الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(حديث العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أنه قال يا رسول الله هل نفعت أبا طالب بشيء فإنه كان يحوطك ويغضب لك قال نعم هو في ضحضاح من نار ولولا ذلك كان في الدرك الأسفل من النار.
(حديث ابن عباس رضي الله عنهما الثابت في صحيح مسلم) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أهون أهل النار عذابا أبو طالب وهو منتعل بنعلين يغلي منهما دماغه.
•
أنواع عذاب أهل النار:
يوجد للمعذبين في النار أصناف متعددة من العذاب منها ما يلي:
• تبديل جلودهم كلما نضجت:
قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا العَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزاً حَكِيماً){النساء:56} .
يُخْبِرُ اللهُ تَعَالَى: بِأَنَّهُ سَيُعَاقِبُ الكَافِرِينَ بِآيَاتِ اللهِ وَبِرُسُلِهِ، بِإِحْرَاقِهِمْ فِي نَارِ جَهَنَّمَ، وَكُلَّمَا احْتَرَقَتْ جُلُودُهُمْ أَبْدَلَهُمْ غَيْرَها لِيَسْتَمِرُّوا فِي تَحَسُّسِ العَذَابِ وَآلامِهِ، وَاللهُ عَزِيزٌ لَا يَتَحَدَّاهُ أَحَدٌ، حَكِيمٌ فِي تَصَرُّفِهِ، يَعْرِفُ مَنْ هُوَ أَهْلٌ لِلْعُقُوبَةِ فَيُعَاقِبُهُ، وَمَنْ هُوَ أَهْلٌ لِلْثَّوَابِ فَيُثِيبُهُ.
قال الحسن: تأكلهم النار كل يوم ٍسبعين ألف مرةٍ ، كلما أكلتهم قيل لهم: عودوا، فيعودون كما كانوا. (1)
• من عذاب أهل النار الصهر:
ومن أنواع عذابهم الصهر قال تعالى: (هََذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُواْ فِي رَبّهِمْ فَالّذِينَ كَفَرُواْ قُطّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مّن نّارِ يُصَبّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ * يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ * وَلَهُمْ مّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ)[الحج 19 - 21]
[*] • قال مجاهد رحمه الله تعالى: (يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ) يذاب به إذابة.
[*] • وقال عطاء الخراساني رحمه الله تعالى: يذاب به ما في بطونهم كما يذاب الشحم.
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح الترغيب والترهيب) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الحميم ليصب على رؤوسهم فينفذ الحميم حتى يخلص إلى جوفه فيسلت ما في جوفه حتى يمرق من قدميه وهو الصهر ثم يعاد كما كان.
(1) - البعث والنشور للبيهقي (564) والزهد لأسد بن موسى (37) صحيح مقطوع
• يضربون بمطارق من حديد:
يضربون بمطارق من حديد، فتتفتت أبدانهم، ثم يعودون، قال تعالى:(وَلَهُم مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ){الحج:21} .
• ومن عذاب أهل النار أن السلاسل والأغلال والأنكال:
قال تعالى {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلاسِلا وَأَغْلالاً وَسَعِيرًا} [الإنسان 4]، وقال تعالى:{وَجَعَلْنَا الأَغْلالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا} [سبأ 33]، وقال تعالى:{إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالاً وَجَحِيمًا * وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا} [المزمل 12 - 13]. فهذه ثلاثة أنواع من العذاب: أحدها الأغلال وهي في الأعناق، الثاني الأنكال وهي القيود، الثالث السلاسل. قال الله تعالى {ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ} [الحاقة 32] تدخل السلسلة من دبره حتى تخرج من فمه كما ينظم الدجاج في الحديد ليشوى.
• ومن عذاب أهل النار أنها تلفح وجوه الكافرين:
قال الله تعالى {تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ} [المؤمنون 104].
[*] قال الإمام ابن كثير رحمه الله في تفسيره:
{تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ} ، كما قال تعالى:{وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ} [إبراهيم: 50]، وقال {لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ} [الأنبياء: 39].
وقوله: {وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ} قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: يعني عابسون.
وقال الثوري، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله بن مسعود:{وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ} قال: ألم تر إلى الرأس المُشَيَّط الذي قد بدا أسنانه وقَلَصت شفتاه. انتهى.
• ومن عذاب أهل النار أن النار تأكله النار إلى فؤاده:
قال تعالى: (كَلاّ لَيُنبَذَنّ فِي الْحُطَمَةِ * وَمَآ أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ * نَارُ اللّهِ الْمُوقَدَةُ الّتِي تَطّلِعُ عَلَى الأفْئِدَةِ)[الهمزة عند 4، 7]
[*] • أورد ابن رجب رحمه الله تعالى في كتابه التخويف من النار عن محمد بن كعب القرضي قال في قوله (تَطّلِعُ عَلَى الأفْئِدَةِ) قال تأكله النار إلى فؤاده فإذا بلغت فؤاده أنشئ خلقه.
[*] • أورد ابن رجب رحمه الله تعالى في كتابه التخويف من النار عن ثابت البناني أنه قرأ هذه الآية ثم قال تحرقهم إلى الأفئدة وهم أحياء لقد بلغ منهم العذاب ثم يبكي وقال الله عز وجل (وَمَآ أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ * لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ * لَوّاحَةٌ لّلْبَشَرِ)[المدثر 27: 29]
• ومن عذاب أهل النار أن النار لا تبقي ولا تذر:
قال تعالى: (وَمَآ أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ * لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ * لَوّاحَةٌ لّلْبَشَرِ)[المدثر 27: 29]
[*] • أورد ابن رجب رحمه الله تعالى في كتابه التخويف من النار عن ابن بريدة في قوله لا تبقي ولا تذر قال تأكل العظم واللحم والمخ ولا تذره على ذلك.
[*] • وقال السدي رحمه الله تعالى: لا تبقي من جلودهم شيئا ولا تذرهم من العذاب.
[*] • وقال أبو رزين رحمه الله تعالى: في قوله (لَوّاحَةٌ لّلْبَشَرِ) قال تلفح وجهه لفحة تدعه أشد سوادا من الليل.
[*] • قال قتادة رحمه الله تعالى: (لَوّاحَةٌ لّلْبَشَرِ) حراقة للجلد.
• ومن عذاب أهل النار أن النار تنزع الجلد و تنزع اللحم ما دون العظم:
قال تعالى: (كَلاّ إِنّهَا لَظَىَ * نَزّاعَةً لّلشّوَىَ)[المعارج 15، 16]
[*] • قال مجاهد رحمه الله تعالى: في قوله (نَزّاعَةً لّلشّوَىَ) تنزع الجلد وعنه قال تنزع اللحم ما دون العظم.
• ومن عذاب أهل النار سحبهم على وجوههم:
قال تعالى: (إِنّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ * يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النّارِ عَلَىَ وُجُوهِهِمْ ذُوقُواْ مَسّ سَقَرَ)[القمر 47، 48]
و قال تعالى: (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ * إِذِ الأغْلَالُ فِيَ أَعْنَاقِهِمْ والسّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ * فِي الْحَمِيمِ ثُمّ فِي النّارِ يُسْجَرُونَ)[غافر 70 - 72]
[*] • قال قتادة رحمه الله تعالى: يسحبون في النار مرة وفي الحميم مرة.
فيسحب على وجهه في النار فينتثر لحمه وعظامه ومخه.
[*] • قال ابن عباس رضي الله عنهما: [يسحبون في الحميم][غافر 71، 72] قال ينسلخ كل شيء عليه من جلد ولحم وعروق وأعصاب حتى يصير في عقبيه جسد من لحمه مثل طوله وطوله ستون ذراعا ثم يكسى جلدا آخر ثم يسجر في الحميم.
• ومن أهل النار من يعذب بالصعود إلى أعلى النار ثم يهوي فيها:
ومنهم من يعذبُ بالصعود إلى أعلى النار، ثم يهوي فيها، قال تعالى:(سَأُرْهِقُهُ صَعُودا){المدثر:17} .
سُنُنْزِلُ بِهِ عَذَاباً شَاقّاً، يُرهِقُهُ وَلَا يُطِيقُهُ، فَيَكُونُ حَالُهُ حَالَ مَنْ يُكَلَّفُ صُعُودَ جَبَلٍ وَعْرٍ شَائِكٍ. وَقِيلَ إِنَّهُ سَيُكَلِّفُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ صُعُودَ جَبَلٍ مِنْ نَارٍ فِي جَهَنَّمَ.
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من تردَّى من جبل فقتل نفسه، فهو في نار جهنم يتردَّى فيه خالداً مخلَّداً فيها أبداً، ومن تحسَّى سماً فقتل نفسه، فسمه في يده يتحسَّاه في نار جهنم خالداً مخلَّداً فيها أبداً، ومن قتل نفسه بحديدة، فحديدته في يده يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلَّداً فيها أبداً).
• ومن أهل النار من يدور في النار ويجر أمعاءه معه:
(حديث أسامة في الصحيحين) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يؤتى بالعالم يوم القيامة فيُلقى في النار فتندلق أقتابه فيدور حولها كما يدور الحمار حول الرحى فيجتمع إليه أهل النار فيقولون يا فلان ويحك ما لك كنت تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر فيقول كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه وأنهاكم عن المنكر وآتيه.
• ومن أهل النار من يلقى في مكان ضيق لا يتمكن فيه من الحركة:
ومنهم من يلقى في مكان ضيق لا يتمكن فيه من الحركة الضيقة قال تعالى: (وَإَذَآ أُلْقُواْ مِنْهَا مَكَاناً ضَيّقاً مّقَرّنِينَ دَعَوْاْ هُنَالِكَ ثُبُوراً)[الفرقان: 13]
[*] قال الإمام ابن كثير رحمه الله في تفسيره:
وقوله: {وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا} قال قتادة، عن أبي أيوب، عن عبد الله بن عمرو قال: مثل الزج في الرمح أي: من ضيقه.
وقال عبد الله بن وهب: أخبرني نافع بن يزيد، عن يحيى بن أبي أسيد -يرفع الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم -أنه سئل عن قول الله {وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ} قال:"والذي نفسي بيده، إنهم ليُسْتَكرهون في النار، كما يستكره الوتد في الحائط".
وقوله {مُقَرَّنِينَ} قال أبو صالح: يعني مكتفين: {دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا} أي: بالويل والحسرة والخيبة. انتهى.
قال كعب إن في جهنم تنانير ضيقها كضيق زج رمح أحدكم ثم يطبق على أناس بأعمالهم.
• ومن أهل النار من يجعل في توابيت من نار:
[*] • أورد ابن رجب رحمه الله تعالى في كتابه التخويف من النار عن ابن مسعود قال إذا بقي في النار من يخلد فيها جعلوا في توابيت من نار فيها مسامير من نار ثم جعلت تلك التوابيت في توابيت من نار ثم قذفوا في نار الجحيم فيرون أنه لا يعذب في النار غيرهم ثم تلا ابن مسعود (لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ)[الأنبياء: 100]
[*] • أورد ابن رجب رحمه الله تعالى في كتابه التخويف من النار عن سويد بن غفلة قال: إذا أراد الله أن ينسى أهل النار جعل للرجل صندوقا على قدره من النار ولا ينبض عرق إلا فيه مسمار من نار ثم تضرم بينهما نار ثم بقفل من نار ثم يجعل ذلك الصندوق في صندوق من نار ثم تضرم بينهما نار ثم يقفل ثم يطرح أو يلقى في النار فذلك قوله تعالى (لَهُمْ مّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مّنَ النّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ)[الزمر: 16] وقوله تعالى (لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ)[الأنبياء: 100] قال فما يرى أن في النار أحدا غيره.
• ومن عذاب أهل النار أنه يأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت:
قال تعالى: (وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِن كُلّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيّتٍ وَمِن وَرَآئِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ)[إبراهيم: 17]
[*] قال الإمام ابن كثير رحمه الله في تفسيره:
{وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ} أي: يألم له جميع بدنه وجوارحه وأعضائه.
قال ميمون بن مِهْرَان: من كل عظم، وعرق، وعصب.
وقال عكرمة: حتى من أطراف شعره.
وقال إبراهيم التيمي: من موضع كل شعرة، أي: من جسده، حتى من أطراف شعره.
وقال ابن جرير: {وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ} أي: من أمامه وورائه، وعن يمينه وشماله، ومن فوقه ومن تحت أرجله ومن سائر أعضاء جسده.
وقال الضحاك، عن ابن عباس:{وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ} قال: أنواع العذاب الذي يعذبه الله بها يوم القيامة في نار جهنم، «وليس منها نوع إلا الموت يأتيه منه لو كان يموت، ولكن لا يموت» ؛ لأن الله تعالى قال: {لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا [كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ]} [فاطر: 36].
- ومعنى كلام ابن عباس رضي الله عنهما: أنه ما من نوع من هذه الأنواع من هذا العذاب إلا إذا ورد عليه اقتضى أن يموت منه لو كان يموت، ولكنه لا يموت ليخلد في دوام العذاب والنكال؛ ولهذا قال:{وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ}
وقوله: {وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ} أي: وله من بعد هذا الحال عذاب آخر غليظ، أي: مؤلم صعب شديد أغلظ من الذي قبله وأدهى وأمر. وهذا كما قال تعالى عن شجرة الزقوم: {إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ فَإِنَّهُمْ لآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لإلَى الْجَحِيمِ} [الصافات: 64 - 68] انتهى.
• ولأهل النار أنواع من العذاب لم يطلع الله عليها خلقه في الدنيا:
[*] • أورد ابن رجب رحمه الله تعالى في كتابه التخويف من النار عن الحسن قال: ذَكَرَ الله السلاسل والأغلال والنار وما يكون في الدنيا ثم قرأ (وَآخَرُ مِن شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ)[ص: 58] قال آخر لا ترى في الدنيا.
[*] • أورد ابن رجب رحمه الله تعالى في كتابه التخويف من النار عن ابن عباس في قوله تعالى (زِدْنَاهُمْ عَذَاباً فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يُفْسِدُونَ)[النحل: 88] قال هي خمسة أنهار تحت العرش يعذبون ببعضها في الليل وبعضها في النار.
• عذاب الكفار في النار متواصل أبدا لا يفتر عنهم ولا ينقطع ولا يُخَفَف.
تأمل أخي الكريم حال أولئك التعساء وهم يتقلبون في أنواع العذاب ويعانون في جهنم ما لا تطيقه الجبال، وما يفتت ذكره الأكباد ولا تسأل عما يعانونه من ثقل السلاسل والأغلال.
قال تعالى: (إِنّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنّمَ خَالِدُونَ * لَا يُفَتّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ)[الزخرف 74: 75]
و قال تعالى: (وَالّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ نَارُ جَهَنّمَ لَا يُقْضَىَ عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُواْ وَلَا يُخَفّفُ عَنْهُمْ مّنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلّ كَفُورٍ)[فاطر: 36]
و قال تعالى: (فَلَا يُخَفّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ)[البقرة: 86]
و قال تعالى: (وَقَالَ الّذِينَ فِي النّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنّمَ ادْعُواْ رَبّكُمْ يُخَفّفْ عَنّا يَوْماً مّنَ الْعَذَابِ * قَالُوَاْ أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيّنَاتِ قَالُواْ بَلَىَ قَالُواْ فَادْعُواْ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلاّ فِي ضَلَالٍ)[غافر 49، 50]
[*] • أورد ابن رجب رحمه الله تعالى في كتابه التخويف من النار عن اسحاق بن ابراهيم لأنه قال على منبر دمشق لا يأتي على صاحب الجنة ساعة إلا وهو يزداد ضعفا من النعيم لم يكن يعرفه ولا يأتي على صاحب النار ساعة إلا وهو مستنكر لنوع من العذاب لم يكن يعرفه قال الله عز وجل قال تعالى: (فَذُوقُواْ فَلَن نّزِيدَكُمْ إِلاّ عَذَاباً)[النبأ: 30]
[*] • أورد ابن رجب رحمه الله تعالى في كتابه التخويف من النار عن الحسن قال: سألت أبا برزة عن أشد آية في كتاب الله على أهل النار قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قرأ (فَذُوقُواْ فَلَن نّزِيدَكُمْ إِلاّ عَذَاباً)[النبأ: 30] فقال أهلك القوم بمعاصيهم لله تعالى.
أرأيت أخي حال أهل النار وما هم فيه من الشقاء، فتصور نفسك لو كنت منهم - نسأل الله أن لا تكون منهم - تصور نفسك عندما يؤمر بك إلى جهنم عندما تنظر إلى الصراط ودقته وهوله وعظيم خطره وأنت تنظر إلى الزالين والزلات من بين يديك ومن خلفك وقد تنكست هاماتهم وارتفعت على الصراط أرجلهم وثارت إليهم النار بطلبتها، وهم بالويل ينادون وبينما أنت تنظر إليهم مرعوباً خائفاً أن تتبعهم لم تشعر إلا وقد زلت قدمك عن الصراط فطار عقلك ثم زلت الأخرى فتنكست هامتك، فلم تشعر إلا والكلوب قد دخل في جلدك ولحمك، فجذبت به وبادرت إليك النار ثائرة غضبانة لغضب ربها، فهي تجذبك وأنت تنادي ويلي ويلي حتى إذا صرت في جوفها التحمت عليك بحريقها فتورمت في أول ما ألقيت فيها، ثم لم تلبث أن تقطر بدنك وتساقط لحمك، وتكسرت عظامك، وأنت تنادي ولا تُرحم وتتمنى أن تعود لتتوب فلا يجاب نداؤك.
فتصور نفسك وقد طال فيها مكثك، فبلغت غاية الكرب، واشتد بك العطش فذكرت الشراب في الدنيا ففزعت إلى الحميم فتناولت الإناء من يد الخازن الموكل بعذابك فلما أخذته نشت كفك من تحته، وتفسخت لحرارته، ثم قربته إلى فيك فشوى وجهك، ثم تجرعته فسلخ حلقك ثم وصل إلى جوفك فقطع أمعاءك، فناديت بالويل والثبور وذكرت شراب الدنيا وبرده ولذته وتحسرت عليه، ثم آلمك الحريق فبادرت إلى حياض الحميم لتبرد فيها كما تعودت في الدنيا الاغتسال والانغماس في الماء إذا اشتد عليك الحر، فلما انغمست في الحميم تسلخ لحمك، من رأسك إلى قدميك، فبادرت إلى النار رجاء أن تكون هي أهون عليك ثم اشتد عليك حريق النار فرجعت إلى الحميم فأنت هكذا تطوف بينها وبين حميم آن وذلك مصداقاً لقول مولاك جل وعلا: يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ [الرحمن:44]. فتطلب الراحة بين الحميم وبين النار، فلا راحة ولا سكون أبداً.
فلما اشتد بك الكرب والعطش وبلغ منك المجهود ذكرت الجنان فهاجت غصة من فؤادك إلى حلقك أسفاً على جوار الله عز وجل وحزناً على نعيم الجنة الذي أضعته بنفسك بسبب الذنوب والمعاصي، ففزعت إلى الله بالنداء بأن يردك إلى الدنيا لتعمل صالحاً فمكث عنك دهراً طويلاً لا يجيبك هواناً بك، ثم ناداك بعد ذلك بالخيبة منه أن اخْسَؤُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ [المؤمنون:108] ثم أراد أن يزيدك إياساً وحسرة فأطبق أبواب النار عليك وعلى أعدائه فيها فيا إياسك ويا إياس سكان جهنم حين سمعوا وقع أبوابها تطبق عليهم، فعلموا عند ذلك أن الله عز وجل إنما أطبقها لئلا يخرج منها أحد أبداً، فتقطعت قلوبهم إياساً وانقطع الرجاء منهم أن لا فرج أبداً، ولا مخرج منها، ولا محيص من عذاب الله عز وجل أبداً، خلودٌ فلا موت. وعذابٌ لا زوال له عن أبدانهم، وأحزان لا تنقضي، وسقم لا يبرأ، وقيود لا تحل، وأغلال لا تفك أبداً وعطش لا يروون بعده أبداً، لا يُرحم بكاؤهم، ولا يُجاب دعاؤهم، ولا تقبل توبتهم فهم في عذاب دائم وهوان لا ينقطع، ثم يبعث الله بعد ذلك الملائكة بأطباق من نار ومسامير من نار، وعمد من نار، فتطبق عليهم بتلك الأطباق وتشد بتلك المسامير، وتمد بتلك العمد، فلا يبقى فيها خلل يدخل فيها روح ولا يخرج منه غم، وينساهم الرحمن بعد ذلك نَسُواْ اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ [التوبة:67] فذلك قوله تعالى: إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ (8) فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةٍ [الهمزة:9،8] ينادون الله ويدعونه ليخفف عنهم هذا العذاب فيجيبهم بعد مدة اخْسَؤُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ [المؤمنون:108]
قال الحسن: (هذا هو آخر كلام يتكلم به أهل النار وما بعد ذلك إلا الزفير والشهيق وعواء كعواء الكلاب
…
)، فما أشقى والله هذه الحياة وما أشقى أصحابها - نسأل الله أن لا نكون منهم - وما أعظمها والله من خسارة لا تجبر أبداً، ويا حسرة والله على عقولٍ تسمع بكل هذا العذاب وهذا الشقاء وتؤمن به ثم لا تبالي به ولا تهرب عنه بل تسعى إليه برضاها واختيارها. فلا حول ولا قوة إلا بالله.