الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فأُعْجِبَت المرأه بالخاتم فسأل الرجل عن قيمته.
فقال صاحب المحل: إنها تبلغ خمسة وعشرين ألف.
فظهر السرور على وجه المرأة والرجل.
فقال الرجل إنه سوف يحضر المبلغ حالاً.
فذهب خارج المحل وغاب للحظات وقدم حاملاً كيس يحتوي على المبلغ وقام بدفعه وخرجا مسرعين.
وعندما دخلا إلى السيارة قالت المرأة: حمداً لله تخلصنا من المال المزور لقد ساعدنا التظاهر بأننا أثرياء.
وفي داخل المحل قال صاحبه لنفسه حمداً لله لقد تخلصت من الخاتم المزيف.
باب التحذير من الغفلةِ المُهْلِكة:
[*] • عناصر الباب:
•
حقيقة الغفلة:
• أما آن لك أن تنتبه من غفلتك:
وهاك تفصيل ذلك في إيجازٍ غيرِ مُخِّل:
• حقيقة الغفلة:
يقول الله تعالى: اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مَّعْرِضُونَ [الأنبياء:1]. والذي يتأمل أحوال الناس في هذا الزمن يرى تطابق الآية تماماً مع واقع كثير منهم وذلك من خلال ما يرى من كثرة إعراضهم عن منهج الله وغفلتهم عن الآخرة وعن ما خلقوا من أجله، وكأنهم لم يخلقوا للعبادة، وإنما خلقوا للدنيا وشهواتها، فإنهم إن فكروا فللدنيا وإن أحبوا فللدنيا، وإن عملوا فللدنيا، فيها يتخاصمون ومن أجلها يتقاتلون وبسببها يتهاونون أو يتركون كثيرأ من أوامر ربهم، حتى أن بعضهم مستعد أن يترك الصلاة أو يؤخرها عن وقتها من أجل اجتماع عمل أو من أجل مباراة أو موعد مهم ونحو ذلك!! كل شيء في حياتهم له مكان! للوظيفة مكان، للرياضة مكان، للتجارة مكان للرحلات مكان، للأفلام والمسلسلات وللأغاني مكان، للنوم مكان، للأكل والشرب مكان، كل شيء له مكان إلا القرآن وأوامر الدين، فهم لا يعرفون من الإسلام إلا اسْمُه ولا من المصحفِ إلا رَسْمُه، تجد الواحد منهم ما أعقله وأذكاه في أمور دنياه، لكن هذا العاقل المسكين لم يستفد من عقله فيما ينفعه في أُخراه، ولم يقدة عقله إلى أبسط أمر وهو طريق الهداية والاستقامة على دين الله الذي فيه سعادته في الدنيا والآخرة، وهذا هو والله غاية الغبن والحرمان يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ [الروم:7]
من يرى أحوالهم وما هم عليه من شدة جرأتهم على ارتكاب المعاصي وتهاونهم بها يقول: إن هؤلاء إما أنهم لم يصدقوا بالنار، أو أن النار قد خلقت لغيرهم، نسوا الحساب والعقاب وتعاموا عن ما أمامهم من أهوال وصعاب لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ [الحجر:72]. انشغلوا براحة أبدانهم وسعادتها في الدنيا الفانية وأهملوا سعادتها وراحتها في الأخرى الباقية.
يا متعب الجسم كم تسعى لراحته
…
أتعبت جسمك فيما فيه خسران؟!
أقبل على الروح واستكمل فضائلها
…
فأنت بالروح لا بالجسم إنسان
ما أحرصهم على أموالهم وما أحرصهم على وظائفهم، وصحتهم، لكن أمور دينهم والتفقه فيها وتطبيقها والتقيد بها فهي آخر ما يفكرون فيه إن هم فكروا.
أوقاتهم ضائعة بلا فائدة، بل إن أغلبها قد تضيع في المحرمات وإضاعة الواجبات يبحثون بزعمهم عن الراحة والسعادة، وهم بعملهم هذا لن يجدوا إلا الشقاء والتعاسة، شعروا بذلك أم لم يشعروا لقوله تعالى: وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى [طه: 124]، حتى أصبح حال الكثيرين من هؤلاء كما قال الشاعر:
نهارك يا مغرور سهو وغفلة
…
وليلك نوم والردى لك لازم
وشغلك فيما سوف تكره غبه
…
كذلك في الدنيا تعيش البهائم
ولقد مات عند الكثير من هؤلاء الشعور بالذنب، ومات عندهم الشعور بالتقصير، حتى ظن الكثير منهم أنه على خير عظيم، بل ربما لم يرد على خاطره أنه مقصر في أمور دينه، فبمجرد قيامه بأصول الدين ومحافظته على الصلوات ظن في نفسه خيرأ عظيماً، وأنه بذلك قد حاز الإسلام كله وأن الجنة تنتظره في نهاية المطاف، ونسي هذا المسكين مئات بل آلاف الذنوب والمعاصي التي يرتكبها صباحاً ومساءً من غيبة أو بهتان أو نظرة إلى الحرام أو شرب لحرام أو حلق لحية أو إسبال ثوب أو غير ذلك من المعاصي والمخالفات التي يستهين بها ولا يلقي لها بالاً ويظن أنها لا تضره شيئاً وهي التي قد تكون سبباً لهلاكه وخسارته في الدنيا والآخرة وهو لا يشعر وتأمل في الحديث الآتي بعين البصيرة وأمْعِنِ النظر فيه واجعل له من سمعك مسمعا وفي قلبك موقِعاً عسى الله أن ينفعك بما فيه من غرر الفوائد، ودرر الفرائد.
(حديث عائشة رضي الله عنها الثابت في السلسلة الصحيحة) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا عائشة! إياك ومحقرات الذنوب؛ فإن لها من الله طالبا.
(حديث سهل بن سعد رضي الله عنه الثابت في صحيح الجامع) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إياكم و محقرات الذنوب فإنما مثل محقرات الذنوب كمثل قوم نزلوا بطن واد فجاء ذا بعود و جاء ذا بعود حتى حملوا ما أنضجوا به خبزهم و إن محقرات الذنوب متى يؤخذ بها صاحبها تهلكه.
[*] قال الإمام المناوي رحمه الله تعالى في فيض القدير:
(إياكم ومحقرات الذنوب) أي صغائرها لأن صغارها أسباب تؤدي إلى ارتكاب كبارها كما أن صغار الطاعات أسباب مؤدّية إلى تحري كبارها قال الغزالي: صغائر المعاصي يجر بعضها إلى بعض حتى تفوت أهل السعادة بهدم أصل الإيمان عند الخاتمة اهـ. وإن اللّه يعذب من شاء على الصغير ويغفر لمن شاء الكبير ثم إنه ضرب لذلك مثلاً زيادة في التوضيح فقال:
(فإنما مثل محقرات الذنوب كمثل قوم نزلوا بطن واد فجاء ذا بعود وجاء ذا بعود حتى حملوا ما أنضجوا به خبزهم وإن محقرات الذنوب متى يؤخذ بها صاحبها تهلكه) يعني أن الصغائر إذا اجتمعت ولم تكفر أهلكت ولم يذكر الكبائر لندرة وقوعها من الصدر الأول وشدة تحرزهم عنها فأنذرهم مما قد لا يكترثون به وقال الغزالي: تصير الصغيرة [ص 128] كبيرة بأسباب منها الاستصغار والإصرار فإن الذنب كلما استعظمه العبد صغر عند اللّه وكلما استصغره عظم عند اللّه لأن استعظامه يصدر عن نفور القلب منه وكراهته له وذلك النفور يمنع من شدة تأثيره به واستصغاره يصدر عن الألفة به وذلك يوجب شدة الأثر في القلب المطلوب تنويره بالطاعة والمحذور تسويده بالخطيئة وقال الحكيم: إذا استخف بالمحقرات دخل التخلط في إيمانه وذهب الوقار وانتقص من كل شيء بمنزلة الشمس ينكسف طرف منها فبقدر ما انكسف ولو كرأس إبرة ينقص من شعاعها وإشراقها على أهل الدنيا وخلص النقصان إلى كل شيء في الأرض فكذا نور المعرفة ينقص بالذنب على قدره فيصير قلبه محجوباً عن اللّه فزوال الدنيا بكليتها أهون من ذلك فلا يزال ينقص ويتراكم نقصانه وهو أبله لا ينتبه لذلك حتى يستوجب الحرمان.
هذا عن محقرات الذنوب، ناهيك عن ما يرتكبه البعض من كبائر وموبقات من ربا وزنا ورشوة وعقوق ونحو ذلك .. وإن المرء ليعجب والله أشد العجب! ألم يمل أولئك هذه الحياة؟ ألم يسألوا أنفسهم؟ ثم ماذا في النهاية؟ ماذا بعد كل هذه الشهوات والملذات؟ ماذا بعد هذا اللهو والعبث؟ ماذا بعد هذه الحياة التافهة المملوءة بالمعاصي والمخالفات؟ هل غفل أولئك عما وراء ذلك .. هل غفلوا عن الموت والحساب والقبر والصراط، والنار والعذاب، أهوال وأهوال وأمور تشيب منها مفارق الولدان، ذهبت اللذات وبقيت التبعات، وانقضت الشهوات وأورثت الحسرات، متاع قليل ثم عذاب أليم وصراخ وعويل في دركات الجحيم، فهل من عاقل يعتبر ويتدبر ويعمل لما خلق له ويستعد لما أمامه، أما اعتبرت بمن رحل أما وعظتك العبر أما كان لك سمعٌ ولا بصر.
تا الله لو عاش الفتى في عمره
…
ألفاً من الأعوام مالك أمره
متلذذاً فيها بكل نعيم
…
متنعماً فيها بنعمى عصره
ما كان ذلك كله في أن يفي
…
بمبيت أول ليلة في قبره
إن مثل هؤلاء المساكين الغافلين السادرين في غيّهم قد أغلقت الحضارات الحديثة أعينهم وألهتهم الحياة الدنيا عن حقائقهم ومآلهم، ولكنهم سوف يندمون أشد الندم إذا استمروا في غيهم ولهوهم وعنادهم ولم يفيقوا من غفلتهم وسباتهم ويتوبوا إلى ربهم. يقول تعالى عن مثل هؤلاء: ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ [الحجر:3].
أي دعهم يعيشوا كالأنعام ولا يهتمون إلا بالطعام والشراب واللباس والشهوات!؟. ألم يأن لكل مسلم أن يعلم حقيقة الحياة والغاية التي من أجلها خلق؟
أما والله لو علم الأنام
…
لما خلقوا لما غفلوا وناموا
لقد خلقوا لما لو أبصرته
…
عيون قلوبهم تاهوا وهاموا
ممات ثم قبر ثم حشر
…
وتوبيخ وأهوال عظام
مسألة: ما هو التفسير الشرعي للغفلة عن التذكرة والسعي على جادة الهوى؟
[*] • قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله تعالى في كتابه المواعظ:
الغفلة عن التذكرة والسعي على جادة الهوى غشي على القلب وران عليه، فإذا هم بخطيئة أو قاربها اقتلب مراعاة الحق إليه: خذ مراعاته بحق الحق قبل ذلك كما قال تعالى: (فَلَوْلَا أَنّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَىَ يَوْمِ يُبْعَثُونَ)[الصافات 143: 144]
وقال (وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً)[الكهف: 82] وكما في الحديث الآتي: