ ذَنْبِهِ، لِأَنَّهُمْ يُعْرَفُونَ بِسِيمَاهُمْ عِنْدَ خُرُوجِهِمْ مِنْ قُبُورِهِمْ، وَالْجَمْعُ بَيْنَ هذه الآية وبين مثل قوله: فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ «2» أَنَّ مَا هُنَا يَكُونُ فِي مَوْقِفٍ وَالسُّؤَالُ فِي مَوْقِفٍ آخَرَ مِنْ مَوَاقِفِ الْقِيَامَةِ. وَقِيلَ: إِنَّهُمْ لَا يُسْأَلُونَ هُنَا سُؤَالَ اسْتِفْهَامٍ عَنْ ذُنُوبِهِمْ، لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ قَدْ أَحْصَى الْأَعْمَالَ وَحَفِظَهَا عَلَى الْعِبَادِ، وَلَكِنْ يُسْأَلُونَ سُؤَالَ تَوْبِيخٍ وتقريع، ومثل هذه الآية قوله: وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ «3» قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: الْمَعْنَى لَا يُسْأَلُ غَيْرُ الْمُجْرِمِ عَنْ ذَنْبِ الْمُجْرِمِ. وَقِيلَ: إِنَّ عَدَمَ السُّؤَالِ هُوَ عِنْدَ الْبَعْثِ، وَالسُّؤَالُ هُوَ فِي مَوْقِفِ الْحِسَابِ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ فَإِنَّ مِنْ جُمْلَتِهَا هَذَا الْوَعِيدَ الشَّدِيدَ لِكَثْرَةِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنَ الْفَوَائِدِ يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ جَارِيَةٌ مَجْرَى التَّعْلِيلِ لِعَدَمِ السُّؤَالِ. السِّيمَا: الْعَلَامَةُ. قَالَ الْحَسَنُ: سِيمَاهُمْ: سَوَادُ الْوُجُوهِ وَزُرْقَةُ الْأَعْيُنِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ: وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً «4» وقال: يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ «5» وَقِيلَ: سِيمَاهُمْ مَا يَعْلُوهُمْ مِنَ الْحُزْنِ وَالْكَآبَةِ فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ والجار وَالْمَجْرُورُ فِي مَحَلِّ رَفْعٍ عَلَى أَنَّهُ النَّائِبُ، وَالنَّوَاصِي: شُعُورُ مُقَدَّمِ الرُؤُوسِ، وَالْمَعْنَى: أَنَّهَا تُجْعَلُ الْأَقْدَامُ مَضْمُومَةً إِلَى النَّوَاصِي، وَتُلْقِيهِمُ الْمَلَائِكَةُ فِي النَّارِ. قَالَ الضَّحَّاكُ: يُجْمَعُ بَيْنَ نَاصِيَتِهِ وَقَدَمِهِ فِي سِلْسِلَةٍ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ. وَقِيلَ: تَسْحَبُهُمُ الْمَلَائِكَةُ إِلَى النَّارِ، تَارَةً تَأْخُذُ بِنَوَاصِيهِمْ وَتَجُرُّهُمْ عَلَى وُجُوهِهِمْ، وَتَارَةً تَأْخُذُ بِأَقْدَامِهِمْ وَتَجُرُّهُمْ عَلَى رُؤُوسِهِمْ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ فَإِنَّ مِنْ جُمْلَتِهَا هَذَا التَّرْهِيبَ الشَّدِيدَ وَالْوَعِيدَ الْبَالِغَ الَّذِي تَرْجُفُ لَهُ الْقُلُوبُ وَتَضْطَرِبُ لِهَوْلِهِ الْأَحْشَاءُ هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ أَيْ: يُقَالُ لَهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي تُشَاهِدُونَهَا وَتَنْظُرُونَ إِلَيْهَا، مَعَ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تُكَذِّبُونَ بِهَا وَتَقُولُونَ إِنَّهَا لَا تَكُونُ، وَالْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ جَوَابُ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ، كَأَنَّهُ قِيلَ: فَمَاذَا يُقَالُ لَهُمْ عِنْدَ الْأَخْذِ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ؟ فَقِيلَ: يُقَالُ لَهُمْ: هَذِهِ جَهَنَّمُ، تَقْرِيعًا لَهُمْ وَتَوْبِيخًا يَطُوفُونَ بَيْنَها أَيْ: بَيْنَ جَهَنَّمَ فَتُحْرِقُهُمْ وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ فَتُصَبُّ عَلَى وُجُوهِهِمْ، وَالْحَمِيمُ: الْمَاءُ الْحَارُّ، وَالْآنُ: الَّذِي قَدِ انْتَهَى حَرُّهُ وَبَلَغَ غَايَتَهُ. كَذَا قَالَ الْفَرَّاءُ. قَالَ الزَّجَّاجُ:

أَنَى يَأْنَى أَنًى فَهُوَ آنٍ: إِذَا انْتَهَى فِي النُّضْجِ وَالْحَرَارَةِ، وَمِنْهُ قَوْلُ النَّابِغَةِ الذُّبْيَانِيِّ:

وَتُخْضَبُ لِحْيَةٌ غَدَرَتْ وَخَانَتْ

بِأَحْمَرَ مِنْ نَجِيعِ الْجَوْفِ آنِ

وَقِيلَ: هو واد من أودية جهنم يجمع فِيهِ صَدِيدُ أَهْلِ النَّارِ، فَيُغْمَسُونَ فِيهِ. قَالَ قتادة: يطوفون مرّة بين

(1) . الزّعم: القول يشكّ فيه.

(2)

. الحجر: 92.

(3)

. القصص: 78.

(4)

. طه: 102.

(5)

. آل عمران: 106.

ص: 166