الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(كزاد الراكب) يعني ليكفك من الدنيا ما يبلغك إلى الآخرة فالمؤمن يتزود منها والفاجر يستمتع فيها والأصل أن من امتلأ قلبه بالإيمان استغنى عن كثير من مؤن دنياه واحتمل المشاق في تكثير مؤن أخراه، وفيه تنبيه على أن الإنسان مسافر لا قرار له فيحمل ما يبلغه المنزلة بين يديه مرحلة مرحلة ويقتصر عليه وفي بعض الكتب المنزلة ابن آدم خذ من الددنيا ما شئت وخذ من الهم أضعافه. (تنبيه) كان بعض العارفين إذا انقضى فصل الشتاء أو الصيف يتصرف في الثياب الذي يلبسها في ذلك الفصل ولا يدخرها إلى الفصل الآخر وهو مقام عيسوي فإن المسيح عليه السلام لم تكن له ثياب تطوى زيادة على ما عليه من جبة صوف أو قطن وكانت مخدته ذراعيه وقصعته بطنه ووضع لبنة على لبنة من طين تحت رأسه فقال له ابليس قد رغبت يا عيسى في الدنيا بعد ذلك الزهد فرمى بهما واستغفر وتاب، وكان أبو حذيفة يقول: أحب الأيام إلي يوم يأتيني الخادم فيقول: ما في بيتنا اليوم شيء نأكله، هذا تأكيد شديد في الترغيب في الزهد، قال العلائي: والباعث عليه قصر الأمل ولهذا أشار إليه بقوله كزاد الراكب تشبيهاً للإنسان في الدنيا بحال المسافر. أهـ
[*] قيل لمحمد بن واسع: كيف أصبحت؟ قال: ما ظنك برجل يرتحل كل يوم مرحلة إلى الآخرة.
[*] • قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله تعالى في كتابه اللطائف:
خلقنا نتقلب في " ستة " أسفار إلى أن يستقر بالقوم المنزل: السفر الأول: سفر السلالة من الطين السفر الثاني: سفر النطفة من الظهر إلى البطن السفر الثالث: من البطن إلى الدنيا الرابع: من الدنيا إلى القبور الخامس: من القبور إلى العرض السادس: من العرض إلى منزل الإقامة.
فقد قطعنا نصف السفر وما بعد أصعب.
إخواني: السنون مراحل والشهور فراسخ والأيام أميال والأنفاس خطوات والطاعات رؤوس أموال والمعاصي قطاع الطريق والربح الجنة والخسران النار ولهذا الخطب شمر الصالحون كلما رأوا مركب الحياة يتخطف في بحر العمر، شغلهم ما هم فيه عن عجائب البحر فما كان إلا قليل حتى قدموا من السفر فاعتنقتهم الراحة في طريق التلقي فدخلوا بلد الوصل وقد حازوا ربح الدهر.
يا جبان العزم: لو فتحت عين البصيرة فرأيت بإنسان الفكر ما نالوا لصاح لسان التلهف: يا ليتني كنت معهم وأين الأرض من صهوة السماء.
ألا أنت والله منهم ولا تدري من هم.
•
رفض الدنيا:
إخواني، ارفضوا هذه الدنيا كما رفضها الصالحون، وأعدّوا الزاد لنقلة لا بدّ لها أن تكون، واعتبروا بما تدور به عليكم الأيام والسنون.
• يا أخي، إياك والدنيا، فإن حبل الدنيا مبتوت، واقنع منها بالقوت، واعلم أنك تموت.
[*] • أورد الإمام ابن الجوزي رحمه الله تعالى في بحر الدموع عن الحسن البصري أنه قال: أدركت أقواما، وصحبت طوائف، كان يأتي على أحدهم الخمسون سنة ونحوها ما طوى منهم أحد ثوبا قط لفراش ولا نوم، ولم يأمر أهله قد بعمل طعام، ولا جعل بينه وبين الأرض فراشا، ولقد كان يأكل أحدهم الأَكْلَة، فيودّ أنها حجر في بطنه، وما كانوا يفرحون بشيء من الدنيا أقبل ولا يتأسفون على شيء منها أدبر، ولهي أهون عليهم من هذا التراب الذي تطؤونه بأرجلكم، ولقد كان أحدهم يعيش عمره مجهودا شديد الجهد، والمال الحلال إلى جنبه، فيقال له: إلا تأخذ من هذا المال شيئًا لتقتات به؟ فيقول: لا والله، إني لأخاف إن أصبت منه شيئًا يكون فساد لقلبي وديني.
[*] • قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله تعالى في كتابه اللطائف:
رمى " الصديق " ماله حتى ثوبه وقال " عمر ": ليتني كنت تبنة وقال عثمان: ليتني إذا مت لا أبعث.
صاح " علي " بالدنيا: طلقتك ثلاثا لا رجعة لي فيك وقد كانت تكفي واحدة لكنه كيلا يتصور الهوى جواز المراجعة وطبعه الكريم يأنف من المحلل.
وقال: " أبو الدرداء ": ليتني كنت شجرة تعضد.
• ولله درُ من قال:
يا من غدًا في الغيّ والتيه
…
وغرّه طول تماديه
أملى لك الله فبارزته
…
ولم تخف غبّ معاصيه
• ولله درُ من قال:
فلا تأمن لذي الدنيا صلاحاً
…
فإن صلاحها عينُ الفساد
ولا تفرح لمالٍ تقتنيه
…
فإنك فيه معكوس المراد
[*] • أورد الإمام ابن الجوزي رحمه الله تعالى في بحر الدموع عن
الحسن البصري أنه قال: يا ابن آدم، إن لك عاجلًا وعاقبة، فلا تؤثر عاجلتك على عاقبتك، فقد والله، رأيت أقوامًا آثروا عاجلتهم على عاقبتهم، فهلكوا وذلوا وافتضحوا.
يا ابن آدم، بع دنياك بآخرتك تربحهما جميعًا، ولا تبع آخرتك بدنياك فتخسرهما جميعًا.
يا ابن آدم، لا يضرّك ما أصابك منشدة الدنيا إذا ادّخر لك خير الآخرة، وهل ينفعك ما أصبت من رخائها إذا حرمت من خير الآخرة.
يا ابن آدم، الدنيا مطيّة، إن ركبتها حملتك، وإن حملتها قتلتك.
يا ابن آدم: إنك مرتهن بعملك، وآت على أجلك، ومعروض على ربك، فخذ مما في يديك لما بين يديك، وعند الموت يأتيك الخبر.
يا ابن آدم: لا تعلق قلبك بالدنيا فتعلقه بشر متعلق، حسبك أيها المرء ما بلّغك المحل.
• ولله درُ من قال:
أتبني بناء الخالدين وإنما
…
بقاؤك فيها لو عقلت قليل
لقد كان في ظل الأراك مقيل
…
لمن كل يوم يقتفيه رحيل
• لله در أقوامٍ نظروا إلى باطن العاجلة فرفضوها، وإلى ظاهر بهجتها وزينتها فوضعوها، جعلوا الرُكَبَ لجباههم وساداً، والتراب لجنوبهم مهاداً، قوم خالط القرآن لحومهم ودمائهم، فعزلهم عن الأزواج وحركهم بالإدلاج، فوضعوه على أفئدتهم فانفرجت، وضموه إلى صدورهم فانشرحت، وتصدعت هممهم به فكدحت، فجعلوه لظلمتهم سراجاً، ولنومهم مهاداً، ولسبيلهم منهاجاً، ولحجتهم إفلاجاً، يفرح الناس ويحزنون، وينام الناس ويسهرون، ويفطر الناس ويصومون، ويأمن الناس ويخافون. فهم خائفون حذرون، وجلون مشفقون مشمرون، يبادرون من الفوت، ويستعدون للموت، لم يتصغر جسيم ذلك عندهم لعظم ما يخافون من العذاب وخطر ما يوعدون من الثواب، درجوا على شرائع القرآن، وتخلصوا بخالص القربان، واستناروا بنور الرحمن، فما لبثوا أن ينجزهم لهم القرآن موعوده، وأوفى لهم عهودهم، وأحلهم سعوده، وأجارهم وعيده، فنالوا به الرغائب، وعانقوا به الكواعب، وأمنوا به العواطب، وحذروا به العواقب،