المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة الحشر (59) : الآيات 8 الى 10] - فتح القدير للشوكاني - جـ ٥

[الشوكاني]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الخامس

- ‌سورة الجاثية

- ‌[سورة الجاثية (45) : الآيات 1 الى 15]

- ‌[سورة الجاثية (45) : الآيات 16 الى 26]

- ‌[سورة الجاثية (45) : الآيات 27 الى 37]

- ‌سورة الأحقاف

- ‌[سورة الأحقاف (46) : الآيات 1 الى 9]

- ‌[سورة الأحقاف (46) : الآيات 10 الى 16]

- ‌[سورة الأحقاف (46) : الآيات 17 الى 20]

- ‌[سورة الأحقاف (46) : الآيات 21 الى 28]

- ‌[سورة الأحقاف (46) : الآيات 29 الى 35]

- ‌سورة محمّد

- ‌[سورة محمد (47) : الآيات 1 الى 12]

- ‌[سورة محمد (47) : الآيات 13 الى 19]

- ‌[سورة محمد (47) : الآيات 20 الى 31]

- ‌[سورة محمد (47) : الآيات 32 الى 38]

- ‌سورة الفتح

- ‌[سورة الفتح (48) : الآيات 1 الى 7]

- ‌[سورة الفتح (48) : الآيات 8 الى 15]

- ‌[سورة الفتح (48) : الآيات 16 الى 24]

- ‌[سورة الفتح (48) : الآيات 25 الى 29]

- ‌سورة الحجرات

- ‌[سورة الحجرات (49) : الآيات 1 الى 8]

- ‌[سورة الحجرات (49) : الآيات 9 الى 12]

- ‌[سورة الحجرات (49) : الآيات 13 الى 18]

- ‌سورة ق

- ‌[سورة ق (50) : الآيات 1 الى 15]

- ‌[سورة ق (50) : الآيات 16 الى 35]

- ‌[سورة ق (50) : الآيات 36 الى 45]

- ‌سورة الذّاريات

- ‌[سورة الذاريات (51) : الآيات 1 الى 23]

- ‌[سورة الذاريات (51) : الآيات 24 الى 37]

- ‌[سورة الذاريات (51) : الآيات 38 الى 60]

- ‌سورة الطّور

- ‌[سورة الطور (52) : الآيات 1 الى 20]

- ‌[سورة الطور (52) : الآيات 21 الى 34]

- ‌[سورة الطور (52) : الآيات 35 الى 49]

- ‌سورة النجم

- ‌[سورة النجم (53) : الآيات 1 الى 26]

- ‌[سورة النجم (53) : الآيات 27 الى 42]

- ‌[سورة النجم (53) : الآيات 43 الى 62]

- ‌سورة القمر

- ‌[سورة القمر (54) : الآيات 1 الى 17]

- ‌[سورة القمر (54) : الآيات 18 الى 40]

- ‌[سورة القمر (54) : الآيات 41 الى 55]

- ‌سورة الرّحمن

- ‌[سورة الرحمن (55) : الآيات 1 الى 25]

- ‌[سورة الرحمن (55) : الآيات 26 الى 45]

- ‌[سورة الرحمن (55) : الآيات 46 الى 78]

- ‌سورة الواقعة

- ‌[سورة الواقعة (56) : الآيات 1 الى 26]

- ‌[سورة الواقعة (56) : الآيات 27 الى 56]

- ‌[سورة الواقعة (56) : الآيات 57 الى 74]

- ‌[سورة الواقعة (56) : الآيات 75 الى 96]

- ‌سورة الحديد

- ‌[سورة الحديد (57) : الآيات 1 الى 6]

- ‌[سورة الحديد (57) : الآيات 7 الى 11]

- ‌[سورة الحديد (57) : الآيات 12 الى 15]

- ‌[سورة الحديد (57) : الآيات 16 الى 19]

- ‌[سورة الحديد (57) : الآيات 20 الى 24]

- ‌[سورة الحديد (57) : الآيات 25 الى 29]

- ‌سورة المجادلة

- ‌[سورة المجادلة (58) : الآيات 1 الى 4]

- ‌[سورة المجادلة (58) : الآيات 5 الى 10]

- ‌[سورة المجادلة (58) : الآيات 11 الى 13]

- ‌[سورة المجادلة (58) : الآيات 14 الى 22]

- ‌سورة الحشر

- ‌[سورة الحشر (59) : الآيات 1 الى 7]

- ‌[سورة الحشر (59) : الآيات 8 الى 10]

- ‌[سورة الحشر (59) : الآيات 11 الى 20]

- ‌[سورة الحشر (59) : الآيات 21 الى 24]

- ‌سورة الممتحنة

- ‌[سورة الممتحنة (60) : الآيات 1 الى 3]

- ‌[سورة الممتحنة (60) : الآيات 4 الى 9]

- ‌[سورة الممتحنة (60) : الآيات 10 الى 13]

- ‌سورة الصّفّ

- ‌[سورة الصف (61) : الآيات 1 الى 9]

- ‌[سورة الصف (61) : الآيات 10 الى 14]

- ‌سورة الجمعة

- ‌[سورة الجمعة (62) : الآيات 1 الى 8]

- ‌[سورة الجمعة (62) : الآيات 9 الى 11]

- ‌سورة المنافقون

- ‌[سورة المنافقون (63) : الآيات 1 الى 8]

- ‌[سورة المنافقون (63) : الآيات 9 الى 11]

- ‌سورة التغابن

- ‌[سورة التغابن (64) : الآيات 1 الى 6]

- ‌[سورة التغابن (64) : الآيات 7 الى 13]

- ‌[سورة التغابن (64) : الآيات 14 الى 18]

- ‌سورة الطّلاق

- ‌[سورة الطلاق (65) : الآيات 1 الى 5]

- ‌[سورة الطلاق (65) : الآيات 6 الى 7]

- ‌[سورة الطلاق (65) : الآيات 8 الى 12]

- ‌سورة التّحريم

- ‌[سورة التحريم (66) : الآيات 1 الى 5]

- ‌[سورة التحريم (66) : الآيات 6 الى 8]

- ‌[سورة التحريم (66) : الآيات 9 الى 12]

- ‌سورة الملك

- ‌[سورة الملك (67) : الآيات 1 الى 11]

- ‌[سورة الملك (67) : الآيات 12 الى 21]

- ‌[سورة الملك (67) : الآيات 22 الى 30]

- ‌سورة القلم

- ‌[سورة القلم (68) : الآيات 1 الى 16]

- ‌[سورة القلم (68) : الآيات 17 الى 33]

- ‌[سورة القلم (68) : الآيات 34 الى 52]

- ‌سورة الحاقّة

- ‌[سورة الحاقة (69) : الآيات 1 الى 18]

- ‌[سورة الحاقة (69) : الآيات 19 الى 52]

- ‌سورة المعارج

- ‌[سورة المعارج (70) : الآيات 1 الى 18]

- ‌[سورة المعارج (70) : الآيات 19 الى 39]

- ‌[سورة المعارج (70) : الآيات 40 الى 44]

- ‌سورة نوح

- ‌[سورة نوح (71) : الآيات 1 الى 20]

- ‌[سورة نوح (71) : الآيات 21 الى 28]

- ‌سورة الجنّ

- ‌[سورة الجن (72) : الآيات 1 الى 13]

- ‌[سورة الجن (72) : الآيات 14 الى 28]

- ‌سورة المزّمّل

- ‌[سورة المزمل (73) : الآيات 1 الى 18]

- ‌[سورة المزمل (73) : الآيات 19 الى 20]

- ‌سورة المدّثّر

- ‌[سورة المدثر (74) : الآيات 1 الى 30]

- ‌[سورة المدثر (74) : الآيات 31 الى 37]

- ‌[سورة المدثر (74) : الآيات 38 الى 56]

- ‌سورة القيمة

- ‌[سورة القيامة (75) : الآيات 1 الى 25]

- ‌[سورة القيامة (75) : الآيات 26 الى 40]

- ‌سورة الإنسان

- ‌[سورة الإنسان (76) : الآيات 1 الى 12]

- ‌[سورة الإنسان (76) : الآيات 13 الى 22]

- ‌[سورة الإنسان (76) : الآيات 23 الى 31]

- ‌سورة المرسلات

- ‌[سورة المرسلات (77) : الآيات 1 الى 28]

- ‌[سورة المرسلات (77) : الآيات 29 الى 50]

- ‌سورة النّبأ

- ‌[سورة النبإ (78) : الآيات 1 الى 30]

- ‌[سورة النبإ (78) : الآيات 31 الى 40]

- ‌سورة النّازعات

- ‌[سورة النازعات (79) : الآيات 1 الى 26]

- ‌[سورة النازعات (79) : الآيات 27 الى 46]

- ‌سورة عبس

- ‌[سورة عبس (80) : الآيات 1 الى 42]

- ‌سورة التّكوير

- ‌[سورة التكوير (81) : الآيات 1 الى 29]

- ‌سورة الانفطار

- ‌[سورة الانفطار (82) : الآيات 1 الى 19]

- ‌سورة المطفّفين

- ‌[سورة المطففين (83) : الآيات 1 الى 17]

- ‌[سورة المطففين (83) : الآيات 18 الى 36]

- ‌سورة الانشقاق

- ‌[سورة الانشقاق (84) : الآيات 1 الى 25]

- ‌سورة البروج

- ‌[سورة البروج (85) : الآيات 1 الى 22]

- ‌سورة الطّارق

- ‌[سورة الطارق (86) : الآيات 1 الى 17]

- ‌سورة الأعلى

- ‌[سورة الأعلى (87) : الآيات 1 الى 19]

- ‌سورة الغاشية

- ‌[سورة الغاشية (88) : الآيات 1 الى 26]

- ‌سورة الفجر

- ‌[سورة الفجر (89) : الآيات 1 الى 14]

- ‌[سورة الفجر (89) : الآيات 15 الى 30]

- ‌سورة البلد

- ‌[سورة البلد (90) : الآيات 1 الى 20]

- ‌سورة الشمس

- ‌[سورة الشمس (91) : الآيات 1 الى 15]

- ‌سورة الليل

- ‌[سورة الليل (92) : الآيات 1 الى 21]

- ‌سورة الضّحى

- ‌[سورة الضحى (93) : الآيات 1 الى 11]

- ‌سورة الشرح

- ‌[سورة الشرح (94) : الآيات 1 الى 8]

- ‌سورة التّين

- ‌[سورة التين (95) : الآيات 1 الى 8]

- ‌سورة العلق

- ‌[سورة العلق (96) : الآيات 1 الى 19]

- ‌سورة القدر

- ‌[سورة القدر (97) : الآيات 1 الى 5]

- ‌سورة البيّنة

- ‌[سورة البينة (98) : الآيات 1 الى 8]

- ‌سورة الزّلزلة

- ‌[سورة الزلزلة (99) : الآيات 1 الى 8]

- ‌سورة العاديات

- ‌[سورة العاديات (100) : الآيات 1 الى 11]

- ‌سورة القارعة

- ‌[سورة القارعة (101) : الآيات 1 الى 11]

- ‌سورة التّكاثر

- ‌[سورة التكاثر (102) : الآيات 1 الى 8]

- ‌سورة العصر

- ‌[سورة العصر (103) : الآيات 1 الى 3]

- ‌سورة الهمزة

- ‌[سورة الهمزة (104) : الآيات 1 الى 9]

- ‌سورة الفيل

- ‌[سورة الفيل (105) : الآيات 1 الى 5]

- ‌سورة قريش

- ‌[سورة قريش (106) : الآيات 1 الى 4]

- ‌سورة الماعون

- ‌[سورة الماعون (107) : الآيات 1 الى 7]

- ‌سورة الكوثر

- ‌[سورة الكوثر (108) : الآيات 1 الى 3]

- ‌سورة الكافرون

- ‌[سورة الكافرون (109) : الآيات 1 الى 6]

- ‌سورة النّصر

- ‌[سورة النصر (110) : الآيات 1 الى 3]

- ‌سورة المسد

- ‌[سورة المسد (111) : الآيات 1 الى 5]

- ‌سورة الإخلاص

- ‌[سورة الإخلاص (112) : الآيات 1 الى 4]

- ‌سورة الفلق

- ‌[سورة الفلق (113) : الآيات 1 الى 5]

- ‌سورة النّاس

- ‌[سورة الناس (114) : الآيات 1 الى 6]

- ‌فهرس الموضوعات

الفصل: ‌[سورة الحشر (59) : الآيات 8 الى 10]

فَأَتَاهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَاحْتَوَاهَا كُلَّهَا، فَقَالَ نَاسٌ: هَلَّا قَسَّمَهَا اللَّهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عُذْرَهُ فَقَالَ: مَا أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى الْآيَةَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْهُ أَيْضًا قَالَ: كَانَ مَا أفاء الله على رسوله من خيبر نصف لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، وَالنِّصْفُ الْآخَرُ لِلْمُسْلِمِينَ، فَكَانَ الَّذِي لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مِنْ ذَلِكَ الْكَثِيبَةَ وَالْوَطِيحَ وَسَلَالِمَ ووخدة، وَكَانَ الَّذِي لِلْمُسْلِمِينَ الشِّقَّ، وَالشِّقُّ ثَلَاثَةَ عَشَرَ سَهْمًا، وَنَطَاةَ «1» خَمْسَةُ أَسْهُمٍ، وَلَمْ يُقَسِّمْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ خَيْبَرَ لِأَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا لِمَنْ شَهِدَ الْحُدَيْبِيَةَ. وَلَمْ يَأْذَنْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِأَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ تَخَلَّفَ عَنْهُ عِنْدَ مَخْرَجِهِ إِلَى الْحُدَيْبِيَةِ أَنْ يَشْهَدَ مَعَهُ خَيْبَرَ إِلَّا جَابِرَ بْنَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ الْأَنْصَارِيُّ.

وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَفَايَا «2» فِي النَّضِيرِ وَخَيْبَرَ وَفَدْكَ فَأَمَّا بَنُو النَّضِيرِ فَكَانَتْ حَبْسًا لِنَوَائِبِهِ، وَأَمَّا فَدْكُ فَكَانَتْ لِابْنِ السَّبِيلِ، وَأَمَّا خَيْبَرُ فَجَزَّأَهَا ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ:

قَسَّمَ مِنْهَا جُزْءَيْنِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَحَبَسَ جُزْءًا لِنَفْسِهِ وَلِنَفَقَةِ أَهْلِهِ، فَمَا فَضَلَ عَنْ نَفَقَةِ أَهْلِهِ رَدَّهَا عَلَى فُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَابْنُ سَعْدٍ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَابْنُ زَنْجَوَيْهِ فِي الْأَمْوَالِ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: مَا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مُسْلِمٌ إِلَّا وَلَهُ فِي هَذَا الْفَيْءِ حَقٌّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ.

وَأَخْرَجَ البخاري ومسلم وغير هما عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: «لَعَنَ اللَّهُ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ وَالْمُتَنَمِّصَاتِ وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ لِخَلْقِ اللَّهِ» فَبَلَغَ ذَلِكَ امْرَأَةً مِنْ بَنِي أَسَدٍ يُقَالُ لَهَا أُمُّ يَعْقُوبَ، فَجَاءَتِ ابْنَ مَسْعُودٍ، فَقَالَتْ: بَلَغَنِي أَنَّكَ لَعَنْتَ كَيْتَ وَكَيْتَ، قَالَ: وَمَا لِي لَا أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ فِي كِتَابِ الله؟

قالت: لقد قرأت الدَّفَّتَيْنِ فَمَا وَجَدْتُ فِيهِ شَيْئًا مِنْ هَذَا، قَالَ: لَئِنْ كُنْتِ قَرَأْتِهِ لَقَدْ وَجَدْتِهِ، أَمَا قرأت وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا قَالَتْ: بَلَى، قَالَ: فَإِنَّهُ قَدْ نَهَى عنه» .

[سورة الحشر (59) : الآيات 8 الى 10]

لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (8) وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9) وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (10)

قَوْلُهُ: لِلْفُقَراءِ قِيلَ: هُوَ بَدَلٌ مِنْ لِذِي الْقُرْبى وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ بَدَلًا مِنَ الرَّسُولِ وَمَا بَعْدَهُ لِئَلَّا يَسْتَلْزِمَ وَصْفَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بالفقر، وقيل: التقدير كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً وَلَكِنْ يَكُونُ لِلْفُقَرَاءِ، وَقِيلَ: التَّقْدِيرُ: اعْجَبُوا لِلْفُقَرَاءِ، وَقِيلَ: التَّقْدِيرُ: وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ للفقراء، أي:

(1) . «النّطاة» : علم لخيبر، أو حصن بها.

(2)

. «الصفايا» : جمع صفي، وهو ما يصطفيه صلى الله عليه وسلم من عرض الغنيمة من شيء قبل أن يخمس: عبد أو جارية أو فرس أو سيف أو غيرها- وكان النبي صلى الله عليه وسلم مخصوصا بذلك مع الخمس الّذي كان له خاصة.

ص: 238

شَدِيدُ الْعِقَابِ لِلْكَفَّارِ بِسَبَبِ الْفُقَرَاءِ، وَقِيلَ: هُوَ عَطْفٌ عَلَى مَا مَضَى بِتَقْدِيرِ الْوَاوِ، كَمَا تَقُولُ: الْمَالَ لِزَيْدٍ لِعَمْرٍو لِبَكْرٍ، وَالْمُرَادُ بِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ هَاجَرُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَغْبَةً فِي الدِّينِ وَنُصْرَةً لَهُ. قَالَ قَتَادَةُ: هَؤُلَاءِ الْمُهَاجِرُونَ هُمُ الَّذِينَ تَرَكُوا الدِّيَارَ وَالْأَمْوَالَ وَالْأَهْلِينَ، وَمَعْنَى أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ أَنَّ كُفَّارَ مَكَّةَ أَخْرَجُوهُمْ مِنْهَا وَاضْطَرُّوهُمْ إِلَى الْخُرُوجِ، وَكَانُوا مِائَةَ رَجُلٍ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً أَيْ: يَطْلُبُونَ مِنْهُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْهِمْ بِالرِّزْقِ فِي الدُّنْيَا، وَبِالرِّضْوَانِ فِي الْآخِرَةِ وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ بِالْجِهَادِ لِلْكُفَّارِ، وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى «يَبْتَغُونَ» ، وَمَحَلُّ الْجُمْلَتَيْنِ النَّصْبُ عَلَى الْحَالِ، الْأُولَى مُقَارِنَةً، وَالثَّانِيَةُ مُقَدَّرَةً، أَيْ: نَاوِينَ لِذَلِكَ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ حَالًا مُقَارِنَةً لِأَنَّ خُرُوجَهُمْ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ نُصْرَةٌ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، وَالْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: أُولئِكَ إِلَيْهِمْ مِنْ حَيْثُ اتِّصَافِهِمْ بِتِلْكَ الصِّفَاتِ، وَهُوَ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ هُمُ الصَّادِقُونَ أَيِ: الْكَامِلُونَ فِي الصِّدْقِ، الرَّاسِخُونَ فِيهِ. ثُمَّ لَمَّا فَرَغَ مِنْ مَدْحِ الْمُهَاجِرِينَ مَدَحَ الأنصار فقال:

وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ الْمُرَادُ بِالدَّارِ الْمَدِينَةُ، وَهِيَ دَارُ الْهِجْرَةِ، وَمَعْنَى تَبَوُّئِهِمُ الدَّارَ وَالْإِيمَانَ أنهم اتخذوها مباءة، أي: تمكّنوا منهما تَمَكُّنًا شَدِيدًا، وَالتَّبَوُّءُ فِي الْأَصْلِ إِنَّمَا يَكُونُ لِلْمَكَانِ، وَلَكِنَّهُ جَعَلَ الْإِيمَانَ مِثْلَهُ لِتَمَكُّنِهِمْ فِيهِ تَنْزِيلًا لِلْحَالِ مَنْزِلَةَ الْمَحَلِّ، وَقِيلَ: إِنَّ الْإِيمَانَ مَنْصُوبٌ بِفِعْلٍ غَيْرِ الْفِعْلِ الْمَذْكُورِ، وَالتَّقْدِيرُ: وَاعْتَقَدُوا الْإِيمَانَ، أَوْ وَأَخْلَصُوا الْإِيمَانَ، كَذَا قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَلَى حَذْفِ مضاف، أي: تَبَوَّءُوا مُضَمَّنًا لِمَعْنَى لَزِمُوا، وَالتَّقْدِيرُ: لَزِمُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ. وَمَعْنَى «مِنْ قَبْلِهِمْ» : مِنْ قَبْلِ هِجْرَةِ الْمُهَاجِرِينَ، فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ مُضَافٍ لِأَنَّ الْأَنْصَارَ إِنَّمَا آمَنُوا بَعْدَ إِيمَانِ الْمُهَاجِرِينَ، وَالْمَوْصُولُ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ أَحْسَنُوا إِلَى الْمُهَاجِرِينَ وَأَشْرَكُوهُمْ فِي أَمْوَالِهِمْ وَمَسَاكِنِهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً أَيْ: لَا يَجِدُ الْأَنْصَارُ فِي صُدُورِهِمْ حَسَدًا وَغَيْظًا وَحَزَازَةً مِمَّا أُوتُوا أَيْ:

مِمَّا أُوتِيَ الْمُهَاجِرُونَ دُونَهُمْ مِنَ الْفَيْءِ، بَلْ طَابَتْ أَنْفُسُهُمْ بِذَلِكَ، وَفِي الْكَلَامِ مُضَافٌ مَحْذُوفٌ، أَيْ: لَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ مَسَّ حَاجَةٍ أَوْ أَثَرَ حَاجَةٍ، وَكُلُّ مَا يَجِدُهُ الْإِنْسَانُ فِي صَدْرِهِ مِمَّا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ فَهُوَ حَاجَةٌ. وَكَانَ الْمُهَاجِرُونَ فِي دُورِ الْأَنْصَارِ، فَلَمَّا غَنِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَنِي النَّضِيرِ دَعَا الْأَنْصَارَ وَشَكَرَهُمْ فِيمَا صَنَعُوا مَعَ الْمُهَاجِرِينَ مِنْ إِنْزَالِهِمْ إِيَّاهُمْ فِي مَنَازِلِهِمْ، وَإِشْرَاكِهِمْ فِي أَمْوَالِهِمْ، ثُمَّ قَالَ:«إِنْ أَحْبَبْتُمْ قَسَّمْتُ مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنْ بَنِي النَّضِيرِ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ» وَكَانَ الْمُهَاجِرُونَ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ السُّكْنَى فِي مَسَاكِنِكُمْ وَالْمُشَارَكَةِ لَكُمْ فِي أَمْوَالِكُمْ، وَإِنْ أَحْبَبْتُمْ أَعْطَيْتُهُمْ ذَلِكَ وَخَرَجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ، فَرَضُوا بِقِسْمَةِ ذَلِكَ فِي الْمُهَاجِرِينَ وَطَابَتْ أَنْفُسُهُمْ وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ الْإِيثَارُ: تَقْدِيمُ الْغَيْرِ عَلَى النَّفْسِ فِي حُظُوظِ الدُّنْيَا رَغْبَةً فِي حُظُوظِ الْآخِرَةِ، يُقَالُ: آثَرْتُهُ بِكَذَا، أَيْ: خَصَصْتُهُ بِهِ، وَالْمَعْنَى: وَيُقَدِّمُونَ الْمُهَاجِرِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ فِي حُظُوظِ الدُّنْيَا وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ أَيْ: حَاجَةٌ وَفَقْرٌ، وَالْخَصَاصَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ خِصَاصِ الْبَيْتِ، وَهِيَ الْفُرَجُ الَّتِي تَكُونُ فِيهِ، وجملة «ولو كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ» فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ وَقِيلَ: إِنَّ الْخَصَاصَةَ مَأْخُوذَةٌ مِنَ الِاخْتِصَاصِ، وَهُوَ الِانْفِرَادُ بِالْأَمْرِ، فَالْخَصَاصَةُ: الِانْفِرَادُ بِالْحَاجَةِ، وَمِنْهُ قول الشاعر:

أمّا الرّبيع إذا تكون خَصَاصَةً

عَاشَ السَّقِيمُ بِهِ وَأَثْرَى الْمُقْتَرُ

ص: 239

وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ قَرَأَ الْجُمْهُورُ: يُوقَ بِسُكُونِ الْوَاوِ وَتَخْفِيفِ الْقَافِ مِنَ الْوِقَايَةِ. وَقَرَأَ ابْنُ أَبِي عَبْلَةَ وَأَبُو حَيْوَةَ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَتَشْدِيدِ الْقَافِ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: شُحَّ نَفْسِهِ بِضَمِّ الشِّينِ. وَقَرَأَ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ أَبِي عَبْلَةَ بِكَسْرِهَا. وَالشُّحُّ: الْبُخْلُ مَعَ حِرْصٍ، كَذَا فِي الصِّحَاحِ، وَقِيلَ:

الشُّحُّ أَشَدُّ مِنَ الْبُخْلِ. قَالَ مُقَاتِلٌ: شُحُّ نَفْسِهِ: حِرْصُ نَفْسِهِ. قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: شُحُّ النَّفْسِ هُوَ أَخْذُ الْحَرَامِ وَمَنْعُ الزَّكَاةِ. قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: مَنْ لَمْ يَأْخُذْ شَيْئًا نَهَاهُ اللَّهُ عَنْهُ، وَلَمْ يَمْنَعْ شَيْئًا أَمَرَهُ اللَّهُ بِأَدَائِهِ، فقد وقي شحّ نفسه. قال طاوس: البخيل: أَنْ يَبْخَلَ الْإِنْسَانُ بِمَا فِي يَدِهِ، وَالشُّحُّ: أَنْ يَشِحَّ بِمَا فِي أَيْدِي النَّاسِ، يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَا فِي أَيْدِيهِمْ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، لَا يَقْنَعُ. وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: الشُّحُّ: الظُّلْمُ. وَقَالَ اللَّيْثُ:

تَرْكُ الْفَرَائِضِ وَانْتِهَاكُ الْمَحَارِمِ. وَالظَّاهِرُ مِنَ الْآيَةِ أَنَّ الْفَلَاحَ مُتَرَتِّبٌ عَلَى عَدَمِ شُحِّ النَّفْسِ بِشَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءَ الَّتِي يُقَبَّحُ الشُّحُّ بِهَا شَرْعًا مِنْ زَكَاةٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ صِلَةِ رَحِمٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، كَمَا تُفِيدُهُ إِضَافَةُ الشُّحِّ إِلَى النَّفْسِ. وَالْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: فَأُولئِكَ إِلَى مِنْ بِاعْتِبَارِ مَعْنَاهَا، وَهُوَ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَالْفَلَاحُ: الْفَوْزُ وَالظَّفَرُ بِكُلِّ مَطْلُوبٍ. ثُمَّ لَمَّا فَرَغَ سُبْحَانَهُ مِنَ الثَّنَاءِ عَلَى الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، ذَكَرَ مَا يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَهُ مَنْ جَاءَ بَعْدَهُمْ، فَقَالَ: وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهُمُ التَّابِعُونَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يوم القيامة، وقيل: هم الذين هاجروا بعد ما قَوِيَ الْإِسْلَامُ، وَالظَّاهِرُ شُمُولُ الْآيَةِ لِمَنْ جَاءَ بَعْدَ السَّابِقِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ الْمُتَأَخِّرُ إِسْلَامُهُمْ فِي عَصْرِ النُّبُوَّةِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بَعْدَ عَصْرِ النُّبُوَّةِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَى الْكُلِّ أَنَّهُمْ جَاءُوا بَعْدَ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَالْمَوْصُولُ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ: يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ وَيَجُوزُ أَنْ يكون الموصول معطوفا على قوله: وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ، فَيَكُونُ «يَقُولُونَ» فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ، أَوْ مُسْتَأْنَفٌ لَا مَحَلَّ لَهُ، وَالْمُرَادُ بِالْأُخُوَّةِ هُنَا أُخُوَّةُ الدِّينِ، أَمَرَهُمُ اللَّهُ أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِأَنْفُسِهِمْ وَلِمَنْ تَقَدَّمَهُمْ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيْ:

غِشًّا وَبُغْضًا وَحَسَدًا. أَمَرَهُمُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بَعْدَ الِاسْتِغْفَارِ لِلْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ أَنْ يَطْلُبُوا مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ أَنْ يَنْزِعَ مِنْ قُلُوبِهِمُ الْغِلَّ لِلَّذِينَ آمَنُوا عَلَى الْإِطْلَاقِ، فَيَدْخُلَ فِي ذَلِكَ الصَّحَابَةُ دُخُولًا أَوَّلِيًّا لِكَوْنِهِمْ أَشْرَفَ الْمُؤْمِنِينَ، وَلِكَوْنِ السِّيَاقِ فِيهِمْ، فَمَنْ لَمْ يَسْتَغْفِرْ لِلصَّحَابَةِ عَلَى الْعُمُومِ وَيَطْلُبْ رِضْوَانَ اللَّهِ لَهُمْ فَقَدْ خَالَفَ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، فَإِنْ وَجَدَ فِي قَلْبِهِ غِلًّا لَهُمْ فَقَدْ أَصَابَهُ نَزْغٌ مِنَ الشَّيْطَانِ، وَحَلَّ بِهِ نَصِيبٌ وَافِرٌ مِنْ عِصْيَانِ اللَّهِ بِعَدَاوَةِ أَوْلِيَائِهِ وَخَيْرِ أُمَّةِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم، وَانْفَتَحَ لَهُ بَابٌ مِنَ الْخِذْلَانِ يَفِدُ بِهِ عَلَى نَارِ جَهَنَّمَ إِنْ لَمْ يَتَدَارَكْ نَفْسَهُ باللجوء إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَالِاسْتِغَاثَةِ بِهِ بِأَنْ يَنْزِعَ عَنْ قَلْبِهِ مَا طَرَقَهُ مِنَ الْغِلِّ لِخَيْرِ الْقُرُونِ وَأَشْرَفِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، فَإِنْ جَاوَزَ مَا يَجِدُهُ مِنَ الْغِلِّ إِلَى شَتْمِ أَحَدٍ مِنْهُمْ، فَقَدِ انْقَادَ لِلشَّيْطَانِ بِزِمَامٍ وَوَقَعَ فِي غَضَبِ اللَّهِ وَسُخْطِهِ، وَهَذَا الدَّاءُ الْعُضَالُ إِنَّمَا يُصَابُ بِهِ مَنِ ابْتُلِيَ بِمُعَلِّمٍ مِنَ الرَّافِضَةِ، أَوْ صَاحِبٍ مِنْ أَعْدَاءِ خَيْرِ الْأُمَّةِ الَّذِينَ تَلَاعَبَ بِهِمُ الشَّيْطَانُ، وَزَيَّنَ لَهُمُ الْأَكَاذِيبَ الْمُخْتَلِفَةَ وَالْأَقَاصِيصَ الْمُفْتَرَاةَ وَالْخُرَافَاتِ الْمَوْضُوعَةَ، وَصَرَفَهُمْ عَنْ كِتَابِ اللَّهِ الَّذِي لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ، وَعَنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَنْقُولَةِ إِلَيْنَا بِرِوَايَاتِ الْأَئِمَّةِ الْأَكَابِرِ فِي كُلِّ عَصْرٍ مِنَ الْعُصُورِ، فَاشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى، وَاسْتَبْدَلُوا الْخُسْرَانَ الْعَظِيمَ بِالرِّبْحِ الوافر، وما

ص: 240

زَالَ الشَّيْطَانُ الرَّجِيمُ يَنْقُلُهُمْ مِنْ مَنْزِلَةٍ إِلَى مَنْزِلَةٍ، وَمِنْ رُتْبَةٍ إِلَى رُتْبَةٍ، حَتَّى صَارُوا أَعْدَاءَ كِتَابِ اللَّهِ، وَسُنَّةِ رَسُولِهِ، وَخَيْرِ أُمَّتِهِ، وَصَالِحِي عِبَادِهِ، وَسَائِرِ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَهْمَلُوا فَرَائِضَ اللَّهِ، وَهَجَرُوا شَعَائِرَ الدِّينِ، وَسَعَوْا فِي كَيْدِ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ كُلَّ السَّعْيِ، وَرَمَوُا الدِّينَ وَأَهْلَهُ بِكُلِّ حَجَرٍ وَمَدَرٍ، وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ أي: كثير الرأفة والرحمة، بلّغهما لِمَنْ يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ مِنْ عِبَادِكَ.

وَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ: أُوصِي الْخَلِيفَةَ بَعْدِي بِالْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ أَنْ يَعْرِفَ لَهُمْ حَقَّهُمْ، وَيَحْفَظَ لَهُمْ حُرْمَتَهُمْ، وَأُوصِيهِ بِالْأَنْصَارِ الَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَنْ يقبل من محسنهم ويتجاوز من مسيئهم. وأخرج البخاري ومسلم وغير هما عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: أَتَى رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:

يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ أَصَابَنِي الْجَهْدُ، فَأَرْسَلَ إِلَى نِسَائِهِ فَلَمْ يَجِدْ عِنْدَهُنَّ شَيْئًا فَقَالَ: أَلَا رَجُلٌ يضيف هذه اللَّيْلَةَ رحمه الله، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَفِي رِوَايَةٍ فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيُّ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَذَهَبَ بِهِ إِلَى أَهْلِهِ، فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَكْرِمِي ضَيْفَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا تَدَّخِرِيهِ شَيْئًا، قَالَتْ: وَاللَّهِ مَا عِنْدِي إِلَّا قُوتُ الصِّبْيَةِ، قَالَ: فَإِذَا أَرَادَ الصِّبْيَةُ الْعَشَاءَ فَنَوِّمِيهِمْ وَتَعَالَيْ فَأَطْفِئِي السراج ونطوي بطوننا الليل لِضَيْفِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَفَعَلَتْ، ثُمَّ غَدَا الضَّيْفُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:«لَقَدْ عَجِبَ اللَّهُ اللَّيْلَةَ مِنْ فُلَانٍ وَفُلَانَةٍ» ، وَأَنْزَلَ فِيهِمَا:

وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ. وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: أُهْدِيَ إِلَى رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَأْسُ شَاةٍ فَقَالَ: إِنَّ أَخِي فُلَانًا وَعِيَالَهُ أَحْوَجُ إِلَى هَذَا مِنَّا، فَبَعَثَ بِهِ إِلَيْهِ، فَلَمْ يَزَلْ يَبْعَثُ بِهِ وَاحِدٌ إِلَى آخَرَ حَتَّى تَدَاوَلَهَا أَهْلُ سَبْعَةِ أَبْيَاتٍ حَتَّى رَجَعَتْ إِلَى الْأَوَّلِ، فَنَزَلَتْ فِيهِمْ وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ. وَأَخْرَجَ الْفِرْيَابِيُّ وسعيد ابن مَنْصُورٍ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالطَّبَرَانِيُّ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: إِنِّي أَخَافُ أَنْ أَكُونَ قَدْ هَلَكْتُ، قَالَ:

وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ اللَّهَ يَقُولُ: وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَأَنَا رَجُلٌ شَحِيحٌ لَا يَكَادُ يَخْرُجُ مِنِّي شيء، فقال له ابن مسعود: ليس ذاك بِالشُّحِّ، وَلَكِنَّهُ الْبُخْلُ، وَلَا خَيْرَ فِي الْبُخْلِ. وَإِنَّ الشُّحَّ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ أَنْ تَأْكُلَ مَالَ أَخِيكَ ظُلْمًا. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ فِي الْآيَةِ قَالَ: لَيْسَ الشُّحُّ أَنْ يَمْنَعَ الرَّجُلُ مَالَهُ، وَلَكِنَّهُ الْبُخْلُ وَإِنَّهُ لَشَرٌّ، إِنَّمَا الشُّحُّ أَنْ تَطْمَحَ عَيْنُ الرَّجُلِ إِلَى مَا لَيْسَ لَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: مَنْ أَدَّى زَكَاةَ مَالِهِ فَقَدْ وُقِيَ شُحَّ نَفْسِهِ. وَأَخْرَجَ الْحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو يَعْلَى وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا مَحَقَ الْإِسْلَامَ مَحْقَ الشُّحِّ شَيْءٌ قَطُّ» . وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ، وَالْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ، وَمُسْلِمٌ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«اتَّقُوا الظُّلْمَ فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَاتَّقُوا الشُّحَّ فَإِنَّ الشُّحَّ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، حَمَلَهُمْ عَلَى أَنْ سَفَكُوا دِمَاءَهُمْ، وَاسْتَحَلُّوا مَحَارِمَهُمْ» . وَقَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي ذَمِّ الشُّحِّ.

وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: النَّاسُ عَلَى ثَلَاثِ مَنَازِلَ، قَدْ مَضَتْ مَنْزِلَتَانِ وَبَقِيَتْ مَنْزِلَةٌ، فَأَحْسَنُ مَا أَنْتُمْ كَائِنُونَ عَلَيْهِ أَنْ تَكُونُوا بِهَذِهِ المنزلة التي بقيت، ثم قرأ:

ص: 241