الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصدقة في المسجد الحرام وفي غيره من الأماكن لا بأس بها.
ومن المعلوم أن أهل العلم يقولون إن الحسنة تضاعف بالمكان الفاضل.
ولكن الأمر الذي يهم المرء هو هل هؤلاء الفقراء الذين يتظاهرون بالفقر هم فقراء حقيقة؟ هذا هو الذي يشكل على المرء ولكن إذا غلب على ظن الإنسان أن هذا فقير فأعطاه فإنها مقبولة ولو تبين بعد ذلك أنه غني.
وتأمل في الحديث الآتي بعين البصيرة وأمْعِنِ النظر فيه واجعل له من سمعك مسمعا وفي قلبك موقِعاً عسى الله أن ينفعك بما فيه من غرر الفوائد، ودرر الفرائد.
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت الثابت في الصحيحين) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال رجل لأتصدقن بصدقة، فخرج بصدقته، فوضعها في يد سارق، فأصبحوا يتحدثون تُصدِّق على سارق، فقال: اللهم لك الحمد، لأتصدقن بصدقة، فخرج بصدقته فوضعها في يد زانية، فأصبحوا يتحدثون تُصدِّق الليلة على زانية، فقال: اللهم لك الحمد، على زانية؟ لأتصدقن بصدقة، فخرج بصدقته. فوضعها في يدي غني، فأصبحوا يتحدثون تُصدِّق على غني، فقال: اللهم لك الحمد، على سارق، وعلى زانية، وعلى غني، فأُتي فقيل له: أما صدقتك على سارق فلعله أن يستعفَّ عن سرقته، وأما الزانية: فلعلها أن تستعف عن زِناها، وأما الغني: فلعله يعتبرُ، فينفق مما أعطاه الله.
- وعليه فالصدقة على هؤلاء لا بأس بها ولو في المسجد الحرام، إلا إذا علم أن في ذلك مفسدة وأن إعطاءهم يوجب كثرتهم ومضايقتهم للناس في المسجد الحرام فحينئذٍ يتوجه بأن يقال لا يُعطون لما في هذا من السبب الموصل إلى هذا المحظور.
•
الأدوية التي تزهدك في المعاصي:
مسألة: ما هي أنفع الأدوية التي تزهدك في المعاصي إذا عرض لك مرض المعصية وتذكرت لذتها؟
أنفع الأدوية من إذا عرض لك مرض المعصية وتذكرت لذتها هي ما يلي:
(1)
إذا تذكرت لذة المعصية فأدر في تلذذك ذكر مرارة الموت الذي سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم هاذم اللذات وتذكر شدة النزع وتفكر في الموتى الذين حبسوا على أعمالهم ليجازوا بها فليس فيهم من يقدر على محو خطيئة ولا على زيادة حسنة فلا تعث يا مطلق.
[*] • أورد الإمام ابن الجوزي رحمه الله تعالى في كتابه ذم الهوى عن مخلد بن الحسين قال عدت مريضا فقلت له كيف تجدك قال هو الموت قلت وكيف علمت أنه الموت؟ قال أجدني أجتذب اجتذابا وكأن الخناجر مختلفة في جوفي وكأن جوفي تنور محمى يتلهب.
قلت فاعهد.
قال أرى الأمر أعجل من ذلك.
فدعا بدواة وصحيفة فوالله ما أتى بها حتى شخص بصره فمات.
وقال إبراهيم بن يزيد العبدي أتاني رياح القيسي فقال يا أبا إسحاق انطلق بنا إلى أهل الآخرة نحدث بقربهم عهدا فانطلقت معه فأتى إلى المقابر فجلسنا إلى بعض تلك القبور فقال يا أبا إسحاق ما ترى هذا متمنيا لو منى قلت أن يرد والله إلى الدنيا فيستمتع من طاعة الله ويصلح.
قال فها نحن ثم نهض فجد واجتهد فلم يلبث إلا يسيرا حتى مات.
(2)
وصور لنفسك حين اعتراض الهوى عرضك على ربك وتخجيله إياك بمضيض العتاب على فعل ما نهاك عنه.
وتأمل في الحديث الآتي بعين البصيرة وأمْعِنِ النظر فيه واجعل له من سمعك مسمعا وفي قلبك موقِعاً عسى الله أن ينفعك بما فيه من غرر الفوائد، ودرر الفرائد.
(حديث عدي بن حاتم الثابت في الصحيحين) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس منكم من أحدٍ إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدَّم وينظر أشأمَ منه فلا يرى إلا ما قدَّم وينظر بين يديه فلا يرى إلا النارَ تلقاءَ وجهِهِ، فاتقوا النارَ ولو بشقِ تمرة.)
(حديث ابن عمر الثابت في الصحيحين) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله تعالى يدني المؤمن فيضع عليه كنفه ويستره، يقول: أتعرف ذنب كذا؟ أتعرف ذنب كذا؟ فيقول: نعم أي رب حتى إذا قرره بذنوبه و رأى في نفسه أنه قد هلك قال: سترتها عليك في الدنيا و أنا أغفرها لك اليوم; و أما المنافق والكافر فيقول الأشهاد: هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين.
(3)
وتخايل شهادة المكان الذي تعصي فيه عليك يوم القيامة:
(4)
ومثل في نفسك عند بعض زللك كيف يؤمر بك إلى النار التي لا طاقة لمخلوق بها وتصور نفاد اللذة وبقاء العار والعذاب فقد قال الشاعر.
تفنى اللذاذة ممن نال شهوته
…
من الحرام ويبقى الإثم والعار
تبقى عواقب سوء في مغبتها
…
لا خير في لذة من بعدها النار
- ثم اسأل نفسك هل لك طاقة على النار وأنت تعلم أن نار الدنيا جزء من سبعين جزء من نار جهنم، وتأمل في الأحاديث الآتية بعين البصيرة وأمْعِنِ النظر فيها واجعل لها من سمعك مسمعا وفي قلبك موقِعاً عسى الله أن ينفعك بما فيها من غرر الفوائد، ودرر الفرائد.
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ناركم جزء من سبعين جزءا من نار جهنم. قيل: يا رسول الله، إن كانت لكافية، قال: (فضلت عليهن بتسعة وستين جزءا، كلهن مثل حرها.
[*] قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في الفتح:
(ناركم جزء): زاد مسلم في روايته جزء واحد قوله من سبعين جزءا في رواية لأحمد من مائة جزء والجمع بأن المراد المبالغة في الكثرة لا العدد الخاص أو الحكم للزائد، زاد الترمذي من حديث أبي سعيد لكل جزء منها حرها قوله أن كانت لكافية أن هي المخففة من الثقيلة أي أن نار الدنيا كانت مجزئة لتعذيب العصاة قوله فضلت عليهن كذا هنا والمعنى على نيران الدنيا وفي رواية مسلم فضلت عليها أي على النار قال الطيبي ما محصله إنما أعاد صلى الله عليه وسلم حكاية تفضيل نار جهنم على نار الدنيا إشارة إلى المنع من دعوى الأجزاء أي لا بد من الزيادة ليتميز ما يصدر من الخالق من العذاب على ما يصدر من خلقه قوله مثل حرها زاد أحمد وابن حبان من وجه آخر عن أبي هريرة وضربت بالبحر مرتين ولولا ذلك ما انتفع بها أحد ونحوه للحاكم وابن ماجة عن أنس وزادا فإنها لتدعو الله أن لا يعيدها فيها وفي الجامع لابن عيينة عن بن عباس رضي الله عنهما هذه النار ضربت بماء البحر سبع مرات ولولا ذلك ما انتفع بها أحد أهـ.
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يؤتى بجهنم يوم القيامة لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها.
[*] قَالَ النَّوَوِيُّ رحمه الله تعالى: جَهَنَّمُ اسْمٌ لِنَارِ الْآخِرَةِ قَالَ يُونُسُ وَأَكْثَرُ النَّحْوِيِّينَ: هِيَ عَجَمِيَّةٌ لَا تَنْصَرِفُ لِلْعُجْمَةِ وَالتَّعْرِيفِ. وَقَالَ آخَرُونَ: هِيَ عَرَبِيَّةٌ لَمْ تُصْرَفْ بِالتَّأْنِيثِ وَالْعَلَمِيَّةِ وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِبُعْدِ قَعْرِهَا. قَالَ رُؤْبَةُ يُقَالُ بِئْرٌ جِهْنَامٌ أَيْ بَعِيدَةُ الْقَعْرِ. وَقِيلَ مُشْتَقَّةٌ مِنَ الْجُهُومَةِ وَهِيَ الْغِلَظُ، يُقَالُ جَهَنَّمُ الْوَجْهُ أَيْ غَلِيظُهُ فَسُمِّيَتْ جَهَنَّمُ لِغِلَظِ أَمْرِهَا، انْتَهَى.
[*] وقال العلامة المباركفوري في "تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي:
(لَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ زِمَامٍ) بِكَسْرِ الزَّايِ وَهُوَ مَا يُشَدُّ بِهِ. وَقَالَ فِي الْمَجْمَعِ: الزِّمَامُ مَا يُجْعَلُ فِي الجزء السابع أَنْفِ الْبَعِيرِ دَقِيقًا، وَقِيلَ: مَا يُشَدُّ بِهِ رُءُوسُهَا مِنْ حَبْلٍ وَسَيْرٍ، انْتَهَى
(يَجُرُّونَهَا) بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ أَيْ يَسْحَبُونَهَا. قَالَ فِي اللُّمَعَاتِ: لَعَلَّ جَهَنَّمَ يُؤْتَى بِهَا فِي الْمَوْقِفِ لِيَرَاهَا النَّاسُ تَرْهِيبًا لَهُمْ.
[*] • قال وهب بن منبه: إذا سيرت الجبال فسمعت حسيس النار نقيضها وزفيرها وشهيقها صرخت الجبال كما تصرخ النساء ثم يرجع أوائلها على أواخرها يدق بعضها بعضاً 0
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم) قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ سمع وجبة فقال النبي صلى الله عليه وسلم تدرون ما هذا؟ قال قلنا الله ورسوله أعلم، قال هذا حجر ُرِمىَ به في النار منذ سبعين خريفا فهو يهوى في النار الآن حتى انتهى إلى قعرها فسمعتم وَجْبَتَها.
[*] قال الإمام النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم:
(سمع وجبة) هي بفتح الواو وإسكان الجيم وهي السقطة.
(حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن أهون أهل النار عذاباً يوم القيامة لرجل، توضع في أخمص قدميه جمرة، يغلي منها دماغه، ما يرى أن أحداً أشدَّ منه عذاباً وإنه لأهونهم عذابا.
[*] قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في الفتح:
يغلي منه دماغه: ووقع في حديث بن عباس عند مسلم إن أهون أهل النار عذابا أبو طالب له نعلان يغلي منهما دماغه ولأحمد من حديث أبي هريرة مثله لكن لم يسم أبا طالب وللبزار من حديث جابر قيل للنبي صلى الله عليه وسلم هل نفعت أبا طالب قال اخرجته من النار الى ضحضاح منها.
(حديث أبي سعيد في الصحيحين) أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم وذكر عنده عمه، فقال لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة فيجعل في ضحضاح من النار يبلغ كعبيه يغلي منه أم دماغه - يعني أبا طالب -.
(حديث العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أنه قال * يا رسول الله هل نفعت أبا طالب بشيء فإنه كان يحوطك ويغضب لك؟ قال نعم هو في ضحضاح من نار ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار.
[*] قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في الفتح:
ضحضاح: أصله ما رق من الماء علي وجه الأرض واستعير هنا للنار.
(حديث سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ النّارُ إِلَىَ كَعْبَيْهِ. وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ النّارُ إِلَىَ رُكْبَتَيْهِ. وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ النّارُ إِلَىَ حُجْزَتِهِ. وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ النّارُ إِلَىَ تَرْقُوَتِهِ".
[*] قال الإمام النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم:
وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ النّارُ إِلَىَ حُجْزَتِهِ: ومنهم من تأخذه يعني النار إلى حجزته" هي بضم الحاء وإسكان الجيم وهي معقد الإزار والسراويل.
وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ النّارُ إِلَىَ تَرْقُوَتِهِ: وهي بفتح التاء وضم القاف وهي العظم الذي بين ثغرة النحر والعاتق، وفي رواية حقويه بفتح الحاء وكسرها وهما معقد الإزار، والمراد هنا ما يحاذي ذلك الموضع من جنبيه.
وروي عن كعب الأحبار أنه قال: (والذي نفس كعب بيده لو كنت بالمشرق والنار بالمغرب ثم كُشف عنها لخرج دماغك من منخريك من شدة حرها! فيا قوم هل لكم بهذا قرار؟ أم لكم على هذا صبر؟ يا قوم إن طاعة الله أهون عليكم والله من هذا العذاب فأطيعوه) أ. هـ.
طعام أهلها الزقوم وشرابهم الحميم.
[*] • أورد الإمام ابن الجوزي رحمه الله تعالى في كتابه ذم الهوى عن قسامة بن زهير قال خطبنا أبو موسى فقال يا أيها الناس ابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا فإن أهل النار يبكون الدموع حتى تنقطع ثم يبكون الدماء حتى لو أرسلت فيها السفن لجرت.
[*] • وأورد الإمام ابن الجوزي رحمه الله تعالى في كتابه ذم الهوى عن وهب بن منبه أنه قال إذا سيرت الجبال فسمعت حسيس النار وتغيظها وزفيرها وشهيقها صرخت الجبال كما تصرخ النساء ثم ترجع أوائلها على أواخرها يدق بعضها بعضا.
[*] • وأورد الإمام ابن الجوزي رحمه الله تعالى في كتابه ذم الهوى عن مجاهد عن عبيد بن عمر قال إن أهون أهل النار عذابا رجل له نعلان من نار وشرا كان من نار أضراسه جمر ومسامعه جمر أشفار عينيه من لهيب النار تخرج أحشاؤه من قدميه وسائرهم كالحب القليل في الماء الكثير فهي بهم تفور.
[*] • وأورد الإمام ابن الجوزي رحمه الله تعالى في كتابه ذم الهوى أن بشر الحافي قال: ما ظنكم بأقوام وقفوا بين يدي الله تعالى مقدار خمسين ألف سنة لم يأكلوا ولم يشربوا حتى تقطعت أكبادهم من العطش وأجوافهم من الجوع وأعناقهم من التطاول ورجوا الفرج فأمر بهم إلى النار.
(5)
النظرر في العواقب:
من أنفع الأدوية التي تزهدك في المعاصي البصر في العواقب.
[*] • قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله تعالى في كتابه صيد الخاطر:
من عاين بعين بصيرته تناهي الأمور في بداياتها، نال خيرها، و نجا من شرها. و من لم ير العواقب غلب عليه الحسن، فعاد عليه بالألم ما طلب منه السلامة، و بالنصب ما رجا منه الراحة.
بيان هذا في المستقبل، يتبين بذكر الماضي، و هو أنك لا تخلو، أن تكون عصيت الله في عمرك، أو أطعته. فأين لذة معصيتك؟ و أين تعب طاعتك؟ هيهات رحل كل بما فيه! فليت الذنوب إذ تخلت خلت!
وأزيدك في هذا بياناً مثل ساعة الموت، و انظر إلى مرارة الحسرات على التفريط، و لا أقول كيف تغلب حلاوة اللذات، لأن حلاوة اللذات استحالت حنظلا، فبقيت مرارة الأسى بلا مقاوم، أتراك ما علمت أن الأمر بعواقبه؟ فراقب العواقب تسلم، و لا تمل مع هوى الحسن فتندم.
• عباد الله النظر النظر إلى العواقب، فإن اللبيب لها يراقب، أين تعب من صام الهواجر، وأين لذة العاصي الفاجر، رَحِلَتْ اللذة من الأفواه إلى الصحائف، وذهب نَصَبُ الصالحين بجزَعِ الخائف، فكأن لم يتعب من صَابَرَ اللذات وكأن لم يلتذ من نال الشهوات.
• لله در أقوام تلمحوا العواقب، فعملوا عمل مراقب، وجاوزوا الفرائض إلى طلب المناقب، علت هممهم عن الدنايا، وارتفعت وكفت الأكف عن الأذايا.
وتأمل في الحديث الآتي بعين البصيرة وأمْعِنِ النظر فيه واجعل له من سمعك مسمعا وفي قلبك موقِعاً عسى الله أن ينفعك بما فيه من غرر الفوائد، ودرر الفرائد.
(حديث أنس رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة فيصبغ في النار صبغة ثم يقال يا بن آدم هل رأيت خيرا قط هل مر بك نعيم قط فيقول لا والله يا رب ويؤتى بأشد الناس بؤسا في الدنيا من أهل الجنة فيصبغ صبغة في الجنة فيقال له يا بن آدم هل رأيت بؤسا قط هل مر بك شدة قط فيقول لا والله يا رب ما مر بي بؤس قط ولا رأيت شدة قط.
[*] قال الإمام النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم:
(فيصبغ في النار صبغة): الصبغة بفتح الصاد أي يغمس غمسة.
والبؤس: بالهمز هو الشدة والله أعلم.
• أين الذين كانوا في اللذات يتقلبون، ويتجبرون على الخلق ولا يُغْلَبُون، مزجت لهم كؤوس المنايا فباتوا يتجرعون، (مَآ أَغْنَىَ عَنْهُمْ مّا كَانُواْ يُمَتّعُونَ)
- حُمِلَ كلٌ منهم في كفن، إلى بيت البلى والعفن، وما صحبهم غيره من الوطن، من كل ما كانوا يجمعون (مَآ أَغْنَىَ عَنْهُمْ مّا كَانُواْ يُمَتّعُونَ).
- ضمهم والله التراب وَسُدَّ عليهم الباب وتقطعت بهم الأسباب، والأحباب يرجعون (مَآ أَغْنَىَ عَنْهُمْ مّا كَانُواْ يُمَتّعُونَ)
- شُغِلُوا عن الأهل والأولاد، وافتقروا إلى يسير من الزاد، وباتوا من الندم على أخس مهاد، وإنما هذا من حصاد ما كانوا يزرعون (مَآ أَغْنَىَ عَنْهُمْ مّا كَانُواْ يُمَتّعُونَ)
- لو رأيتهم في حلل الندامة، إذا برزوا يوم القيامة، وعليهم للعقاب علامة يساقون بالذل لا بالكرامة، إلى النار فهم يوزعون (مَآ أَغْنَىَ عَنْهُمْ مّا كَانُواْ يُمَتّعُونَ)
(6)
الهمة العالية:
فمن لم تكن له همة أبية لم يكد يتخلص من أي بلية، فإن ذا الهمة يأنف أن يملك رقه شيء وما زال الهوى يذل أهل العز، وتأمل في القصة الآتية:
[*] • أورد الإمام ابن الجوزي رحمه الله تعالى في كتابه ذم الهوى أن أن الرشيد عشق جارية وامتنعت عليه فقال.
أرى ماء وبي عطش شديد
…
ولكن لا سبيل إلى الورود
أما يكفيك أنك تملكيني
…
وأن الناس كلهم عبيدي
وأنك لو قطعت يدي ورجلي
…
لقلت من الرضا أحسنت زيدي
• ومن الأنفة من حب من طبعه الغدر وهذا أجلُّ طباع النساء:
[*] • قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله تعالى في كتابه ذم الهوى:
ومن الأنفة من حب من طبعه الغدر وهذا أجلُّ طباع النساء، وقد قال الحكماء لا تثق بامرأة وقال الشاعر.
إذا غدرت حسناء أوفت بعهدها
…
ومن عهدها أن لا يدوم لها عهد
وقال أبو محمد التميمي:
أفق يا فؤادي من غرامك واستمع
…
مقالة محزون عليك شفيق
علقت فتاة قلبها متعلق
…
بغيرك فاستوثقت غير وثيق
وأصبحت موثوقا وراحت طليقة
…
فكم بين موثوق وبين طليق
- وقال أيضاً: ومما يداوى به الباطن أن يعلم الإنسان أن زوجته المحبوبة إن مات عنها مالت إلى غيره ونسيته أسرع شيء وإن كانت تحبه لأنه لا وفاء للنساء. أهـ
[*] • وقال على بن أبي طالب رضي الله عنه:
دّعْ ذِكْرِهِنَّ فما لهن وفاءُ: ريحُ الصبا وعهودهن وفاء.
(7)
ومن الأدوية التي تزهدك في المعاصي أن يصور الإنسان انقضاء غرضه أو يمثل غيره في مقامه ثم يتلمح عواقب الحال، أفترى يوسف عليه السلام لو زل من كان يكون أو لم يبق مدحه لِصَبْرِهِ أبد الدهر، أفترى ما سمعت بما عز، ولا شك أنه في القيمة معروف وإن كانت التوبة قد غمرت ذنبه، ولكن تلمح أنت عواقب من صبر ومن لم يصبر وأعمل فكرك في الحالتين لعل هذه العبرة تخرق حجاب الهوى فتدخل على القلب بغير إذن فتكشف هذه الغمة، فالعاقل من وزن ما يحتوي عليه العشق من لذة ونغصة فنغصه كثيرة وأذاه شديد وهو على الحقيقة يهين النفس التي لا قيمة لها وغالب لذاته محرم ثم هي مشوبة بالغموم والهموم وخوف الفراق وفضيحة الدنيا وحسرات الآخرة فيعلم الموازن بين الأمرين أن اللذة مغمورة في جنب الأذى قال الببغاء.
• ولله درُ من قال:
وأفضل الناس من لم يرتكب سببا
…
حتى يميز ما تجنى عواقبه
• وقال المتنبي:
مما أضر بأهل العشق أنهم
…
هووا وما عرفوا الدنيا ولا فطنوا
تفنى عيونهم دمعا وأنفسهم
…
في إثر كل قبيح وجهه حسن
تحملوا حملتكم كل ناجية
…
فكل بين علي اليوم مؤتمن
ما في هوادجكم من مهجتي عوض
…
إن مت شوقا ولا فيها لها ثمن
سهرت بعد رحيلي وحشة لكم
…
ثم استمر مريري وارعوى الوسن
(8)
ومن الأدوية التي تزهدك في المعاصي أن يعلم الإنسان علم اليقين أنه لا يكون التمكين إلا بعد أن يُمْتَحَن فيصبر.
[*] • أورد الإمام ابن الجوزي رحمه الله تعالى في كتابه ذم الهوى عن الشافعي قال: لا يكون التمكين إلا بعد المحبة فإذا امتحن الإنسان فصبر مكن ألا ترى أن الله تعالى امتحن إبراهيم ثم مكنه وامتحن أيوب ثم مكن له فقال تعالى: (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مّعَهُمْ رَحْمَةً مّنْ عِندِنَا وَذِكْرَىَ لِلْعَابِدِينَ)[الأنبياء: 84] وامتحن سليمان ثم آتاه ملكا وكذلك يوسف عليه السلام.
[*] • قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله تعالى في كتابه ذم الهوى:
فمن نظر في هذا فليعلم أن مدة هذا البلاء خطوات في ميدان معاملة ويا قرب النهاية فليصابر هجير الصبر فما أسرع انقضاء اليوم وليحذر من الخسران في موسم البلاء فربما ذهب أصل البضاعة وليتخايل عند صبره خيلاء فخره فليزه بها فما يوازن صبره عمل عابد ولا زهد زاهد وربما نظر إليه في تلك الحالة نظرة رضا كانت غنى الأبد وهذا كله في الصدمة الأولى فإنه ربما وقع ملل أو سلو.
(9)
ومن الأدوية التي تزهدك في المعاصي أن يتفكر الإنسان فيما يفوته تشاغله بالمعاصي من الفضائل فإن أرباب اليقظة عشقهم للفضائل من العلوم والفقة والصيانة والكرم وغير ذلك من الخلال الممدوحة أوفى من ميلهم إلى شهوات الحس لأن شهوات الحس حظ النفس وتلك الخلال حظ العقل والنفس الناطقة الفاضلة إلى ما يؤثره العقل أميل وإن جرها الطبع إلى الشهوات الحسيات.
(10)
ومن الأدوية التي تزهدك في المعاصي أنفة النفس الأبية أن تكون مقهورة للمعاصي فإن كل موافق للهوى يقع عليه قترة وذل لأن سلطان الهوى حاكم جائر، وعين الهوى عوراء.
(11)
ومن الأدوية التي تزهدك في المعاصي
…
إعمال الفكر في قبح هذه الحال والإصغاء إلى سماع العظة من واعظ القلب فإنه من لم يكن له من قلبه واعظ لم تنفعه المواعظ ومن الناس من يسمع موعظة فيرعوى ومنهم من يرى غيره فينتهي ومنهم من يرى طاقة شيب فينزع.
وتأمل في الحديث الآتي بعين البصيرة وأمْعِنِ النظر فيه واجعل له من سمعك مسمعا وفي قلبك موقِعاً عسى الله أن ينفعك بما فيه من غرر الفوائد، ودرر الفرائد.
(حديث ابن مسعود رضي الله عنه الثابت في صحيح الترغيب والترهيب) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ضرب الله مثلا صراطا مستقيما وعن جنبتي الصراط سوران فيهما أبواب مفتحة وعلى الأبواب ستور مرخاة وعند رأس الصراط يقول استقيموا على الصراط ولا تعوجوا، وفوق ذلك داع يدعو كلما هم عبد أن يفتح شيئا من تلك الأبواب قال: ويحك لا تفتحه فإنك إن تفتحه تلجه ثم فسره فأخبر أن الصراط هو الإسلام وأن الأبواب المفتحة محارم الله وأن الستور المرخاة حدود الله والداعي على رأس الصراط هو القرآن والداعي من فوقه هو واعظ الله في قلب كل مؤمن.
فهلا استجبت ـ أخي المسلم ـ لواعظ الله في قلبك؟ وهلا حفظت حدود الله ومحارمه؟ وهلا انتصرت على عدو الله وعدوك، قال تعالى: إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدواً إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير [فاطر:6]
[*] قال خالد بن معدان رضي الله عنه قال: ما من من عبد إلا وله عينان في وجهه يبصر بهما أمر الدنيا، وعينان في قلبه يبصر بهما أمر الآخرة، فإذا أراد الله بعبد خيراً، فتح عينيه اللتين في قلبه، فأبصر بهما ما وعد الله بالغيب، وإذا أراد به غير ذلك، تركه على ما فيه ثم قرأ: أم على قلوب أقفالها [محمد:24]